الحوارات

الزّكاة.. أبعاد دينيّة وإنسانيّة تحقّق التّكافل في المجتمع العمانيّ

ضمن لقاء في جريدة عُمان مع سهيل النّهديّ، 24 رمضان 1446هـ/ 24 مارس 2025م

العيد في الإسلام له بُعدان: البعد الرّوحيّ التّعبديّ الملتصق بالخالق سبحانه وتعالى، فهو يأتي بعد شعيرة الصّيام، وأصل الصّيام مرتبط بالله تعالى، لهذا يفتتح عيد الفطر بالصّلاة، وفيها إشهار لتكبيرات العيد الدّالة على وحدانيّة الله تعالى، والبعد الثّانيّ البعد الاجتماعيّ، ومن أهم ما يجسّد البعد الاجتماعيّ المساواة، ولهذا سنّ الرّسول – عليه الصّلاة والسّلام – زكاة الفطر، وقلتُ في كتابي “أيام رمضان” أنّ “العيد موسم من مواسم الرّحمة، وفترة زمنيّة تتكامل فيها البهجة والمحبّة، فالعيد في الإسلام لا يعرف طبقة دون طبقة، ولا تتميز فيه فئة دون فئة؛ بل هو عيد الصّغار والكبار، والرّئيس والمرؤوس، والفقير والغنيّ، والذّكر والأنثى”.

لهذا كانت زكاة الفطر لإغناء الفقير، بمعنى تحقّق الجانب الأدنى من حفظ كرامة وجهه، وليشعر أبناؤه وأهله أنّهم جزء من المجتمع، متساوون جميعا في أفراحهم وأتراحهم، كما يقول يقول أبو سعيد الكدميّ (ت: في القرن 4 هـ): “إنّ فطرة شهر رمضان هي زكاة الأبدان، سنّها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على الأغنياء للفقراء؛ ليستغنوا بها في ذلك اليوم؛ لفضله وعظم حرمته، وجلال قدره”.

وإذا كان الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – سنّها “صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب أو بر أو شعير أومن أقِط” فبما يناسب تلك الظّرفيّة، وظرفيّة اليوم اختلفت، فأصبحت مظاهر العيد لصيق اللّباس وأطعمة أخرى كاللّحم، بل كان النّظر إلى تحقيق المقصد في فترة مبكرة، ففي منهج الطالبين: “وقيل كان ضمام (ت: 150هـ ) يكره إعطاء الدّراهم عن فطرة شهر رمضان، وكان الأعور – أيّ جابر بن زيد (ت: 93هـ) – يعجبه ما قال ضمام، ثمّ بدا له من رأيه أن قال: إنّ الدّراهم خير من الطّعام”، وكما ذكرتُ في كتابي “أيام رمضان” أيضا: “وممّن أجازه من التّابعين سفيان الثّوريّ (ت: 16 هـ)، والحسن البصريّ (ت: 110هـ)، والخليفة عمر ابن عبد العزيز  (ت: 101 هـ)، وقال الحسن البصريّ (ت: 110هـ): لا بأس أن تُعطى الدّراهم في صدقة الفطر، وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز (ت: 101 هـ) إلى عامله في البصرة: أن يأخذ من أهلِّ الدّيون من أعطياتهم من كلِّ إنسان نصف درهم ، ويرى الإمام الصّادق (ت: 148هـ) وهو من أئمّة القرن الثّاني الهجريّ أنّ إخراج زكاة الفطر أنفع وأفضل للفقير”، وعلى هذا أغلب الفقهاء اليوم.

لهذا تحقيق العمل الاجتماعيّ من خلال الصّدقات والزّكوات هو أعظم ما يتحقّق به البر كما أخبر القرآن ذاته: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، وهنا قدّم الصّدقة والعمل الاجتماعيّ على الصّلاة ذاتها.

            وكما هناك من البرّ في إخراج الصّدقة في رمضان وغيرها، لابدّ أن يكون من البرّ حسن توظيفها، بما يحقّق المنفعة، ومنها حسن توظيفها في تحقيق البهجة والإعانة في عيد الفطر، خصوصا ومجتمعاتنا اليوم تعاني من التّضخم، ومن غلاء الأسعار وغيرها، فحضور البعد الاجتماعيّ في تحقيق هذا ضرورة ملحة، ولكن لابدّ أيضا كما أسلفت من تنظيم، وأن توضع في مكانها الصّحيح قدر الإمكان، كما يجب الابتعاد عن المباهاة والسّرف في الأعياد، وعلاج العديد من العلاقات الاجتماعيّة الّتي تعوق جانب تحقّق البهجة في العيد، وتقوده إلى الاقتراض لغير حاجة ملحة، وإلى الهمّ والأرق كما يقول الشّاعر:

يا عيد، بأيّة حال عدت يا عيد     لما مضى أم لأمر فيك تجديد

السابق
الخطاب الدّينيّ في رمضان وتعزيز مفهوم التّسامح والعمل الاجتماعيّ
التالي
غزّة وعيد الفطر الحزين
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً