جريدة عُمان، الأربعاء 25 شوال 1446هـ/ 23 أبريل 2025م
في هذا الأسبوع يُفتتح العرسُ الثّقافيّ السّنويّ العمانيّ أي معرض مسقط للكتاب في دورته التّاسعة والعشرين، وهو عرس سنوي منتظر بشوق من محبّي الثّقافة بجميع تشكلاتها، كما أنّه تهاجر إليه الثّقافات والأفكار والعلوم من أقطار عديدة في العالم بجميع تشكلاتها لتجدها قريبة منك في بلدك في فضاء إنسانيّ مفتوح أمام نتاج الإنسان وتقدّم إبداعاته واختراعاته، وتعدّد ثقافته وميولاته.
لقد كتبتُ في السّنوات الماضية كثيرا عن معرض مسقط للكتاب إعجابا ونقدا، فلا أريد هنا تكرار ما كتبت، بيد أنّي مضطر أن أعقّب على البرنامج الثّقافيّ للمعرض، والّذي لم تظهر الصّورة النّهائيّة – حسب تصوري – بَعد، ونحن على بُعد يوم من افتتاحه، عدا تضمينه ضمن بيانات دورة المعرض والّذي انتشر عقب المؤتمر الصّحفيّ لمعرض مسقط للكتاب الأربعاء الماضي، وحتّى الآن لم نرَ البرنامج في صورة تصميميّة جاذبة تليق بمعرض الكتاب، والأصل أن يكون ذلك بشكل مبكر يخلق دعاية ضمنيّة للمعرض، كما أنّه يعطي صورة فخريّة له نباهي بها المعارض الأخرى إذا ما أحسن اختيارات برامجه، وانطلقت من العموميّات إلى الإبداع والإحكام، وهذا لا أجده بصورة ظاهرة في الجدول المنتشر، مقارنة بمعارض قريبة منّا، والّتي تصاحبنا هذه الأيام أيضا.
هناك ثلاث جوانب ممكن أن نحاكم بها جاذبيّة وإحكام البرنامج، وهي الثّيمة وخيط الثّقافة ومدار البرنامج ذاته، بمعنى ليست العبرة بكثرة الفعاليات، وإنّما بمدى حضور الإبداع والإحكام فيها، فهناك فعاليّات رئيسة تكون مدار البرنامج تُسلّط عليها الأضواء بشكل أكبر، فلكل يوم مثلا فعاليّته الرّئيسة، تحوي رموزا ثقافيّة كبيرة لها ثقلها المعرفيّ وليس الإعلاميّ فحسب على المستوى المحليّ أو العربيّ والعالميّ، لتكرم بالتّفاعل من حيث الحضور والصّحافة والتّوثيق، وهناك فعاليات مصاحبة، يجمع هذا ثيمة لها علاقة بالثّقافة، ويدرك المتابع مدى حضور خيط الثّقافة فيها بشكل أعمق.
والبرنامج له مدارات مختلفة لأنّ النّاس بطبيعتهم يعيشون عوالم مختلفة، فهناك مثلا مدار من حيث الفعاليات كندوات وحوارات، ومدار من حيث الفنون كالموسيقى والرّسم والمسرح، وهكذا من حيث الطّفل والمرأة وغيرها، بيد كلّ مدار له فعالياته الرّئيسة من جهة والثّانويّة المصاحبة من إدارة البرنامج أو المؤسّسات الثّقافيّة من جهة أخرى، بيد أنّ تداخل البرنامج بدون إحكام يؤدّي إلى طغيان البرامج المصاحبة على البرامج الرّئيسة، والّتي في الأصل يكون الاهتمام والإنفاق عليها بشكل أكبر، كما يؤدّي إلى عدم ظهور الخيط الثّقافيّ خصوصا فيما يتعلّق بثيمة المعرض ورسالته المخصّصة لكلّ عام.
ما قلته سلفا لا يعني انتقاصا من برنامج العام، أو من الجهة المنظمة له، حيث يبذلون جهدا كبيرا في إعداده وتطويره يشكرون عليه، إلّا أنني كمتابع أقرأ من الخارج، وأزعم أنني لصيق المعرض منذ سنوات خلت لأكثر من عقد، كما أزعم أنني متابع للعديد من المعارض العربيّة من حيث التأمل والحضور، لكن في الوقت نفسه أسعد كثيرا عندما نباهي بمعرض مسقط عربيّا ودوليّا لمّا يصل إلى درجة الإحكام والرّيادة والإبداع، فالمعرض ليس بيعا وشراء فقط، بل هو تظاهرة ثقافيّة، وسوق ثقافيّ مفتوح بكل ما تعنيه الثّقافة وسبلها من معنى، فهو لا يمثل الجهات المنظمة بل يمثل عُمان جميعا، ورغم الكثافة السّكانيّة القليلة في عُمان مقارنة مثلا بمصر أو المغرب أو الجزائر، أو بالسّعوديّة في الخليج؛ بيد أنّه اليوم يعتبر من المعارض العربيّة الّتي تحمل بُعدا ثقافيّا مهمّا، ويشكّل إضافة في المشهد الثّقافيّ بشكل واسع.
الأمر الآخر والّذي أتعجب منه كلّ عام وهو ضيف الشّرف، وعُمان اليوم لها حضورها العربيّ والدّولي – والحمد لله -، كما ندرك ذلك في الخمس السّنوات الأخيرة من النّهضة المتجدّدة من خلال زيارات السّلطان نفسه – حفظه الله -، وعادة يكون ضيف الشّرف دولة ما تهاجر إليك بثقافتها وفنونها وإبداعها، وتعرّفك على كتّابها ومبدعيها وفنانيها، كما أنّ معرض الكتاب يهاجر بشكل غير مباشر إلى تلك الدّولة عن طريق الإعلام والصّحافة والكتابة، فلا معنى أن يكون ضيف الشّرف محافظة عمانيّة، فهذا ممكن تحقّقه عند المعارض المحليّة، أو في مهرجان مسقط أو خريف صلالة؛ لأنه يحمل أبعادا اقتصاديّة واستثماريّة أكثر منه ثقافيّة بمفهومها التّقنيّ الدّقيق.
هذا الأمر يؤدّي إلى مطاطيّة ثيمة المعرض ذاته، وفق فعاليّات عموميّة، قد يفهم منها التّكثير وملأ الجدول أكثر منه الإبداع والإحكام – كما أسلفت -، من خلال العموميات بلا ثيمة ثقافيّة جامعة، تارة في عموميّة الاقتصاد أو الاستثمار أو الأدب أو التّراث مثلا، وهنا أتحدّث عن البرنامج الرّئيسيّ وليس عن البرامج المصاحبة، فقد يعذر الثّانيّ لأنّ رؤيتها وفق المؤسّسة بهويّتها الخاصّة والثّابتة حسب اشتغالاتها ما لا يعذر الأول لأنّه يخلق هويّة معينة للمعرض، وهي هويّة متحرّكة كلّ عام يشعر بها الزّائر بشكل واضح.
ما قلته سلفا يمثل وجهة نظري، وهي في الأصل نظرة محدودة لأنّي أنظر من زاوية محدودة، بينما صاحب الشّأن ينظر من زاوية واسعة وفق الإمكانات المتاحة، كما أنني أقرأ من الخارج بينما هو خبير من الدّاخل والخارج، بيد هذا لا يمنع من التّدافع والنّقد، وهي الحالة الصّحيّة لتقدّم المجتمعات، بدل المبالغة في الإطراء، ولكن أيضا لا نبخس ما يقومون به، فعملهم عظيم وإن كان تكليفا وظيفيّا لا تطوعيّا من حيث الابتداء، إلّا أنّهم يبذلون أوقاتهم لرقيّ المعرض وتقدّمه، وهذا يشكرون عليه، وهو واقع ملموس، ونحن ننتظر بشغف هذا العرس الثّقافيّ، والّذي بلا شكّ له مميزاته هذا العام، كما سيخلق إضافة في المشهد الثّقافيّ محليّا وعربيّا ودوليّا، وهذا ما نرجوه لعمان، فأيّ تقدّم فيها تقدّم للجميع نباهي وفخر به.