المقالات النقدية

المفكر العربيّ فراس السّواح والضّجيج حول استضافته

أعلن مهرجان مسقط في دورته لهذا العام عن فعاليّة للمفكر العربيّ السّوريّ فراس السّواح بالتّنسيق مع شبكة المصنعة الثّقافيّة، وذلك يوم الجمعة بتأريخ 8 نوفمبر 2019م، ومحاضرته بعنوان: حاجة الإنسان إلى الدّين، وتوافق الإعلان مع تغريدته بعدم التّرحيب بالمحجبات في صفحته، ثمّ جعله للحجاب ظاهرة غير حضاريّة وتخلف، ممّا أحدث ضجة وطلب منع إضافته!!

وعلى العموم العديد ممّن يعترض لا تراه يحضر هذه الفعاليات أولا، ثمّ لعلمي العديد منهم لم يقرأ أو يعرف هذا الرّجل، ولست هنا في سبيل التّعريف به، فهو علم كبير معروف في الوسط العلميّ والمعرفيّ، خصوصا فيما يتعلّق بميثولوجيا وتأريخ الأديان، ومع هذا، هذا لا يهمّ كثيرا، المشكلة الكبرى هو في الخلط بين أفكاره وشخصه، فهو حر في أفكاره وتوجهه، أيّا كانت هذه الأفكار، والفكرة تواجه بالفكرة، والحجة والبرهان يقابلها حجة وبرهان، أمّا رفع الصّوت والضّجيج فالكلّ يتقنه، ولكنّه ليس حلّا، فهو لم يطلب بقتل المحجبة أو نفيها أو حتى تكفيرها، وإنّما عبر عن رأيه في الحجاب، مع مخالفتي له، وقد غرّدت بتغريده قبل أيام بيّنت فيها أنّ الحجاب لا علاقة له بالتّقدم والتّخلف، وهذا مرتبط بذات العقل وحده!!

والأصل أن نجعل الأفكار تتدافع، فإن كنا على صواب؛ لا شك ستذهب مثل هذه الأفكار مع التّأريخ؛ لأنّ البقاء للأصلح، وإن كانت أفكارنا هشة، لم تبن على برهان واضح، ولا دليل ساطع؛ فمن الطّبيعيّ أن تخاف من الأفكار الجديدة، فليست المشكلة مع الآخر إذا؛ وإنّما المشكلة مع ذواتنا وأفكارنا نحن!!

ثمّ إنّ الله تعالى لم يجعلنا أوصياء على أحد، فتمّ اختياره من قبل فئة تدرك مصالح بلدها أيضا، ولو كان كذلك لرفضنا كلّ أحد يأتي إلى هذا البلد الطّيب، فذاك سيرفضه بدعوى أنّه أصوليّ متشدد، والآخر سيرفض بدعوى أنّه أشعريّ متعصب، ورابع سلفيّ متحجر، وخامس علمانيّ متحلل، وهكذا دواليك، فالله لم يخلق النّاس على صورة واحدة، ولا على فكر ومنهج واحد، فلكل طريقته ومشربه، وهذا البلد ذاته يحوي طرائق عدّة، ومشارب مختلفة، وما يضر يرجع إلى الجهات المختصة، فهي لا توافق إلا عبر قنوات معروفة، وبفترة كافية، تعلم ما يضرّ المجتمع بشكل عام، والرّأي ما رأته جهينة في النّهاية…

أما وأننا نرفض كلّ من خالفنا، أو عبّر عن رأي يخالفنا، فهذا يدلّ على ضعف واضح في داخلنا، فإذا حضر لن تفتح الدّنيا له، فتخلع المرأة حجابها، وينتشر الفساد في البلاد وبين العباد، وإن رفض حضوره فلن تتوقف الدّنيا، فتغريدة واحدة له يقرأها مئات من شبابنا وفتياتنا، بيد محاضرته هذه قد لا يحضرها خمسون شخصا!!!!

فلنكن متواضعين قليلا، ولنجعلها فرصة للتّعرف على أفكارنا، ومحاورته ومناقشته، ومواجهته بالبرهان والدّليل، ثمّ الاستفادة منه، فهو قامة علميّة ومعرفيّة كبيرة، هناك جوانب مضيئة وكبيرة من حياته وفكره، فلنركز على هذه الدّائرة الواسعة والكبيرة، ولنواجه تلك الدّائرة الضيقة بالبرهان لا بالصّريخ وكيل الاتهامات، وكأنّه بتغريدته تلك سوف يهدم ثوابتنا وأخلاقنا في عشيّة وضحاها!!

فالله تعالى نفسه واجه العديد من الأفكار المخالفة وخلّدها في قرآنه، وهذا النّبيّ الأكرم عليه الصّلاة والسّلام استقبل من خالفه بصلبانهم وأكرمهم في مسجده، وأكرم من خالفه ولو أظهر نفاقه، فلم الخوف إذا من رجل له رأيه ولو كان مخالفا لنا البتة!!

فلنتواضع قليلا، ولا داعي لهذا الضّجيج بين فترة وأخرى، وكأننا نعيش في عالم مغلق، إذا دخله من خالفنا انفتح على مصراعيه، فعالمنا المفتوح اليوم، وشبابنا لا ينتظرون أن يأتيهم السّواح ولا غيره، فالسّواح يقرأون له ويشهادونه ويتابعونه في سياراتهم وحتى غرف نومهم، فما يغني الصّراخ شيئا، مع احترامي لمن رفض كليا!!

صحيفة شؤون عمانيّة 1440هـ/ 2019م

السابق
الرّضا الوظيفيّ … الأصل والثّمرة
التالي
حادثة ضحايا نيوزيلندا: [ما جئت لأنقض بل لأصحح]
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً