في العدد 77، من تأريخ 29/10/ 1992م، كتبت مجلة الشّروق الجزائريّة صحيفة 12 هذا العنوان: نوفمبر … الشهر الّذي كفّر فيه مفدي زكريّا.
حيث سبق أن شنّ بعض شيوخ الدّين حملة ضدّ مفدي زكريّا، ومفدي زكريّا شاعر الثّورة الجزائريّة ومؤلف النّشيد الوطنيّ الجزائريّ «قسما» الّذي تضمن أبدع تصوير لملحمة الشّعب الجزائريّ الخالدة، وولد يوم الجمعة 12 جمادى الأولى 1326 هـ، الموافق لـ 12 يونيو 1908م، ببني يزقن، أحد القصور السّبع لوادي مزاب، بغرداية، في جنوب الجزائر، وتوفي عام 1977م.
وأصل اسمه زكريّا، ثمّ اشتهر بمفدي زكريّا أولا لأنّه جعله توقيعا أدبيّا، ثمّ أصبح اسما لشاعر الثّورة الّذي يردد نشيدها، وكان عضوا في جبهة التّحرير ممّا جعل فرنسا تزج به في السّجن مرات متواليّة، ثمّ فر منه سنة 1959 فأرسلته الجبهة خارج الحدود فجال في العالم العربيّ وعرف بالثّورة، وافته المنيّة بتونس سنة 1977.
أمّا قضيّة تكفيره فيعود إلى رائعته الوطنيّة الّتي كتبها في زنزانة من زنزانات سجن سركاجي بمدينة الجزائر، وكتبها على ورق لفاف الدّخان بقطرات من دمه، أخرجها بواسطة دبوز من شرايينه، وهرّبها إلى خارج السّجن مع المناضلين مثلما كانت تهرب التعليمات والقرارات السّريّة، قال فيها:
قسما بالنّازلات الماحقات
والدّماء الزّكيات الطّاهرات
والبنود اللّامعات الخافقات
في الجبال الشّامخات الشّاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا فاشهدوا فاشهدوا
ثمّ أرسلت القصيدة إلى صوت العرب ليلحنها الموسيقار محمد فوزيّ ت 1966م لتلحن كنشيد وطنيّ.
والسّؤال هنا ما سبب تكفيره؟ السّبب أنّه أقسم بغير الله تعالى، حيث أقسم بالنّازلات الماحقات، والدّماء الزّكيات الطّاهرات، والبنود اللّامعات الخافقات في الجبال الشّامخات الشّاهقات.
وعندما وجه العتاب إلى مفدي زكريّا أجاب قائلا: [إنّ ما كان يقع في الجزائر إنّما هو فوق طاقة البشر، وينبغي التّعبير عنه بالمعانيّ الّتي تتجاوز حدود مدارك البشر، وماذا تنتظر مني أن أكتب في قصيدة يراد منها أن تكون لحن الجزائر الخالد، يسير على وقعها المجاهدون، ويطلقون على أنغامها الرّصاص … غير مثل هذا الذي أنت يا شيخ شططا في المعانيّ، وأعتبره أنا الشّاعر إطلاقا لكلمات مجاهدة تعاون معنويا كتائب الإيمان].
كذلك كفّر في هذه الأبيات عندما مدح الشهيد زبانا [أول جزائريّ تعدمه فرنسا بالمقصلة 1956م]:
قام يختال كالمسيح وئيدا
يتهادى نشوانا يتلو النّشيدا
حالما كالكليم كلّمه المجد
فشدّ الحبال يبغي الصّعودا
زعموا قتله وما صلبوه
ليس في الخالدين عيسى الوحيدا
فهو شبه زنابا بالسّيد المسيح، وقد بين أنّه يخاطب أمّة تدعي المسيحيّة ورمزية المسيح، اغتصبت أرضا بلا ذنب، فهو كالمتنبيّ ت 354هـ/ 965م، عندما قال:
إنّما أنا في أمّة لحاها الله
غريبا كصالح في ثمود!
وقبل مفدي زكريّا كفّر الشّاعر أبو القاسم الشّابيّ ت 1934هـ عندما قال في قصيدة الخالدة إرادة الحياة:
إذا الشّعب يوما أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
حيث أنّ القدر بيد الله تعالى وحده فلا يخضع لأحد، بينما الشّابيّ يريد أن يوصل رسالة جماليّة في الإرادة الّتي لا تقهر، واعتمد على الرّمزيات البلاغيّة.
من هنا حذا مفدي زكريا حذو الشّابيّ حيث قال:
إنّ الجزائر في الوجود رسالة
الشّعب حررها وربك وقعا
فقل الجزائر واصغ أن ذكر اسمها
تجد الجبابرة ساجدين وركّعا
فهو قصد أنّ الجزائر رسالة خالدة، وهذا لا تعارض مع أوامر الله وتعاليمه.
الخلاصة:
كثيرا ما يستسهل البعض إطلاق التّكفير على الآخر، ومنهم من يهدر دمه بدعوى الرّدة كما كاد أن يحصل لنجيب محفوظ ت 2006م، وقبله اغتيال فرج فودة (اغتيل 1992م) بدعوى الكفر والرّدة، خاصة في الجوانب الأدبيّة الّتي تحمل رمزيات كثيرة.
ملحوظة:
أكثر المقال ملخص من مقال نوفمبر … الشهر الّذي كفّر فيه مفدي زكريّا، عدد 77، من تأريخ 29/10/ 1992م، ص 12 – 13، منشور في كتاب كلمات مفدي زكريّا في ذاكرة الصّحافة الوطنيّة، اعداد وتقديم محمد عيسى وموسى، ط وزارة المجاهدين الجزائر 2003م، ص 56 -59، مع التّصرف والزّيادة.
والسّيرة الذّاتيّة مأخوذة من موقع الموسوعة العالميّة: ويكبيديا.
فيسبوك 1439هـ/ 2017م