مقدّم للمعهد العاليّ في الدّراسات التّطبيقيّة في الإنسانيّات بسبيطلة، جامعة القيروان في الجمهوريّة التّونسيّة، ندوة المدينة، الدّورة الثّالثة، بعنوان: “الإنسان والتّأويل” 7 – 9 أكتوبر 2023م، ونشر، في كتاب الإنسان والتّأويل: الجزء الثّاني.
تقدمة
التّأويل هو المساحة الّتي تشكل التّداخل الإنسانيّ مع المقدّس، وفق الظّرفيّة الزّمكانيّة، وهو محاولة للبعد عن الاغتراب الميتافيزيقيّ إلى الحيّز الإنسانيّ، الّذي ارتبط مفهومه بالعلل والمقاصد قديما، وبالقيم الماهيّة والمضافة في القراءات المعاصرة، فالتّاويل العلليّ قديما، واختراع أصول الفقه في التّعامل مع النّصّ، هو نتيجة طبيعيّة لتضخم الواقع الإسلاميّ جغرافيّا، وتكاثف التّعقل والتّفلسف زمانيّا، أمام نصّ مغلق في ظاهره، متسع في روحه، لهذا كان الإنسان عاملا في حفر النّص علليّا، وإنزاله تأويليّا، ليولد تراث طويل تتشكل به المذاهب الإسلاميّة الفقهيّة التّسعة: الإباضيّة والزّيديّة والحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والجعفريّة والإسماعيليّة والظّاهريّة، هذا التّراث هو حالة إنسانيّة طبيعيّة، جاء ليجيب عن علاقة الإنسان بالإله والكون والطّبيعة والإنسان الآخر، محاولا لأنسنة النّصّ وفق آلة أوجدها ليتوسع في مساحة التّأويل.
واليوم في تشكل الدّولة القطريّة من جهة، وتشكل العالم في وثيقة حقوقيّة إنسانيّة واحدة، مع المفارقة بين حضارة الإنسان ذات النّزعة التّجريبيّة والعلمويّة الواحدة بين البشر، وبين الهويّات الثّقافيّة المتباينة من جهة، والمتداخلة مع الآخر بشكل كبير من جهة ثانيّة، بسبب الاقتصاد أو الإعلام أو السّياحة، أمام آلات لم تتجاوز فقط آلات القرون الأولى، في المنطق واللّسانيّات والأصول، بل تجاوزت عصر الأنوار، وما بعد الحداثة والدّراسات البنيويّة، هذا بذاته وسّع جهة الفردانيّة من جهة، وعمّق النزعة الإنسانيّة من جهة أخرى، ليترتب على هذا مصاديق على مستوى الفرد والدّولة والتّعامل مع الآخر المختلف، لهذا اليوم التّأويل يتشكل في لباس جديد، يحمل من المراجعات أمام نصّ جاء في فترة مغايرة تماما، وبعيدة جدّا، وأما تشكلات روائيّة ولدت نتيجة التّدافع المذهبيّ والسّياسيّ، والتّثاقف مع الأديان والملل الأخرى، نتيجة التّوسع الجغرافيّ، وأمام اجتهادات تراثيّة حملت التّعدّد والتّناقض لطبيعة الإنسان ذاته، وأمام روح النّص وعلاقتها بالماهيّة والقيم المطلقة من جهة، وبين تباين إسقاطاتها التّأويليّة الزّمكانيّة المرتبطة بالإنسان كعقل مؤول، وآلة اخترعها ضبطا لتأويله وإسقاطه.
في هذه الورقة أجد أهم التّساؤلات المتعلّقة بإشكاليّات الإنسان والتّأويل يتمثل في: كيف نساهم في تعميق أنسنة التّأويل، بحيث يغلب الجانب الإنسانيّ بعيدا عن الاستغراق في الماورائيات، يمكن به ربط النّص ابتداء بالماهيّة الإنسانيّة، وكيف يتحقّق بها التّوازن بين الفردانيّة من جهة، والهوّيّة من جهة أخرى، بحيث ننقل عالمنا من صراعات التّأريخ والحاضر [سياسيّا، دينيّا، مذهبيّا، عرقيّا] إلى عالم الرّحمة والأنسنة المتجسدّة للجميع في مصاديق حقّ الحياة، حقّ الأمن، حقّ التّمتع بالحياة [العدل الغذائيّ مثلا]، حقّ الفكر والاختلاف، حقّ الشّراك المدنيّ.
وأهم أهداف الورقة هو خلق مراجعات بين روح النّص الماثلة إلى جوهر الوجود، وماهيّة الإنسان، وبين العديد من المصاديق المعاصرة كالعنف وآيات القتل وأحكام المخالف الدّينيّ والمذهبيّ، وغير الدّينيّ، وقضايا الدّولة المدنيّة والعلمانيّة، والإفراط في أسلمة الأشياء، إمّا نصيّا حرفيّا، أو إضافيّا إلى الإسلام، أو في الاغتراب اللّاهوتيّ.
الماهيّة وأنسنة التّأويل
لا أريد الوقوف كثيرا عند قضيّة المصطلحات، ولكن لاتّضحاح المعنى وفق البعدين اللّاهوتيّ والإنسانيّ فعندنا مدار النّصّ المتعاليّ، الّذي يقابله المخاطب – أي الإنسان – الّذي جاء لأجله هذا النّصّ، إلّا أنّ هذا المخاطب يدور بين ماهيّة شبة جامعة وثابتة، وهويّات متغيرة ومتأثرة بالزّمكانيّة، لطبيعته الإنسانيّة، وعليه سيكون النّصّ إمّا متعلّقا بالماهيّة الثّابتة، أو بالهويّة المتأثرة بالزّمكانيّة، ولهذا سندخل في دائرة التّأويل وارتباطه بالنّزعة الإنسانيّة من جهة، وبالتّأريخيّة من جهة ثانية – كما سنرى في لاحقا-.
الماهيّة عند توما الأكويني (ت 1274م) “تدل على شيء مشترك بين الطّبائع، الّتي توزع بحسب مختلف الموجودات إلى مختلف الأجناس والأنواع، وذلك مثل الإنسانيّة فإنّها ماهيّة الإنسان”[1]، وعند صادق جواد سليمان (ت 2021م) الماهيّة “تُعرّف الإنسان من حيث كينونته الوجوديّة، أي تلك الّتي نشأ من رحمها أصلا، وبقي عليها فطرة، مدى ما عاش، أيّا كانت معرفات هوّيته”[2]، ويمايز بينها وبين الهويّة الّتي هي “تُعرّف المرء من حيث انتماءاته الخارجيّة، أي تلك الّتي بعضها ألحقت به من مجتمعه، والبعض الآخر اتخذها هو لنفسه”[3].
والماهيّة عند صادق جواد أقرب إلى الفطرة المشار إليها في الآية {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الرّوم: 30]، “والفطرة هي الماهيّة الأولى الّتي يولد عليها الإنسان أيّا كان منبت ولادته، فهو يولد على الفطرة بهويّته البشريّة من حيث النّوع في الجنس الحيوانيّ، إلا أنّه لا يتشكل في هوّيّات كسبيّة وانتمائيّة، فهذه تتشكل لاحقا من خلال البيئة أولا، وما يتدرج في كسبه من معارف وقناعات طيلة حياته ثانيا”[4]، والفطرة عبّر عنها بصورة الله في سفر التّكوين من العهد القديم، وعلى هذا بعض الغنوصيين.
وللخروج من ضبابيّة الموضوع ينظر صادق جواد إلى الماهيّة من خلال المبادئ المطلقة والشّاملة للجنس البشريّ، ويراها أربعة: “العدل والكرامة الإنسانيّة والمساواة والشّورى، فهي مرتبطة بالماهيّة، وليست مضافة من الخارج كالقيم، ولا متعلّقة بالوجدان كالأخلاق، وهي الأساس لبناء الدّول، وتنمية الثّقافات، ورقي الحضارات”[5]، وعليها يبني نظريّته التّأويليّة للنّصّ، مثلا “في الميراث للّذكر مثل حظ الأنثيين، حيث كان هذا أمثل صورة للعدالة، لما كلّف به الرّجل من نفقة وغيره، فهذه صورة مثلى أن يجعل النّصيب الأكبر لمن كلّف بالنّفقة وتولي المسؤوليّة، فلمّا اختلف الزّمان والظّرف، وصارت المساواة بينهما، فإذا دخلت المرأة الجامعة لا يُقال لها ادّفعي نصف أجر الرّجل، وكذا إذا اشترت سيارة، فإذا لا توجد مراعاة في هذا فلماذا يكون لها نصيب نصف الرّجل في الميراث؟ فهنا تنظر إلى المسألة من جانب الكلّ لا الأجزاء”[6]، فتحقّقت الأنسنة هنا من خلال ارتباطها بالمبادئ، “لأنّه لا ينظر إليها أنّها أتت من السّماء، وإنّما ينظر إليها لأنّه بها تكون صيانة الإنسان، فهي إنسانيّة عامّة، ولها صحة وثبات مستدام، وأمّا الأحكام فهي معلولة بعللها، أي أصبحت ظرفيّة، وهي موصولة بالمبادئ”[7].
هذا الرّاي يرجع التّاويل إلى محوريّة الإنسان (الماهيّة – الفطرة – المبادئ المطلقة)، وقد يتعارض ظاهريّا مع الأنسنة الّتي تتمثل في الإنسان الكامل خصوصا في انطلاقتها اللّاهوتيّة، فقد “شغلت الفلسفات القديمة في الشّرق والغرب بفكرة الإنسان الكامل … وكان للفكر الإيرانيّ السّبق في هذا المجال منذ القرن الخامس قبل الميلاد، حيث قرّر أنّ الإنسان الأول يؤدّي دورا كونيّا، وتمّ تفسير العالم على أساس التّناظر بين العالم الصّغير والعالم الأكبر؛ أي المبدأ القائل بأنّ العالم إنسان كبير، وأنّ الإنسان عالم صغير”[8]، مع اتّفاق الفريقين على وجود النّزعة الإنسانيّة في الإنسان، “وكلّ إنسان يملك حقيقة الإنسان الكامل في أعماقه، فمنهم من ينالها بالاصطفاء، ومنهم من ينالها بالاستعداد”[9].
ويرجع مرتضى مطهري (ت 1979م) أهم نظريات الإنسان إلى ثلاث نظريّات رئيسة: الأولى “النّظريّة العقليّة كما عند ابن سينا، ويرون العقل هو جوهر الإنسان، فالإنسان الكامل هو الإنسان الحكيم، أي الفيلسوف العاقل من خلال إدراكه لكليّات الوجود، ويدرك هيكل الوجود ليعثر على فهم أجزائه، فتكمل نفسه البشريّة عندما تنعكس صورة هيكل العالم في عقل الإنسان، فيكون عقله مضاهيّا للعالم العينيّ، وهذه الحكمة النّظريّة، وبها يرتفع إلى الحكمة العمليّة أي يهمين على غرائزه وقواه الجسمانيّة”[10]، والثّانية نظريّة العشق أي العرفان والتّصوّف، ورقيّ الإنسان الكامل من خلال العشق أي الله، “ويبدأ البحث عن العشق عموديّا بالصّعود إلى المعشوق، ثمّ تستقر أفقيّا، وترتبط بالرّوح لتصعد إلى الخالق، ليصبح الإنسان الكامل هو الله متحدّا معه”[11]، والثّالثة نظريّة القدرة، أي القوّة، “فالإنسان الكامل هو الإنسان المقتدر، وهذه مدرسة السّفسطائيين، والقوّة عندهم هي الحقّ، فعلى الإنسان الكامل بذل الجهد للحصول على القدرة والقوّة، وهذه ظهرت مؤخرا عند نيتشة بمعنى الإنسان الأعلى، وعند غيره الإنسان الأسمى”[12].
فنظريّة الإنسان الكامل عند الغنوصيين عموما تتجاوز المعنى الظّاهري لكمال الإنسان المتمثل في “أفراد هذا النّوع الإنسانيّ كلّ واحد منهم نسخة للآخر بكماله لا يفقد في أحد منهم ممّا في الآخر شيء إلّا بحسب العارض، كمن تقطع يداه ورجلاه، أو خلق أعمى لما عرض له في بطن أمّه”[13] إلى الجوهر الإنسانيّ المتمثل كما يرى عبد الكريم الجيليّ (ت 826هـ) أنّه “مقابل لجميع الحقائق الوجوديّة بنفسه، فيقابل الحقائق العلويّة بلطافته، ويقابل الحقائق السّفليّة بكثافته”[14]، ليصل إلى درجة أنّ “الحقّ تعالى أوجب على نفسه أن لا ترى أسماؤه ولا صفاته إلّا في الإنسان الكامل”[15]، لهذا كان رؤيتهم التّأويليّة في التّعامل مع النّصّ، مدارها بين الظّاهر والباطن، والحقّ والحقيقية، ومن الجسد رقيّا بالنّفس إلى الرّوح، ومن المتناهي إلى غير المتناهي، فهم أقرب إلى الصّعود بمعنى التّماهي والفناء، بينما الفريق الأول يعود بالإنسان إلى ماهيّته الأولى، وعلى هذا “أعاد العرفان بناء صورة جميلة لله، كلّها إشراق ومحبّة …. لأنّ هذه الصّورة ألغت المسافة اللّامتناهية الّتي صنعها المتكلمون بين الله والبشر”[16] أي الاغتراب اللّاهوتيّ أو الميتافيزيقيّ.
إلّا أنّ النزعة الإنسانيّة لا زالت محل جدل، وهي “ذات تاريخ شديد التّعقيد، ومعان يصعب حصرها، فضلا عن عدد السّياقات الّتي يمكن أن تظهر فيها”[17]، ويظهر الجدل من حيث تلازمها مع علويّة النّصّ اللّاهوتي من جهة – وسيأتي الحديث عنه -، ومن حيث تحديد وجودها ومدارها، فيرى جون سيموندز (ت 1893م) أنّ جوهر النّزعة الإنسانيّة يتمثل “في إدراك جديد لكرامة الإنسان على أنّه كائن عاقل بعيد عن كلّ المحدّدات الثّيولوجيّة، وكذلك أيضا في إدراك أنّ الأدب الكلاسيكيّ وحده هو الّذي استطاع أن يعرض النّفس البشريّة بكامل طاقتها الفكريّة وحرّيّتها الأخلاقيّة، وكان ذلك ردّ فعل ضدّ السّلطويّة الكنسيّة من ناحية، ومحاولة لإيجاد نقطة محوريّة يتوحد حولها كلّ فكر فيه الإنسان، وقام بفعله من خلال العقل الّذي ثاب إلى رشده وأدرك قوّته المسيطرة على العالم”[18]، فهي “تعبّر عن جوهر إنسانيّ ثابت لا يتأثر بالزّمان والمكان والظّروف المحيطة”[19].
في حين يرى آخرون أنّ “الإنسانيّة تماما كالواقعيّة والرّومانسيّة هي إحدى تلك الكلمات الّتي يمتد حقلها الدّلاليّ من المعاني المتخصّصة الّتي يستخدمها المثقفون إلى المعاني الّتي يشوبها الغموض لشدّة عموميّتها”[20]، “وتحمل الإنسانيّة حتّى في أكثر السّياقات الوصفيّة حياديّة دلالات قويّة، بعضها سلبيّ وبعضها إيجابيّ لانتماءات أيدلوجيّة مختلفة، وقد أدّى الغموض والعموميّة اللّذان يحيطان بالكلمة إلى أن تصير لفظة استحسان وازدراء على حدّ سواء”[21].
إلّا أنّه بعد تحرر العقل اللّاهوتيّ ذاته من الاغتراب الكلاميّ بدأت مفردة الإنسان تزاحم التّعامل مع النّصّ ذاته وتأويله، حيث “لم يدرج المتكلّمون في مؤلفاتهم مبحثا خاصّا بالإنسان، يتناول تأصيل موقف نظري يحدّد موقع الإنسان في سلّم المخلوقات، أي منزلة الإنسان وقيمته بالنّسبة إلى غيره، والهدف من وجوده، وحقوقه وكرامته وحرّيّاته”[22]، بقدر ما “يستغرق علم الكلام التّقليديّ في البحث عن الله وصفاته، وكلّ ما يتصل به، في سياق مستقل عن الإنسان، وعندما يذكر الإنسان فإنّ الحديث عنه لا يشير إلى ما يتصل بطبيعة حياته، وحاجته لمعنى هذه الحياة … بل لا يكفّ التّراث الكلاميّ عن تجاهل قيمة الإنسان، ونسيان ذاته وكينونته الوجوديّة”[23].
وارتبطت النّزعة الإنسانيّة في عهد الأنوار في الغرب بالبروتستانتيّة، من خلال تحرير الفرد من هيمنة تأويلات الكهنوت، فكان “لمارتن لوثر والبروتستانتيّة بشكل عام الأثر الواضح فيه [حيث] انتقل فيما بعد إلى عالم السّياسة والمجتمع الأوروبي عبر فلسفة العقد الاجتماعيّ الّتي أكدت أولويّة الفرد في المجتمع، وحماية حقوقه السّياسيّة والاجتماعيّة ضدّ أي هيمنة خارجيّة”[24].
وكان في الابتداء “يُشتبه في أنصار النّزعة الإنسانيّة الأوائل بأنّهم خارجون عن صحيح الدّين، بل وكان يظنّ بهم الكفر، وكان معظمهم مثل رجلي الدّين إيرازموس وبرونو مناهضين لتأثير الكنيسة وتدحلها في الشّأن السّياسيّ، على الرّغم من أنّهم نادرا ما كانوا مناهضين للدّين”[25]، وأمّا اليوم فالبحث عن الإنسان في النّص لم يعد يثير التّوجس، ولكن بقي – خصوصا في الخطّ الإسلاميّ بصورة أكبر – التّوجس من التّعامل مع النّزعة الإنسانيّة في التّعامل مع النّصّ الدّينيّ من حيث التّأويل، كما سنرى في المبحث التّالي.
التّأويل واتّجاهات الأنسنة الثّلاثة
التّأويل لغة من أول أي “تفسير ما يؤول إليه الشّيء، وقد أوّله تأويلا وتأوّله بمعنى”[26]، “وآل الشّيء يئول أولا ومآلا رجع”[27]، وفي الاصطلاح: “نقل ظاهر اللّفظ عن وضعه الأصليّ بدليل لولاه ما ترك ظاهر اللّفظ، أو هو ردّ أحد الاحتمالين إلى ما يطابق الظّاهر”[28]، وعند علماء الأصول: “استقراء قواعد الأحكام الشّرعيّة، واستقراء عللها وحكمها التّشريعيّة من النّصوص الّتي قرّرت المبادئ والأهداف، والعودة بجميع ذلك إلى ما يستفاد منها من كليات عامّة، وأصول كليّة، من عمومها تستنبط وتستمد أحكام القضايا الجزئيّة، ومن أصولها تؤخذ الفروع، وتستخرج المعطيات”[29]، ويطلق على التّفسير أحيانا التّأويل، إلّا أنّ التّفسير “يتناول اللّفظ والتّركيب بالكشف والبيان، بينما التّأويل جمع لما يؤول إليه معنى التّركيب بدلالاته الشّاملة ما طابق منها ظاهر اللّفظ، وما احتمله هذا الظّاهر من دلالات تتسع لها طاقات لفظه من غير عسف ولا تكلّف”[30].
ويعود حاليا مصطلحا التّدبر والتّفسير، وعلاقتهما بالتّأويل، فأعيد طرح سؤال “هل بالإمكان تجاوز التّفسير والتّدبير نحو التّأويل، وعن أيّ تأويل نتحدّث، إذ البحث في هذا الموضوع دمج بين التّفسير والتّأويل، معتبرا أنّه كشف اللّثام عن المعنى التّطابقيّ، وبأفضل الأحوال عن المعنى التّضمنيّ، وإذا ما تجاوزوا هذا المعنى نحو اللّوازم توقفوا، ليفتح مسار آخر من المدارس الّتي بعضها يعيد التّأويل إلى المعنى الأول … وبعضهم يعتبر أنّ التّأويل يشير إلى الحقائق الموضوعيّة للفظ، وهناك من قال: إنّ هذه الحقائق تنتسب إلى عالم يشبه عالم المثل، وله أثره الحقيقيّ، وهكذا أدّى الأمر إلى نشوء مدارس تأويليّة تتحدّث عن الرّمز والمجاز، بل وعن معنى لا يشابه ما يثيره اللّفظ، إلى أن تولّدت فلسفات للتّأويل تفصل بين النّصّ ومعناه، وتحيله إلى عالم مفتوح بالقارئ والانطباع”[31].
والتّأويل عموما لازم حركة النّصّ عند جميع الأديان، ولا يوجد نص مغلق بالكليّة، فجميع النّصوص بما فيها المحكمة صاحبها التّأويل، وفق اتّجاهات المؤول، ووفق الانطلاقات المسبقة، ووفق التّأثيرات الخارجيّة الزّمكانيّة، فعند الأديان جميعا “كلّ يبحث عن رأيه في هذا الكتاب المقدّس، وكلّ واحد فيه ما يبحث عنه”[32].
وفي الإسلام ظهر التّأويل طبيعيّا من الأيام الأولى، كما في رواية: “لا يصلّين أحد العصر إلّا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطّريق، فقال بعضهم: لا نصلّي حتّى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلّي، لم يرد منّا ذلك، فذكر ذلك للنّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم -، ولم يعنّف واحدا منهم”[33]، ثمّ بدأ يتّسع مع مدرسة أهل الرّأي، ومع تمدّد الرّواية الحديثيّة، ومزاحمتها للنّصّ الأول مبكرا، ظهرت اتّجاهات في التّعامل معها، كاتّجاه العرض على القرآن، واتّجاه تقديم العمل، كعمل أهل المدينة عند المالكيّة، وعمل الأشياخ أو الأثر عند الإباضيّة، وعمل العترة عند الزّيديّة، إلّا أنّه بأصول الشّافعيّ أصبحت الغلبة للرّواية (النّصّ الثّاني) من حيث الهيمنة والتّصديق والتّخصيص والتّقييد ونسخ الأحكام، وتمدّد نسخ القرآن بالسّنّة، ولم يعد الاهتمام الكبير بقطعيّة الثّبوت، ويكفي فيها ظنيّة الثّبوت، وتساويا في ظنيّة الدّلالة، لطبيعة النّصّ أيا كان، لأنّه ظنيّ الدّلالة من حيث الابتداء، لهذا كثر التّأويل مع مرور الوقت.
ولم يقتصر التّأويل عند الجانب الفقهيّ العملي، بل لازم الجانب الكلاميّ، والّذي في أصله سياسيّ، ثمّ نتيجة التّداخل مع الثّقافات اللّاهوتيّة الأخرى، والانفتاح جغرافيّا ثمّ معرفيّا على الثّقافات السّريانيّة والأغريقيّة والفارسيّة وغيرها، دخلت العديد من الجدليّات الكلاميّة والفلسفيّة إلى الثّقافة الإسلاميّة والعربيّة، فكثر الجدل الكلامي حول صورة الله، والقضايا الغيبيّة، كما عند الاعتزال وأهل الحديث والأشاعرة، وحول سعة النّصّ لكونه مفتوحا يشير الرّازيّ (ت 604 – 606هـ) إلى سعة التّاويل في هذا: “فأمّا الّذي يعرف بالدّليل أنّه من دينه مثل كونه عالما بالعلم أو لذاته، وأنّه مرئي أو غير مرئي، وأنّه خالق أعمال العباد أم لا، فلم ينقل بالتّواتر القاطع لعذر مجيئه عليه السّلام بأحد القولين دون الثّاني، بل إنّما يعلم صحة أحد القولين وبطلان الثّاني بالاستدلال، فلا جرم لم يكن إنكاره، ولا الإقرار به داخلا في ماهيّة الإيمان، فلا يكون موجبا للكفر، والدّليل عليه أنّه لو كان ذلك جزء ماهيّة الإيمان لكان يجب على الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – أن لا يحكم بإيمان أحد إلا بعد أن يعرف أنّه هل يعرف الحق في تلك المسألة، ولو كان الأمر كذلك لاشتهر قوله في تلك المسألة بين جميع الأمّة، ولنقل ذلك على سبيل التّواتر، فلمّا لم ينقل ذلك دل على أنّه عليه السّلام ما وقف الإيمان عليها، وإذا كان كذلك وجب أن لا تكون معرفتها من الإيمان، ولا إنكارها موجبا للكفر، ولأجل هذه القاعدة لا يكفّر أحد من هذه الأمّة، ولا نكفّر أرباب التّأويل”[34].
ولطبيعة التّأويل أنّه محتاج إلى آلة عقليّة تجمع بين الواقع الخارجيّ وظاهريّة النّصّ والمؤثرات القرائنيّة، لهذا أثرت الآلة الأرسطيّة الأغريقيّة الآلة اللّغويّة والأصوليّة منذ فترة مبكرة، وقبلها الفقهاء الأوائل بعقل أوسع من فقهاء اليوم الّذين ينظرون بحساسيّة مبالغة لما ينتج في الغرب ويتوصل إليه من أدوات معاصرة، فمن “المفارقة أنّ منطق أرسطو المستعار من الغرب اليونانيّ في الماضي، والّذي ما زلنا نتعامل مع منطقه بوصفه مسلّمات نهائيّة؛ نجد أشدّ المدافعين عنه في عالم الإسلام هم أنفسهم أشدّ المناهضين للمنطق والفلسفة والمعارف الغربيّة الحديثة المعاصرة، وكأنّ معطيات العقل الّتي استوردها الآباء من أوروبا أمس يحرّم على الأبناء التّعاطي معها في صيغتها المتطوّرة اليوم بعد أكثر من 2300 عاما على تأليف أرسطو لمنطقه في أثينا”[35].
الانفتاح على الثّقافات الأخرى لم يقتصر عند الجانب الكلامي والفلسفيّ وما يتعلّق بالآلة، فمنذ فترة مبكرة حاول بعضهم البحث عن تأويلات ما جاء في القرآن، وخصوصا ما يتعلّق بالقصص وأشراط السّاعة المبهمة في القرآن، كرواية أبي هريرة (ت 59هـ): “خير يوم طلعت فيه الشّمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أسكن الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم السّاعة، قال: قلت له: أشيء سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم-؟ قال: بل شيء حدّثناه كعب (توفي قبل 35هـ)، وكعب يحدّث عن أهل الكتاب”[36]، وكرواية أبي رافع (توفي قبل 35هـ) عن أبي هريرة: “أنّه لقي كعبا، فجعل يحّدثه، ويسأله، فقال كعب: ما رأيت أحدا لم يقرأ التّوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة”[37]، ، وهذا ما أغضب عمر بن الخطاب (ت 23هـ)، حيث قال لأبي هريرة: “لتتركن الحديث عن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – أو لألحقنك بأرض دوس”[38]، وقال لكعب: “لتتركن الحديث، أو لألحقنك بأرض القردة”[39].
إلّا أنّ التّأثير في الانفتاح على الآخر، وعلى الواقع، وما يلازمه من حركة تأويليّة؛ حالة طبيعيّة سننيّة يصعب كبتها، والتّأثير شمل أوسع من ذلك، كالانفتاح مبكرا على القانون الرّوماني كما في مدونة جونستنيان في الفقه الرّومانيّ، والّذي ترجمه عبد العزيز فهمي، حيث اعتمد في القسطنطينية في 22 نموفمبر عام 533م، أي قبل بعثة النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – بما يقارب سبعين سنة ونيفا، وذلك في عهد الامبراطور الرّوماني جونستنيان (ت 565م)، ومنها سميت باسمه، فتثاقف الفقهاء مبكرا مع القواعد الفقهيّة ابتداء مع أبي طاهر الدّباس (ت في القرن الثّالث الهجريّ) وينسب إليه سبع عشرة قاعدة، ثمّ طوروها، وتشعبت لديهم.
بيد أنّ الحركة التّأويليّة عند الفقهاء المسلمين – بعيدا عن مناهجها ومدارسها الفقهيّة والكلاميّة والفلسفيّة والعرفانيّة – توسعت بشكل كبير، واستحضرت النّصوص الأولى حولها، منذ الخلافات الفقهيّة والكلاميّة الأولى، وحتّى علم المقاصد والمصالح وما بعدها، ممّا أنتجت كمّا كبيرا من الاجتهادات الفقهيّة والكلاميّة المتعدّدة والمتناقضة معا في بعض جوانبها.
ومع بداية المدرسة الإصلاحيّة في العالم الإسلاميّ والّتي انطلقت من مصر حيث “يرجعها بعض المؤرخين إلى وجود الحركات الإصلاحيّة في عهد محمد عليّ باشا (ت 1849م)، وإرساله البعثات العلميّة إلى أوربا، وبعضهم يرجع ذلك إلى حملة نابليون على مصر عام (179-1801م)، ومع فشل الحملة وقصر مدّتها؛ إلا أنّه كان لها الأثر العلميّ والاجتماعيّ في مصر، في حين يرى آخرون أنّ الدراسات البحثيّة الاستشراقيّة كان لها الدّور الأكبر في تحريك المياه الرّاكدة، ووضع لبنة البحث العلميّ الأكاديميّ القائم على المنهج العلميّ الشّكيّ في ذلك، ومع هذا يعتبر القرن العشرون انطلاقة في هذا الطّريق بداية من الإمام محمّد عبده (ت 1905م) وأستاذه جمال الدّين الأفغاني (ت 1879م) في مصر، وحركته الإصلاحيّة التّجديديّة”[40]، في هذه المرحلة أفاق العقل العربيّ والإسلاميّ على عالم تقدّمه كثيرا، معرفيّا وصناعيّا، وما يتعلّق بالإنسان ونهضته، فظهرت جدليّات التّراث وصلاحيّته ومحدوديّته وكيفيّة التّعامل معه، فيرى محمّد عبده “أنّ النّاس تحدث لهم باختلاف الزّمان أمور ووقائع لم ينصّ عليها في هذه الكتب، فهل نوقف سير العالم لأجل كتبهم؟ هذا لا يستطاع”[41].
وهنا ظهرت بعض المراجعات كقضايا السّياسة والخلافة كما في الإسلام وأصول الحكم لعليّ عبد الرّازق (ت 1966م)، أو بعض قضايا الأحكام والمعاملات كمراجعات الكواكبيّ (ت 1902م)، ومحمّد رشيد رضا (ت 1935م)، ولأنّ “النّصوص الشّرعيّة في مجال الحياة العامّة أقل عددا، وأوسع مرونة، وهي نصوص مقاصد أقرب منها إلى نصوص الأشكال، فلا تجد في باب الأمارة ما تجده في الصّلاة من أحكام كثيرة منضبطة، ولا تجد في الاقتصاد ما تجده في الطّهارة أو النّكاح”[42]؛ فكان هناك شيء من السّعة، ومع هذا قوبل هذا الاجتهاد والتّجديد بعنف من التّيارات التّقليديّة في الأزهر وغيرها.
إلّا أنّ المراجعات امتدت رأسيّا إلى مراجعة النّصّ الثّاني – أي الرّواية -، ابتداء من القرآنيين مع السّيد أحمد خان (ت 1898م)، ومن بعده محمّد توفيق صدقي (ت1920م)، ومحمود أبو ريّة (ت 1970م)، كما حاول محمد رشيد رضا التّخفيف من حدّة التّعصب والجمود حول الرّوايات الآحاديّة، فيرى أنّه “لم يسلم المسلمون ممّا جرى لمن قبلهم من الأمم باختلاف التّأويل والرّوايات الآحاديّة وأهواء الرّؤساء والتّعصب للمرشدين، ونرجو أن يعودوا إلى الوفاق بالعود إلى الأصل المجمع عليه وهو الكتاب والسّنة العمليّة المتفق عليها، ويعذر بعضهم بعضا في الرّوايات القوليّة الآحاديّة”[43]، مع أنّ غالب الأخبار كما يقول ابن حيان البستي (ت 354هـ): “وأمّا الأخبار فكلّها أخبار الآحاد؛ لأنّه ليس يوجد عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – خبر من رواية عدلين، روى أحدهما عن عدلين، وكلّ واحد منهما عن عدلين، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله، فلما استحال هذا وبطل ثبت أنّ الأخبار كلّها أخبار آحاد”[44].
وواجهت التّيارات التّقليديّة هذا الفريق تحت مظلّة “لا اجتهاد مع النّصّ”، وإن كان المراد من الابتداء من العبارة من النّصّ “النّصّ القطعيّ في ثبوته ودلالته، ولم يخرج الفكر الحديث والمعاصر عن هذا السّياق، ولكن طرح للنّقاش مقولة: “لا اجتهاد مع النّصّ” الّتي وإن كانت تفيد المعنى المتقدّم؛ فإنّها أيضا تفيد معان أخرى توظف سلبا إزاء كلّ عمل أو فهم اجتهاديّ للنّصّ، خصوصا إذا تعلّق الأمر بالمقتضيات التّنزيليّة للنّصّ على الواقع، فهل النّصّ القاطع في حكمه ودلالته حاجب للاجتهاد ومانع منه، بكلّ أنواعه وأشكاله”[45].
ومع هذا توسعت دائرة المراجعات الاجتهاديّة والتّأويليّة من التّراث إلى النّصّ إلى الآلة، “فالقواعد الأصوليّة الّتي وضعها الفقهاء القدامى، والّتي من جملتها القواعد الخاصّة بالتّعليل والقياس والدّوران، وما إلى ذلك؛ ليست ممّا نصّ عليه الشّرع لا الكتاب ولا السّنّة، إنّها من وضع الأصوليين، إنّها قواعد للتّفكير، قواعد منهجيّة، ولا شيء يمنع من اعتماد قواعد أخرى إذا كان من شأنها أن تحقّق الحكمة من التّشريع في زمن معيّن بطريقة أفضل”[46].
ويرى التّرابيّ (ت 2016م) أنّ “علم الأصول القديم منسوب إلى البيئة الثّقافيّة الّتي نشأ أو تكاملت فيه أبنيته وصياغاته الأخيرة … ولذلك تلبس بمفهومات المنطق الصّوريّ التّقليديّ وبأشكاله ومصطلحاته أدوات للوضوح والاستقامة، ومن ذلك غدا علما نظريّا مجرّدا يصلح للتّأمل، ولكنّه جاء عقيما منبتّا عن الواقع الخصب بالحياة، ولا يكاد يؤهل الماهر فيه لأن يولد فقها أو يمارس اجتهادا”[47].
وبطبيعة في النّصف الثّاني من القرن العشرين، وبداية الألفيّة الجديدة وجدت العديد من القراءات التّأويليّة، ومن المراجعات الاجتهاديّة، فضلا عن المناهج الفلسفيّة والنّقديّة يصعب في ورقة صغيرة كهذه الإشارة إليها، إلّا أنّه يهمني هنا ما يتعلّق بالتّأويل من حيث الأنسنة أو النّزعة الإنسانيّة، والّذي أراه – كما ذكرتُ في كتابي لاهوت الرّحمة[48] – لا يخرج عن ثلاثة اتّجاهات: اتّجاه الأنسنة من حيث المرجعيّة (الحاكميّة)، واتّجاه الأنسنة من حيث النّصوص الإجرائيّة (الظّرفيّة التّأريخيّة)، واتّجاه الأنسنة من حيث التّأويل (العلليّة).
وأمّا اتّجاه الأنسنة من حيث المرجعيّة (الحاكميّة) فهذه “ترى الحاكميّة – إن صح التّعبير – لما توصل إليه الاجتهاد الإنسانيّ، فبه يدار العالم اليوم، ومن هذا الاتّجاه العلمويون الّذين يرون المدار للعلم، وخصوصا العلم التّجريبيّ، وهذا الفريق قد يرى الأديان عبارة عن ثقافات وخصوصيّات هويّاتيّة لا يتصارع معها، ومنهم من دخل في صراع معها، إلا أنّهم يتفقون جميعا أنّ الشّأن العام لإدارة المجتمع الإنسانيّ من جهة، وإدارة الدّولة من جهة ثانية، هو شأن إنسانيّ مطلق تحت مظلّة الاجتهاد البشريّ الظّرفيّ”[49].
فالأنسنة هنا أقرب كما عند شيلر (ت 1805م) إلى المذهب الّذي استخدمه في مؤلفاته، ويرتبط بحكمة بورتاغوراس (ت 411ق.م) بمعنى: “الإنسان هو المقياس لكلّ الأشياء”[50]، والإنسانيّة هي “المعيار الّذي وفقا له يتم تقييم وتفصيل كلّ القيم والقوانين، ويتم اختيارها … حسب إسهاماتها في إنسانيّة المجتمع، أو معاداة الإنسانيّة به، وليس كلّ فرد مقياسا لكلّ الأمور، ولكن ما يقدّمه من تطوّر للإنسانيّة هو من المحتمل أن يصبح معيارا لتقييم الأمور”[51]، “فالإنسان هو مصدر السّلطة، وهو خالق القيم والقوانين، وعلى ذلك فلديه قدرة تغييرها، وتحديد صلاحيّتها، وطريقة تقنينها، وهذا الاعتقاد لا يستطيع الوفاق مع المبدأ الدّينيّ الأرثذوكسيّ الّذي يرى أنّ الله هو مصدر السّلطة الوحيد، وأنّ كلّ فرائض الشّريعة كتبت بيده، وأنّه في استطاعة الحاخامات الأرثذوس فقط تفسيرها، وليس في استطاعة أيّ قانون إنسانيّ مهما وصلت ديمقراطيّته إلغاؤها”[52].
هذه الأنسنة تتجاوز أنسنة اللّغة – بما فيها لغة النّصّ المقدّس-، سواء أنسنت من حيث الوضع الابتدائيّ مع علويّة روحها، أو من خلال التّأويل كما يرى حسن حنفي (ت2021م) “أن تكون اللّغة إنسانيّة لا تعبر إلا عن مقولة إنسانيّة كالنّظر والعمل والظّنّ واليقين والقصد والفعل والزّمان والباعث، فهي كلّها ألفاظ تشير إلى جوانب من السّلوك الإنسانيّ الواقع في الحياة اليوميّة يقابلها كلّ إنسان ويستعملها مهما كانت عقيدته أو مذهبه أو تياره الفكريّ، أمّا ألفاظ القديم والحادث والجوهر والعرض والوجود والماهيّة والجهة والإضافة فكلّها ألفاظ وإن كانت عقليّة عامّة إلا أنّها لا تستعمل لوصف سلوكنا اليومي، وأمّا اللّغة الّتي لا تعبر عن مقولات إنسانيّة مثل الله والجواهر المفارقة والشّيطان والملاك فهي لغة اصطلاحيّة عقائديّة تشير إلى مقولات غير إنسانيّة إلا إذا أولناها وفسّرناها وأعطيناها مدلولات إنسانيّة، فالله يصبح هدف الإنسان وغاياته ورسالته ودعوته في الحياة، والشّيطان يصبح هو المعارض الّذي يمثل الغواية والخطأ والحافز، والملاك يصبح ما يرجوه الإنسان من طمأنينة وخير ورحمة وأمن واستقرار ودعة”[53].
هذا الاتّجاه ليس بالشّريطة لا يمثله لاهوتيون، فيرون مثلا “أنّ القرآن الكريم فيه عقائد غيبيّة، وهذه لا شأن لنا فيها، فكما تريد أن تعتقد فاعتقد، وكم من أناس يظهرون شيئا ويستبطنون شيئا آخر، فالتّوحيد والنّبوّة وصلتها بالسّماء والملائكة مثلا فلا يمكن التّغيير فيها، والنّاس أحرار كيفما يتعاملون معها، وأمّا الشّيء الثّاني في القرآن الكريم الأحكام أي الشّريعة، وهناك مبادئ عامّة، فيبقى شغلنا في المبادئ والأحكام، فالمبادئ أيضا تبقى كما هي؛ لأنّه لا ينظر إليها أنّها أتت من السّماء، وإنّما ينظر إليها لأنّه بها تكون صيانة الإنسان، فهي إنسانيّة عامّة، ولها صحة وثبات مستدام، وأمّا الأحكام فهي معلولة بعللها، أي أصبحت ظرفيّة، وهي موصولة بالمبادئ”[54].
في حين يرى فريق آخر أنّ الأديان والشّرائع أقرب إلى الثّقافات، حيث “ابتدعوا في كلّ الثّقافات ديانات، ومجموعة من الطّقوس والشّرائع والفرائض تمثل كلّها عقائد، وأحيانا تتضمن هذه الدّيانات مبادئ للسّلوك الاجتماعيّ والمطالب الأخلاقيّة”[55].
يُنتقد هذا الاتّجاه أنّ الإنسانيّة “في جذورها فكرة سياسيّة مستمدة من الخطاب الثّوريّ لحقوق الإنسان أكثر منها فلسفيّة، فعندما أعلن روسو في الكتابه العقد الاجتماعيّ … أنّ الإنسان يولد حرّا إلّا أنّه مكبل بالأغلال في كلّ مكان”[56]، وأنّ “هداية النّصّ لا تقتصر على الجانب الفرديّ والعباديّ؛ بل هي بالإضافة إلى ذلك ترسم مسار الانتظام السّياسيّ والحياتيّ العامّ للأمّة، وتحدّد وجهتها في حركة الصّراع ضدّ الظّلم والطّغيان والباطل، وصولا إلى إقامة دولة العدل، وبناء إنسان التّقوى، والتّحرّر المسؤول”[57]، أي بما يخدم الإنسان، ومع هذا الانتقاد يعتبر هذا الاتّجاه سائدا بقوّة في الأوساط الفلسفيّة والإنسانويّة، ويعتبر شائعا في الثّقافة المعرفيّة المعاصرة، بما في ذلك أصحاب الفلسفة الذّاتية والوجوديّة والعلمويّة وغيرهم، ومن هذا الفريق – كما أسلفنا – لاهوتيون.
والاتّجاه الثّاني اتّجاه الأنسنة من حيث النّصوص الإجرائيّة (الظّرفيّة التّأريخيّة)، “فهذا يرى أنّ النّسبة الأكبر في الأديان إمّا قضايا غيبيّة ماورائيّة (إلهيّة ومستقبليّة: أحداث اليوم الآخر مثلا)، أو قصص وأحداث ماضويّة، أو القيم ومصاديقها (الأخلاق)، أو الشّرائع (النّصوص الإجرائيّة)، والنّصوص الإجرائيّة في الأديان قليلة جدّا من حيث نسبة النّصوص الأخرى”[58].
فالتّاريخيّة هنا “أي لا نستطيع الحكم على الأفكار أو الحوادث أو المفاهيم والمعتقدات والأديان ونظم الجماعات إلّا بنسبتها للوسط التّأريخيّ الّذي ظهرت فيه”[59]، ومنهم من يرى أنّ “الفرق بين التّاريخيّة والتّاريخانيّة في أنّ الأولى تربط الظّواهر والحقائق والمعتقدات والنّصوص الدّينيّة بزمن نشأتها التّاريخيّة، بينما ترى الثّانية أنّ هذه الأحداث تتطوّر مع التّاريخ نتيجة ارتباطها بالظّروف التّاريخيّة، والقول بتاريخيّة النّصّ يعني أنّ النّصّ حادث في زمن معين، ومتعلق ببيئة معينة، وأحداث معينة، فهو يعالج أوضاع تلك المرحلة الزّمنيّة من عمر التّاريخ وأحداثه، وهو ليس معنيّا بالأحداث والأوضاع الّتي بعد تلك المرحلة الزّمنيّة”[60].
والفارق بين هذا الاتّجاه والاتّجاه الأول؛ أنّ الاتّجاه الأول أقرب إلى القطيعة، وأنّ الإنسان قادر على خلق القوانين والأحكام وفق مبادئ وقيم الإنسان الكبرى، وأمّا هذا الاتّجاه فيقرأ هذا الجانب المتحرك قراءة تأريخيّة وضعيّة، وهناك من يرى قراءة النّصّ الدّينيّ كليّا قراءة تأريخيّة بوضعه في خانة غير المقدّس، وهناك من يعتني بالمتحرك، فينظر إلى الرّوح الكامنة في النّصّ والّتي ترتبط بالأنسنة، وأمّا الأحكام فهي مصاديق لهذه الرّوح، لهذا كانت الرّوح مطلقة، والمصاديق ظرفيّة نسبيّة تأريخيّة.
والاتّجاه الثّالث اتّجاه الأنسنة من حيث التّأويل (العلليّة)، والعلّة هي “الباعث على الحكم”[61]، “وقد تكون دافعة للحكم، وقد تكون رافعة له”[62]، وترتبط العلّة بالمصلحة، كما ترتبط بالمقاصد وسدّ الذّرائع، وكما أنّ المدار البحث عن العليّة الكامنة والمنضبطة في الحكم؛ أيضا البحث عن الإنسان وما يحفظ دينه ونفسه وعقله وعرضه وماله، إلّا النّزعة هنا علويّة لاهوتيّة، بيد أنّ هذا الفريق لا يعترض على الأنسنة إذا كانت بهذا المقدار، “فالثّقافات العليا القديمة كالإسلام كانت تعرف بصفة واعية شكلا من أشكال النّزعة الإنسانيّة، أي التّركيز على الإنسان وعلى المعرفة، والانفتاح على كلّ ما هو إنسانيّ، فالثّقافة الإسلاميّة تعطي السّيادة لله، إلّا أنّ القرآن يركز كثيرا على الإنسان من أول الخليقة، كما أنّ إنسانيّة النّبيّ على عظيم شأنه لدى الله أمر أساسيّ في الإسلام”[63]، كما “توجد في القرآن مركزيّة إنسانيّة، لكنّها خاضعة للمقاصد والمخطّطات الإلهيّة، وهذا بحدّ ذاته يمثل شكلا من أشكال النّزعة الإنسانيّة، ففي القرآن درجة إنسانيّة أرفع، إنّها مكانة الإنسان في مغامرة الوجود، في غائيّة الخالق، وفي التّاريخ”[64].
هذا الاتّجاه – وإن كان لاهوتيّ النّزعة – إلّا أنّه أدخل الإنسان كمؤثر ومتفاعل في التّعامل مع النّصّ، من حيث التّعليل والمصلحة والإثبات والرّفع والتّقييد والتّخصيص، وأصبحت العليّة شكلا من أشكال التّأريخيّة غير المباشرة، واصبح المدار هو الإنسان بمقاصده الخمس أو السّت، مع آلة أوجدها للتّعامل مع النّصّ المتحرك خصوصا، “ولئن كان صحيحا أنّ كلّ شيء يرجع إلى الله في الخطاب القرآنيّ؛ فإنّ الإنسان يحتلّ فيه أيضا مكانة مركزيّة، فهو المختار من الله، وشغله الشّاغل، وممّا له دلالة خاصّة أن يخاطب الوحي الأول الإنسان: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق …. علّم الإنسان ما لم يعلم}”[65].
لهذا ندرك بهذه الاتّجاهات الثّلاثة حضور النّزعة الإنسانيّة في التّأويل، كان عن طريق القطيعة او الحاكميّة، او عن طريق التّأريخيّة، أو عن طريق العلليّة، وكما سنرى مصاديق ذلك بصورة أكبر في المبحث التّالي.
التّأويل والقراءة التّأريخيّة
القراءة التّأريخيّة من أكثر القراءات الجدليّة اليوم، ومع حظورها علليّا في جانب ما – كما رأينا سابقا – إلّا أنّها محل جدل عند اللّاهوتيين الأرثذوكس أو التّقليديين خصوصا، ومع حضورها معرفيّا في الدّراسات اليهوديّة والمسيحيّة الغربيّة؛ إلا أنّ حضورها لا زال يصاحبه توجس كبير في الدّراسات الإسلاميّة عموما، كدراسات نصر حامد أبو زيد (ت 2010م)، ومحمّد أركون (ت 2010م)، وعبد الكريم سروش، بل حتّى على مستوى الدّراسات المسيحيّة الشّرقيّة خصوصا الأرثذوكسيّة لا زالت ضعيفة جدّا، وتحمل ذات التّوجس، بل والرّفض كثيرا، كذات الدّراسات الإسلاميّة.
هناك من يمايز بين التّأريخيّة والتّاريخانيّة، فالتّاريخيّة “مذهب يقررأنّ القوانين الاجتماعيّة تتصف بالنّسبيّة التّاريخيّة، وأنّ القانون من نتاج العقل الجمعي”[66]، والتّاريخانيّة “تعتبر التّاريخ مبدأ وحيدا لتفسير كلّ الظّواهر المرتبطة بالإنسان بما فيها الدّين، فالتّاريخ يكفي نفسه بنفسه”[67]، “والفرق بين التّاريخيّة والتّاريخانيّة في أنّ الأولى تربط الظّواهر والحقائق والمعتقدات والنّصوص الدّينيّة بزمن نشأتها التّاريخيّة، بينما ترى الثّانية أنّ هذه الأحداث تتطوّر مع التّاريخ نتيجة ارتباطها بالظّروف التّاريخيّة، والقول بتاريخيّة النّص يعني أنّ النّص حادث في زمن معين، ومتعلق ببيئة معينة، وأحداث معينة، فهو يعالج أوضاع تلك المرحلة الزّمنية من عمر التّاريخ وأحداثه، وهو ليس معنيا بالأحداث والأوضاع الّتي بعد تلك المرحلة الزّمنيّة”[68]، “وهنا يمكن أن نتلمّس الحدّ الفاصل بين المنهج التّأريخيّ القائم على الوثيقة والتّحقيق، والمنهج التّاريخانيّ بما هو منهج معرفيّ خاصّ ينفي أي مستوى غير بشريّ في المعرفة، وأنّ اهتمامات المنهج التّأريخانيّ ليست التّاريخ بما هو تاريخ، بل المعرفة الّتي يمكن أن نلحظها في تولداتها ومسيرها التّطوّريّ، ونسبياتها البشريّة البحتة”[69].
بينما لا يمايز آخرون بينهما، فيطلقون التّأريخيّة بمعنى التّأريخانيّة، فكلاهما قد “يراد بها الموقّت والمقيّد بالظّرف التّاريخيّ الّذي تحقّق فيه، فالتّاريخيّ هو المرتهن أو التّابع للظّروف التّاريخيّة الّتي تحقّق فيها وصدر خلالها”[70].
والتّأريخيّة أو التّأريخانيّة هنا إمّا بمعنى النّصّ أو الدّين كليّا أو الأحكام المتحركة، وهي لا تخرج عن اتّجاهات الأنسنة الثّلاثة الّتي تحدّثنا عنها في المبحث السّابق، لهذا باعتبار النّصّ أو الدّين كليّا عند فريق لا يمكن محاكمة النّصّ العلويّ بالتّأريخيّ البشريّ، فالنّصّ “حاكم على الواقع مؤثّر فيه، متفاعل مع مستجدّاته، لا يتأخر عن الواقع أبدا، حيث أنّ الواقع متأخر على النّصّ، فالمتأخر البشريّ والكونيّ لا يجوز أن يحكم على المتقدّم الإلهيّ، أي لا يمكن للواقع أن يكون حاكما على النّصّ، فالنّصّ القرآنيّ موجها من الله تعالى إلى البشريّة، منذ بدء النّزول إلى اليوم وغدا، وإلى أن تقوم السّاعة”[71].
وباعتبار التّأويل ولو على مستوى المتحرك من الأحكام يرفض العديد من التّقليديين هذا الاتّجاه سواء كالنّصّ تماما، “فلا يحتاج المسلمون بحسب رأيهم إلى إجراء منهجيّات نقديّة فيما يسمّى بالنّقد العالي لمعرفة النّصّ القرآنيّ، إذ يعتبرون أن لا إمكانيّة لتعرّض النّصّ الإلهيّ إلى شوائب التّدخل البشريّ في نصّ القرآن الكريم، بينما هذا الأمر قابل للبحث الجدّي في نصوص الأحاديث النّبويّة”[72]، ويرون الاكتفاء بما استقر عليه العمل عقلا ونقدا واجتهادا في القرون الأولى، مع أنّه – كما يرى أركون – أنّ الاجتهاد والآلات السّابقة لم تخرج عن دائرة الإنسان ودخوله مع المقدّس، وإذا كانت “الفلسفة الحديثة تبحث عن تحديد أساس لها كائن محدود هو الإنسان، لكنّها تحطّ في ذات الوقت من قدر أعماله، ومن مقدرته على المعرفة، وادّعائه بأنّه قادر على قول الحقيقة المستقلّة السّيدة، أمّا التّيلوجيا فعلى العكس من ذلك تبحث في تحديد أسّسها عن طريق تركيز الاهتمام على الكائن المطلق اللّامحدود أي الله، ولكنّها لا تعترف دائما بأنّ هذا البحث والتّحديد كان أنجز من قبل الإنسان الّذي يتوسط من وجهة نظر ابسنمولوجيّة حتّى لو احتفظت باهميذتها وضرورتها على مستوى الإيمان”[73].
وأصبح من المدرك “إنّ لكل حكم ظرفا معيّنا، ودورا خاصّا، وبتغيّر الظّرف، وانتهاء الدّور؛ يلغى ذلك الحكم، ومعنى ذلك أنّ الحكم مرتبط بظرف زمانيّ معيّن، ومرتبط بالوضع البشريّ في تلك الأزمان، ومع تطوّر البشر، وانتقالهم إلى مرحلة جديدة؛ يلغى ذلك الحكم”[74]، وهذا ظهر منذ فترة مبكرة ففي اجتهادات عمر بن الخطاب (ت 23هـ) نجد التّأويل الظّرفيّ من حيث العلليّة، فهو مفتوح قابل للتّأويل، وبه يدخل الإنسان في التّعامل مع النّصّ حسب فهوماته من جهة، وحسب الزّمكانيّة من جهة ثانية، كاجتهاده في سهم المؤلفة قلوبهم، واعتزال البلد المبوءة بالدّاء، وقضيّة الطّلاق بالثّلاث وغيرها، ليتشكل لاحقا قاعدة دوران النّصّ مع العلّة وجودا وعدما، ثمّ ارتباط النّصّ بالمصلحة، فأينما تكون المصلحة فثمّ شرع الله.
ورغم أنّ الأصوليين جعلوا للعلّة طرقا تحت دائرة العلّة المنضبطة كالنّصّ والإجماع والاقتران والتّتبع والوصف، إلّا أنّهم توسعوا في الأقيسة والغائيّة والاستحسان والاستقباح والاستصحاب وغيرها، وهي انطلاقة بشريّة في التّعامل مع النّصّ العلويّ أو المقدّس، ولو تحت دائرة النّزعة اللّاهوتيّة، إلّا أنّ الآلة والإنزال ذات مرجعيّة ونزعة إنسانيّة، لهذا مال المتأخرون إلى استخدام الظّرفيّة والسّنة التّدبيريّة، للخروج من جدليّة التّأريخيّة والتّاريخانيّة؛ لأنّهم أدركوا مبكرا أنّه “حينما يتحوّل النّسبيّ إلى مطلق إلى إله من هذا القبيل؛ يصبح سببا في تطويق حركة الإنسان، وتجميد قدراته على التّطوّر والإبداع، وإقعاد الإنسان عن ممارسة دوره الطّبيعيّ المفتوح في المسيرة”[75].
ومن هذه مثلا “الأحاديث … الّتي تدخل في صلب الأمور الطّبيّة والعلاجيّة، وليست من أحاديث الفئات المذكورة في النّوع الأول [أي حكم أصل العمل بالطّب والتّداوي به] لا ينبغي أن تؤخذ حجّة في الطّب والعلاج، بل مرجع ذلك إلى أهل الطّب، فهم أهل الاختصاص في ذلك …. ونقلنا قوله – صلّى الله عليه وسلّم – لأهل النّخيل والزّراعة: أنتم أعلم بأمور دنياكم، فشؤون الطّب الصّرفة هي من هذا، فأهل الطّب هم أهل الحذق والمعرفة بها، وإليهم المرجع في هذا الباب، وقد يتبيّن في شيء من هذا الأحاديث الخطأ من النّاحيّة الطّبيّة الصّرفة، ولكن كما قال القاضي عياض [ت 544هـ]: ليس في ذلك محطّة ولا نقيصة؛ لأنّها أمور اعتياديّة يعرفها من جرّبها، وجعلها همّه، وشغل نفسه بها، ولذا يجوز على النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – فيها ما ذكرنا، يعني الخطأ والصّواب”[76]، ويرى الشّاطبيّ (ت 790هـ) “أنّ الشّريعة الإسلاميّة شريعة أميّة؛ لأنّ الله بعث بها رسولا أميّا إلى قوم أميين كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة/ 2] …. فيلزم أن تكون الشّريعة في معهودهم ومستواهم”[77].
كذلك “الحكم الصّادر عن النّبيّ – صلّى الله عليه وآله وسلّم – بصفته التّشريعيّة، وكوّنه مبلغا لوحي الله [يفيد الإطلاق]، وأمّا الحكم الصّادر عنه – صلّى الله عليه وآله وسلّم – بصفته قائدا للمجتمع، وما يسمّى بالحكم التّدبيري أو الولايتي أو السّلطاني فالأصل أن يكون ظرفيّا وليس دائميّا”[78].
ومن هذا أيضا “آية العهد الجديد: “لا تظنّوا أنّي جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما بل سيفا” [متّى، الإصحاح: 10، آية: 34]، وآية القرآن الكريم: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التّوبة: 5]، فهذه آيات إجرائيّة، والآيات الإجرائيّة ظرفيّة متعلقة بالزّمكانيّة، وليست آيات مطلقة، فهي محكومة بالقيم الّتي دلّت عليها النّصوص ذاتها؛ لأنّ القيم مطلقة، ومرتبطة بالماهيّة الإنسانيّة، وسابقة عن التّشريعات الإجرائيّة، فهذه مثلا تقرأ في سياقات الاعتداء، فهي حالة طبيعيّة في التّعامل البشريّ، وإلا الأصل كما جاء في إنجيل متّى نفسه: “وسمعتم أنّه قيل تحبّ قريبك، وتبغض عدّوك، أمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعدائكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا معاملة الّذين يبغضونكم، وصلّوا لأجل الّذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم” [متّى، الإصحاح: 5، آية: 43 – 44]، وفي القرآن نفسه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61]”[79]، وعلى هذا قس آيات الحدود وغيرها من الأحكام.
وإذا “كان الإصلاح الّذي قام به لوثر في القرن السّادس عشر قد فرض الاعتراف بحقوق العقل في التّفحص الحر، وزعزع بذلك الأستاذيّة العقائديّة الّتي كانت تمارسها الكنيسة الكاثوليكيّة دون أن يخرج عن الإطار الانطلوجيّ الخاصّ بالوحي”[80]، فهذا ممارس بشكل متقدّم في الفقهيّات الإسلاميّة، وتزخر به كتب التّراث، إلّا أنّ الانغلاق اليوم على التّأويلات السّابقة، على المستوى المذهبيّ، أو العلمائيّ الشّخصيّ، حول التّراث إلى نصّ آخر، أحيانا في منزلة أعلى من النصّ الأول العلويّ ذاته، ممّا “جعل المسلمين منذ أكثر من قرن لمّا رأوا الأوروبيين يحتقرون ثقافتهم، ويتهمونها بالجمود واللّاعقلانيّة والتّشبث بالخرافات الزّائفة؛ قاموا بردّة فعل قويّة هدفها تبرئة الإسلام دينا وثقافة من كلّ هذا، فقامت تيارات الإصلاح المتتابعة ضدّ التّصوّف، ومن أجل تنقية الدّين من الشّوائب اللّاعقلانيّة الّتي تعلّقت به”[81].
لهذا ممكن أن نخلص ممّا سبق أنّ الخروج اليوم من أزمة الازدواجيّة بين الواقع والقيم الحضارية الكبرى هو قراءة التّأويل وفق الأنسنة من جهة، والتّأريخيّة من جهة ثانية، حتّى لا نعيش في اغتراب ماورائيّ، يفرز بذاته اغترابا في الآلة، وجمودا في التّفكير، ممّا يتصوّر أن الأزمة في النّصّ العلويّ – خصوصا – الأول ذاته، وهذا لا يتعارض مع النّزعة اللّاهوتيّة، الّتي أقرب إلى قيمة الرّحمة والعدل والمساواة، وأعطت للعقل البشريّ أفقا في التّأويلات الزّمكانيّة، حتّى مع النّصّ ذاته.
مراجع المقالة
- ابن خزيمة: أبو بكر محمّد بن إسحاق، صحيح ابن خزيمة؛ تحقيق: محمّد مصطفى الأعظمي، ط المكتب الإسلاميّ، لبنان – بيروت، سوريّة – دمشق، ط 1400هـ/ 1980م.
- أبو ريّة: محمود، أضواء على السّنة المحمديّة؛ ط دار المعارف، مصر – القاهرة، الطّبعة السّادسة، لا تأريخ.
- أركون: محمّد، تاريخيّة الفكر العربيّ الإسلاميّ؛ ط المركز الإنماء القوميّ، لبنان – بيروت، والمركز الثّقافيّ العربيّ، المغرب – الدّار البيضاء، الطّبعة الثّالثّة، 1998م.
- الأشقر، محمّد سليمان، مدى الاحتجاج بالأحاديث النّبويّة في الشّؤون الطّبيّة والعلاجيّة؛ ط دار النّفائس، الأردن – عمّان، الطّبعة الأولى، 1413هـ/ 1993م.
- الأكويني: توما، الوجود والماهيّة؛ تعريب وتعليق الأب بولس مسعد، طبع دار الصّياد، لا تأريخ.
- بلتاجيّ: محي الدّين، دراسات في التّفسير وأصوله؛ ط دار مكتبة الهلال، لبنان – بيروت، الطّبعة الأولى، 1987م.
- تسهير: أجنس جولد، المذاهب الإسلاميّة في تفسير القرآن؛ ترجمه عن الألمانيّة: علي حسن عبد القادر، ط المركز الأكاديميّ للأبحاث، ط 2013م، لبنان/ بيروت.
- جرادي: شفيق، الوحي ونقد النّصّ الدّينيّ؛ ط دار المعارف الحكميّة، لبنان – بيروت، الطّبعة الأولى، 1438هـ/ 2017م.
- جعيط: هشام، أزمة الثّقافة الإسلاميّة؛ ط دار الطّليعة، لبنان – بيروت، الطّبعة الأولى، 2000م.
- الجيليّ: عبد الكريم، الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر؛ تحقيق: صلاح بن محمّد عويضة، ط الهيئة العامّة لقصور الثّقافة، مصر – القاهرة، ط 2012م.
- الحسن: لبنى عبد العزيز محمّد، اتّجاهات التّفسير العلمي للقرآن الكريم: دراسة تحليليّة نقديّة؛ ط اليقظة، السّودان – الخرطوم، الطّبعة الأولى، 1433هـ/ 2012م.
- حنفيّ: حسن، التّراث والتّجديد: موقفنا من التّراث القديم؛ ط المؤسسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، لبنان/ بيروت، الطّبعة الرّابعة، 1412هـ/ 1992م.
- الحيدريّ: كمال، العقل الفقهيّ بين الإطلاق والتّاريخيّ: نقد قاعدة الاشتراك؛ بقلم حيدر اليعقوبيّ، ط مؤمنون بلا حدود، الإمارات – الشّارقة، الطّبعة الأولى، 2023م.
- الخشن: حسين، مقال دور الزّمان والمكان في الاجتهاد المعاصر؛ منشور في موقع سماحة الشّيخ حسين الخشن.
- ديفير: توني، النّزعة الإنسانيّة؛ ترجمة: عمرو الشّريف، ط المركز القوميّ للتّرجمة، مصر – القاهرة، الطّبعة الأولى، 2018م.
- الذّهبيّ: شمس الدّين محمّد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النّبلاء؛ تحقيق: محبّ الدّين أبو سعيد عمر بن غلامة العمري، ط دار الفكر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، لبنان – بيروت، الطّبعة الأولى، 1417هـ/ 1997م.
- الرّازيّ: أبو عبد الله بن محمّد، التّفسير الكبير أو مفاتيح الغيب؛ نسخة الكترونيّة.
- الرّازيّ: محمّد بن أبي بكر عبد القادر، مختار الصّحاح؛ ط مكتبة لبنان ناشرون، 1995م، لبنان/ بيروت.
- رضا: محمّد رشيد؛ فتاوى الإمام محمّد رشيد رضا، تجميع وتحقيق صلاح الدّين المنجد، ويوسف خوري، الدّار العمريّة، الطّبعة الأولى، 1426هـ/ 2005م.
- الرّفاعيّ: عبد الجبّار، مقدّمة في علم الكلام الجديد؛ ط وزارة الثّقافة والسّياحة والآثار، العراق – بغداد، ط 2021م.
- سالم: إبراهيم بن حسن، قضيّة التّأويل في القرآن الكريم بين الغلاة والمعتدلين؛ ط دار قتيبة للطّباعة والنّشر والتّوزيع، سورية – دمشق، الطّبعة الأولى، 1413هـ/ 1993م.
- سليمان: صادق جواد؛ سلامة الفكر بسلامة منهج التّفكير: المقالات والقراءات والحوارات، ط روافد، لبنان – بيروت، قراء المعرفة، عمان – مسقط، الطّبعة الأولى، 1442هـ/ 1021م.
- السّيابيّ: خلفان بن جميّل، فصول الأصول؛ تحقيق سليم آل ثاني، ط مؤسّسة عمان للصّحافة، عمان – مسقط، الطّبعة الثّانية، 1426هـ/ 2005م.
- شبّار: سعيد، الاجتهاد والتّجديد في الفكر الإسلاميّ المعاصر؛ ط المعهد العالميّ للفكر الإسلاميّ، أمريكا – فيرجينيا، الطّبعة الأولى، 2007م.
- شطارة: عامر ناصر؛ بحث الفردانيّة في الفلسفة الحديثة كيركيجارد أنموذجا؛ نشر في دراسات، العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، مجلد 41، ملحق: 1، 2014م.
- الصّدر: محمّد باقر، نظرة عامّة في العبادات؛ ط دار التّعارف للمطبوعات، لبنان/ بيروت، الطّبعة الرّابعة، 1405هـ/ 1985م.
- عبده: محمّد، الأعمال الكاملة؛ تحقيق: محمّد عمارة، ط دار الشّروق، مصر – القاهرة، الطّبعة الثّانية، 1427هـ/ 2006م.
- العبريّ: بدر، الإنسان والماهية: محاورات في الدّين والفلسفة والشّأن الإنسانيّ مع المفكر صادق جواد سليمان؛ ط روافد، لبنان – بيروت، قراء المعرفة، عمان – مسقط، الطّبعة الأولى، 1442هـ/ 2021م.
- العبريّ: بدر، لاهوت الرّحمة في ضوء الفردانيّة: جدليّة الأنسنة والهويّة والظّرفيّة؛ ط الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء، عُمان – مسقط، ودار الرّافدين، العراق – بغداد، الطّبعة الأولى، 2023م.
- العبريّ: بدر، مقالة التّواصل الجزائريّ العمانيّ من خلال الحركة الإصلاحيّة البيوضيّة؛ نشر مجلّة الحياة، الجزائر – غرداية، عدد (24) رمضان 1440هـ/ جوان 2019م.
- مطهري: مرتضى، أنسنة الحياة في الإسلام؛ ط دار الإرشاد، لبنان – بيروت، الطّبعة الثّانية، 1441هـ/ 2020م.
- المقري الفيوميّ: أحمد بن محمّد بن عليّ، المصباح المنير في غريب الشّرح الكبير للرّافعيّ؛ ط دار القلم، لبنان – بيروت، لا تأريخ.
- ملكين: يعقوب، علمنة اليهوديّة؛ ترجمة أحمد كامل راوي، ط رؤية، مصر – القاهرة، الطّبعة الأولى، 2016م.
- النّعيميّ: محمّد سالم؛ القراءة الحداثيّة للنّص القرآنيّ وأثرها في قضايا العقيدة؛ ط مصر العربيّة للنّشر والتّوزيع، مصر- القاهرة، الطّبعة الأولى، 2015م.
[1] الأكويني: توما، الوجود والماهيّة؛ تعريب وتعليق الأب بولس مسعد، طبع دار الصّياد، لا تأريخ، ص: 35.
[2] سليمان: صادق جواد؛ سلامة الفكر بسلامة منهج التّفكير: المقالات والقراءات والحوارات، ط روافد، لبنان – بيروت، قراء المعرفة، عمان – مسقط، الطّبعة الأولى، 1442هـ/ 1021م، ص: 206.
[3] نفسه، ص: 206.
[4] العبريّ: بدر، لاهوت الرّحمة في ضوء الفردانيّة: جدليّة الأنسنة والهويّة والظّرفيّة؛ ط الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء، عُمان – مسقط، ودار الرّافدين، العراق – بغداد، الطّبعة الأولى، 2023م، ص: 66.
[5] العبريّ: بدر، الإنسان والماهية: محاورات في الدّين والفلسفة والشّأن الإنسانيّ مع المفكر صادق جواد سليمان؛ ط روافد، لبنان – بيروت، قراء المعرفة، عمان – مسقط، الطّبعة الأولى، 1442هـ/ 2021م، ص: 34.
[6] نفسه، ص: 134.
[8] الجيليّ: عبد الكريم، الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر؛ تحقيق: صلاح بن محمّد عويضة، ط الهيئة العامّة لقصور الثّقافة، مصر – القاهرة، ط 2012م، من كلام المحقّق، ص: (ز).
[9] نفسه، ص: (ح).
[10] مطهري: مرتضى، أنسنة الحياة في الإسلام؛ ط دار الإرشاد، لبنان – بيروت، الطّبعة الثّانية، 1441هـ/ 2020م، ص: 120 – 121. بتصرّف.
[11] نفسه، ص: 122 – 123. بتصرّف.
[12] نفسه، ص: 123 – 124. بتصرّف.
[13] الجيليّ: عبد الكريم، الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر؛ سابق، ص: 207.
[14] نفسه، ص: 211.
[15] نفسه، ص: 213.
[16] الرّفاعيّ: عبد الجبّار، مقدّمة في علم الكلام الجديد؛ ط وزارة الثّقافة والسّياحة والآثار، العراق – بغداد، ط 2021م، ص: 130 – 131.
[17] ديفير: توني، النّزعة الإنسانيّة؛ ترجمة: عمرو الشّريف، ط المركز القوميّ للتّرجمة، مصر – القاهرة، الطّبعة الأولى، 2018م، ص: 26.
[18] نفسه، ص: 49.
[19] نفسه، ص: 52.
[20] نفسه، ص: 27.
[22] الرّفاعيّ: عبد الجبّار، مقدّمة في علم الكلام الجديد؛ سابق، ص: 69.
[23] نفسه، ص: 72.
[24] شطارة: عامر ناصر؛ بحث الفردانيّة في الفلسفة الحديثة كيركيجارد أنموذجا؛ نشر في دراسات، العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، مجلد 41، ملحق: 1، 2014م، ص: 518.
[25] ديفير: توني، النّزعة الإنسانيّة؛ سابق، ص: 165.
[26] الرّازيّ: محمّد بن أبي بكر عبد القادر، مختار الصّحاح؛ ط مكتبة لبنان ناشرون، 1995م، لبنان/ بيروت، ص: 21.
[27] المقري الفيوميّ: أحمد بن محمّد بن عليّ، المصباح المنير في غريب الشّرح الكبير للرّافعيّ؛ ط دار القلم، لبنان – بيروت، لا تأريخ، ص: 40.
[28] بلتاجيّ: محي الدّين، دراسات في التّفسير وأصوله؛ ط دار مكتبة الهلال، لبنان – بيروت، الطّبعة الأولى، 1987م، ص: 8.
[29] سالم: إبراهيم بن حسن، قضيّة التّأويل في القرآن الكريم بين الغلاة والمعتدلين؛ ط دار قتيبة للطّباعة والنّشر والتّوزيع، سورية – دمشق، الطّبعة الأولى، 1413هـ/ 1993م، ج:1، ص: 45.
[30] بلتاجيّ: محي الدّين؛ دراسات في التّفسير وأصوله؛ سابق، ص: 8.
[31] جرادي: شفيق، الوحي ونقد النّصّ الدّينيّ؛ ط دار المعارف الحكميّة، لبنان – بيروت، الطّبعة الأولى، 1438هـ/ 2017م، ص: 30.
[32] تسهير: أجنس جولد، المذاهب الإسلاميّة في تفسير القرآن؛ ترجمه عن الألمانيّة: علي حسن عبد القادر، ط المركز الأكاديميّ للأبحاث، ط 2013م، لبنان/ بيروت، ص: 9.
[33] البخاريّ، حديث رقم: 6216.
[34] الرّازيّ: أبو عبد الله بن محمّد، التّفسير الكبير أو مفاتيح الغيب؛ نسخة الكترونيّة، سورة البقرة، آية: (6).
[35] الرّفاعيّ: عبد الجبّار، مقدّمة في علم الكلام الجديد؛ سابق، ص: 63.
[36] ابن خزيمة: أبو بكر محمّد بن إسحاق، صحيح ابن خزيمة؛ تحقيق: محمّد مصطفى الأعظمي، ط المكتب الإسلاميّ، لبنان – بيروت، سوريّة – دمشق، ط 1400هـ/ 1980م، ج: 3، ص: 116.
[37] الذّهبيّ: شمس الدّين محمّد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النّبلاء؛ تحقيق: محبّ الدّين أبو سعيد عمر بن غلامة العمري، ط دار الفكر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، لبنان – بيروت، الطّبعة الأولى، 1417هـ/ 1997م، ج: 4، ص: 188.
[38] نفسه، ج: 4، ص: 188.
[39] نفسه، ج: 4، ص: 188.
[40] العبريّ: بدر، مقالة التّواصل الجزائريّ العمانيّ من خلال الحركة الإصلاحيّة البيوضيّة؛ نشر مجلّة الحياة، الجزائر – غرداية، عدد (24) رمضان 1440هـ/ جوان 2019م، ص: 117.
[41] عبده: محمّد، الأعمال الكاملة؛ تحقيق: محمّد عمارة، ط دار الشّروق، مصر – القاهرة، الطّبعة الثّانية، 1427هـ/ 2006م، ج: 3، ص: 212.
[42] شبّار: سعيد، الاجتهاد والتّجديد في الفكر الإسلاميّ المعاصر؛ ط المعهد العالميّ للفكر الإسلاميّ، أمريكا – فيرجينيا، الطّبعة الأولى، 2007م، ص: 81.
[43] رضا: محمّد رشيد؛ فتاوى الإمام محمّد رشيد رضا، تجميع وتحقيق صلاح الدّين المنجد، ويوسف خوري، الدّار العمريّة، الطّبعة الأولى، 1426هـ/ 2005م، ج1، 112.
[44] أبو ريّة: محمود، أضواء على السّنة المحمديّة؛ ط دار المعارف، مصر – القاهرة، الطّبعة السّادسة، لا تأريخ، ص 252 – 253.
[45] شبّار: سعيد، الاجتهاد والتّجديد في الفكر الإسلاميّ المعاصر؛ سابق، ص: 62.
[46] نفسه، ص: 83.
[47] نفسه، ص: 82.
[48] يُنظر: لاهوت الرّحمة في ضوء الفردانيّة: جدليّة الأنسنة والهويّة والظّرفيّة؛ سابق، ص: 45 – 50.
[49] نفسه، ص: 45.
[50] النّعيميّ: محمّد سالم؛ القراءة الحداثيّة للنّص القرآنيّ وأثرها في قضايا العقيدة؛ ط مصر العربيّة للنّشر والتّوزيع، مصر- القاهرة، الطّبعة الأولى، 2015م، ص: 121.
[51] ملكين: يعقوب، علمنة اليهوديّة؛ ترجمة أحمد كامل راوي، ط رؤية، مصر – القاهرة، الطّبعة الأولى، 2016م، ص: 23 – 29.
[52] نفسه، ص: 24.
[53] حنفيّ: حسن، التّراث والتّجديد: موقفنا من التّراث القديم؛ ط المؤسسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، لبنان/ بيروت، الطّبعة الرّابعة، 1412هـ/ 1992م، ص: 122.
[54] العبريّ: بدر، الإنسان والماهية؛ سابق، ص: 134.
[55] ملكين: يعقوب، علمنة اليهوديّة؛ سابق، ص: 33.
[56] ديفير: توني، النّزعة الإنسانيّة؛ سابق، ص: 52.
[57] جرادي: شفيق، الوحي ونقد النّصّ الدّينيّ؛ سابق، ص: 29.
[58] العبريّ: بدر، لاهوت الرّحمة؛ سابق، ص: 46.
[59] جرادي: شفيق، الوحي ونقد النّصّ الدّينيّ؛ سابق، ص: 53.
[60] النّعيميّ: محمّد سالم، القراءة الحداثيّة للنّص القرآنيّ؛ سابق، ص: 109.
[61] السّيابيّ: خلفان بن جميّل، فصول الأصول؛ تحقيق سليم آل ثاني، ط مؤسّسة عمان للصّحافة، عمان – مسقط، الطّبعة الثّانية، 1426هـ/ 2005م، ص: 452.
[62] نفسه، ص: 452.
[63] جعيط: هشام، أزمة الثّقافة الإسلاميّة؛ ط دار الطّليعة، لبنان – بيروت، الطّبعة الأولى، 2000م، ص: 47 – 48.
[64] نفسه، ص: 50.
[65] نفسه، ص: 49.
[66] النّعيميّ: محمّد سالم، القراءة الحداثيّة للنّص القرآنيّ، سابق، ص: 108.
[67] نفسه، ص: 109.
[68] نفسه، ص: 109.
[69] جرادي: شفيق، الوحي ونقد النّصّ الدّينيّ؛ سابق، ص: 65.
[70] الحيدريّ: كمال، العقل الفقهيّ بين الإطلاق والتّاريخيّ: نقد قاعدة الاشتراك؛ بقلم حيدر اليعقوبيّ، ط مؤمنون بلا حدود، الإمارات – الشّارقة، الطّبعة الأولى، 2023م، ص: 112.
[71] النّعيميّ: محمّد سالم، القراءة الحداثيّة للنّص القرآنيّ، سابق، ص: 121.
[72] جرادي: شفيق، الوحي ونقد النّصّ الدّينيّ؛ سابق، ص: 76.
[73] أركون: محمّد، تاريخيّة الفكر العربيّ الإسلاميّ؛ ط المركز الإنماء القوميّ، لبنان – بيروت، والمركز الثّقافيّ العربيّ، المغرب – الدّار البيضاء، الطّبعة الثّالثّة، 1998م، ص: 39.
[74] الحيدريّ: كمال، العقل الفقهيّ بين الإطلاق والتّاريخيّ؛ سابق، ص: 128.
[75] الصّدر: محمّد باقر، نظرة عامّة في العبادات؛ ط دار التّعارف للمطبوعات، لبنان/ بيروت، الطّبعة الرّابعة، 1405هـ/ 1985م، ص: 23.
[76] الأشقر، محمّد سليمان، مدى الاحتجاج بالأحاديث النّبويّة في الشّؤون الطّبيّة والعلاجيّة؛ ط دار النّفائس، الأردن – عمّان، الطّبعة الأولى، 1413هـ/ 1993م، ص 89 – 90.
[77] الحسن: لبنى عبد العزيز محمّد، اتّجاهات التّفسير العلمي للقرآن الكريم: دراسة تحليليّة نقديّة؛ ط اليقظة، السّودان – الخرطوم، الطّبعة الأولى، 1433هـ/ 2012م، ص: 55.
[78] الخشن: حسين، مقال دور الزّمان والمكان في الاجتهاد المعاصر؛ منشور في موقع سماحة الشّيخ حسين الخشن.
[79] العبريّ: بدر، لاهوت الرّحمة؛ سابق، ص: 151 – 152.
[80] أركون: محمّد، تاريخيّة الفكر العربيّ الإسلاميّ؛ سابق، ص: 12.
[81] جعيط: هشام، أزمة الثّقافة الإسلاميّة؛ سابق، ص: 42.