المقالات النقدية

قراءة حول الضّجيج على المجموعة القصصيّة “ملح” للكاتبة بدرية الإسماعيلية

في الحقيقة لم أطلع على المجموعة القصصيّة “ملح” للكاتبة بدرية الإسماعيلية، ولا أعرفها، ولم أقرأ لها سابقا، وليس من الأمانة ولا الموضوعية نقد أي كتاب من نقل خصم، بل لابد من الاطلاع ونقد الفكرة، بعيدا عن الشّخصنة، والاتهام بالأعراض …

ولست هنا في سبيل الإنكار على الكاتبة، ولا على من أنكر عليها فلعله أطلع على المجموعة القصصيّة ونقدها، وهذا أمر حسن جميل، والأصل في المجتمع أن يكون ناقدا نقدا موضوعيا كما يكون محفزا أيضا …

الّذي شدني في الحقيقة أسلوب النّقد الخاطئ تجاه المخالف،  قد يكون بسبب الغيرة، وهذا في حدّ ذاته يعتبرا طبيعيا، ولكن الغيرة توجه بالنقد الموضوعي لا الشخصنة واتهام الآخر، كما أدبنا القرآن، وسورة النور مليئة في قضية التعامل مع الخبر خاصة في الأعراض، وليس محلّ بيانها الآن.

خلاصة ما سيأتي أنّ هذا الهجوم والتّهم جعلت من الرواية أسطورة يتنافس لاقتنائها المتنافسون، وبالفعل كنت بالأمس مع أحد الأخوة مع جلسة شبابية أخوية مباركة، وقال لي إن أستاذة ولده أرسلت إليه رسالة تطلب الرواية بأي طريقة …

وسمعتُ بنفسي من آخرين يطلبون المجموعة القصصيّةوأين يجدونها، وجاءني طلاب في الاعدادية يسألون عنها، ولا استبعد من نفاذها هذين اليومين، بل لربما ستحل الصّدارة تماما كرواية بنات الرياض، وبنات إيران، والفاجرة وغيرها.

قديما قال فاروق الأمة عمر بن الخطاب ت 23هـ: [أميتوا البآطل بالسّكوت عنه، ولا تثرثروا فينتبه الشامتون]، هذا إن كان حقا أنّ السّياق فيما كتبته الكاتبة في سبيل نشر الفاحشة كما يصور، وهذا منهج قرآني رفيع، الله تعالى يقول: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وقال: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}، وغيرها من الآيات الكثيرة، ونقد ما يراه المخالف خطأ يكون بالحمكة والموضوعية والأمانة كما أسلفت.

قبل أسابيع طرح الأستاذ طلال البلوشي كلاما مقتطفا من خطبة الشيخ عبد الله المعمري، حيث نسب إليه جزءا مما قاله في خطبته عن النّساء الدارسات بالخارج، فواجه سيلا من اللعن والسب، واتهم بالتدليس لأنه أشار إلى جزء من الخطبة دون أن يسرد النّص كاملا، وعلى دراية من أنّ الأغلب ممن نقد كلام الكاتبة لم يقرأ الرواية أصلا، والأصل اتباع نفس المنهجية، فذات الخطيب والكاتب في الميزان الرباني والمقياس الإنساني واحد!!!

ولعلنا نرجع قليلا إلى الوراء عندما أصدر سلمان رشدي روايته آيات شيطانية عام 1988م، مما جعل من الإمام الخميني ت 1989م يحكم بردته مما قامت مظاهرات عنيفة، ومع هذا كتب الخميني لرواية سلمان رشدي الخلود، وترجمت إلى عشرات اللغات، وانتشرت في الآفاق، في حين مات الضجيج في حينه، ولم يجدي شيئا، وظهرت روايات على شاكلتها.

وإذا رجعنا أيضا إلى كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق ت 1966م، فقد أقيم حوله ضجة وردود وكفر بسببه وطرد من عمله، ورفعت عنه الشهادة الأزهرية، ومن الردود عليه رد عبد الرزاق السنهوري ت 1971م في كتابه الدين والدولة في الإسلام.

إلا أنّ رد وعنف المؤسسة الدينية في مصر حينها، لم يقضي على الكتاب، بل انتشر بقوة كبيرة جدا، وترجم، وأقيمت حوله الدراسات، وحتى اليوم لا يكاد تخلو مجلة علمية دون ذكره، وكأنه ألف البارحة …

وما فعله السنهوري في الجملة جيدا، فقد واجه النقد بالنقد لا بالضجيج !!!

وهذا ما فعله كذلك الكاتب الشهير الداعية محمد الغزالي ت 1996م في كتابه من هنا نبدأ عندما نقد كتاب الكاتب الشهير أيضا خالد محمد خالد ت 1996م من هنا نعلم …

ورغم أنّ خالد محمد خالد واجه ذات ما واجهه على عبد الرازق المتقدم ذكره، إلا أنّ كتابه حقق انتشارا غريبا، فالمؤسسة الدينية في مصر أحيت الكتاب بضجيجها المستمر، وما فعله الغزالي من نقد الفكرة كان هو المطلوب، فكان رده علميا رصينا، وقد ذكر القرضاوي في مذكراته أن خالد محمد خالد تراجع عن بعض أفكاره في الكتاب في آخر حياته والله أعلم.

هذه الضجة التي تقيمها غالبا المؤسسات الدّينية مستغلة نفوذها السياسي والاجتماعي للأسف جعل من الشيخ العلامة محمود شلتوت ت 1963م يوجه صرخة لها قائلا: إن من واجبات كبار العلماء أن تصحح [الكتب] لا أن تصادر، أي تنقد الفكرة بالفكرة لا بالمصادرة والضجيج الذي يحيي ولا يميت، ويفتح ولا يغلق…

ولعلي اقترب كثيرا من الواقع المحلي العماني وأذكر أربعة نماذج:

النموذج الأول رواية ملائكة الجبل الأخضر للكاتب الشّهير عبد الله الطائي ت 1973م، والذي منعته الجهات الخاصة عندنا لا أدري الجهات الإعلامية أم الأمنية، إلا أن الرواية انتشرت وطلبت داخلا وخارجا، ولو فتح لها بهدوء لربما ماتت من زمان!!!

والنّموذج الثاني كتاب اللؤلؤ الرّطب للشيخ المناضل العلامة سعيد بن حمد الحارث ت 2009م، والذي صودر كتابه ومنع منذ سبعينات القرن المنصرم، إلا أنّ الكتاب صار أكثر حياة وطلبا ما إن لو فتح له …

والنموذج الثالث كتاب الإيمان بين الغيب والخرافة للمفكرين العمانيين الأستاذ خميس العدوي، والأستاذ خالد الوهيبي، فقد كاد أن يكسد قبل رد سماحة الشيخ أحمد الخليلي عليهم عام 2007م، فنفدت طبعاته مباشرة، وأذكر أنّ أحدهم اعطاني اثنتي عشرة نسخة قبل الحدث لأبيعها، ولم أجد لها مشتريا، وبعد الحدث جاء العشرات يطلبون نسخا … وأخبرني بعدها من أصحاب المكتبات أنّه حتى في معارض الخارج للكتاب العديد يأتي للسؤال عن الكتاب خاصة في المملكة العربية السعودية والجزائر…

والنموذج الأخير كتاب الاستبداد الأخير لسماحة المفتي العلامة أحمد بن حمد الخليلي، فمع شدة الدعاية ضده في بعض الدول المجاورة، إلا أنّ هذ الدعاية والمنع جعلت من الكتاب كنزا كبيرا يطلبه العشرات في هذه البلدان، وهذا ما قاله مثلا الكاتب الإذاعي نصر البوسعيدي في تغريدته في مشاركة وزارة التراث بالبحرين في معرض كتابها الأخير، حيث أنّ أكثر الكتب طلبا من الدار كتاب الاستبداد، وأغلب طالبيه سعوديون!!!

هناك كتب عديدة عمانية أخرى مثلا نهضة الأعيان للمؤرخ الشيبة السالمي ت 1985م، والمذكرات السرية العمانية ترجمة الحارثي، ورواية الوخز لحسين العبري تحكي قصة تحقيقاته مع جهات الأمن 2005، وكتاب ما لاح لاح وما خفي فاح للعقيد المتقاعد سعيد بن هلال بن سعيد الكندي تحكي مصيره المأساوي في الجانب العسكري أبان اعتقالات العسكريين أيضا 2005م.

الّذي أريد أن أقوله هنا التالي: مجموعة الملح لا يهمني من كتبها، ولا يجوز لي وصمها في خلقها وعرضها ودينها ووطنيتها، ثانيا: قراءة الكتاب وحمل حسن الظنّ قبل النقد، ثالثا: النقد العلمي والموضوعي، أو كتابة البديل من الروايات النافعة.

أما الضجيج فلا يجد شيئا، ولا يقدم ولا يؤخر، وإن كنت احترم الناقد والقارئ لغيرته، ولكن كما أسلفت الغيرة توجه دائما.

هناك في الخاطر كلام يجول في نفسي، وخير الكلام ما قلّ ودل، ولعلي إذا اطلعت على الرواية نعمل لها نقدا، لأننا بحاجة أيضا في مثل الأعراض التأدب بأخلاق القرآن في ذكرها، ولا نبررها بذكر من سلف، فخير منهج كتاب الله، وهو الذي يلمح ويعرض في مثل هذه المسائل، وهذا تربية لنا، والحمد لله أولا وآخرا.

فيسبوك 1436هـ/ 2015م

السابق
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ: من الرّؤية البصريّة إلى العلم
التالي
إنّا جعلناك إلهاً لفرعون
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً