يتكرر كثيرا دعاية الكتب الأكثر مبيعا وقد تكون لأسباب تعود إلى محتوى الكتاب، أو إلى المؤلف، أو إلى النّاشر، أو لأسباب وهميّة، ودعايات ملفقة، إلا أنّه من المتفق مبدئيا بين الجميع أنّه لا علاقة بين محتوى الكتاب وكونه أكثر مبيعا، فكم من كتاب عميق معرفيّا؛ إلا أنّه لا يلق حظّه من الانتشار ما يلقاه غيره من الكتب الأقل عمقا، فكون الكتاب أكثر مبيعا لا يعني بحال أنّه الأفضل معرفيّا، وهذا لا يعني التّقليل منه إذا كانت المعايير منصفة ودقيقة، ولكنّها في الغالب ليست دقيقة، وقد يكون ورائها دعايات إعلاميّة أو سياسيّة أو دينيّة؛ لجذب جمهور أكبر لفكرة ما، أو لتحقيق أكبر ربح من الكتاب، ومثل هذا مثلا أغنية ما تحقق مشاهدات أكبر في فترة قصيرة، فهذا لا يعني أنّها الأجود من حيث الكلمات واللّحن والأداء والصّوت، فقد يكون لها أسباب جعلتها في المقدّمة، وأخرت الأفضل منها!!
فإذا أتينا إلى محتوى الكتاب قد تحقق كتب الطّبخ أو الجنس، أو روايات العلاقات الغراميّة، أو القصص البوليسيّة، أو كتب الرّياضة والإثارة، أو كتب السّحر والخرافة ونحوها؛ قد تحقق هذه الأعلى رتبة من غيرها، ولكن لا يعني أنّ كتبا أخرى لا تحقق ذلك، وأحيانا لسبب ظرفيّ، فقد يكتب شخص عن حادثة ظرفيّة أحدثت ضجّة في مكان ما، ويحقق انتشارا كبيرا ولو المحتوى هزيل في جملته، إلا أنّ ظرفيّة الحادثة أدّت إلى انتشاره.
وكذلك بالنّسبة للكاتب؛ فقد تكون منزلته وشهرته السّياسيّة والدّينيّة والمجتمعيّة وكثيرا الفنيّة والرّياضيّة سببا في أن يحقق الكتاب الأكثر مبيعا ولو على مستوى محدود مكانيّا، وأحيانا وجود صورته أو الكتابة عنه طريق كبير لا نتشار الكتاب، فكيف إذا كان الكتاب من إعداده!!!
وأحيانا يشتهر الكاتب بعد موته، فينتشر الكتاب، ويحقق انتشارا كبيرا بعد موته أكثر ممّا كان في حياته، وأحيانا لاعتبارات إنسانيّة يشتهر بها، كتعرضه لاعتقال أو إيذاء أو عاهة أو نقيصة، فيتعاطف النّاس معه!!
وقد يكون من الأسباب منع الكتاب من تداوله لسبب سياسيّ أو دينيّ أو مجتمعيّ أو أخلاقيّ فيكون المنع سببا في ردّة الفعل، فكلّ ممنوع مرغوب كما يقال، وإن أردت انتشار كتاب فضع دعاية أنّه منع، فيقبل النّاس إليه من باب وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت؛ أتاح لها لسان حسود، كما يقول أبو تمام [ت 231هـ].
وأمّا إلى النّاشر فمن مصلحته تحقق هذه الدّعاية، فيقول مثلا كان هذا الكتاب الأكثر مبيعا، بيد أنّه طبع القليل منه، أو سحبت النّسخ الأكبر لاعتبارات خارجيّة، أو لم يكن صادقا في دعواه كعادة العديد من التّجار، فالنّاشر ينظر كثيرا إلى الجانب الرّبحيّ، والدّعاية في مثل هذا ولو غير صادقة تحقق أرباحا كثيرة!!
ثمّ أنّه في مجتمعنا العربيّ لا يوجد في الحقيقة معايير دقيقة، وكثيرا ما يصاحبها مراعاة الاعتبارات السّياسيّة أو المجتمعيّة، ولهذا لا يمكن الاعتماد عليها، أو اعتمادها بشكل مطلق!!!
فحاصل ما سبق ذكره كما أسلفنا لا علاقة بقوّة محتوى الكتاب بكثرة الانتشار، خاصّة في مجتمعاتنا، لأسباب أسلفنا ذكر أهمها، وهذا أيضا لا يقلل من قيمة العمل، فقد يكون المحتوى وقوّة الكاتب سببا لانتشاره وإن كان بصورة أقلّ!!
والمطلوب هنا من القارئ والمشتري أن لا ينخدع بمثل هذه الدّعايات، فعليه بداية أن ينظر في محتوى الكتاب، وأن يعرف لمن يشتري وماذا يشتري، حتى يكوّن مكتبة معرفيّة ذات جودة تعينه مستقبلا على القراءة الدّقيقة، والبحث الدّقيق.
مجلّة المسار الاكترونيّة العمانيّة 1440هـ/ 2019م