الحوارات

ندوة مكانة المفكرين الخليجيين بين المفكرين العرب:  من الأطروحات الى التنظير

تنظيم: مختبر (التنمية الثقافية) التابع لمركز الخليج للأبحاث بجدة بالمملكة العربية السعودية

تاريخ الندوة: 31 أكتوبر 2023م.  

المشاركون في الندوة:           

الدكتور سعد السريحي من السعودية.   

الأستاذ بدر العبري  من عمان.                 

أهم ما طرح ودار في هذه الندوة

الدّكتورة شرف المزعل:  شملت الندوة أربعة محاور، جاءت بالتسلسل التالي:

المحور الأول: أسباب ضعف الإنتاج الفكري الخليجي قياسا للمنجز الفكري العربي.

المحور الثاني: مدى مساهمة المفكرين الخليجيين في أطروحات الفكر العربي.

المحور الثالث: مبررات انقطاع المفكرين الخليجيين عن مراكمة الإنتاج الفكري خلافا لأقرانهم المفكرين العرب.

المحور الرابع: التحديات التي يواجهها المفكرون الخليجيون لتعزيز مكانتهم الفكرية على الصعيد العربي.

بعد ترحيب د. زيد الفضيل، رئيس المختبر الثقافي الخليجي في مركز الخليج للأبحاث، بمشرف الندوة؛ الدكتورة شرف المزعل، وبحضور كل من الدكتور سعد السريحي والأستاذ بدر العبري، قدمت د. شرف المزعل الأعضاء، واستهلت اللقاء قائلة: إن عقولنا هي أدوات لإنتاج أفكارنا، وإن مجمل الرؤى للأفكار والتصورات في تواصلها مع الممارسة العملية تصنع واقعنا، ومن ملاحظاتنا الميدانية تنبثق المبادئ والنظريات التي تفسر الواقع، ويتم صياغة الفرضيات، وتُبتكر الحلول من أجل تغيير واقعنا الى الأفضل. ورغم أن وطننا العربي يزخر بالعديد من المفكرين اللامعين، من أمثال محمد اركون ومحمد عابد الجابري ومحمد شحرور وجورج طرابيشي والسواح والعروي وفالح عبد الجبار وغيرهم من المفكرين، إلا أننا نلحظ شبه غياب للمفكرين الخليجيين الذين نتوقع منهم أن يطرحوا نظريات وأفكار ورؤى، تلامس الواقع الخليجي، وتعكس تعقيدات الوجود الإنساني.

ومن هنا تظهر الحاجة إلى سبر أغوار العقلية الخليجية المفكرة، من خلال هذه الندوة، مع الاعتراف بوجود محاولات خجولة لمثقفين وأكاديميين يبرق وجودهم في لحظات ثقافية خاطفة، ثم يغيبون عن الأنظار.

المحور الأول: أسباب ضعف الإنتاج الفكري الخليجي قياسا للمنجز الفكري العربي

جاءت مداخلة د. سعد السريحي كما يلي: بعد شكره للمركز وللقائمين على الندوة  علّق د. السريحي على عنوان الندوة كونها شكلت حالة عزل للمفكر الخليجي عن إطار المفكر العربي، وأشار الى القطيعة الجغرافية والسياسية أيضا بين المثقفين العرب، ومن بينهم الخليجي كما ورد في عنوان الندوة؛ ذلك لأن الإرث الثقافي عابر للقارات، وأردف قائلا: أود الإشارة إلى العلاقة الشائكة بين المثقف والمؤسسات التي تشكل مرجعية والحاضنة له، كما أننا لا يمكن أن نتحدث عن مثقف عراقي فرد يناظر فردا آخر مغربيا مثلا؛ وإنما تقوم المقايسة المرجعية على المؤسسات الثقافية الحاضنة لهؤلاء الافراد، فالمثقف لا ينفصل عن المؤسسة الثقافية الحاضنة له؛ ونعني بالمؤسسة الثقافية هنا القيمة الاعتبارية للمؤسسات من كل ما يحيط بالمثقف، فهو مشمول بواقع متجذر؛ وليس بمعنى انتساب المثقف كعضو في مؤسسة ثقافية، لذا فإنني اتبني عنوانا آخر للندوة، مثل:  (لماذا ليس للمثقف الخليجي نفس الأثر والصوت الذي للمثقف العربي؟). كما إني أجد للجهاز الإعلامي الدور الكبير في إبراز منجزات المثقف، وكذلك تتحمل المسؤولية دور الطباعة والنشر والتوزيع، التي لها الأثر البالغ في اتساع رقعة المنجز للمثقف الخليجي، ونضرب مثلا على ذلك مصر التي تمثل المرآة العاكسة للمثقف؛ حيث أنه ما أن يصل المثقف إلى مصر حتى وصل لكل أنحاء العالم العربي، ونموذج آخر من الخليج لنا أن نلاحظ كيف أن مجلة (العربي) الكويتية حملت صوت المثقف الخليجي إلى أقطار العالم العربي، وكذلك مجلة (نزوى) لسيف الرحبي، والتي قدمت الشاعر العماني للعالم العربي، وكما هي تجربة مجلة (علامات) التي حملت المثقف المغربي من المغرب حتى عُمان، فنحن إذن أمام تجارب استطاعت كسر دوائر الحصار عن المثقف العربي.

الأستاذ بدر العبري:

استهل مداخلته بالسؤال؛ ما هو تعريف المفكر؟ يقول: هل هو بالمعني التخصصي الدقيق؟ أم بالمعنى الشمولي كما يُستخدم في أغلب الأحيان؟ أم أنه تعريف لمفهوم المثقف كما طرحه سعادة الدكتور السريحي؟ وبالنسبة للفكر الخليجي، علينا أن نراعي أن باكورة  حضور الفكر في الخليج بدأ في الخمسينات والستينات وهذه فترة حديثة لتشكل الفكر، ومثلت البحرين الريادة في بلورة الفكر الخليجي، وتبرز مجلة (صوت البحرين) التي كانت تصدر في الخمسينات كصوت للمفكر الخليجي والعربي، حيث اتسمت البحرين بمساحة من الحرية، وكذلك بالنسبة للمهاجرين العمانيين لشرق أفريقية، حيث كونوا لأنفسهم مجتمعا عربيا متصلا بالحراك الثقافي في مصر، وكان لهم حضورهم مع بدايات الفكر العربي خصوصا في مصر، ودعم بعض سلاطينهم بعض المجلّات في بعض أعدادها دعما ماديا وتواصلا مثل مجلة (المنار) ومجلة (المحروسة) وكذلك مجلة (الهلال)، كما برز علي المزروعي كمفكر يساري مؤثر من أصول عمانيّة، وكانت هناك أيضا هجرة للمفكرين الخليجيين لكل من العراق ومصر، وأيضا هجرة عكسية من مفكرين عرب لدول الخليج العربي، وهؤلاء ساهموا في إثراء الساحة الثقافية في الخليج. وفي الحديث عن انحسار المنجز الخليجي، حيث بدأ لاحقا بروز الجانب الديني على الفكر الفلسفي والنقدي، خصوصا عندما استخدم لمواجهة المد اليساري، وقد انعكس ذلك على البعد الثقافي والسياسي والاجتماعي أيضا، كما أن تضييق حرية النقد والحس الفلسفي ترك أثرا كبيرا على انحسار المنجز، وهذا الأمر لا يزال مستمرا حتى الان في بعض جوانبه.

المحور الثاني: مدى مساهمة المفكرين الخليجيين في أطروحات الفكر العربي

د. سعد السريحي:

في مواجهة الواقع تقريبا، لا نكاد نجد مفكرا خليجيا، واتفق مع الأستاذ العبري في الأسباب التي طرحها؛ حيث أن ضيق هامش الحريات وسيطرة الفكر الأيديولوجي المتشدد الذي عمل على مصادرة الفكر من ناحية، بل ومحاربته وتشويهه من ناحية أخرى، قد دفع المفكرين الخليجيين إلى التواري تفاديا للتصادم مع التيار الديني الصارم، ويمكننا استثناء الأدباء الذين نالوا مساحة أكثر اتساعا من المفكرين الخليجيين.

د. شرف المزعل

من منطلق غياب المؤسسات الحاضنة للمثقف الخليجي الذي تبناه الدكتور السريحي، يتوارد في خاطرنا سؤال: ألم يكن المثقف الخليجي – في ظل غياب المؤسسة الحاضنة لفكره – قادرا رغم ذلك على مراكمة المنتج الفكري، وتوجيهه ناحية عملية تفكيك واقعه المجتمعي بهدف تطويره عن طريق إعاده تفسيره بعد معالجة الفرضيات التي تنقل واقعه من حالته الراكدة الى تحريك الثوابت بهدف التنمية والتقدم.

الأستاذ بدر العبري:

يقول: اتفق مع د. السريحي في مسألة غياب الحاضنة للمثقف الخليجي كما اتفق بشأن ضعف الحواضن المؤسسية للمثقف في الوطن العربي، هذا بالرغم من الوضع الاقتصادي الجيد في الخليج العربي، إلا أننا لا نجد إلا قليلا من الصور الفكرية عندنا، من مثل (دار المسبار)، كما أجد أن السياسة تلعب الدور الأبرز في ضمور المثقفين الخليجيين عند التصادم التقليدي بين السياسة والثقافة، كما أن صوت السياسة هو الأقوى في الساحة الخليجية، وكذلك أعزو تواضع المنجز لدي المفكرين الخليجيين إلى قلة الكثافة السكانية؛ فباستثناء المملكة العربية السعودية، فإننا نجد أن عدد سكان بقية دول الخليج العربي متواضع جدا، وهذا عامل مؤثر في حجم الإنجاز الفكري، خصوصا بمقارنة الكثافة السكانية مع شعوب البلدان العربية موضع الدراسة، حيث تغيب الدراسات التفكيكية والنظريات فعلا من بين المنجز المتوفر لدى المثقفين والمفكرين الخليجيين.

المحور الثالث: مبررات انقطاع المفكرين الخليجيين عن مراكمة الإنتاج الفكري خلافا لأقرانهم المفكرين العرب

الدكتور سعد السريحي:

يقول: إن السبب هو الافتقار الى البُنية الكلامية بين الكاتب والقارئ، وكذلك بين المفكر والمفكر الآخر، حيث تشكل هذه البنية الداعم الأساسي للاستمرار، ويلاحظ احتفاء الاعلام بمثقف في وقت طرح منجز له ولكن محاورة صاحب المنجز تختفي من المشهد الثقافي، وكذلك ما ذكره الأستاذ العبري من انشغال المثقف بترف الحياة التي ولدتها الطفرة الاقتصادية في منطقة الخليج العربي.

الأستاذ بدر العبري:

بالرغم من الاتفاق على قلة النخبة الفكرية في المنطقة، إلا أنه قد برزت بعض الرموز التي مثلت الفكر الخليجي العربي خير تمثيل، ومع ذلك نحن بحاجة لمساحة أكبر من الحرية لإتاحة المناخ الأمثل لبروز الفكر الخاص بهذه الجغرافية، ويلحظ في العصر الحالي تعدد موارد المعرفة التي يتم نهلها من المواقع الافتراضية الثقافية والكتب الالكترونية، والتي تتزايد من خلالها المساحة للفرد، مع مزاحمة الذكاء الاصطناعي في الساحة الثقافية.

كما أننا بحاجة للانتقال من الدراسات الإحتفائية الى الدراسات النقدية، حيث يلاحظ ضعف الدراسات النقدية التي تسهم في تطوير المجتمع، وأخيرا بودي الإشارة إلى ضرورة فصل المثقف عن السياسة؛ ليس بمعنى التصادم، وإنما بمعني الاستقلال بوصفه عقلا حرا في توجيه الانتقاد.

المحور الرابع: التحديات التي يواجهها المفكرون الخليجيون لتعزيز مكانتهم الفكرية على الصعيد العربي

د. سعد السريحي:

لا يمكن أن يكون هناك فكر بدون توفير مساحات للحرية الفكرية، وكذلك هناك الحاجة للشجاعة؛ لان حرية الفكر وحدها لا تكفي في حين أن رهان المفكر في اجتراح المناطق الخطرة في الفكر بعيداً عن ترهيب السياسة والمجتمع له، وكذلك شجاعته في مواجهة احتمالات الوقوع في الخطأ، بالإضافة إلى الحاجة إلى مجتمع يتقبل الآخر المختلف.

د. شرف المزعل:

ما هي المسافة بيننا وبين اجتياز التحديات؟

د. سعد السريحي:

المسافة في الاستمرار فيما قد شرعنا فيه في الهامش من الحرية الذي بتنا نعيشه. نحن نحتاج إلى مراكمة هذه الخطوات، فلا شيء يحدث بشكل مفاجئ، والتفكير عمل تراكمي، ولن تطول المسافة ما لم تحدث نكسات في مجال التفكير في دول الخليج العربي.

الأستاذ بدر العبري:

أجد أنه من الضروري أن يتم تعزيز الثقة بالذات لدي المفكر الخليجي، وهذا عامل مهم، وكذلك ضرورة تأمين الدعم السياسي والمادي والمجتمعي للمثقف، كما أن نشر الوعي بتعددية الأفكار في المجتمع وقيمتها يمنح المجتمع صلابة أكثر، بل ويؤثر على جوانب أخرى في إدارة الدولة.

التوصيات

            -توسيع التلاقح الفكري بين أبناء الخليج في ظل تعدد الثقافات.

–          الانصات للأخر وتوسيع العملية البحثية.

–          رفع العزلة بين المفكرين الخليجيين بإقامة المزيد من المنتديات الفكرية.

–          منح المثقفين المفكرين تفرغا رسميا للعملية البحثية.

–          تجاوز الشللية بين المثقفين على أساس القبيلة أو الطائفة أو التوجه الفكري أو الأيديولوجي.

–          التقرب من الجيل الجديد من المثقفين الخليجيين.

–          دعم المؤسسات الحاضنة للمثقفين.

–          تعليم الفلسفة في كل المؤسسات التعليمية في دول الخليج العربي.

لمتابعة الجلسة مرئيا:

السابق
تحديد سنّ زواج المرأة في سلطنة عُمان
التالي
باكستان والصّورة الأخرى
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً