المقالات الإجتماعية

أتجمعنا يد الكرة وتبعدنا يد السّاسة!!

بداية نبعث تهانينا للمنتخب الوطنيّ العمانيّ على تحقيق بطولة كأس الخليج في دورته الثّالثة والعشرين المقامة بدولة الكويت الشّقيقة، والشّكر مقدّما لحكومة الكويت قيادة وشعبا على تنظيمهم هذه الاحتفائيّة الرّائعة في وقت انقسم فيه البيت العربيّ والخليجيّ، وانبعثت فيه روائح الفرقة والانقسام والخصام، وقلّ فيه صوت العقل والحكمة، وارتفع صوت الانشقاق والعداء للآخر، فشكرا حكومة الكويت، وشكرا أميرها أمير الإنسانيّة والحكمة.

والجميل أيضا أن تشارك في هذه الاحتفائيّة دولتي عراق الحضارة، ويمن السّعادة، والعرب عموما أمّة واحدة، إلا أنّها من حيث بعض المشتركات تنقسم إلى أربعة أقسام – في نظري -: الجزيرة العربيّة ويدخل فيها العراق واليمن، ومصر والسّودان، وبلاد الشّام، والمغرب العربيّ الكبير، فدخول العراق واليمن إلى كأس الخليج أمر رشيد؛ لأنّ المشترك واحد، اللّغات والقبائل والطّبيعة واحدة في الجملة.

وفي الحقيقة يكاد هذا أول مقال أكتبه في الرّياضة والكرة خصوصا؛ لأنّي لم أتعلّق يوما بها، وكانت أصعب حصة لي في الأسبوع أيام الدّراسة حصة الرّياضة، ولا زلت أذكر محاولتي الهروب ولو التّأخر في مكان منعزل ولا حضور حصة الكرة، وإن كان الرّشيديّ حارس المرمى كانت له السّمعة والرّيادة إلا أنّه أذكر في سنواتنا كان الّذي لا يعرف اللّعب يجعل حارسا، فإن سجل في مرماه الهدف كان الصّريخ والشّتم ضده، فهو بين أمرين: الهروب والابتعاد، أو الصّراخ في وجهه والشّتم، حتى فرّجها الله وصارت ليست ملزمة من قبل معلّم الرّياضة المصريّ حينها!!

لهذا نشأنا بعيدين عن الكرة وعشقها وثقافتها، وعليه لن أتحدث عن هذا الجانب فالبضاعة مزجاة، ومع أننا عايشنا أكثر من كأس للخليج، ورغم عدم متابعتي ومعرفتي لما يجري فيه؛ إلا أنّ الدّوري الأخير أثر فينا من حيث لا نشعر، وكأنّ مغناطيسا تدفعنا لمعرفة ما يدور ويجري وإن لم نشاهد مباراة واحدة، ولا أتصور أنني أستطيع أن أتابع شوطا واحدا فضلا عن مباراة كاملة، وأكبر من يستطيع ذلك نفسيّة ووقتا!!

لقد كشفت وسائل التّواصل حقيقة الشّعوب، وكشفت حقيقة الشّعوب الخليجيّة باعتبار خليجي [23]، أنّها شعوب متحابة ومتآلفة، شعوب لم تحطمها يد السّاسة والفرقة!!

إذا كان الدّين والثّقافة والفنّ والإعلام تراجع في الخليج، ليتجه مع السّاسة والمال؛ إلا أنّ الكرة أثبتت أنّها مع الشّعوب المحبة للوحدة والألفة والسّلام، وإذا قال هشام الجخ في تأشيرته:

سئمنا من تشتتنا وكلّ النّاس تتكل

ملئتم فكرنا كذبا وتزويرا وتأليفا

أتجمعنا يد الله وتبعدنا يد الفيفا

إلا أنّ كأس الخليج الأخير كأنّ رسالته:

أتجمعنا يد الكرة وتبعدنا يد السّاسة

لما بدأت الاحتفائيّة سمعنا أصواتا عجيبة من هنا وهناك، ورأينا جنودا أكترونيّة، بعضها من شخصيات معروفة، أرادت أن تنزل السّياسة في الملعب، وتحوّل الرّياضة كما حوّلت الدّين والثّقافة والفنّ والإعلام إلى مهاترات سياسيّة، إلا أنّ الشّعوب أثبتت أرادتها، وقالت كلمتها: خليجنا واحد، وشعبنا واحد، وانطلقت من نفس المكان [الكويت] الّذي انطلقت منه هذه الأغنية الخالدة عام 1984م.

إنّ الشّعوب الخليجيّة والعربيّة قادرة على صنع إرادتها بنفسها، وعلى صنع أمجادها بذاتها، كما انتبه الأوربيون إلى ذلك بعد الحربين العالميتين، وقالوا كلمتهم الخالدة في صنع أوطانهم وأمتهم.

لا يهمني في الحقيقة فوز أيّ دولة لأنّها في النّهاية كرة؛ وإنّما يهمني مثل هذه الاحتفائيات الرّائعة، بيد أنّ فوز عمان، ولا أقولها لأنّي عمانيّ – فحاشا وكلّا – غير البوصلة، وأرجعها إلى مكانها الصّحيح؛ لأنّ سياسة عمان في احترام الآخر، وعدم التّدخل في شؤون الغير، مع احترام الآخر أيّا كان، وعفوية هذا الشّعب، جعل الجميع يتصور أنّ الجميع منتصر في النّهاية، فلو فازت بعض الدّول لربما رأينا شيئا آخر!!

وهنا لا ننسى بعض الجيوش الإلكترونيّة الّتي حاولت وتحاول إثارة البغضاء بين شعبين وهما في الحقيقة شعب واحد، الشّعب العمانيّ والشّعب الإماراتيّ الشّقيق، فهما جناحان في جسد واحد، وللأسف في الفترة الأخيرة من يحاول زرع الشّقاق والفتنة بين البلدين، إلا أنّ الهاشتاج الّذي أطلقه سمو الشّيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي أفسد ما يرجوه البعض، وكان الهاشتاج في الحقيقة تعبيرا عن إرادة الشّعبين، أنّ الفوز بين الجميع واحد، وهنا عندما ينزل السّاسة إلى أرادة الشّعوب تسير القافلة بسلام وأمان!!

والملفت أيضا في الدّوري الأخير أنّ الجميع تفاعل، حتى المتدين الّذي كان ينظر إلى الكرة بسلبيّة إلا أنّه تفاعل مع هذه الاحتفائيّة، لتوحد الجميع، والّذي ساعد ذلك هذا الجو المشحون بالضّباب الالكترونيّ والإعلاميّ، ولو كان الجوّ معتدلا لمرت هذه الفعاليّة كغيرها مع ضجيج قليل!!

وهنا أهيب بالمثقف والفنان وعالم الدّين والإعلاميّ وغيرهم، أن لا يكونوا أقلّ قدرا، فالشّعوب تبحث عن من يوحدها لا عن من يفرقها، تريد تقدّما وعدالة واقتصادا ومعرفة وإنتاجا، فليخدموا هذه القيم والمبادئ، وليتركوا المصالح الفئويّة جانبا، وعلى السّاسة أن تدرك أنّ الشّعوب أقوى، وإذا أرادت كان لها ذلك، فليكونوا أذن خير ومحبة للجميع، وعدل بين الجميع!!!

صحيفة شؤون عمانية 1439هـ/ 2018م

السابق
مذهب المدرسة القرشيّة
التالي
الأخلاق والعولمة: وخطوط الإنسان والقيم والخُلق
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً