المقالات النقدية

تفجير الكويت: وقفة مراجعة

ما حدث في الكويت البلد الشقيق، صاحب الفضل ليس على الخليج فحسب؛ بل على الأمة العربية جمعاء، والمجتمع الإنساني ككل، وما حدث فيه لم يبكِ حاكمه أو الشعب الكويتي فحسب؛ بل أبكى هذا الإنسان ككل، في العالم أجمع؛ لأنّ النفس واحدة، وإن اختلفت أوطانها، وتباينت أجناسها، وتعددت لغاتها، من أحياها فكأنما أحيا الناس جميع، ومن قضى عليها وأماتها فقد قتل الناس جميعا.

اليوم ما كدنا نفرح بلقاء الأحبة في يوم الجمعة إلا انتشر هذا الخبر الأسود، الذي خيم بظلامه حلاوة اللقاء، وأبدل هذا الأنس الأخوي بهذه الوحشية التي تخجل حتى الحيوانات المفترسة من اقترافها، بل النطفة التي لا قيمة لها عندما تكون حية ولو لم تر الحياة إن ألقيت بغير حق فهي الموؤدة الصغرى، التي من قتلها يدخل في قوله تعالى بأي ذنب قتلت!!!

فكيف يجرؤ من خلق الله له عاطفة الاجتماع، وأعطاه عقلا يفكر به، أن يقتل أبرياء لا ذنب لهم، وأطفالا لا جرم لهم، ولهم حق الحياة كغيرهم من البشر…

حق الحياة جانب مقدس، بيد الله تعالى وحده إنزاله ورفعه، فمن الذي له الحق أن يشارك الله سبحانه وتعالى، هذا الحق لا يسقط بدين ولا فكر ولا اختلاف في رأي أو مذهب …

لا أريد أن أدخل في مقدمات حفظ الإنسان وحق الحياة، فهذه مقدمات الكل يدركها ويحفظها، ولكن الذي أريد أن أقوله هنا براءة للذمة أنّ هذا الجرم وغيره لا تتحمله داعش فحسب، بل نتحمله جميعا، وخاصة الحكومات وعلماء الأمة ومفكريها، ومن له اليد واللسان والقلم …

قبل رمضان كان تفجير القطيف، وقبله تفجيرات اليمن وتونس، وحدث عن العراق وسورية وليبيا، والله أعلم أين يكون الدور غدا!!!

لو كانت هذه التفجيرات في مرقص إباحي، أو متجر خمور؛ لكانت جرما كبيرا في حق الإنسان والشرائع السماوية، على العالم الإنساني أن ينتفض لها، فكيف إذا كانت في بيوت الله، والناس ساجدة راكعة!!!

الذي أريد أن أقوله هنا ماذا ينتظر الساسة وعلماء الدين وأصحاب القرار، كفانا البقاء مع البيانات والوعظ والقصائد والإنشاد والأغاني والمؤتمرات ….

الوقت الآن لا يحتمل التأجيل، ينصب في أمرين رئيسين: الأول إيجاد قانون أو تفعيل القانون المجرم لكل من يثير الطائفية وينشر الكراهية بين بني الإنسان، فلابد من قانون يمنع الدعوات التحريضية للماضي والحاضر، مع احترام جميع الرموز والأفكار والتوجهات، وغلق جميع منافذ الكراهية، وخاصة القنوات المحرضة …

ثم لابد من وجود ليس مؤتمرات بل مراكز ومؤسسات وجامعات مشتركة بين المذاهب والتيارات، تحقق التعايش، وتبحث في الواقع، وتراجع التراث، ولا تتوقف عند فئة، مع وجود قنوات ودور نشر ناطقة بها، وأن تدعم ماليا، ويكون لها فروعها في المنطقة العربية خصوصا، وبكافة اللغات …

إنّ تحصين المجتمع فكريا ضد التطرف بشتى أنواعه أولى من صرف الأموال في مواجهة هذا التطرف سلاحا، لأنّ الثاني يجفف فقط، وسرعان ما يظهر ثانية وبصورة أشد شراسة إذا ما تهيأ الجو لنموه وظهوره …

إنّ الأجيال القادمة أمانة، والأمانة تتطلب من الجميع قلع عناصر الكراهية، وإيجاد بدائل واضحة، وعلى السياسات أن تحترم الإنسان، وأن تدرك أن بقائها مع التعددية والاعتراف بالآخر، وأما أن تتكئ على أي اتجاه متطرف وتلغي الآخر أنّ السحر يوما ما سينقلب عليها كما نراه اليوم!!!

فيسبوك 1436هـ/ 2015م

السابق
تجديد الخطاب في قضايا الأمة
التالي
في سبيل إصلاح بعثة الحج العمانيّة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً