المقالات النقدية

ترامب والإسلام والمجتمع العربيّ

لستُ هنا بصدد الحديث عن ترامب، فلستُ محللا سياسيا، ولا يهمني شخصه، والّذي يهمني أنّ ترامب صورة لأي حكم أو حاكم أيدلوجي عندما ينطلق من حيز صغير للعالم، وينطلق من هذا الحيز الصّغير ليس في فهم العالم وإنّما حتى في تعامله مع الآخر.

التّعدد الأيدلوجيّ طبيعي، ولكن التّعصب والبغي عن طريق استغلال أيدلوجية الولادة أو الانتماء شر في الأرض، أيا كان موقع هذا الإنسان.

لقد عانت جميع الأديان من المتعصبين مذهبيا وطائفيا، حيث ينطلقون ويتعاملون وفق فكرة الذات وإلغاء الآخر.

لقد عاني التّأريخ الإسلامي – المسيحي صراعا لقرون فيما عرف بالحروب الصّيليبية، كما أنّ الحرب الأهلية في الثمانينيات في لبنان بين المسلمين والمسيحيين أكلت الأخضر واليابس، وجعلت من لبنان عجوزا شمطاء بعدما كانت عروسا تجذب النّاظر إليها، وهذا ما حدث في العراق مؤخرا من قبل داعش.

وفي الوقت نفسه عاش العالم العربي تناغما كبيرا بين المسلمين والمسيحيين لفترة طويلة من الزّمن؛ بل هي الفترة الأطول قياسا بفترة الصّراع.

والحال نفسه بين المسلمين واليهود، فكما يسجل الكاتب اليهودي أوري أفنيري التناغم الكبير الذي كان في غالب التأريخ بين أتباع الديانتين، إلا أنّ التعصب الصهيوني واحتلاله لأرض فلسطين، وانطلاقه أيدلوجيا انحرف بخريطة التناغم والتعايش إلا في ندرة قليلة.

إنّ الذي أخشاه ليس ترامب بقدر أن يتجه هذا التعصب الأيدلوجي إلى إحياء الصّراع من جديد، خاصة إذا انطلق من المسيحية المتعصبة، وأن يرجع بالعقل التسامحي والتعايشي بين أبناء الديانتين إلى الخلف سنين.

في الحقيقة كل الديانات فيها متعصبون وفيها أيضا متعايشون منفتحون على الآخر، فإذا ساد الفريق الأول وهم قلة حدث في الأرض بلاء وفساد كبير.

إن تقوية القانون التعايشي وسد باب التعصب هو المهم لهذه المرحلة، فالمسلمون ليسوا سواء كما أنّ المسيحيين واليهود ليسوا سواء أيضا.

والآن ما موقعنا نحن العرب اليوم، فأمة العرب تضم أجناسا وأعراقا وثقافات وتوجهات دينية ومذهبية متعددة، ولقد عانت في الأخير من ثلاث سوءات أثر عليها سلبا:

الأولى: الاحتلال الصهيوني لجزء من أرضهم.

الثانية: الصراع الطائفي وشيوع التيار المتعصب إسلاميا، واتكاء السلطات السياسية عليه.

الثالثة: الاستبداد السياسي، والذي ولد ضعفا اقتصاديا وتخلفا تعليميا ومجتمعيا.

كل هذا كانت نتيجته ما نراه اليوم من طبقية واضحة، وعدم رؤية واضحة، فأموال تهدر في حفلات الملوك ورجال الأعمال، يقابلها لاجئون وفقراء يفتقدون أبسط معاني الإنسانية!!

لقد اشبعونا في خطاباتهم بالعزة والمروءة العربية ولكن تغيب هذه المروءة لأدني خلاف سياسي، فيلغى الإنسان لهذا الخلاف، ولا تصبح للآخر قيمة…

عندما يكون الإنسان العربي بغض النظر عن دينه ومذهبه وتوجهه وبلده هم الجميع صحيا ومعرفيا وإنتاجيا، يومها يكون الحديث عن العروبة لها معناها وقيمتها.

لا أتحدث عن العرب تعصبا، فالإنسانية انتمائي وتوجهي، ولكن لا يعني هذا أن أتألم كما يتألم غيري حين يغيب الجمال العروبي عن الإنسان في جملته بسبب التخلف والتعصب السياسي والديني الطائفي.

إن ما نعانيه من ضعف وتشرذم الخروج منه ليس بالخلافة المتوهمة، فالتعددية إذا أحسنا التعامل معها كانت أقوى في النتاج والبقاء، وإنما الخروج عندما يكون هم الإنسان في العالم العربي واحدا، كان في المغرب أم اليمن أم السّودان أم فلسطين أم العراق أم غيرها.

وإن التعددية الإسلامية بمذاهبها والمسيحية بطوائفها، وجميع الأقليات والتوجهات جمال عروبي يستغل في بناء الإنسان، مع استثمار هذا الإنسان لبناء الأرض وصلاحها.

إن الحروب والصراعات السياسية والطائفية وشيوع خطاب الإقصاء ليس في مصلحة أحد، وإنما في مصلحة المتعصبين والإيدلوجيين الذين يبغون في الأرض فسادا ولا يصلحون.

ترامب في الحقيقة وتوجهه الأيلدلوجي المتعصب فرصة لمراجعة الذات، وتقليب الأوراق من جديد، وإن بناء الذات، والانشغال بالذات، من خلال صناعة الإنسان العربي، واستغلال طاقاته، وتوجيه الإنسان العربي نحو الإنتاج والبناء هو الطريق الوحيد لمواجهة أي تعصب خارجي، فالبغي يواجه بالبناء والحكمة لا بالتعميم والصراع، الذي سيكون ضحيته الإنسان أجمع.

إن العالم الغربي السياسي لن يهتم بنا يوما، ولا يهمه الإنسان العربي أصلا، لا مسلما ولا مسيحيا ولا يهوديا ولا غيره، فهو يهمه مصالحه، فكلما زاد تخلفنا وفقرنا وصراعنا وانشقاقنا كلما قدمنا له أكبر خدمة لغطرسته وكبريائه، ولا يعني هذا هضم الشعوب الغربية التي وقفت مع الإنسان مرارا، ولولاها لأفسد السياسيون الغربيون كما يفسد غيرهم من السياسيين والمتعصبين في الأرض والبلاد!!!

فيسبوك 1438هـ/ 2017م

السابق
تحريف القرآن الكريم
التالي
نوفمبر … الشهر الّذي كُفّر فيه مفدي زكريّا
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً