سؤال وجواب

جواب حول ترسيخ الهويّة الوطنيّة وتعزيز السّمت العمانيّ من خلال خطاب السّلطان هيثم

جريدة عمان، 1 جمادى الأولى 1445هـ/ 15 نوفمبر 2023م

جريدة عمان: تحدث جلالته عن التحدّياتِ التي يتعرضُ لها المجتمعُ ومدى تأثيراتِها غيرِ المقبولةِ في منظومتِهِ الأخلاقيةِ والثقافيةِ؛ وأكد -حفظه الله-  على ضرورةِ التصديّ لها، ودِراسَتِها ومتابعتِها، لتعزيزِ قدرةِ المجتمعِ على مواجهتِها وترسيخِ الهُويّةِ الوطنيةِ، والقيمِ والمبادئِ الأصيلة، إلى جانبِ الاهتمامِ بالأسرةِ؛ لِكونِها الحِصنَ الواقيَ لأبنائِنا وبناتِنا من الاتجاهاتِ الفكريةِ السلبيةِ، التي تُخالفُ مبادئَ دينِنا الحنيفِ وقيمَنَا الأصيلةَ، وتَتَعارضُ مع السَمْتِ العُماني الذي يَنْهَلُ من تاريخِنا وثقافتِنا الوطنيةِ.

ما أهمية إشارة جلالته إلى الأسرة وبنائها والحفاظ عليها؟

• وما أهمية التاريخ والثقافة الوطنية في تعزيز السمت العماني والحفاظ على الهوية؟

الجواب: يمثل خطاب جلالة السّلطان هيثم بن طارق – يحفظه الله – اليوم في  افتتاح دورة الانعقاد السّنويّ الأول للدّورة الثّامنة لمجلس عمان، والمتأمل في الخطاب كما أنّه إشارة إلى الجهود المبذولة في السّنوات الأربع الماضية، والسّياسات الحكيمة الّتي ساهمت في إنقاذ المجتمع من تحدّيات كثيرة، إلّا أنّه يشير إلى التّحدّيات والتّحولات الّتي تحدث اليوم في العالم أجمع، نتيجة الانفتاح، والتّأثير الإعلاميّ الحر، والتّقدّم العلميّ والتكنلوجيّ، والتّفوق في في الجانب الرّقميّ وعلى مستوى الذّكاء الاصطناعيّ، وهذا جميعا له تأثيراته الإيجابيّة والسّلبيّة، على مستوى المجتمع والاقتصاد والإعلام وغيرها.

وبقدر ما يدعو جلالته على الانفتاح عليها، وعدم الانغلاق، واستثمارها إيجابا فيما يخدم الإنسان العمانيّ؛ إلّا أنّه في الوقت نفسه يحذّر من الأبعاد السّلبيّة الّتي تؤثر سلبا على الفرد والمجتمع، وخصّ هنا في الجانب المجتمعيّ فيما يؤثر على الأسرة والهويّة.

وأمّا الأسرة فلكونها مكوّنا طبيعيّا في جميع المجتمعات البشريّة، منذ بدايات تكوّن التّجمعات السّكانيّة، وهي أصغر مفردة جمعيّة في المجتمع، ولكنّها أيضا أخطر مفردة جمعيّة حال تأثرها بمؤثرات سلبيّة، وتفككها عن غاياتها السّننيّة الاجتماعيّة.

واليوم هناك مؤثرات في العالم أجمع، متعلقة بالجانب الفكريّ والتّربويّ والقيميّ والاقتصاديّ، وإن كان جلالته ركز على الاتّجاهاتِ الفكريّة السّلبيّة، فجلالته لا يدعو إلى انغلاق الأسرة عن العالم وتطوّره، ولكنّه في الوقت ذاته يخشى عليها من الانحراف عن طبيعتها التّكوينيّة، وأدوارها المجتمعيّة، لهذا انهيارها يؤدي إلى انهيار المجتمع ككل، فهي أسرة جامعة لأسر متعدّدة.

وعليه لابدّ من وجود دراسات تربويّة وفكريّة واجتماعيّة تساير هذه التّحوّلات، وتتعامل معها بالشّكل الإيجابيّ الّذي يحفظ الأسرة والمجتمع من جهة، ولكنّه أيضا يستثمر التّحوّلات الإيجابيّة في خدمة تطوّر المجتمع ورقيّه، لأنّ الوضع الانفتاحيّ والإعلاميّ اليوم أقوى فرديّا من الهويّات الاجتماعيّة، ولهذا ينبغي التّدافع معها معرفيّا وعمليّا وفق مؤسّسات تفكّك هذه التّحوّلات والتّغيرات، ولا يقتصر عند العواطف والكلمات المطلقة، ليكون أثرها على حفظ الأسرة والمجتمع نابعة من الذّات، ومحافظة على الأسرة ذاتها.

وأمّا ما يتعلّق بالهويّة فلكل مجتمعات لها هوّياتها، نتيجة التّديّن أو نتيجة العادات والتّقاليد، أو بسبب الرّؤية الاجتماعيّة المرتبطة بالإرادة السّياسيّة والقانونيّة، والّتي تخلق نمطا معيّنا من طبيعة الهويّة، نتيجة لارتباطها بالتّأريخ، أو رغبة في الاستقلاليّة.

ولا شك أنّ الهويّة اليوم أصبحت من أكثر المفردات تعقيدا وتأثرا، نتيجة التّأثير الإعلاميّ والسّياحيّ والسّينمائيّ والفنيّ والاقتصاديّ الاستهلاكيّ عليها، وهذا له تأثيره على الجانب الفكريّ والمجتمعيّ، واليوم العالم معرض لذوبان الهوّيّات، كما أنّه أيضا معرض لتشعب الهويّات في المجتمع الواحد.

ولهذا يدعو جلالته إلى تعزيز السّمت العمانيّ والحفاظ على الهويّة، والسّمت هنا ناتج من الصّورة النّمطيّة الّتي يراها أيّ مجتمع هيّ الصّورة الّتي ينبغي أن يستقر على صورتها كأيّ مجتمع كان، والمجتمع العمانيّ بعراقته له سمته الخاص المعروف بها داخليّا وخارجيّا، والحفاظ على هذا السّمت هو حفاظ على هوّيّته الّتي يتمتع بها، وورثها من آبائه، ليسلمها إلى الأجيال القادمة.

من هنا جدليّة الهويّة اليوم بقدر ما نحافظ عليها، علينا أيضا أن ننفتح على جدليّاتها، وأنّ الحفاظ على هويّة الذّات لا يعني الانغلاق على الانفتاح التّقنيّ والمعرفيّ والتّكلنوجيّ على العالم، لأنّ الثّاني مرتبط بالعقل والبحث والكشف والإبداع والاختراع والإنتاج، وهي مفردات إنسانيّة يشترك عليها المجموع البشريّ، وفي المقابل لكلّ مجتمع خصوصيّات من حقّه أن يحافظ عليها، ويتميز بها، ولا تعارض بينهما.

السابق
نتاج المفكرين الخليجيين بين المفكرين العرب
التالي
عُمان في معرض الرّياض الدّولي للكتاب
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً