لعل من أكثر الأماكن يصعب زيارتها في دبي الأماكن الثقافية خاصة إذا لم تحفظ الشارع والبناية وأقرب معلم لها، وهذا ما وقع لي عندما أردت زيارة مؤسسة جمعة الماجد يوم الأحد الماضي، فمع قرب المؤسسة من النزل المقيم فيها، حيث بالسيارة أقل من عشر دقائق، إلا أنني احتجت ساعتين حتى أدرك مكانه، منها بالمشي، ولكوني أعطاني أحد الدكاترة العاملين هناك رقمه سابقا إلا أنه كان مغلقا، ولم أسجل أرقام المؤسسة حتى يتواصل معها صاحب الأجرة، وذلك لأن غالب من في دبي من جنسيات أخرى، وقالوا لا يعرفونها، بل والعجيب لقيت من الأخوة في الأمارات، وعندما سألتهم قالوا جمعة الماجد هذا نعرفه للسيارات، وفعلا هو عنده فروع للسيارات والأجهزة الكهربائية، ولكن لا يعرفون مؤسسته الكبيرة في خدمة التراث والثقافة.
عموما لا أريد أن أضيع وقتكم بحكاية القصص التي لا تهم كثيرا، ولكني أريد أن ألفت السادة القراء إلى قضية جوهرية، وهي أن جمعة الماجد وسلطان العويسي من التجار الكبار في دبي والإمارات، والأخير أوقف وقفا خاصا لنشر الثقافة، والآن يعمل بها أبناؤه بعد وفاته، وله جائزة كبيرة أعدها لدعم الثقافة كمشروع دعم الفائزين، ونشرت منها كتب قيمة ككتاب مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية للدكتور ناصر الدين الأسد، وكتاب موسوعة تاريخ الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري، كما أنها أعدت ندوات عديدة، ونشرت هذه الندوات في كتب كندوة عن طه حسين، وندوة عن ابن دريد نشرت في أربعة أجزاء.
ودار العويس الوقفية دار ضخمة جدا، عندما دخلتها في البداية ضننتها فندقا، فإذا هي دار خاصة بالمشروع، وفيها قاعة كبيرة للندوات والمؤتمرات، وتركز كذلك على الأدب والفنون بأنواعها كالرسم والنقش والتصوير، لهدف نشر الثقافة، وتشجيع الباحثين والكتاب والأدباء.
أما مؤسسة جمعة الماجد فهي أيضا كبيرة، واستطاع الرجل أن يحتفظ بآلاف المخطوطات ومنها مخطوطات عمانية، وأن يشتريها، وجعلها مفتوحة للباحثين والمحققين وفق فهرسة الكترونية، ومن هذه الكتب التي نشرها مؤخرا كتاب علم السنن الإلهية من الوعي النظري والتأسيس العملي للدكتور أبي اليسر كهوس، وكتاب العقد المنظوم في ذكر أفاضل الروم لعي بن القاضي أزون وتحقيق أحمد الشرقاوي، كما أنّ المركز يصدر مجلة فصلية بعنوان آفاق الثقافة والتراث.
عموما أن تجد رجال أعمال، وتجار كبار يهتمون بالوعي الثقافي، والتنوير المعرفي، ويوقفون لها البنايات التجارية، ليعود ريعها على الثقافة والكتاب، وتشجيع الباحث والمثقف هو عمل رائع، ومرحلة مهمة أفضل من بناية ألف مسجد ونقشه، وأقرب إلى الله تعالى من ألف حجة وعمرة.
فعندنا في عمان مثلا مكتبة السيد أحمد البوسعيدي، إلا أن المكتبة في جملتها قاصرة على المخطوطات وهذا جميل، ولكن لو وُضِعَ لها من الأوقاف في تشجيع الباحثين حتى في الجانب التحقيقي والنقدي لكان حسنا جميلا.
وكذلك ما يقوم به ابن عمير من المسابقة السنوية هو أيضا عمل رائع، ولكنه لو وضع كمؤسسة لها وقفها ونتاجها المستمر بصورة أكبر من الصورة الحالية، لكان أكثر أثرا، خاصة وأن الجانب الإعلامي للمسابقة ضعيف جدا.
عموما ما أردته أنّ خروج رجال الأعمال إلى بناء المؤسسات الثقافية والعلمية، ووضع أوقاف لها، هذا ما نرجوه اليوم، في وطننا العربي عموما، فالتنافس في صنع الإنسان أعظم ما يقدمه الإنسان في هذه الحياة.
على أن المؤسسات لا ينبغي أن تقتصر على الجانب الأدبي والروائي والتراث، بل تعم الصناعات والتربية والفلسفة والإنتاج والبحث الكوني والمجتمعي والإبداعي والاختراعي، وفي هذا فليتنافس المتنافسون!!!
فيسبوك 1438هـ/ 2017م