منذ فترة طويلة يتمنى الشّارع الإباضي أن تكون له قناة تمثله، لتجيب عن تساؤلات العشرات من الباحثين الّذين لم يسمعوا عن كلمة إباضية أو يُنقل عنهم من دعاة وباحثين من غيرهم كلاما خبريا يحتمل الصّحة والكذب، يحتاج لمن يثبته أو ينفيه، والقناة خير مورد لهذا في عالم الفضاء اليوم!!!!
من حق الإباضية في الجملة أن تكون لهم قناة، وهذا حق مشروع لكلّ صاحب فكر أو مذهب أو توجه …
فالمسلمون لهم قنواتهم بمذاهبهم، فالسنة لهم قنواتهم، فهناك قنوات للسلفية والأشاعرة والصوفية، وهناك قنوات للشيعة زيدية وإمامية، وهناك قناة للأحمدية، كما أنّ هناك قنوات للنصارى الكاثوليك والأرذوكس والإنجيليين البروستانت والأرمن…
في المقابل توجد قنوات أيضا للفكر اللبرالي والتجديدي وللأفكار والتوجهات السياسية بتوجهاتها ومذاهبها، والرياضية والغنائية والفنية وغيرها، بجانب القنوات الحكومية وذات الفكر الرسمي والإقليمي …
في هذا الجو وجود قنوات متخصصة للمدارس الدينية والأدبية والفكرية بذاتها أمر ملح وضرورة ملحة، ليس للإباضية فحسب بل حتى المذاهب الأخرى ولو غير الظاهرة كالدروز والإسماعيلية ونحوها …. ليكشف كل واحد عن ذاته بذاته، وينقد فكره بمعوله لا بمعول غيره …
في نظري لا يوجد خطورة في هذا إذا كانت القناة تنقل فكرتها مع احترام الفكر الآخر، وتتقبل الحوار ونقد الذّات …
قبل فترة نشرت بي بي سي فلما وثائقيا خطيرا عن القنوات الدّينية المحرضة للعنف بعنوان أثير الكراهية، يخلص إلى واقع بحق أليم، وخطاب خطير جدا يفتك بالإنسان، والأخطر إن زادت شعبيته إلى المذاهب الأخرى خاصة الأقلية كما بدأنا نراه في قناة المسيرة الزيدية، والخطر الأعظم إذا كبر ليكون بين الأديان الثّلاث، مما ينبئ بحروب طائفية جديدة يكون الإنسان ضحيتها أجمع باسم التوراة والإنجيل والقرآن، وباسم الله والأنبياء، أو بالخلاصة باسم الغيب!!!
وإذا كانت الخطورة في القنوات الدينية فإن الخطورة أيضا في القنوات السياسية واللبرالية لا يقل ضررا وخطورة.
فالخطورة ليست في القنوات الدينية في الحقيقة فقط، والغلو ليس مقتصرا عليها، بل حتى في القنوات اليسارية الأخرى!!!
والسّؤال الذي يطرح نفسه هنا مباشرة بصورة تلقائية ما الحل؟!!!
الحل في نظري ليس في المنع، فالممنوع مرغوب، ولكن الحل يعود لأمرين:
الأول: وجود قانون صارم يصيغه جميع الأطياف ضد التّطرف الفكري الديني وغيره، وأي قناة تدعو إلى التطرف لا يجوز مهادنتها مقابل دراهم يتمتع بها البعض اليوم ليفتك بعالم الإنسان غدا، فكل تطرف يواجه بصرامة القانون العادل، والمشكلة بعض قنوات التطرف تبث من بريطانيا وأمريكا، فما بالك بالعالم العربي!!!
ثانيا: وجود بدائل وقنوات معتدلة في مخاطبة الآخر، ولعل قناة الحوار ثمثل نموذجا يحتذى به بحق، وكذا قناة الأحمدية حيث تبث فكرها بهدوء وباحترام كبير لمن خالفها!!!
والسؤال الآخر هنا: أين سيكون موقع قناة الاستقامة؟!!!
لا يمكن أن نحكم على الشيء وهو لم يولد بعد، ولكن بحق من يقرأ التأريخ الإباضي، ولا أقول هذا كوني إباضيا، وهذا ظاهر في أدبياتهم، أنّهم ينطلقون في الجملة من التسامح مع الآخر، وهذا ملموس، كما في صحافتهم المتقدمة، ونماذجهم المتكررة، حتى على سبيل الأشخاص كالباروني وأبي إسحاق أطفيش وأبي مسلم البهلاني وأبي اليقضان والشيخ بيوض، وهذا ظاهر في دولهم كالرستمية وشهد على ذلك ابن العربي المالكي، واليعاربة والبوسعيد قديما وحديثا، بل وشهد على ذلك حتى من المستشرقين والكتاب الغربيين، وهذا لا يعني وجدود أخطاء قد تكون ناتجة عن التعصب المبالغ أو الانغلاق، وهذا شيء طبيعي، ذكر نحوا من هذا سماحة الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري ت 1975 في رسالته الرد على صاحب العرفان.
وهنا لا يوجد أحد يدعي أنه منفتح على الجميع، ومتسامح مع الكل، فاللبرالي لن ينفتح على الجميع، والعلماني كذلك، وهكذا المتدين، وهذا شيء طبيعي في الوجود، لكن غير الطبيعي إقصاء الآخر، واستغلال المنبر في إثارة الأشخاص والتوجهات لا في نقاش الأفكار …
وعليه لا يمكن أن تنفتح قناة الاستقامة على من يخالفها بمعنى أن يتحدث بما يشاء وكيفما يشاء، بل حتى ربما فيمن يخالفها في المذهب، فضلا عمن يخالفها في الدين أو التوجه العام، وهذا طبيعي ولو مسكها البراليون فلن ينفتحوا على الجميع مطلقا ليقولوا ما شاؤوا …
ولكنها – ونأمل في ذلك – أنها ستنفتح على المشترك، وتنطلق من المجتمع، وتركز على الفكرة والوسطية، وستنقد ذاتها بذاتها، مع كامل الأحقية لها ببيان مذهبها وتوجهها مع احترام من يخالفها مذهبا وتوجها، فهذا هو المطلوب …
وقد يقول قائل: ألا يكفي القناة العمانية الرسمية، والحق يقال إنّ القناة الرسمية شيء آخر تماما، لأنها تمثل الجميع في بقعة معينة من العالم، وهي تعبر عن السياسة العامة المشتركة بين الجميع في هذه البقعة، ولذا غالبا خطابها بسيطا ليس عميقا، خلافا للقنوات المتخصصة …
وذكرتُ سابقا في أكثر من مناسبة كما يوجد قنوات رياضية وطنية، فوجود قنوات حوارية دينية وفكرية وأدبية وسياسية وطنية أيضا مهم، وتكون همها الوطن والمشترك بين الجميع، بحيث تتشكل طاولة واحدة ذات نفس إصلاحي يخدم المشترك العام والوطن خصوصا.
خلاصة ما تقدّم لا خوف من وجود قناة إباضية ولا غيرها، إذا كانت هذه القناة كما تقدّم فكرها تحترم من يخالفها، ويكون الحوار شعارها، والوسطية منهجها، ولم الشمل غايتها، وخدمة الجميع من أهم مقاصدها، وهذا ما نرجوه في قناة الاستقامة وغيرها بإذن الله تعالى…….
فيسبوك 1436هـ/ 2015م