المقالات الفكرية

الانتساب إلى المذاهب

قال لي صاحبي من البحرين يوما: هل أنت قرآني أم إباضي؟ قلت له انتسابي إلى القرآن أعز وأشرف من أنتسب إلى رجل دون القرآن، ومع هذا فشرفي الانتساب إلى الإسلام لأن الله سمانا بذلك.

لو أراد الله لنا شرف الانتساب إلى رجال لسمانا “محمديين” ولكن أراد لنا الانتساب إليه وحده سبحانه بالاستسلام له.

رجال المذاهب ماتوا ولم يعرفوا أن الناس سيكونون فرقا تنسب إليهم وتتعصب لهم، وهم ماتوا منتسبين إلى الإسلام وحده!!

ما تركه رجال المذاهب مدارس ومناهج لا مذاهب وأديان وفرقا، فدين الإسلام واحد يسع الجميع، ولا تحتكره طائفة أو مذهب!!

الناس تجاوزوا النسبة إلى الأشخاص إلى مسميات التزكية: أهل الحق والاستقامة؛ أهل السنة والجماعية، أهل العدل والتوحيد.

الإسلام مسمى للتحلية أي الاستسلام والخضوع لله وحده، وتزكية النفس وتهذيبها، أما الافتخار والاعتداد بصحة الذات فبيد الله وحده!!

قراءة حول تغريدات الانتساب إلى المذاهب ورجاله

كنت في السابق أكتب مقالا ثم بعده أنشر منه ما يصلح للتغريدات، وفي بعض الأحيان أفعل العكس لأرى القابلية بحالتيها الموافقة أو الناقدة لألملم الموضوع بكافة جوانبه، منطلقا وفق مقدمات عقلية لفهم التأريخ والتعامل مع المعرفة.

وفي نظري الحراك المعرفي مهم جدا لأنه ينزع حالة الخوف من التكلم خاصة في شبه المقدس، وهذا ما نراه اليوم بحمد الله تعالى حيث أصبحت هناك أقلام متعددة وكثيرة، وأصبحت تناقش بعين المعرفة وهذا في جوانب متعددة سياسيا ودينيا ومجتمعيا وعرفيا وقبليا، وفي جوانب علمية تصورية أو فلسفية أو تجريبية.

وما نراه اليوم أن الوعي يزداد يوما بعد يوم ليمتد إلى شريحة أكبر، وهكذا طبيعة الامتداد وإن بدأ في دائرة صغيرة إلا أنها تكبر شيئا فشيئا خاصة في مجتمعات تعودت على التلقين ردحا من الزمن، ولم تتعود على التساؤل والشراك النقدي، كذلك ضعف المؤسسات الثقافية والتنويرية وقلتها، ومع هذا ما نراه في شارعنا العربي والعماني يبشر في الحقيقة بخير بإذن الله تعالى ثمرته ليست بعيدة.

على العموم أصل التغريدة سؤال وجهه إلي أحد الأخوة من مملكة البحرين الشقيقة يسأل في توجهي الفكري هل أنا قرآني أم إباضي، فكان جوابي كما في التغريدة بتصرف لنقص الحروف: قال لي: أأنت قرآني أم إباضي؟ قلت له انتسابي إلى القرآن أشرف من أنتسب إلى رجل دون القرآن ومع هذا فشرفي الانتساب إلى الإسلام لأن الله سمانا به!!

فأنا هنا لم أجعل الإباضية في مقابل القرآن، كلا وحاشا، فأي مذهب هو دون القرآن بمسافات بعيدة، والقرآن يعلو على كل مذهب وفرقة، وهو في الوقت نفسه الرابط بين المدارس…

كما أنني لم أقل الإباضية لا يعتدون بالقرآن ولا المذاهب الأخرى، ولكن كنسبة لو خيرت لاخترت أن يقال عني قرآني لا إباضي، ولكنني لا أومن بذلك، لأن الله سمانا مسلمين: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.

والإسلام بمعنى الاستسلام، وفيه كما أسلفت في التغريدات بمعنى التحلي والتواضع والشمولية والالتصاق بالله تعالى، خلاف مسميات التزكية ففيها الإضافة المفيدة للحصر كقولهم أهل الحق والاستقامة، فالحق نسبي، والاستقامة حقيقتها عند الله، وجميع المدارس الإسلامية يطالب منها ذلك، ولكن لا أحد يزعم ذلك، ويحصره في نفسه، لأنه ينشد الحق والاستقامة، لا أن يزكي نفسه، ويحصرها في ذاته، وكذا في المسميات الأخرى كأهل السنة والجماعة أو أهل العدل والتوحيد كما عند المعتزلة وبعض الزيدية.

ثم إذا جئنا إلى المذاهب ذاتها نجدها تنتسب إلى رجال جاءوا بعد نزول القرآن بقرون متباينة، وهم ليسوا أنبياء، ولا نعلم حقيقتهم قطعا عند الله، اكانوا مرضيين ام لا، ولكن نأمل لهم الصلاح والنجاة، ونحسن الظن بهم جميعا.

ومع هذا هم بشر، ولم يصنعوا لهم مذهبا، وإنما كانت آراء تطورت، فمذهب الغزالي في كتابه الاعتقاد غير عن مذهب الأشعري في كتابه اللمع، وكذا الحال بين الباقلاني والماوردي، ومذهب ابن رجب متطور عن مذهب البربهاري وكلاهما من مدرسة واحدة، والإباضية المتأخرون مثلا تباينوا في قضية خلق القرآن عن المذهب الأول، وفي قضايا متعددة كقضية عذاب القبر والصراط والمعراج، ونحوها، بل تطوروا وتباينوا في مسائل فقهية كثيرة، وهكذا بالنسبة للزيدية والإمامية.

وذلك لأنّ المذاهب من صنع البشر، والله برحمته أعطى للناس حرية التفكير والنظر، وهذا بدوره سيقود إلى التباين والتعدد، وعليه كل مذهب في الأصل مدرسة ومنهج اختاره بعض الناس، وهذا المذهب بذاته في الداخل متطور ومتباين في حد سواء، قد يكون في أصول المذهب وقد يكون في تفريعاته.

وعليه الرجوع إلى مسمى الإسلام، وأنه يسع الجميع هذا شرف للكل، واستجابة لأمر الله تعالى، وأنه لا يلغي في الحقيقة المناهج لأنها طبيعة بشرية.

ولكن علينا أن نبين للأجيال أن المسلمين مذهبهم ودينهم واحد، وأن الإسلام يسعهم، وأن الله عدل يوم القيامة، وأن هذه المدارس اجتهاد بشري، أرادوا الخير، ومن أراد غير ذلك فعلمه عند الله وحده.

وعلى العموم في نظري الزمن سيتجاوز هذه المدارس، وبيان سعة الإسلام والتسمي به أصبح ضرورة في زمن يكفر الآخر، ويصور أنه الممثل الرسمي للإسلام، والوريث الشرعي للرسول، فتنشأ الأحادية المتعصبة التي نرى نتائجها اليوم في التقاتل والحروب والتشريد باسم الإسلام والإسلام منه براء!!!

وفي الختام اعتدادي بالإسلام استجابة لأمر الله، واشترك مع هذا مع أخوتي في جميع المدارس الإسلامية سنة وشيعة وسلفية وزيدية ومعتزلة مع الإباضية، وأسأل الله ان يجمعنا جميعا في مستقر رحمته، ومن صلح وآمن من بني الإنسان.

هذا القدر في نظري كافيا لأن تنطلق منه الأمة والجيل الجديد إلى الأمام وإلى العلم والفلسفة والمعرفة وصناعة الإنسان، وإلى صنع الحضارة ومشاركة الآخر في التقدم والمدنية، بدل الصراع حول الماضي ونظرياته ومذاهبه.

ومن رحمة الله جعل القرآن واسعا يسع الجميع، وحكما يحكم بين الكل، ومنهجا لا يقتصر في قراءته عند زمن معين، والله من وراء القصد!!

تويتر وفيسبوك 1439هـ/ 2017م

السابق
في زيارة مؤسّسة جمعة الماجد وسلطان العويس للتّراث والثّقافة
التالي
قراءة في خطبة حِفْظُ الأَمَانـَـةِ وَوَاجِبُ المَسؤُوليـَّةِ أو أمانة الكلمة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً