عمان تأريخيا من الدول القلائل المستقلة ذاتيا في أغلب خطها التأريخي، وعلى طول عهدها الزمني، وغربتها جملة عن أحداث المنطقة إلا في فترات محصورة، إلا أنها تركت بصمة واضحة خاصة في العلوم الإنسانية واللغوية، وتحوي آلاف المخطوطات التي تركها الآباء للأحفاد، خاصة في جانب الشريعة والأدب.
ومع هذا لا توجد في عمان مدارس أو معالم مستقلة ذات عمل مؤسسي توارثها العلماء جيلا بعد جيل كالمدرسة النظامية في بغداد أو الأزهر في القاهرة، أو النجف في العراق، أو الزيتونة في تونس، عدا بعض المساجد التي تقام فيها بعض الحلقات إلا أنها تنقضي غالبا أو تضعف كثير بوفاة أصحابها كمدرسة ابن بركة في بهلا، ومدرسة الشيخ صالح الحارثي في الشرقية، ومدرسة الإمام الخليلي في نزوى.
وفي عهد اليعاربة أرسل الجربيون بعد زيارتهم لعمان نقدا للخط العام للدولة، فهي مع قوتها إلا أنها قليلة الاهتمام بالجانب العلمي، وعلى هذا يرى بعض المؤرخين كان إنشاء حصن جبرين في بهلا في عهد بلعرب بن سلطان، إلا أنه لم يدم طويلا كمدرسة، وبقي كحصن للإمام والجند.
وعليه لا نجد الحراك العلمي التطبيقي في عمان بصورة كبيرة خلافا للحراك الفقهي والسياسي والأدبي واللغوي، لأنه كان أكثر لصيقا بالمجتمع، وعليه الإهتمام بالجانب التطبيقي بفنونه والفلسفي كان ضعيفا كغيره من دول المنطقة بعد سقوط بغداد والأندلس.
في القرن التاسع عشر، وأغلب القرن العشرين تراجع الخط التعلمي في عمان تراجعا كبيرا، وإن وجدت بعض المدارس الكبيرة باعتبار الأشخاص كمدرسة المحقق الخليلي، ومدرسة الشيخ صالح بن علي الحارثي، ومدرسة الشيخ السالمي، ومدرسة الشيخ عامر بن خميس المالكي، ومدرسة الإمام الخليلي، إلا أنها مع سدها للثغرة في الجانب القضائي والشرعي، إلا أنها كانت محدودة، في فترة قامت النهضة الغربية، وامتدّ أثرها في الجانب الشرقي.
الشيخ سليمان الباروني حاول ان يستغل القطبين الإمامي والسلطاني في الاهتمام بهذا السلك اهتماما علميا، إلا أنه لم ينجح في ذلك، ورجع بخفي حنين.
كذلك الشيخ حمد بن سيف البيماني في بهلا، حاول التغيير، فأسس مدرسة نظامية في حلة الخضراء ببهلا عام 1962م، إلا أن طموحه مات بموته، حيث أنه لم يعمر كثيرا.
هناك بعض المدارس النظامية لم تدم طويلا مثل مدرسة الزواوي في مغب بمسقط، حيث أنشئت في عهد السلطان السيد تركي بن سعيد عام 1871م، وكانت تقع أسفل قلعة الجلالي بمسقط واستمر التعليم بها إلى عهد السلطان السيد سعيد بن تيمور، وكانت تدرس مواد القرآن الكريم واللغة العربية قراءة وكتابة ونحوا .
ومدرسة بيت الوكيل، حيث أقيمت هذه المدرسة عام 1888م، بالقرب من منزل اشتهر باسم بيت الوكيل، يقيم فيه موظف حكومي يوكل إليه تصريف بعض الأمور المتعلقة بشؤون قصر السلطان، وكانت تدرس مواد القرآن الكريم والفقه والتوحيد واللغة العربية، وانقضت عام 1913م. [للمزيد راجع: التعليم في عمان، موقع البوابة التعليمية].
العمانيون في الخارج وهم يرون التطور العلمي في القاهرة وبغداد وبيروت وغيرهان عشقوا أن يحملوا التجربة إلى عمان، وهم يرون الجهل يأكل الأخضر واليابس في البلد نتيجة الشقاق الداخلي، والأطماع الخارجية خاصة بريطانيا، وهذا يظهر من رفع مطالبهم في الخمسينيات من القرن العشرين، ورغبة منهم في تطوير حقل التعليم والصحة والطرق في البلد.
أما أول مدرسة نظامية عصرية في عمان يعتبر البعض المدرسة السلطانية الأولى، حيث أنشئت عام 1930م في عهد السلطان السيد تيمور بن فيصل، وبإشراف حكومي، وكانت تقع في مسقط، ويديرها إسماعيل بن خليل الرصاصي، الذي قدم من فلسطين إلى عمان عام 1929م، وأصبح فيما بعد مديرا للمعارف في عهد السلطان السيد سعيد بن تيمور حتى عام 1970م . [للمزيد راجع: التعليم في عمان، موقع البوابة التعليمية].
كذلك المدرسة السعيدية، حيث تم إنشاؤها عام 1936م، وافتتحت على يد السلطان سعيد بن تيمور، كانت المناهج التعليمية المعتمدة بالمدرسة هي المناهج المصرية، وكانت تتم الموافقة عليها من قبل السلطان، وقد شملت تلك الكتب المواد الدراسية التالية: القرآن الكريم، والفقة الإسلامي، والحديث الشريف، واللغة العربية، والتاريخ، والجغرافيا، والرياضيات، والحساب، والهندسة، والصحة، والطبيعة، والرسم، والرياضة.
وللأسباب الآنف ذكرها أصبحت عمان من الدول التي خيّم الجهل بين أبنائها، وانتشرت الأمية فيها بقوة كبيرة جدا، وعليه ظهر تيار آخر في الشمال يحمل الأهداف القومية العربية لتحرير عمان، وكان من أهم مبادئه الاهتمام بالتعليم والصحة، تأثرا بالقومية العربية في مصر واليمن مثلا.
هذه المطالبات جعلت بريطانيا تراجع حسابها من جديد، فهي تخشى من تطور الثورة الشمالية الاشتراكية، والمتطورة في أبعادها وأهدافها نوعا ما خلافا للإمامة كما جاء في الوثائق السرية البريطانية، والتي ترجمها الأستاذ محمد بن عبد الله الحارثي، وهذا يهدد مصالحهم.
كما أنهم ليس لديهم الرغبة الكاملة لإقامة علاقات مع الإمامة للاختلاف الفكري خصوصا، ولنظرتهم السلبية لأي توجه ديني، كما أنّ الإمامة تنظر إلى بريطانيا كمغتصب للحق، والتطبيع معها ولاء لهذا المغتصب.
وعليه بريطانيا حاولت التشديد على السلطان سعيد بن تيمور من خلال نشر التعليم وفتح المدارس والمعاهد، وفتح المستشفيات، وتنظيم الطرق العصرية ووسائل النقل، وفتح المجال لفرص العمل في البلد.
إلا أنّ العملية لم تنجح كثيرا مع السلطان سعيد، وعليه كان التفكير الجدي هو وجود بديل لهذا السلطان، وتغييره بصورة سلمية، وبعد دراسات استراتيجية بريطانية رأو الأفضل هو أخوه السيد طارق ليحل محله، شريطة أن يحقق الأهداف ومنها تطوير حقل التعليم، إلا أنّ هناك من الأخبار ما تشير أن طارق رفض ذلك تماما، وعليه كان الخيار الآخر هو السلطان قابوس، وعليه الإشكالية أن السلطان مع تنوره وانفتاحه للغرب إلا أنه صغير السن، وليس معروفا في القبائل العمانية، ومع هذا كان النتيجة الوحيدة لهذا الاختيار، وعليه كان التغيير الهادئ وغير المثير إعلاميا، حيث كان تربع السلطان قابوس على الحكم وإزاحة أبيه السلطان سعيد بن تيمور، ومع هذا تأخر الاعتراف البريطاني بالسلطان الجديد، حتى يتعهد بتطبيق الاتفاقيات والمعاهدات، والتي بلا شك منها حقل التعليم، فكانت هذه الرسالة من السلطان قابوس:
صلالة/ 27تموز/ يوليو 1970م
من السلطان قابوس بن سعيد سلطان مسقط وعمان
دي جي كروفورد المحترم
قنصل عام حكومة صاحبة الجلالة
بعد التحية،،،
سأكون ممتنا لو قمتم بنقل هذه الرسالة إلى صاحبة الجلالة:
أنا قابوس بن سعيد، خلفت والدي كسلطان على مسقط وعمان بتاريخ 24تموز/ يوليو 1970م، وبعد أن توليت هذا المنصب حصلت على الدعم والإقرار الكامل من قبل أسرتي، وأنا الآن أدعو حكومة صاحبة الجلالة أن تعترف بي سلطانا على مسقط وعمان، وإني أؤكد لكم بأني سألتزم تماما، وأقر بكل الاتفاقيات والتعهدات والالتزامات التي أبرمت بين حكومة صاحبة الجلالة وسلفي.
السلطان قابوس بن سعيد، سلطان مسقط وعمان
وعليه كان الاعتراف من قبل ملكة بريطانيا وإن تأخر قليلا، إلا أنّ السلطان قابوس هو السلطان الحالي لعمان، ويتطلب عليه إحداث تغيير في عمان.
وفعلا السلطان قابوس أوفي بعهده فأسس حكومته الجديدة ومنها الاهتمام بالسلك التعليمي وجعل سعود بن علي الخليلي وويرا للتعليم، وكان التقرير البريطاني في 17 آب أغسطس 1970: سعود بن علي الخليلي أصغر إخوة الخليلي الثلاثة، 37عاما، ابن أخي الإمام محمد، والذي تلقى منه تعليما دينيا، ذو عقلية منفتحة، وثقافة عالية، لكنه يفتقر إلى الخبرة الخارجية، وجاء في التقرير أنه أشيع بتعيين على القاضي فلسطيني الأصل، ومدير في المدرسة السعيدية، بمرشح سكرتير وزير التعليم.
ومع هذا رفعت التقارير 26 نيسان ابريل 1971 بالأوضاع السيئة في عمان، ومنها بطبيعة الحال التعليم، حتى وصفت بعمان المريض.
عموما السلطان قابوس اهتم بالتعليم من أول مسيرة له، وقال في خطابه: كان التعليم أهم ما يشغل بالي …ورأينا أنه لابد من توجيه الجهود الأولى إلى نشر التعليم”.
وارتفع عدد المدارس من ثلاث مدارس فقط تضم نحو (900) طالب في عام 1970م إلى (207) مدارس ونحو (55752) طالبا وطالبة في العام الدراسي 1975/1976م، ومع العام الدراسي 1972/1973م بدأ التعليم الإعدادي ثم بدأ التعليم الثانوي للمرة الأولى في السلطنة عام 1973/1974م.
أما التعليم الجامعي فهو متأخر جدا، إذ فتحت جامعة السلطان قابوس الجامعة اليتيمة حكوميا في عمان عام 1986م.
وفي 16 يونيو عام 1974 أرسل الشيخ صالح بن علي الحارثي رسالة إلى السلطان قابوس يطالبه بعدة أمور منها إقامة جامعة إسلامية، فرد عليه السلطان في 20 يوليو 1974م: إننا ندعو المولى الكريم أن يوفقنا لما فيه طاعته ومرضاته، ولخير ومصلحة بلدنا وأمتنا، نرجو أن توافينا دائما بما لديك، والسلام.
ولعل إنشاء معهد العلوم الشرعية كأول مؤسسة جامعية فيما بعد في نهاية السبعينيات، والذي صدر مرسوم فيه عام 1986م باسم معهد القضاء الشرعي والوعظ والإرشاد، ليتحول أخير إلى معهد العلوم الشرعية؛ كان نتيجة أو أثر من آثار هذه الرسالة.
أما الدراسات العليا فهي بدأت في السنوات الأخيرة، وبمقاعد محدودة، وتمشي ببطئ شديد.
فيسبوك 1434هـ/ 2013م