المقالات الإجتماعية

ولاية شليم وجزر الحلّانيّات والسّياحة المفقودة

جريدة عُمان، 5 نوفمبر 2024م

هناك جزر  لا يُسمع لها حسّ قبل حين أصبحت قبلة السّائحين في العالم، الآلاف سنويّا يسيحون إليها لأجل الاسترخاء أو الصّيد أو الاستمتاع بجمالها، ممّا تخلق فرص دخل، وتحرّك الاقتصاد الوطنيّ، خصوصا في مجال السّياحة، فعندنا مثلا جزيرة بالي في أندونيسيا، وجزيرة ماليه في المالديف، وجزيرة بالاوان في جنوب الفلبين، وغيرها من الجزر، وبعضها ليس لها حضور تأريخيّ، ولكن لطبيعتها، ووجود بنيّة سياحيّة تحتيّة مؤهلة، مع التّشجيع الإعلاميّ؛ أصبحت من الجزر الشّهيرة سياحيّا في العالم.

ولمّا نتأمل الجزر الخمس في ولاية شليم، والّتي أكبرها جزر الحلّانيّات، نجد فيها الطّيور المهاجرة، والّتي سميّت إحدى الجزر بجزيرة الطّيور؛ لكثرة الطّيور فيها، وقد يكون منها النّادرة،  كما تكثر فيها السّلاحف النّادرة، ومختلف أنواع الأسماك، ويوجد بها أنواع أخرى من الحيوانات، بيد الّذي يميزها شواطئها الكبيرة، وطقسها المعتدل طول العام، وجمال الطّبيعة فيها، ممّا يجعلها قبلة سياحيّة لو أحسن توظيفها وتسويقها محليّا وعالميّا.

كما يوجد بها شجرة اللّبان، وأنواع أخرى من النّباتات، فضلا عن موروثات الآباء في الأطعمة والملبوسات والفنون ومختلف العادات والتّقاليد، ممّا يجعلها مؤهلة لإنشاء متحف مبسط عنها يحكي حكاية ماضيها، ونهضة حاضرها، وهذا يسهم بشكل كبير في الرّقي السّياحيّ.

إنّ سياحة الجزر – كما أسلفت – أصبحت من الأماكن المهمّة الّتي يقصدها السّائحون في العالم، وهذه الميزة ممكن أن تتحقّق في جزر الحلّانيّات خصوصا، وممكن أن تكون قبلة للعديد من السّائحين إذا ما أحسن توظيفها، فكما تتمتع بجمال الطّبيعة، هي أيضا ذات طقس معتدل غالب العام، قد لا يتوفر في أماكن ساحليّة أخرى بسبب الرّطوبة، أو أحوال الطّقس غير المستقرة.

الّذي لا يشجع السّياحة في هذه الولاية عموما، وجزر الحلّانيّات خصوصا؛ عدم وجود بنية سياحيّة حاضنة لها، فهناك ابتداء عائق المسافة، فالسّائحون في الغالب لا يصلون إليها إلّا برّا عن طريق الوسطى، أو جوّا عن طريق مطار صلالة، والمسافة من صلالة إلى هذه الجزر لا تقلّ عن ثلاث ساعات، لذا ممكن تفعيل المطارات المتعلّقة غالبا بشركات النّفط وتحويل منفذ لتفعيل الجانب السّياحيّ في الولاية، حيث أنّ مرمول مثلا لا تبعد كثيرا عنها.

كذلك هي بحاجة إلى معالجة البنية التّحتيّة من حيث الفنادق والمطاعم ومكاتب السّياحة، ومكاتب تأجير السّيارات، فهذا تفتقده الولاية بشكل واضح، فهناك فنادق قليلة أقرب إلى الشّقق الفندقيّة، كما أنّ المطاعم ليست بذات الجودة، ولا يوجد فيها سيارات أجرة في الغالب، ولا مكاتب تأجير سيارات، ولا حافلات سياحيّة، ولم أرَ مكاتب سياحيّة تعنى بالولاية وجزرها، ممّا يجعلها غير مؤهلة بشكل كبير للسّياحة الدّاخليّة فضلا عن الجذب الخارجيّ، عدا وقت الخريف ممّن يأتي خصوصا إلى الشّويميّة عن طريق صلالة، لما تتميز به من كهوف وعيون مائيّة.

ما أسلفتُ ذكره هي قراءة من الخارج، وليس من خبير مختص بالجوانب السّياحيّة والاقتصاديّة ومواقع الجذب حسب الواقع، لكنني في الوقت نفسه أرى أننا نخسر بهذا موقعا سياحيّا مهمّا يمكن أن يخلق فرص عمل، كما ينشط من عمل الشّركات الصّغيرة والمتوسطة، وهذا يحتاج إلى رؤية واضحة ومنفتحة للعمل السّياحيّ، بما في ذلك المهرجانات والمناشط المصاحبة.

إنّ عمان تتميز بتعدّدية في الطّبيعة، من السّهل والجبل والصّحراء والواحات، كما تتميز بتعدّديّة لغويّة وتأريخيّة وتراثيّة، وفي العادات والتّقاليد والفنون المرتبطة بالأفراح والأعراس والأتراح ، والمواسم الدّينيّة وسفر البحر والحجّ، ومواسم الأعياد وغناء الأطفال والرّكبان، كما تتعدّد فيها ثقافة الملبوسات والمطعومات، والتّأريخ الّذي مرت به عمان، وحضورها لآلاف سنين مضت، أوجد تعدّدية ثقافيّة في العمارة والمخطوطات والآثار البنائيّة، كالحصون والقلاع والأفلاج والقبور والأسوار والأدوات المعدنيّة والنّحاسيّة والفخاريّة والصّناعات التّقليديّة والخطوط والنّقوش وغيرها، فضلا عن أدوات الرّعي والبحر والتّنقل.

وولاية شليم وجزر الحلّانيّات جزء من هذه التّعدّديّة، خصوصا في جانب البحر والصّيد والطّبيعة – كما أسلفت -، قد لا يتوفر هذا مع صفاء الجو في أماكن أخرى، على أنّ تمركز السّياحة في العاصمة أو مدن معينة حالة غير صحيّة، والتّمركز هنا قد لا يعني بالمعنى المهرجانيّ أو الإعلاميّ فقط، وإنّما أيضا بتوفر بنية حاضنة للجذب السّياحيّ، وتوفر المرافق التّحتيّة المشجعة للعمل السّياحيّ.

على أنّ الولاية في داخلها مؤهلة طرقيّا وصحيّا، عدا ما ذكرته آنفا، وهذا ممكن التّفكير فيه من جهات الاختصاص، لما للطّبيعة من أهميّة سياحيّة لا تقلّ أهميّة عن الجوانب التّراثيّة والفنيّة، خصوصا في جوانب الاسترخاء والنّقاهة والصّيد والاستمتاع بالطّبيعة، وهذا يشجع أيضا الأنواع الأخرى من السّياحة كالسّياحة الكتابيّة والثّقافيّة، فيقصدها كتّاب ومثقفون من أجزاء من العالم لإنجاز أعمالهم الكتابيّة والرّوائيّة والأدبيّة بشكل عام، كما يشجّع على السّياحة السّينمائيّة وإنتاج الأفلام الوثائقيّة المتعلّقة بالبحر والسّهل والصّحراء، كما يشجع على إقامة المناشط الرّياضيّة المحليّة والدّوليّة بشكل أكبر، بسبب الطّبيعة واعتدال الجو، كما يشجّع بشكل طبيعيّ على السّياحة الفنيّة، وإقامة مهرجانات خصوصا المتزامنة مع بعض الفصول، لهذا قد يكون الاهتمام بهذه الجزر سياحيّا له أثره في الاقتصاد الوطنيّ مستقبلا، إن كان فيما ذكرت شيء من الواقعيّة وملائمته للحال، وإلّا تبقى وجهة نظر من متأمل لا أكثر.

السابق
التّواصل الجزائريّ العمانيّ من خلال الحركة الإصلاحيّة البيوضيّة
التالي
سبيطلة والمراجعات المعرفيّة الإنسانيّة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً