كل المنشورات

صدور كتاب “إيران التّعدّديّة والعرفان” لبدر العبريّ

صحيفة شؤون عمانيّة، الثّلاثاء 24 شوال 1446هـ/ 22 أبريل 2025م

صدر مؤخرا عن الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء ودار جدل كتاب “إيران التّعدّديّة والعرفان”، وهو كتاب للكاتب العمانيّ بدر العبريّ عبارة عن مذكرات ورحلات، حاول فيه الكاتب ولسنوات مضت الاقتراب من المجتمع الإيرانيّ، بشيء من التّأني مع الإنصاف، والتّجرد من الميولات السّابقة، فهناك كما يرى في مقدّمة الكتاب من يخلط بين رؤية سياسات بلده وبين الاجتماع البشريّ في إيران، فإذا كانت العلاقة سيئة كانت الإسقاطات العموميّة السّلبيّة حول المجتمع الإيرانيّ، ويربط كلّ شيء بالسّياسة، ويحصر أمّة كبيرة يقترب سكانها من تسعين مليونا في الحزب الحاكم، أو في منصب الوليّ الفقيه والمرشد الأعلى للثّورة الإسلاميّة، وفي المقابل هناك من له ميولات دينيّة أو مذهبيّة، فيرى إيران النّموذج الأمثل في التّطبيق الإسلاميّ، ولا يقبل النّقد أو الاقتراب منه، فيعطي صورة مثاليّة مبالغا فيها، إلّا أنّ الواقع – كما يرى – أنّ الحكومة الإيرانيّة تمثل توجها في المجتمع الإيرانيّ كأيّ حكومة أخرى في العالم، والمجتمع الإيرانيّ لا يحصر فيها كأيّ مجتمع آخر أيضا، والمجتمعات البشريّة عموما مجتمعات متعدّدة ومعقدة في الوقت ذاته، ودراسات الاجتماع البشريّ من أشدّ الدّراسات صعوبة، فهي أقرب إلى النّقط المتباينة، وإن كانت لها مشتركات جغرافيّة أو ثقافيّة، فهذا بحكم الواقع، إلّا أنّ الغوص في تفكيك بنيتها المتعدّدة ليس سهلا كما يتصوّر بعضهم، فيميل إلى التّعميم حبّا أو كرها، أو حتّى عن طريق الدّراسات المعرفيّة الأفقيّة.

كما أنّ الكاتب بيّن في مقدّمة الكتاب أيضا أنّه لابدّ من الممايزة بين الجغرافيا والتّأريخ والواقع، فالجغرافيا ثابتة، والتّأريخ متحرك، والواقع ظرفيّ، فلمّا نتعامل مع المجتمع الإيرانيّ فلا نحصره في الواقع الظّرفيّ، وفي سياساته الظّرفيّة، وإنّما نحن نتعامل مع جغرافيّة وتأريخ مشترك، من خلال الإنسان الإيرانيّ ذاته، فالواقع الظّرفيّ محكوم بالجغرافيا والتّأريخ من خلال الإنسان، وليس حاكما عليها، فقد يكون حاكما بالمعنى الإجرائيّ، ولكن ليس حاكما بالمعنى المعرفيّ والثّقافيّ والإنسانيّ، بل هو جزء من هذه الثّقافة الواسعة في حيز جغرافيّ معين، وإن حاول إظهار نفسه إعلاميّا أنّه هو الثّقافة الممثلة، بيد هذا يتهافت تلقائيّا عند القرب من الآخر؛ لأنّه يتعارض مع سنن الاجتماع البشريّ.

ومن خلال رحلة الكاتب الميدانيّة والتّأمليّة في إيران أدرك أنّ بلاد فارس الموغلة في القدم، والمؤثرة في التّأريخ الإنسانيّ؛ لا زالت تحمل تلك التّعدديّة والتّناقضات الفكريّة والدّينيّة والمذهبيّة واللّغويّة والتّراثيّة الشّفويّة والماديّة، ولا زالت تلك المعالم الموغلة في القدم ثابتة كشاهد لرحلة الإنسان وتطوّره التّأريخيّ، في زمن كانت إيران الكبرى الممتدة شرقا وغربا، والّتي أطلق عليها لاحقا بلاد فارس، حيث يعود تأريخها إلى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، لتتواكب عليها دول وحضارات من الميديّة والأخمينيّة، وحتّى السّاسانيّة والعربيّة والقاجاريّة وحتّى اليوم، ولتتعاقب في حكمها الدّيانات من الزّرادشت والأرمن المسيحيين والمسلمين، ومن الأعراق المختلفة.

ثمّ نتيجة للانغلاق الثّفافيّ الّذي حدث في الفترة الأخيرة؛ يتصوّر من في الخارج وفق الإعلام أنّ إيران على صورة واحدة في الجملة، ولكن الموغل في الجغرافيا القُطريّة الإيرانيّة يدرك التّعدّديّة ليس في المحيط الإسلاميّ فحسب، والّذي يتنوع عقائديّا في الإماميّة والّذين يشكلون نسبة كبيرة في المجتمع الإيرانيّ، فهناك أيضا الأشاعرة والماتريديّة وأهل الحديث، وفقهيّا هناك الجعفريّة والشّافعيّة والأحناف، وعرفانيّا هناك العرفانيون أصحاب الحكمة المتعالية والمتصوّفة والعرفانيون التّفكيكيون وجماعة دراويش غونابادي الصّوفيّة، وداخل المدرسة الشّيعيّة هناك الأصوليون والأخباريون وأصحاب المدرسة الشّيخيّة والبابيّة ومنهم البهائيّة، وهناك الله عليّة أو خانقاه أحمدي، وهناك التّيارات القرائيّة المعاصرة كالتّاريخيّة والنّقديّة، وهناك التّيارات اللّادينيّة والعلمانيّة واللّبراليّة، وغيرها.

            وفي الجانب الدّينيّ فمع أنّ الإسلام هو الأكثر في إيران؛ إلّا أنّ هناك أيضا الزّرادشت في يزد وطهران وكرمان وشيراز، ومركزهم يزد، وهم الأقدم في إيران، ثمّ الصّابئة المندائيون في الأهواز والمحمرة في إيران، وأصلهم يعودون إلى العراق، ولغتهم الآراميّة، ثمّ اليهوديّة وهي ارتبطت بفارس ما قبل 2700عام، أي بعد السّبيّ البابليّ، وتعاملت معهم الدّولة الفارسيّة خصوصا في عهد كورش الكبير (ت 529 ق م) تعاملا حسنا، وهو من أرجعهم إلى أورشليم، وبقت طائفة كبيرة منهم في إيران إلى اليوم، ويتحدّثون اللّغة الفارسيّة بجانب العبريّة، وإيران تعتبر الثّانية في الشّرق الأوسط فيها يهود، ويتمركزون في أصفهان وطهران وشيراز، ويسميهم الإيرانيون بالكليميين أي نسبة إلى كليم الله موسى – عليه السّلام -، وأخيرا المسيحيّة، وارتباطها بإيران ارتباط قديم يرجعه المسيحيون إلى القدّيس توما، أحد التّلاميذ الاثني عشر للسّيّد المسيح – عليه السّلام -، والمبشر بالمسيحيّة في بلاد ما بين النّهرين وبلاد فارس، والمسيحيّة لها انتشار كبير في إيران، ويعتبر الأرثذوكس الأكثر انتشارا، ومنهم الكنيسة الرّسوليّة الأرمنيّة الأرثوذكسيّة، وهؤلاء لهم انتشار في جمهوريّة أرمينيا المجاورة لإيران، وفي بلاد الشّام ومركزهم لبنان، والأرمن الأرثذوكس عموما مركزهم لبنان، وينقسمون إلى أرمن لبنان وأرمن إيران، ثمّ النّساطرة، ويسمون كنيسة المشرق الآشوريّة، وهؤلاء تكوّنهم في أنطاكيا منذ فترة مبكرة من تكوّن المسيحيّة، وبعد الاضطهاد هاجروا إلى فارس والعراق، وكان لهم امتداد إلى عُمان والبحرين والجزيرة العربيّة قديما، ثمّ بنسبة أقل الكاثوليك والبروتستانت، ويتوزع المسيحيون في طهران وأصفهان ومشهد وشيراز وتبريز وأرومية وهمدان وغيرها.

الكتاب عبارة عن مذكرات ورحلات في التّعدّديّة الدّينيّة والثّقافيّة والعرفانيّة في إيران ابتداء من رحلة الكاتب إلى قم لأجل اكتشاف البعد العقائدي والدّينيّ عام 2017م، وفيها التقى برموز علمائيّة وثقافيّة منهم نجف الميرزائيّ وكمال الحيدريّ وحيدر حبّ الله ومحمّد الشّوكيّ ومهدي مرتضى، واجتمع ببعض الفقهاء وطلبتهم في جامعة المصطفى؛ ثمّ رجع مرة أخرى إلى قم عام 2022م لأجل البحث في الجوانب والمدارس العرفانيّة، وكانت أحاديث مع بعض أساتذة جامعة الأديان، كما التقى ببعض رموزهم مثل: محمّد سوري، وكمال الحيدريّ، ومحمّد صادق زاده، وعارف زاده، وحسن رمضانيّ، ومهدي نصيري، وحسين طهرانيّ؛ ثمّ كانت رحلته إلى أصفهان 2022م وفيها التقى بالكنيسة الأرمنيّة وبعض رموزها مثل مريم ميرزا خاني، والقسّ سبيسان كاششيان؛ وبعدها ذهب إلى يزد المدينة الزّرادشتيّة القديمة 2022م، وفيها التقى بالزّرادشت وبرمزهم الدّينيّ الدّكتور مهرباك بولادي؛ وفي عام 2023م زار شّيراز فارس القديمة، وفيها التقى برموزهم الثّقافيّة والعرفانيّة، فكان حديث عن عرفانيّة ملّا صدرا، وعن اليهوديّة، والشّيخيّة والبابيّة والبهائيّة، وعن الاتّجاهات المعاصرة وعن فارس القديمة وغيرها من المباحث؛ ثمّ في 2024م كانت عودته إلى طهران من مدينة الرّي إلى عاصمة إيران، وفيها التقى بالسّنّة وزعيمهم الفقيه مولوي إسحاق مدني، كما التقى بالتّيارات اليساريّة ومنهم صادق عبّادي، وفي طهران حاول الكاتب استحضار ثورة التّنباك والثّورة المشروطة، وإرهاصات الثّورة الإسلاميّة في إيران أيام الشّاه، ونظريّة ولاية الفقيه وحضورها عند النّائينيّ والبروجورديّ ثمّ الخمينيّ، مع حديث طويل حول الاتّجاهات اليساريّة والعلمانيّة في إيران منذ نهاية القرن التّاسع عشر وحتّى اليوم؛ ثمّ زيارته لمشهد أرض طوس القديمة 2024م، وفيها حديث عن العرفان مع بعض الرّموز الدّينيّة؛ وأخيرا كانت رحلته إلى الأهواز من عربستان إلى خوزستان 2024م، وفيها التقى بالمرجعيّة محمّد عليّ الموسويّ الجزائريّ، كما التقى ببعض رموزهم الأدبيّة والفقهيّة واللّبراليّة والعشائريّة، مثل جليل حزباويّ، ومهدي الأسديّ، وحسين عبّاسيّ، وراضي العكرش، كما ذهب إلى المحمّرة والتقى بعائلة وأحفاد خزعل الماجديّ، كما زار الشّيخيّة الكريم خانيّة والتقى برمزها الشّيخ سلمان بن عبد الله الطّرفيّ الأحسائيّ، كما كان حديث عن الصّابئة مستذكرا حواره مع بهادر قيّم من عبّادان في الأهواز، والكتاب مليء بالإنسان في إيران وثقافته وتعدّديته، وسيكون حاضرا في معرض مسقط للكتاب في دورته التّاسعة والعشرين في ركن الجمعيّة العمانية للكتّاب والأدباء، كما سيتوفر بعد المعرض في المكتبات العمانيّة الأخرى.

السابق
المكتبة البارونيّة في جربة وعلاقتها بعمان
التالي
عُمان ومصر ومشترك الثّقافة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً