من حلقات الصّيام في الأديان على إذاعة مسقط أف أم
5 رمضان 1445هـ/ 16 مارس 2024م
الدّيانة الجينيّة كالبوذيّة ديانة تصحيحيّة للهندوسيّة، إلّا أنّها أكثر تشدّدا من البوذيّة، وتشترك معهما في التّقمص والكرما والنّرَفانا، وقد التزم المؤسّس ماهافيرا “بالصّمت لاثنتي عشرة سنة، وهاله ما لاحظ من مكابدات البشر في الحياة، فسعى لاكتشاف طريق للخلاص”[1]، “ورأى بالإمكان إزالة المكابدة باتّباع منهج حياتي رصين قوامه إجمالا سلامة التّفكير، وصدق الحديث، وصالح العمل”[2]، ورفضت الجينيّة كالبوذيّة “التّمييز العرقي الطّبقي الّذي سنّته الهندوسيّة، كما أنّهما لم تقرا بجدوى التّعبد والتّوسل بالدّعاء، ولا التّسليم المطلق للصّحف الهندوسيّة المقدّسة”[3]، بيد أنّ الجينيّة “جنحت إلى التّقشف المفرط، وحرّمت مطلقا إزهاق روح أيّ كائن حي، لدرجة أنّها حظرت الاشتغال بالزراعة خشية أن تقتل بالحراثة ديدان تدب تحت التّربة”[4]، كما أنّها تختلف عنهما “في اعتبار أنّ روح كلّ إنسان خاصّة به وحده، ولا وجود لروح كونيّة”[5]، هذا التّقشف أثر على الطّقوس، ومنها الصّيام، حيث فاقت الدّيانة الجينيّة في الهند “في التّشديد في شرائط الصّوم وأحكامه، فأتباعها يواصلون أربعين يوماً بالصّوم”[6].
وأمّا السّيخيّة فهي ديانة إصلاحيّة متأخرة، ظهرت في البنجاب بالهند في النّصف الثّاني من القرن الخامس عشر الميلاديّ، فهي وإن كانت خرجت من الهندوسيّة، إلّا أنّها تأثرت أيضا بالتّصوّف الإسلاميّ، “فالغورو ناناك [ت 1539م] ولد هندوسيّا، وتلقى العديد من التّعاليم الهندوسيّة، إلا أنّه آمن بقضيّة الوحدة بين البشر، لهذا سعى إلى تحقيق الوحدة بين الهندوس والمسلمين، ونادى بوحدة الإله ووحدة البشر، فلا فرق بين الله أو واحي كروا، فهي أسماء لإله واحد، ولا يوجد صور أو تماثيل تصوّر الإله عندهم؛ لأنّ الخالق لا يمكن تصويره أو تجسيده بتمثال، كذلك يؤمنون بالكارما، أي رجوع الأرواح من جديد، ومع وصولهم إلى درجة كبيرة من الرّوحانيّة سيتحدون مع الله سبحانه وتعالى”[7]، ويرون أنّ “وصول الإنسان إلى درجة من الرّاحة والاطمئنان الرّوحيّ هو بهذا يعيش في الجنّة، والعكس إذا عاش في الضّيق والنّكد فهو في النّار، ويمكن لكلّ إنسان أن يكون ملائكيّا من خلال رقيّه روحيّا”[8]، والعمق الرّوحيّ لديهم الّذي تمازج بين الغنوصيّة الهندوسيّة، والتّصوّف الإسلاميّ، وظهر في كتابهم المقدّس السّيليّ جرو ساحب، الغورو لديهم بعد الغورو العاشر، إلّا أنّهم رفضوا أن يتمثل قداسة ذلك بعدهم في شخوص معينين، “فلا يوجد رهبان عندهم، وإنّما على كلّ فرد أن يصل إلى درجة الكمال، وهناك من وصل إليها فيكونون موجهين أو مرشدين، ولكن لا يكونوا رهبانا”[9]، كما أنّه لا يوجد صيام لديهم، “وعدم أكل اللّحوم هي قضيّة هامشيّة، وإنّما المهم الاهتمام بالرّوح، فلمّا يرقى المرء هو من يقرّر هل يأكل اللّحوم أم لا”[10].
[1] العبريّ: بدر، الإنسان والماهيّة: محاورات في الدّين والفلسفة والشّأن الإنسانيّ مع المفكر صادق جواد سليمان، سابق، ص: 107.
[2] نفسه، ص: 107.
[3] نفسه، ص: 107.
[4] نفسه، ص: 107.
[5] نفسه، ص: 107.
[6] الشّريف: محمّد بن حسن، مقالات الإسلاميين في شهر رمضان؛ ط دار الأندلس الخضراء، سابق، ص: 142.
[7] العبريّ: بدر، التّعارف تعريف بالذّات ومعرفة للآخر؛ سابق، ص: 80.
[8] نفسه، ص: 81.
[9] نفسه، ص: 81.
[10] نفسه، ص: 83.