المقالات النقدية

الإمام ابن تيمية ت (728هـ) ورؤية الجانب العكسي في التلاعب بالعقل الباطني في مسألة الكرامات

يُعتبر الإمام ابن تيمية الحفيد الحنبلي من كبار علماء القرن السابع الهجري وبداية القرن الثامن الهجري، ويُصنف من فلاسفة الإسلام الذين جمعوا بين الفلسفة والفقه كابن رشد المالكي ت (595هـ) والغزالي الشافعي ت (505هـ)، ولقد عاش أكثر حياته في صراع مع معاصريه من المتصوفة الأشاعرة خصوصا كالسبكي تقي الدين ت (756هـ) وابن جماعة ت (733هـ)، ومن جاء بعده كابن حجر الهيتمي ت(973هـ)، وقد حدث نقاش شديد بينهم في قضايا كقدم النوع، والتوسل بالقبور، وندبية زيارة قبور الأنبياء وشدّ الرحال إليها، والطلاق بالثلاث هل يقع طلقة واحدة … مما أدّى إلى تعذيبه وسجنه مرارا في الشام ومصر، ومات وهو في السجن، ومع هذا كسب الآلاف من التلاميذ والأتباع، في حياته وبعد موته!

عموما نتطرق هنا إلى قضية الكرامات، وهي حديث الناس منذ القرن الثاني الهجري بل قبله على مستوى العالم الإسلامي، أما عند الفلاسفة الآخرين فمتقدمة جدا، عموما الصراع بين الإثبات والنفي، فالعديد من الفلاسفة ينفيها لمخالفتها الحس والواقع، وأغلب المتصوفة وأتباع المذاهب يثبتونها ككرامة إذا كانت لأولياء الله الصالحين، أو استدراج إذا كانت لكافر أو فاسق.

عموما ابن تيمية في النص الذي سنذكره لم ينفِ كالفلاسفة حتى لا يُتهم، ولم يثبت مطلقا كالمتصوفة، فهو حاول لفت الانتباه بطريق آخر، إنكارا على أصحاب الزوايا ومدعي الكرامات، وبالتالي ستكون نظرة الناس إليها سلبية، وعليه لن ترتفع درجتهم في هذا وما يتبعها من مصالح مادية ومكانية، بل وصل الحدّ به إلى تكفير من يقول ببعض ملابساتها كما سنرى مع النص:

يقول ابن تيمية ت 728هـ: ولهذا قال الأئمة لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، أو يعيش على الماء، فلا تغتروا به، حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي، ولهذا يوجد كثير من الناس يطير في الهواء، وتكون الشياطين هي التي تحمله، لا يكون من كرامات أولياء الله المتقين!

ومن هؤلاء من يحمله الشيطان إلى عرفات، ثم يحمله فيرده إلى مدينته تلك الليلة، ويظن هذا الجاهل أنّ هذا من أولياء الله، ولا يعرف أنه يجب عليه أن يتوب من هذا، وإن اعتقد أنّ هذا طاعة وقربة إليه، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنّ الحج الذي أمر الله به ورسوله لا بد فيه من الإحرام، والوقوف بعرفة، ولا بد فيه من أن يطوف بعد ذلك طواف الإفاضة، فإنه ركن لا يتم الحج إلا به، ………….. وهؤلاء الضالون الذين يضلهم الشيطان بحملهم في الهواء، يحمل أحدهم بثيابه، فيقف بعرفة ويرجع من تلك الليلة، حتى يُرى في اليوم الواحد ببلده ويُرى بعرفة!

ومنهم من يتصور الشيطان بصورته ويقف بعرفة، فيراه من يعرفه واقفا، فيظن أن ذلك الرجل وقف بعرفة، فإذا قال له الشيخ: أنا لم أذهب العام إلى عرفة، ظن أنه ملك خلق على صورة ذلك الشيخ، وإنما هو شيطان تمثل على صورته، ومثل هذا وأمثاله يقع كثيرا، وهي أحوال شيطانية، ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطان فهو له قرين] انتهى، مجموعة الفتاوى: 1/65.

وفي نظري هذا ذكاء من ابن تيمية لصرف الناس عن بعض المدعين للكرامة بطريق غير مباشر، فَيَعْلق في الذهن الباطني أنّ هذه الصور شيطانية، ومدعيها ليس وليا، وبالتالي لن يجد من يدعيها هنا الباب مفتوحا له لتحقيق بعض أغراضه الدنيوية!

وفي الوقت ذاته لن يستطيعوا محاسبته بدعوى إنكار الكرامة، لأنه لا ينكرها، وإنما حلل بعض صورها بطريق غير مباشر.

فيسبوك 1434هـ/ 2014م

السابق
الإباضية والتصوف
التالي
الإمام المجهول في وزارة الأوقاف
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً