الحوارات

لقاء حول الجانب الثّقافيّ  والصّحفي في عمان في السّبعينيّات من القرن العشرين: الغدير أنموذجا على قناة أنس اليوتيوبيّة [الجزء الأول]

نشر في صحيفة المسار 1444هـ/ 2022م

بدر العبريّ: يسرنا أن نلتقي مع الأستاذ الأديب أحمد الفلاحيّ، والأستاذ الفلاحيّ اشتهر بأبي الثّقافة العمانيّة، لما له من تأثير في المشهد الثّقافي العماني لخمسة عقود سابقة، وله العديد من المقالات والبحوث والإصدارات، ومن كتبه عمان في عيون زوّارها، ومع الأدب العمانيّ، وحول الثّقافة، وغيرها، وكتابه الأخير حول الأديب عبد الله الطّائيّ، وقد ساهم الفلاحيّ منذ بداية السّبعينيّات من القرن العشرين في النّادي الجامعيّ ونشرتِه الثّقافة الجديدة، كما أصدر مجلّة الغدير في ديسمبر 1977م، حيث بدأت كنشرة، ثمّ تحوّلت إلى مجلّة شهريّة، وتوقفت في يوليو 1984م.

في الابتداء هل ممكن الحديث حول الأجواء الثّقافيّة قبل حكم السّلطان قابوس [ت 2020م]، أي قبل عام 1970م؟

أحمد الفلاحي: من المناشط الثّقافيّة آنذاك الصّحافة، والصّحافة قبل عام 1970م معروفة عند القلّة من العمانيين، وأصدر بعض العمانيين صحفا في زنجبار، وبعض المشائخ في عمان مثل أبو سلام الكنديّ [ت 1960م]، وعيسى بن صالح الحارثيّ [ت 1946م]، وعبد الله الطّائيّ [ت 1973م]، كانت تصلهم بعض المجلّات من الخارج، خصوصا من مصر، وبعض المشائخ في الدّاخل كانوا لا ينصحون بقراءة المجلّات، حيث يرونها مضيعة للوقت، ولها تأثير سلبي على النّاس، وفي المثل: عدو المرء ما جهل، فكانوا يجهلون الصّحافة وقيمتها وطبيعتها، وكانت عُمان شبه منقطعة عن العالم، عدا الّذين خرجوا من عمان، وانفتحوا على الثّقافات الأخرى، كما في مصر والعراق والكويت، ولكن هؤلاء أنفسهم لمّا يعودون إلى بلدهم عمان يجدون كلّ شيء كما خلقه الله تعالى، فيركبون الحمير بدل السّيارات، ويمارسون حياتهم بالطّرق البدائيّة.

ولم تكن صحافة تصدر في عمان قبل 1970م، ولكن قيل إنّ نشرة كانت تصدر في سمائل بخطّ اليد، وبعد حادثة الجبل الأخضر، وخروج الإمام غالب الهنائيّ [ت 2009م] من عُمان، وكان للإمامة مكاتب في الخارج كما في الدّمام وبيروت وبغداد ودمشق والقاهرة ثمّ الجزائر بعد الاستقلال، وكانت المكاتب شبيهة بالسّفارات، وكانت لهم بعض النّشرات، كما كان للجبهة في ظفار نشرات ومجلّات، مثل 9 يونيو، وكان يكتب فيها عمانيون وبحرينيون وغيرهم.

وأنا شخصيّا قبل عام 1970 كنتُ صغيرا في السّن، وخرجتُ من عماني وعمري خمسة عشر عاما، ورجعت وعمري عشرون عاما، وعشت في الكويت فترة بسيطة، وكانت لدي هواية أكتب بعض الخواطر البسيطة، وكنت أرسلها إلى إذاعة لندن BBC، وإذاعة صوت العرب، والإذاعة العربيّة الموجهة إلى آسيا في مصر، وكانوا يذيعون بعضا منها، مثلا يختارون خمسة أسطر، ويخبروننا أنّ مساهمتك ستذاع في اليوم والوقت الفلاني، وكنّا نفرح وننتظر وقت بثّ تلك الفقرة البسيطة، لكنني لم أكتب في الصّحف.

بدر العبريّ: ارتبط الفلاحيّ في عام 1971م بالنّادي الوطنيّ الثّقافيّ في مطرح، وكانت لهم نشرة الثّقافة الجديدة، وكنتَ عنصرا فاعلا في النّادي الوطنيّ الثّقافيّ ونشرته؟

أحمد الفلاحيّ: فكرة النّادي الوطني الثّقافي تعود إلى وزير الإعلام السّابق الشّيخ حمد بن محمّد الرّاشديّ [معاصر]، وكان حينها أصغر منا سنّا، وكنّا نعمل معا في الإذاعة، مع صديقه يحيى بن سعود السّليميّ [معاصر]، الّذي أصبح لاحقا أيضا وزير التّربية والتّعليم، فاقترح حمد الرّاشدي أن نؤسّس ناديا يختلف عن الأندية الرّياضيّة الأخرى، ولم يكن حينها تعقيد في إنشاء الأندية، فحصلنا على التّرخيص بسرعة، فهو بدأ بالرّاشدي وأصدقائه، ثمّ دخلت معهم، وكان معنا مجموعة من المهتمين بالثّقافة حينها، وأشركنا من كان يكبرنا سنّا، مثل محمود الخصيبيّ [ت 1998م]، وخميس بن حارب الحوسنيّ، وعبد الله بن صخر العامريّ [ت 2001م].

وكان للنّادي نشاط ثقافيّ كبير، حيث يقيم المحاضرات والنّدوات بشكل متواصل، وكانت لديه فرقة للموسيقى، وفريق للشطّرنج، والفنّ التّشكيلي، والرّسم، وغيرها، وفيه مكتبة، واستضفنا شخصيّات عديدة، مثل الشّيخ أحمد الخليليّ [معاصر]، وألقى محاضرة حضرها عدد كبير، والشّباب الّذين يدرسون في القاهرة ودمشق وبغداد لمّا يرجعون في الصّيف يعملون لنا ندوات مرتبطة بالمجتمع والثّقافة.

ومن أهم أنشطة النّادي أنّهم فكّروا في إصدار نشرة، سميت بالثّقافة الجديدة، وكان الاسم اجتهادا منّا، ولأنّ عمان في بداية نهضتها سمّيناها بالجديدة لتتمايز عن التّقليديّة، ولم نكن نعلم حينها أنّ هذا الاسم كان لمجلّة تمثل الحزب الشّيوعيّ العراقيّ، وكانت مجلّته الرّسميّة.

واستمرت هذه النّشرة من سنة إلى سنتين، كانت تسحب على الاستنسل، وقليل من يستخدمه الآن وربما لا يستخدم، وكان القليل من الشّباب من يعرف استخدامها آنذاك، ويستخدمون أوراقا خاصّة، ويدخلونها في الجهاز، ثمّ يسحبونها، وتمتلئ ملابسهم من حبر الأوراق، ثمّ رأينا طباعتها على آلات متقدّمة، وتبّرع ابن عم يحيى بن سعود السّليمي – وكان تاجرا في مطرح – بطباعتها في دبي، وطبعنا بضعة أعداد منها في دبي، وأمّا الغلاف فيكون جاهزا مسبقا، ثمّ يلصق بأوراق النّشرة، ولمّا فتحت المطابع العالميّة في مطرح، وكان يعمل فيها أحمد بن نصيب الشّنفريّ، وعن طريقه كنّا نطبع فيها، وطبعنا العشرات من الأعداد فيها، وتوقفت المجلّة في عام 1977م، حيث حدثت إشكالات في النّادي فتوقف وتوقفت معه المجلّة.

بدر العبريّ: من المجلّات في السّبعينيّات مجلّة السّراج، وتزامنت مع مجلّة الثّقافة الجديدة في أوخر الثّانية، ماذا تذكر عنها؟

أحمد الفلاحيّ: مجلّة السّراج مجلّة راقية جدّا، وكان يصدرها الأستاذ سالم الغيلانيّ [ت 2016م]، والغيلانيّ لمّا رجع من أبو ظبي عيّن وكيلا لوزارة التّربية والتّعليم بعد عمله لفترة بسيطة في قطاع التّدريس وكان الوليد بن زاهر وزيرا للتّربية حينها، وقبل ذلك عمل الغيلانيّ في العين بأبو ظبي مديرا في إحدى دوائر التّربية هناك، حيث لمّا رجع العمانيون رجع هو إلى أبو ظبي في بداية حكم الشّيخ زايد بن سلطان [ت 2004م]، وقبل ذلك كان في وزارة التّربية بالكويت، ولي مقالة إحتفائيّة حول الغيلانيّ لمّا كرّم في الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء قريبا.

وتأسّست المجلّة في عام 1976م، وعيّن لها صحفيّا مصريّا معروفا وهو محمود رضوان، وكتب فيها الكثير من الكتّاب العرب، وبعض العمانيين؛ لأنّ القليل منهم حينها من يحسن الكتابة الصّحفيّة، وكانت أوسع في مجالاتها الأدبيّة حول الشّعر والنّثر والأدب بشكل عام، وأنا شخصيّا لم أكتب فيها.

بدر العبريّ: من المجلّات في هذه الفترة أيضا مجلّة الوعيّ الّتي كان يصدرها مسجد الرّسول الأعظم في مطرح، وصدر العدد الأول منها في غرّة محرّم 1398م، أي في الثّاني عشر من ديسمبر 1977م، ماذا تذكر عنها؟

أحمد الفلاحيّ: تزامنت مجلّة الوعيّ مع مجلّتنا الغدير، وأذكر رئيس تحريرها مصطفى عليّ محمود [المعروف باسم مصطفى علوان] [معاصر]، وكان حينها شابّا يعمل معنا في دائرة الأخبار في الإذاعة، وصديق قريب منّا جدّا، وكان محبّا للأدب والثّقافة، ومجلّة الوعي جيّدة فيها بعض المقابلات والتّحقيقات، وأقرب إلى الصّبغة الدّينيّة.

بدر العبريّ: ما أهم المجلّات أيضا في السّبعينيات في عمان، وأثرت المشهد الثّقافيّ، ولم نذكرها؟

أحمد الفلاحيّ: هناك مجلّات عديدة في بداية النّهضة الجديدة، منها مجلّة النّهضة لصاحبها طالب المعوليّ [ت 1998م] في عام 1972م أو 1973م، [ثمّ أشرف عليها ابنه زياد بن طالب المعوليّ [معاصر]، وهي إلى اليوم مستمرة]، كذلك مجلّة العقيدة لصاحبها سعيد بن سمحان الكثيريّ في عام 1973م، ومجلّة الوحي وكانت تصدر عن الأوقاف حينها، وتوجد مجلّة صدرت في عام 1971م لا يحضرني اسمها، وغيرها من المجلّات.

بدر العبريّ: أسّستم مجلّة الغدير في ديسمبر عام 1977م، من أين جاءت الفكرة، ولماذا سمّيت بالغدير؟ هل من غدير الماء، أم له علاقة بغدير خم وهي المناسبة الشّهيرة عند الشّيعة الإماميّة؟ وكيف كانت طباعتها؟

أحمد الفلاحيّ: مجلّة الغدير جاءت مباشرة بعد توقف النّادي الوطنيّ الثّقافيّ وإغلاقه في عام 1977م، لكن مجلّة الغدير صدرت عن نادي المضيرب بولاية القابل في محافظة الشّرقيّة، حيث تأخر تأسيس النّادي، وكان للمشائخ حينها خصوصا كبار السّن توجس من كلمة نادي، ويستشهدون بالآية: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29]، واعتقدوا باحتماليّة إفساد النّادي للجيل الصّغير والشّباب، فكنّا نطالب بالموافقة على تأسيس النّادي إلا أننا نصطدم بالمعارضة من قبل الشّيوخ، وكان لهم ثقل في الجهات الرّسميّة آنذاك، خاصّة وقد جمعوا بين كونهم شيوخ دين وقبيلة معا.

وصدرت المجلّة في البداية مثل مجلّة الثّقافة الجديدة كنشرة في إحدى عشر عددا تطبع عن طريق الاستنسل، ولما كان العدد الثّاني عشر توافق مع العيد الوطني الثّامن حينها، وكنّا نريد إضافة الصّور لهذه المناسبة الوطنيّة، وهذا لا يتحقّق مع النّشرات، فقررنا أن تطبع على شكل مجلّة، ولم يقصّر أحمد بن نصيب الشّنفري، وكان مديرا عامّا في المطابع العالميّة، فقال لنا: نخدمكم بما تقدرون دفعه والباقي علينا، فاتّفقنا على طباعة العدد بمائة وخمسين ريالا عمانيا، وخرج العدد بصورة جميلة ولائقة، وبعد صدور العدد كمجلّة حدث خلاف في النّادي، فالنّادى أراد أن ترجع كنشرة لضعف إمكاناته الماديّة، واعترضنا عليهم أنّه لا يصح الرّجوع إلى الخلف، فما دام تطوّرنا إلى المجلّة بصورة أكثر جاذبيّة وتطوّرا؛ فلا ينبغي أن نرجع إلى طباعتها كنشرة عن طريق الاستنسل، وحدث الاتّفاق في المواصلة كمجلّة عن طريق استغلال موضوع الاشتراكات، حيث تولّدت لدينا خبرة حينها أنّ المجلّات قوّتها في الاشتراكات، فذهب الأخوة حينها إلى شركة شركة تنمية نفط عُمان (PDO)، وإلى وزير الدّيوان حينها السّيد حمد بن حمود [ت 2002م]، وكان محبّا للثّقافة ومشجعا لها، وإلى بعض الجهات الرّسميّة؛ وحصلوا على بعض الاشتراكات البسيطة، ويسّر ذلك أنّ اشتراكات المجلّة كانت بسيطة لا تتجاوز خمسة عشر ريالا في العام الواحد، وخفف هذا العبئ على النّادي، وأصبح لا يدفع شيئا، بل أصبح هناك فائض مادّي، لهذا توسعت، واستمرت، وأصبح لها حضور وقبول جماهيري في عمان عموما، وشمل القبول الرّسميين والمشايخ والمثقفين وغيرهم، ونظمت في المجلّة العديد من القصائد، ومن هؤلاء مثلا من الشّيخ خالد بن مهنا البطاشيّ [ت 2004م]، والشّيخ عبد الله بن عليّ الخليليّ [ت 2000م]، والشّيخ سالم بن حمود السّيابيّ [ت 1991م].

وأمّا سبب تسمية المجلّة بالغدير، حيث لما أخذنا رخصة في إقامة النّادي أردنا أن لا يكون تكرارا للأندية الأخرى، حيث نعمّق النّشاط الثّقافي من أمسيات وندوات ومحاضرات ومسابقات، ومن ضمن ذلك إصدار نشرة، فعهدت إلينا الإدارة أمر النّشرة، لما كان لنا من متابعة وارتباط مع مجلّات خارجيّة كالعربي والهلال والآداب وغيرها، فاجتمعنا في أول اجتماع كفريق بسيط، ومعنا عبد الله بن أحمد الحارثي – أبو اليقظان -، وأصبح عضوا في لجنة تحرير المجلّة، وحدث الجدل في اسم المجلّة، فبعضهم اقترح اسم صوت عُمان، واقترح أبو اليقظان أن تسمّى الغدير، وأنا اعجبني اقتراحه، وقلتُ اثني على اقتراحك؛ لأنّ الغدير رمز للخصوبة والماء، وهو أساس الحياة، فأردناه معنويّا أن يكون رمزا لخصوبة الفكر والثّقافة والأدب، ووافقوا على هذه التّسمية، ووافقت الإدارة عليها كذلك، ولم يكن في ذهننا يومها لما ذكرتَ من قضيّة عيد الغدير عند الشّيعة الإماميّة، أو غدير خمّ.

بدر العبريّ: المطّلع على الصّفحة الأولى من المجلّة يجد عبد الله بن أحمد الحارثي – أبو اليقظان – كان رئيس التّحرير، [تعقيب الفلاحي: وكان رئيسا للنّادي أيضا]، وكنتَ أنت – أي الفلاحي – مديرا للتّحرير، وفي تعقيبات المجلّة وصفك البعض بدينامو المجلّة، ووصفك آخرون بالأب الرّوحي لها، هل لهذا قصّة، أم مجرد ناحية تنظيميّة؟

أحمد الفلاحيّ: ربّما يعود هذا إلى أصل اقتراح النّشرة، حيث كان الاقتراح من قبلي، وكانت لدي صلة كبيرة بالصّحافة داخل وخارج عُمان، فاقترحت اللّجنة وإدارة النّادي أن أكون مدير التّحرير، فوافقتُ، وأبديت استعدادي لذلك، فكنت مديرا للتّحرير في جميع الأعداد لما يقرب من سبع سنوات، بيد أنني كنت صغيرا حينها، فلست أبا روحيّا، والأخوة كانوا أيضا يعملون معنا، ومنهم رئيس التّحرير، وكان يساعد قدر الاستطاعة، ولا يتدخل [أي يعطي مساحة من الحريّة للعمل].

بدر العبريّ: كيف تقرأ فضاء الحريّة حينها وقت تأسيس وصدور الغدير، وهل كانت وزارة الإعلام حينها تراقب مقالات المجلّة قبل طباعتها أو خروجها إلى المجتمع؟

أحمد الفلاحيّ: نظام وزارة الإعلام حينها هو ذاته اليوم يدور وفق قانون المطبوعات والنّشر، ونحن لمّا قدّمنا تصريحا لإصدار النّشرة قدّمناها على أساس أنّها تصدر عن نادي، وهو المسؤول عنها، وكنّا يوما شبابا صغارا نحمل من حماس الشّباب أكثر من حكمة الشّيوخ، ونرى حينها حماس الصّحف والإذاعات، فكنّا نكتب وننشر ما يعتبرونه خروجا عن الإطار العام، ونجد في الابتداء تنبيها من وزارة الإعلام، وكثيرا ما يغضّون النّظر في بعض المواضيع، عدا ما حدث في عام 1982م من اجتياح إسرائيل لبيروت، واحتلّتها سبعين يوما، والمقاومة الفلسطينيّة وعلى رأسها “فتح” حينها متركزة في لبنان وبيروت خصوصا، فثارت النّفوس العربيّة على هذا العدوان، وشعر الشّباب بالخزي والعار على السّكوت حول هذا الاعتداء، فكتبتُ حينها مقالة في باب مقالة العدد بعنوان “المأساة” في أغسطس 1982م، وهنا غضبت وزارة الإعلام وصادرت العدد، بدعوى خروجنا عن الخطّ الثّقافيّ إلى الجانب السّياسيّ، وطبيعة وزارة الإعلام حينها لا تسأل لمّا تكتب، [فلك الحريّة في ذلك]، ولكن لمّا يجهز العدد يذهب أولا إلى الوزارة، فيقرأونه مباشرة، فإذا وافقوا ختموا عليه، وإذا لم تتم الموافقة يصادرون العدد، وهذا ما حدث مع هذا العدد، حيث لم يوافقوا عليه، فجاء قرار بتوقيف المجلّة، فلم تصدر المجلّة في أغسطس وسبتمبر وأكتوبر، ولمّا كان العيد الوطنيّ في نوفمبر من العام نفسه جاءتنا فكرة إصدار عدد خاصّ عن العيد الوطنيّ، وفي تصوّرنا لن تمنع وزارة الإعلام ذلك، ولمّا أرسلنا العدد للموافقة عليه؛ فعلا وافقوا عليه، ورجعت المجلّة مرة أخرى.

بدر العبريّ: هل كان السّلطان الرّاحل قابوس بن سعيد [ت 2022م] يتابع المجلّة، وكذلك يوجد لقاء وبعض التّقريرات عن السّلطان الحالي هيثم بن طارق؟

أحمد الفلاحيّ: بالنّسبة للسّلطان قابوس بلغني من بعض الوزراء القريبين منه أنّه كان يتابع المجلّة، وأخبرني بعض الوزراء أنّه في إحدى انعقادات مجلس الوزراء طالب أحدهم بتوقيف المجلّة، حيث أزععجتهم بعض الأطروحات، وأنّها تخرج عن القوانين المنظمة، وكان السّلطان قابوس يقابلهم بالابتسامة، ويتجاهل الموضوع، وأمّا السّلطان هيثم فقد كان قريبا منّا، وعلى صلة مستمرة بالمجلّة، وكان وزير التّراث والثّقافة.

بدر العبريّ: هل خرّجت المجلّة أقلاما ثقافيّة وأدبيّة نشأت مع المجلّة، واشتهرت لاحقا؟

أحمد الفلاحيّ: نعم، العديد من الأقلام الّتي برزت لاحقا، كانوا يكتبون في الغدير، وبعضهم بدأ الكتابة فيها، ومن هؤلاء مبارك العامريّ [2020م]، ومحمّد الحارثيّ [2018م]، وزاهر المحروقيّ [معاصر]، وغيرهم، وقد تأتينا مقالات من جميع أرجاء عُمان، ولم نردّ مقالا [إذا كان مناسبا]، وكنّا نعمل استطلاعات شهريّة عن ولايات السّلطنة، فنخصّص ولاية لكلّ شهر، ويكتبه أبناء تلك الولاية في الغالب.

بدر العبريّ: بعض الأقلام لها كثرة في المجلّة، مثل عليّ بن محفوظ المنذريّ [معاصر]، وسالم الغيلانيّ، وعبد الله الرّياميّ [معاصر]، وسعيد الزّعابيّ [معاصر]، وغيرهم، هل توقفت هذه الأقلام بعد فضاء مجلّة الغدير؟

أحمد الفلاحيّ: نعم، بعضها توقفت، وهناك اختلاف عند آخرين، وأمّا ما ذكرت من أسماء فعليّ بن محفوظ – أخ الوزير يحيى بن محفوظ – كان لديه باب شهري في المجلّة، وكانت مشاركاته قصيرة لكن يوجد فيها عمق، وأمّا سعيد الزّعابيّ كان يعمل في وزارة الخارجيّة، ومهتم بالكتابات الدّينيّة، ثمّ تراجع بعد ذلك، وعبد الله الرّياميّ كان مكثرا في الكتابة، وأحيانا يكتب بتوقيع أدبي.

بدر العبريّ: من خلال تجربتك المقاليّة؛ كيف تقرأ هذه التّجربة مع الغدير؟

أحمد الفلاحيّ: كنتُ حينها منطلقا، وكان لي مقال العدد في جميع أعداد الغدير، كما أكتب أيضا كلمة الغدير، وهي قصيرة جدّا، وكنت أكتب في مقال العدد حول قضايا مختلفة، وشؤون متباينة، وبعضها قضايا حيّة، [وجمّعت هذه المقالات في كتب، مثل كتاب تأمّلات الصّادر عن المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر في بيروت 2013م، وفيه خمسة عشر مقالة من الغدير؛ وكتاب من الحياة الصّادر عن دار الانتشار 2011م، وفيه اثنتي عشرة مقالة من الغدير؛ وكتاب متابعات الصّادر عن موسّسة الرّؤيا للصّحافة والنّشر بمسقط 2009م، وأغلب مقالاته من الغدير]، وعموما انتقيت هذه المقالات بسبب إلحاح بعض الأخوة، وابتدأت بكتاب حول الثّقافة في 2007م، وقسّمته إلى نصفين: النّصف الأول عن الثّقافة في عُمان، والنّصف الثّاني عن الثّقافة في الوطن العربيّ، وهناك مقالات كثيرة لم تنشر، بعضها حول التّفكير، وأخرى حول تراجم الأعلام، [صدر مؤخرا عن دار الانتشار 2022م كتاب مع عبد الله الطّائيّ في التّراجم].

ومع هذا بعد توقف الغدير لم أتوقف عن الكتابة، ونشرتُ في جريدة عُمان والوطن، ومجلّات وجرائد أخرى، لكنني لم أكثر من النّشر خارج عُمان في الصّحف والمجلّات عموما.

بدر العبريّ: من يتأمل الغدير يجد لقاءات عميقة ومتنوعة، حيث حوت أكثر من خمس وخمسين لقاء، مع شخصيّات أدبيّة ودينيّة وثقافيّة ورياضيّة ورسميّة وتأريخيّة وفنيّة، مثلا مع سعيدة خاطر، وزمزم مكّي، وسميرة المعمريّة، والشّاعر سالم الكلباني، وسعيد الصّقلاويّ، وأبي سرور الجامعيّ، وسالم بن حمود السّيابيّ، والشّيخ أحمد بن حمد الخليليّ، وغيرهم كثير، كما يوجد العديد من خارج عُمان، مثل عليّ ميرزا محمود من قطر، وعبد الرّحمن العشماويّ من السّعوديّة، هذه اللّقاءات العميقة ألم يحن الوقت في إصدارها في كتاب مستقل، حتّى لبعضها، كتوثيق لتلك الفترة الزّمنيّة؟

أحمد الفلاحيّ: في الحقيقة حتّى الآن لم تراودنا الفكرة، وكان في المجلّة باب ثابت باسم ضيف الغدير، والأسماء غير العمانيّة جاءت إلى عُمان مشاركة في بعض الأمسيات والمهرجانات الثّقافيّة، فنستغل الفرصة، ونعمل معهم حوارات، مثل مقابلتي مع الأستاذ إبراهيم العريض.

السابق
قامات ثقافيّة ومعرفيّة في جامعاتنا تفتقدها مراكزنا الثّقافيّة
التالي
لقاء حول تديين الكرة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً