تابعتُ بالأمس الخميس كما تابع الآلاف غيري مناظرة الأستاذ الكبير حسن بن فرحان المالكي مع الدكتور إبراهيم الفارس ومداخلة عبد الرحمن دمشقية في قناة وصال السلفية عن الصحبة والصحابة فيما يقارب الساعتين ونصف.
المنهجية العامة للمناظرة:
من حيث التنظيم العام أو المنهجية العامة فكان فيها عدل واضح في توزيع الوقت أو الزمن، وصدق المقدم مع وعده بذلك، لولا أنه كان يقاطع كثيرا حسن بن فرحان مع توقيف الوقت للأمانة.
الهدف الرئيسي للمناظرة في اليوم الأول:
الأصل أن تكون المناظرة عن الصحبة والصحابة، وعليه الأصل أن يحدث تقييد لماهية الصحبة والصحابة، إلا أنّ حسن بن فرحان رأى أنّ يكون التعريف منطلقا من القرآن، وما عداه من تعاريف تكون محكومة به، بينما الدكتور إبراهيم لم يتطرق لتحديد الصحبة أو الصحابة رأسا، والعجيب مع تكرار الأستاذ حسن لما يقول حتى تعب نفسُه إلا أنّ المقدم الغامدي يحاول أن يلزمه بالتعريف، ولعله يريد بذلك تعريف أهل التراجم، ومع هذه حتى تعريف أهل التراجم سيوقع أهل الحديث في أزمة أمام نظريتهم بعدالة جميع الصحابة، لو حدث نبش وتفتيش لتراجم الصحابة، في كتب أهل التراجم والمحدثين نفسها.
قراءة في ورقة الأستاذ حسن:
الأستاذ حسن تقدم وتطور في فكره، وخرج عن الدائرة المذهبية الضيقة، وأدرك أنّ سبب الصراع المذهبي بين المدارس الإسلامية جميعا هو البعد عن القرآن الكريم، والقرآن الكريم هو المصدر الجامع بين المسلمين، وهو سهل البيان، يسير التدبر، وعليه لا بد من العودة إلى القرآن الكريم.
لذا رأى الأستاذ حسن أنّ قضية الصحابة هي أساسا في تعريفها نشأت نتيجة صراع مذهبي، والقول بعدالة الصحابة والترضي عليهم جميعا هذا أساسا وفق هذا المصطلح يخالف القرآن الكريم المصدر الأول عند المسلمين.
فهو رأى أمرين:
الأمر الأول: أنّ الصحبة والصحابة بمفهوم أهل الحديث غير وارد في القرآن، فالصحبة في القرآن عامة، يدخل فيها الكافر والمنافق والصالح، ودلل قوله بالعديد من الآيات منها: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} إذا النبي صاحب لكفار قريش والعكس صحيح، إذا من أصحابه بالمعنى العام كفار قريش، ومنها قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وهذه في أبي بكر عند المتناظرين، وعليه لا يصح أن نطلق لفظة الصحابة هكذا قرآنيا دون تقييد، وإلا دخل فيها الكافر والمنافق والمؤمن، وهذا يهدم رأسا نظرية السلفية أو أهل الحديث في أنّ جميع الصحابة عدول أو فياء.
كذلك في السنة (الروايات) الصحبة والصحابة جاءت بالمعنى العام، فجاءت بمعنى الذم كقول النبي عليه السلام فيما معناه: أتريدون أن يقال إن محمدا يقتل أصحابَه؟! والمراد بأصحاب النبي هنا المنافقون، ومنها رواية الخوض وطرد مجموعة من عند النبي، والرسول يقول: أصحابي أصحابي، وجاءت لفظة الصحابة في السنة (الروايات) بمعنى المدح، ومنها رواية: لا تسبوا أصحابي.
إذا حتى في السنة لفظة الصحابة عامة، وتعميمها هدم لمراد السلفية رأسا.
لذا اقترح الأستاذ حسن إن أردنا تقييد الصحابة بالعدول منهم فعلينا أن نستخدم منهج القرآن وهي لفظة الاتباع، إذ أنّ الله تعالى إذا قرن الاتباع بالنبي أراد به الصحبة الخاصة أي العدول كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، وقوله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} فهذه تزيل الإبهام رأسا، وتقيد الموضوع.
الإشكالية أن الدكتور إبراهيم رأى أنّ الاتباع أيضا تأتي بالمعنى السلبي كاتباع الشياطين، ومن أتباع النبي المنافقون، إلا أن الأستاذ حسن أراد ذكر هذا لولا ضيق انتهاء الوقت في بحث كتبه، وبين له أن الاتباع كالصحبة يأتي للمعنيين لغة، إلا أنه في القرآن إذا قرن بالنبي يأتي بالمعني الثاني خلافا للصحبة، وعليه الأولى أن نرجع إلى ألفاظ القرآن الكريم لا الألفاظ المذهبية.
الأمر الثاني: لم يرد في القرآن ثناء على الصحابة بالمعنى العام، وهذا جاء ذكر ردا على كلام الأستاذ إبراهيم في ذكر تغريدة للأستاذ حسن، مع أن الأخير حاول عدم تشتيت الموضوع، وبين تعقيبا على كلام الدكتور في جميع الآيات التي أوردها جاءت بفئة معينة كالسابقين من الأنصار والمهاجرين، ومن بعدهم مقيدة بإحسان، أو مقيدة بقيود أخرى كما في سورة الفتح حيث أنهم أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، فهذه كلها مقيدة بقيود لا ينبغي إهمالها لأن الله تعالى لم بذكرها تسلية أو زيادة في الكلام.
وعليه فرق أن نقول: إنّ الله تعالى أثنى على الصحابة، أو أن نقول: إنّ الله تعالى أثنى على بعض الصحابة أو الاتباع، ففي الأولى نكذب على الله والناس، والثانية هي التي تحمل عليه آيات المدح والثناء.
وكذا الحال يحمل في آيات الذم، فالله ذم العديد من أصحاب النبي مثل تراجع العديد من الصحابة يوم حنين: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، وقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وهذه نزلت في الصحابة، فضلا عن ذمه للمنافقين، وارتداد العديد ممن شارك في حجة الوداع.
من هنا فرق أن نقول: إنّ الله تعالى ذمّ الصحابة، أو أن نقول: إنّ الله تعالى ذمّ بعض الصحابة، ففي الأولى نكذب على الله والناس، والثانية هي التي تحمل عليه آيات الذم.
إذا من خلال ما سبق أراد الأستاذ حسن تقييد معنى الصحبة أو الصحابة بالاتباع الحسن، فليس كل صحابي متبعا، بل من الصحابة الفسقة والمنافقون ومن ارتد، ومن الصحابة لغة الكفار الذين صاحبوا النبي فترة من الدهر.
ما يؤاخذ على الأستاذ حسن بن فرحان المالكي:
في نظري البسيط الانطلاقة القرآنية التي ريدها أستاذنا حسن انطلاقة واجبة لغربلة التراث، ولكن عندما تتعامل مع عقل سلفي أو روائي أو أخباري قزّم أهمية القرآن تصبح المسألة مشتتة ويصعب الاتفاق، فالسلفي ويمثلهم الدكتور إبراهيم هنا يرون القرآن محكوما بالسنة، والسنة محكومة بفهم السلف، فالأخير حاكما على الأول لا العكس، وعليه هنا يحدث الخلل.
المشكلة في العقل السلفي أمران: اعتقاد عدالة جميع الصحابة، مع ضبابية تعريف الصحابة، وعليه لو تنازل حسن المالكي إلى تعريفهم قليلا، وحاكمهم به لوقعوا في تناقض جم، أمام ضبابية التعريف وقراءة تأريخ الصحابة، خاصة إذا كانت القراءة قرآنية بدرجة أولى، لأن الله تعالى تعامل مع الصحبة والصحابة على اعتبار مجتمع بشري يخطئ ويصيب، لا على اعتبار مجتمع ملائكي أو معصوم، حيث تسري عليه القوانين القرآنية الدنيوية والأخروية.
فيسبوك 2013م