هناك أئمة ومرشدون ومعلمو القرآن الكريم، لهم بعد زماني في خدمة البلد، منهم من قضى نحبه، ومنهم لا زال قائما على وظيفته، بعضهم يعود إلى الثمانينات، والأغلب في التسعينيات، بذلوا وقتهم وجهدهم في ثغور يشكرون عليها، قدر ما يملكون من معرفة وخبرة وتجربة.
هذا الكادر الدّيني والذي يتميز بالتعددية الجغرافية والفكرية المذهبية، منهم في أعلي الجبال، والعديد في أقصى السهول، ومنهم عند الساحل وفي الصحراء القاحلة، رضوا بما يعطون من رواتب، وإن كان الأغلبية في الفترة الماضية كانت رواتبهم متدنية جدا، ولكنهم قدّموا بقدر ما يملكون، مع تقصير بعضهم تقصيرا مجحفا لغياب الرقابة، إلا أنّ العديد منهم كان مخلصا في عمله، صابرا على الناس وأذاهم، وللحق وظيفة الإمامة ليست بالوظيفة الهينة، بل هي وظيفة صعبة اجتماعيا ومنهجيا، وإن نظر البعض إليها نظرة بسيطة، فتحمل خمس صلوات في اليوم ليس هينا، والمرابطة أمر صعب، فضلا عن كلام الناس وأذاهم.
الذي يشدّني كثيرا هو غياب هذا الإمام والمرشد فمنهم من قضى عشرين عاما ومنهم أكثر ومنهم أقل؛ وأقصد بالغياب الغيابُ عن الشّراك في تكريم الوزارة والنظر إليهم وكأنهم لا وجود لهم!!!
كنتُ بالأمس مثلا مع أحد العاملين في مكتب الوزير وقلتُ له هناك من يعمل عشرات السنين في خدمة الوزارة، وركزّت ما قبل الألفية، وذكرتُ أنموذجا، ولا أرى أسمائهم مثلا في بعثة الحج العمانية لهذا العام، في حين البعض ممن اختير توظف قبل أقل من سنة!!!
وقلتُ له أيضا: انظر مثلا إلى ما يسمى بأيام الحواضر والبوادي، وما يصرف فيه من أموال هائلة، وانظر إلى الوجوه المشاركة، هي ذاتها تتكرر دائما، ألا يمكن لهؤلاء الأئمة ولو بعضهم إباضية أو سنة أن يكرّموا مقابل خدمتهم الطويلة ولو إداريين، ليكون لهم جزءا من المكافئة المالية!!!
رأيتُ أحدَ الإخوة في رمضان المنصرم، وسألته أين تعمل في الوزارة، قال لا أدري بعد، لأني لا زلتُ في تفريغ للدراسة منذ سنوات، حيث فرّغت مباشرة أنا وبعض الزملاء للدراسة قبل الاستقرار في العمل؟!!!
تعجبت في نفسي وتذكرتُ ذلك الإمام الذي عاش طويلا في صحراء هيما بعيدا عن بلده منذ التسعينيات، وهو مخلص مجد أشهد له بذلك، طالب بمواصلة دراسته العليا، ويقال له دورك لم يصل بعد، كان هذا الحديث عام 2004، ونحن الآن في عام 2013!!!
كما أذكر من ذهب لطلب الدراسة فقيل له: لابد أن تكمل سنتين، فذهب على حسابه بالانتساب، وهذا قبل أن تعلّق الدراسة بالانتساب فيما أحسب!!!
الشّاهد الذي أريد أن أصل به هنا إنّ لهؤلاء الأئمة حقوقا لا يجوز أن تهمش، خاصة المخلص منهم، ألا يكفي أنهم حُرموا من المكافئة السنوية، باعتبار أنهم ليسوا إداريين!!!
الوزارة تقيم سنويا المعارض الداخلية والخارجية والملتقيات المتكررة، وندوة تطور العلوم الفقهية، وبعثة الحج العمانية، والدورات والمشاركات، وغيرها، ويصرف على هذه الأموال التي تكون خيالية بعض الأحيان، ألا يمكن لهؤلاء المساكين أن يكون لهم نصيب منها، ولو أن يختاروا بمعدل خمسين كادرا دينيا سنويا ليكرّموا مقابل عملهم وخدمتهم، ويكون لهم نصيب من الكعكة التي توزّع سنويا، مصداقا لقوله تعالى: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}، خاصة المجتهد ليزيد من اجتهاده وإخلاصه!!!
لا يجوز أن يسّكت هؤلاء المساكين بـ(بوفيه) ملتقى الكوادر الدينية، ويملى عليهم التعاليم القانونية والشرائعية بالوزارة المتكررة والمحفوظة مسبقا، ولا يكون لهم شراك في الملتقى ذاته إلا لمن كان مقربا مرضيا، ولو كان مقصرا في عمله عاصيا!!!
والسبب في نظري يعود لأسباب عدة منها عدم وجود رؤية واضحة تماما في الاختيار والدراسات والبعثات، وترك الاختيار لأشخاص معينين، وبالتالي غياب الرقابة في محاسبة هؤلاء.
كذلك تقصير الإمام نفسه في المطالبة بحقوقه المشروعة، وسكوته العجيب، لأنه بسكوته لن يضر نفسه بل يضر وطنه والأجيال القادمة التي ستتعود على السكوت وعدم المطالبة بالحقوق المشروعة، والأئمة قدوة في هذا، وهو منهج الأنبياء والرسل.
كذلك يعود لعدم وجود نقابة للأئمة أو على الأقل لجنة تحمي حقوقهم، وتوصل مطالبهم المشروعة.
والحمد لله نعيش في دولة قانون، والقانون في أصله يمتاز بالعدل والمساواة بين الجميع، ولابد أن يسوس الكل، ولا مجال للخداع باسم الدين أو الدعوة أو الوطن أو غيرها من الشّعارات.
لا أقول هذا ليتصور القارئ أنّ هذا ردة فعل لحدث معين، فسبق مرارا أنا ومجموعة من الإخوة والعديد من الأئمة المطالبة بهذه الحقوق قبل أحداث الربيع العماني وبعده، ولكن لا أرى حراكا إصلاحيا في الوزارة، لذا لابد من الضغط للإصلاح العام، والكادر الديني هو الجهاز الكلي في الوزارة، وإصلاحه وإعطائه الحق وفق العدل لا وفق كونه متميزا مذهبا أو قبليا أو فكرا معينا أو مرضيا عند فلان وعلان.
والذي آلمني ما أراه شخصيا من أئمة هرموا وهم يصلون بالناس، غير مقصرين في واجبهم قدر طاقتهم، ولكن كأنهم أموات لا أحد يعلم بهم، ولا يردّ جميلهم، يُعرفون إذا غضبوا عليهم كأن خطبوا خطبة للدفاع عن حق الفلسطيني المهضوم من قبل الصهاينة! حينها يعرفون في مجال التأديب لا أكثر ولا أقل.
على الأئمة أن يطالبوا بحقوقهم المشروعة، وإصلاحهم لهذا الجانب هو إصلاح المجتمع، لأن الكادر الديني قدوة لغيره، والعدل ميزان الجميع، وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
فيسبوك 1434هـ/ 2013م