الخطب

خطبة جمال الغيث

1434هـ/ 2014م

بسم الله الرحمن الرحيم

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ

الغيث كلمة لها معناها وجمالها عند الإنسان، فعشقه للغيث قديم قدم الوجود، ويزداد حبا له في المناطق الصحراوية والجافة وذات الأمطار المتقطعة….

إنّ الماء حياة، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ، وتكونه آية من آيات الله تعالى، فكل شيء بقدر، وكل يجري في سنن محددة، لا تتبدل ولا تتغير، فسبحان من خلق، وسبحان من أوجد، لا إله إلا هو الواحد الأحد،،،

فيا أيها الإنسان وأنت ترى السحاب الأسود، وقوة الرعود والبرق، وجاءك من الخوف ما جاءك، إنما هو آية من آيات الله وضعها في الوجود، كما أمرك سبحانك بالسير في معرفة تكونه واكتشافه، ومعرفة كيفية استغلاله، وإدراك فوائده، والبعد عن أضراره، وهندسة الأرض والطرق وفق سنن جريانه، أمرك أيضا أن تدرك عظمة من أوجده جل جلاله: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا.

هناك تجد الله في كلّ شيء، تجد الله والبرق يخطف الأبصار، تجده والأمطار تقطع الفجاج، تجد الله يتعالى والرعد يكاد يذهب بالأبصار…

فلا إله إلا الله، كلّ آية مذكرة به، وكل آية دالة على لقائه سبحانه، فالإخلاص الإخلاص لله جل جلاله.

حذار من صلوات أفنيت فيها وجودك أن تجعلها لغير الله، ومن ذبح تقصد به الخيلاء والمباهاة، وأي عمل اجتماعي تنسى فيه الله، فاجعل حياتك كلها لله، ابذل فيها كل خير، من معروف وبر للوالدين، وصدقة وصلة رحم، وكلام طيب وإحسان إلى الغير، ساهم في كل خير، وابتعد عن كل شر، ولا تعق صراط الخير، ولا تقف ضد من أراده، كن غيثا يرعاك الله أينما حللت نفعت، كن غيثا بالكلمة الطيبة ونشر المعرفة، وكن غيثا بالحب والرحمة، ابسط يديك للناس نفعا ومحبة، ولا تغلها حسدا وإمساكا، فلا تكن مطر سوء على الناس، تعيث في الأرض فسادا، وتظلم الناس، وتقطع الصلات، وتبخل في الخير والمعروف والعلم والكلمة الطيبة فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ.

إن الغيث يعطي الناس الخير بإذن ربه، ولا ينتظر مدحا ولا ثناء، فلنكن غيثا أيضا، نساهم في عمارة الأرض، بأي خير كان ولو قل، ساهموا بالابتسامة، فالابتسامة غيث جميل، ابتسموا في وجوده بعضكم، وابتسموا في وجوه الأطفال وابن السبيل، ادخلوا بيوتكم بابتسامة، اغرقوا والديكم وأزواجكم بابتسامتكم، ابتسموا في وجوه من تحبون وتبغضون، ومدوا أياديكم للجميع.

الغيث كلمة طيبة وعمل نافع مفيد، فكونوا الكلمة الطيبة في هواتفكم ووسائل التواصل، وفي مجالسكم ومكان عملكم وأسواقكم، وشاركوا الوطن بأي عمل نافع مفيد، وساهموا بأي عمل مؤسسي مدني رشيد، وشجعوا من يسعى لأي خير، ولو كان في أعينكم صغيرا، إلا أن قطرات الأمطار تبدأ قليلة، ثم تكثر لتصبح غيثا مغيثا، فكذلك الأعمال النافعة، بدايتها قليلة، إلا أنها تنمو لتصبح غيثا مغيثا بعد حين ….

والآن لنقف مع جمال الغيث، إنها النفوس المطمئنة وهي ترى هذا الجمال يسقط في الوجود بمائه العذب، الذي كان فيها فتبخر، ثم رجع إليها صافيا عذبا، وعلى أثره نرى جمال قوس الألوان ساطعا في الأفق، ليعطي درسا في جمال التعدد في الألوان، ومن الغيث ينبت الزرع، ليكسو الأرض بساطا أخضر.

إنها القلوب الصافية التي تعشق الجمال والنظام، وتطمئن في الحياة حبا ونقاء وطهارة…

فيا من تعشقون جمال الغيث في الوجود، هناك جمال المحبة بين الناس، والدين محبة، والاجتماع في المسجد خمس مرات في اليوم محبة، واجتماع المساجد يوم الجمعة في جامع البلدة محبة، ورمضان محبة، والحج في العام محبة، وأعيادكم محبة، فاجعلوا حياتكم كلها محبة …

مدوا أياديكم، وصافحوا بداية من قاطعكم، وابتسموا لمن خالفكم وأساء إليكم، وصلوا من قاطعكم من أقربائكم وجيرانكم ومحبيكم.

إنها القلوب العاشقة للحب والجمال، طهروها من الحسد، ولا تشغلوها بالعجب وحب الذات، تمنوا الخير للجميع، واشكروا الله إن رزق غيركم بخير، وحبوا لغيركم ما تحبون لأنفسكم.

انظروا بعد قليل ستصلون في مكان واحد، تختلفون في مناصبكم وأفكاركم وتوجهاتكم، وتتعددون في ألوانكم وأشكالكم، وتتباعدون في أوطانكم وبيوتكم، ولكن محبة الله جمعتكم، فشكلتم هذه الصورة الإنسانية الجميلة…

فاجعلوا حياتكم كلها محبة، فلم الاختلاف والبغضاء على نتف الحياة، ولماذا نتصارع ونتقاتل لاختلاف أفكارنا ومذاهبنا وتوجهاتنا، لماذا هذه القطيعة، ولماذا هذه الحروب المدمرة، لماذا نقتل بعضنا ونمنع عنهم جمال الحياة، فالدين محبة، وبدونها البغضاء والعداوة، وهو منهج الشيطان في الأرض وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.

يرعاكم الله أيها الأحبة: كونوا جميعا غيثا نافعا في الوجود، ويدا واحدة في الخير، واغمروا العالم بجمالكم وجمال محبتكم ووحدتكم وطهارة قلوبكم، وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ.

السابق
خطبة الجمعة … الواقع والعلاج
التالي
خطبة رسول الرحمة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً