المقالات النقدية

نظريّة الوحدة الإسلاميّة أو التّقريب المذهبيّ هل انتهت؟

قبل أكثر من عقدين نادى الإمام الخمينيّ ت 1989م بعقد أسبوع الوحدة سنويا، تواكبا مع الاحتفال بمولد النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، عند من يحتفي بهذه المناسبة من المسلمين، لأنّ هناك من يراها بدعة وزيادة في الدّين، وليس هذا محل حديثنا في لقاء اليوم.

فأغلب المسلمين أخذ من 12 ربيع الأول تأريخا لمولده، مع عدم اتفاقهم أصلا أنّه ولد في هذا اليوم حسب الأدبيات التّراثيّة، ولكنه من باب الشّهرة المجتمعيّة فالتّأريخيّة، لا من باب الشّهرة العلميّة!!

وأمّا الشّيعة الإماميّة فأخذوا من القول القائل بأنّه ولد بتأريخ 17 ربيع الأول، ولهذا جعل الخمينيّ ما بين التأريخين من أيام أسبوع الوحدة، حيث تحتفي به الجمهورية الإيرانيّة الإسلاميّة إلى اليوم، وتستقبل المئات في العالم الإسلاميّ فيما يسمى بمؤتمر أسبوع الوحدة.

وقبل الإمام الخمينيّ في عام 1947م نادى العالمان الكبيران، أولهما سنيّ المذهب وهو الشّيخ محمود شلتوت ت 1963م، والثّاني عالم شيعيّ إماميّ وهو الشّيخ محمد تقي القميّ ت 1990 نيابة عن آية الله السّيد حسين البروجرديّ ت 1961م بالتّقريب بين المدارس الإسلاميّة، وفي عام 1949م أصدروا مجلة رسالة الإسلام حتى وقفت سنة 1972م بعد إصدار ستين عددا.

وقبل شلتوت والقميّ نادى المصلحان الكبيران الأفغانيّ ومحمد عبده بالفكرتين، وذلك في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر، فنادى جمال الدّين الأفغانيّ ت 1897م بفكرة الوحدة، ونادى محمد عبده ت 1905م بفكرة التّقريب.

وعلى العموم نظرية الوحدة أو التّفريب لم تتقبل في العقل التّراثيّ من الطّرفين الشّيعة والسّنة أو غيرهم المذاهب الأخرى بصورة كبيرة، فمنهم من رفض الفكرتين رأسا؛ لأنّه لا تقارب في الأصل مع الباطل مع إيماننا بما عندنا هو الحق، فالتّقريب تمييع لهذا الحق، فإمّا أن يعترفوا بما عندنا من حق، وإمّا لا يصح التّمييع فيه وإظهاره بإظهار مذاهبه وأفراده!!

ومنهم من رفض فكرة الوحدة، وقبل فكرة التّقريب؛ لأنّه رأى أنّ فكرة الوحدة أقرب إلى الدّمج، والخلاف واضح بين المذاهب، وأمّا التقريب فأقرب إلى فهم الآخر!!

إلا أنّ من يقول بالوحدة في حقيقته لم يرد الدّمج بقدر ما رأى الالتفات حول المشتركات الكبرى من المذاهب كالإيمان بالله ورسله وكتبه والصّلاة والصّيام والزّكاة والحج والأخلاق وغيرها، مصداقا لقوله تعالى: تعالوا إلى كلمة سواء.

فالوحدة بهذا قريبة من التّقريب، أي بمعنى الوحدة في الأطر العامّة للإسلام، والتّقريب في أطر الخلاف وفهم الآخر.

ولكن في الحقيقة بعد أكثر من قرن كامل من المناداة برسالة الوحدة أو التّقريب إلا أننا في أقرب اختبار  وهو الاندماج بين المدارس الإسلاميّة إعلاميا أو قيام حكومات سياسيّة تتكئ على الأطر الدّينيّة إلا أنّها فشلت في تحقيق الاعتراف بالآخر فضلا عن التّقريب أو الوحدة!!

فأخرجوا ما في بطون الكتب من خلافات، والّتي كانت تتدارس في زوايا المسجد أو المدارس والحوزات الدّينيّة بين طلبة العلم، فأصبحت تسقط على النّاس جميعا، حتى حلّ ما نراه اليوم من تفرق وتمزق ولعن وتكفير وإقصاء مذهبّي!!

بل تجد من ينادي بالوحدة أو التّقريب في المؤتمرات؛ هو نفسه من يزيد الشّرخ والتّفرق لأيّ خلاف سياسيّ أو مذهبيّ، فيخرج ما في قلبه لإرضاء مذهبه أو الحكومات المتكئة على مذهبه!!!

إذا في الحقيقة نحن بحاجة قبل أن نتحدث عن الوحدة والتّقريب بحاجة أن نغوص أكبر في المفاهيم الخلقيّة الكبرى بداية من أنسنة المذاهب، وأنّ المذاهب جميعها بشرية، تطورت بتطور الفهم البشريّ، فلم ينزلها الله تعالى من السّماء، ولم يرسل من أسسها ليكونوا رسلا وأنبياء لا يخطؤون!!

فلمّا كانوا بشرا كان الخلاف واقعا، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فالمذاهب صنع بشر وكتبها وفلسفتها ليست وحيا، فما عندي صواب يحتمل الخطأ، وما عندك خطأ يحتمل الصّواب.

وعليه لما نبني هذه القاعدة الكبرى في فلسفة الذّات قبل الغير، يصبح ما عندنا قابلا للنّقد، فلا نغضب إذا نقدنا علميا، ولنبدأ بنقد ذواتنا بقدر ما نفرح لنقد غيرنا!!

فلمّا يصبح العقل المجتمعي متقبلا لأنسنة المذاهب لا لتأليهها وجعلها أديانا في صورة مذاهب؛ سينطلق إلى القيمة الخلقيّة الأخرى وهي التّعارف: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.

والتّعارف معناه الاعتراف بالآخر وحقه في مشاركتي في الوطن أو العيش في هذه الحياة، وعدم إقصائه بأي شكل من الإقصاء، وأنّ المذاهب طرق للعبادة وليست طريقا يعوق التّعارف والتجانس البشريّ في بناء الحياة وإصلاحها.

والتّعارف يخلّص العقل المجتمعيّ من مفهوم الفرقة النّاجية؛ لأنّ الله تعالى بعد ما ربط التّعارف بالجنس البشريّ قرر أنّ مفهوم النّجاة بيده وحده، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، وربط ذلك بالنّاس جميعا، ولنا لقاء عسى أن يكون قريبا في هذا تحت مقال: لمن النّجاة يوم القيامة؟!!

وبهذه المبادئ الأولى سنصل إلى قضية التّقريب أو الوحدة، إذا اعترفنا بالأدبيات الخلقيّة الأولى، بدل أن تتحول هذه المفاهيم إلى شعارات سياسيّة ومؤتمريّة تسقط عند أقرب وأبسط اختبار لخلاف سياسيّ أو مجتمعيّ أو مذهبيّ!!!

فيسبوك 1439هـ/ 2017م

السابق
ندوة الدّور العماني في شرق آسيا والهند
التالي
كيف نواجه البهائية!!
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً