المقالات الدينية

الحلقة السّادسة: الصّيام في الزّرادشتيّة وفارس القديمة

حلقات الصّيام في الأديان على إذاعة مسقط أف أم

6 رمضان 1445هـ/ 17 مارس 2024م

الزّرادشتيّة نسبة إلى زرادشت، “وعاش قبل أربعة آلاف سنة، حيث ولد في أذربيجان، وبعث كنبيّ في هذه المنطقة، والّتي منها إيران اليوم، فبدأت في بلدة بلخ بخراسان القديمة، فانتشرت في العالم القديم في ما بين النّهرين، وأذربيجان، ثمّ بلاد فارس، وامتدّت إلى الخليج العربيّ والعراق، وأقدم كتاب زرادشتيّ اسمه جاتا  موجود في أبستاق، وزرادشت كان موحدا، والدّيانة الزّرادشتيّة ديانة توحيديّة”[1]، ويعتقدون بالإله الواحد (أهورامزدا) “ولا يوجد في العالم صفة الشّر، لكنّ الإنسان في فكره هو من يفعل الخير والشّر، وعن طريق فكره قام بتوصيف ذلك، فينسب الشّر إلى الإنسان وليس إلى الله، والإنسان نفسه إمّا أن ينظمّ تحت طائفة الخير أو الشّر، والإنسان الخيّر، أي الجامع بين الخير تفكيرا وعملا يسمّى أورمزدي،  وعكسه الجامع بين التّفكر السّيء وفعله يسّمى أهريمزدي، أي إنسان شيطانيّ أو سيء، فأهريمزد صفة للإنسان وليس للإله (أهورامزدا)، فالبعض خلط بين صفة الإنسان (أهريمزد) وصفة الإله (أهورامزدا)، فنسبوا إلى الزّرادشتيّة أنّهم يقولون بإله الخير وإله الشّر”[2]، وهم يقدّسون العناصر الأربعة وعلى رأسها النّار ولكن لا يعبدونها، فهي “رمز النّور والطّهارة والنّقاء، ويسمّى  أهورامزدا نور الأنوار، فالنّور رمز في السّماء وهي الشّمس، ورمز في الأرض وهي النّار، فهي آية كبرى للنّور الإلهي، فتقديسهم لها من باب التّشبه بعنصر النّقاء والطّهارة من الأوساخ والنّجاسات المعنويّة لإذابتها، وكونها تشتعل إلى الأعلى ليكونوا دائما في طريق التّطوّر والرّقيّ والصّعود إلى الله تعالى”[3].

والأصول الثّلاثة عندهم: “التّفكير الطّاهر والكلام الطّاهر والعمل الطّاهر”[4]، وتأتي بعد التّوحيد والنّبوّة والمعاد، وسماهم القرآن المجوس، “وأصل المجوس هنا مكوس، فقلبت الكاف جيما في العربيّة، والمكوس تعني العالم الكبير عند الزّرادشت، أو رمزا للزّرادشت ككل في تلك المرحلة”[5].

والدّيانة الزّرادشتيّة ديانة عرفانيّة أيضا، تسعى في الرّقيّ الرّوحيّ، وتقترب من الإسلام في بعض الطّقوس، “فعندهم خمسة أوقات في اليوم، يذكرون الخالق في هذه الأوقات الخمسة، بيد أنّه لا توجد صلاة مخصوصة في هذه الأوقات، كذلك لا يوجد لديهم صيام؛ لأنّ فلسفتهم تقضي أن يحافظ الإنسان على صحته طوال العام، بيد هناك من تأثر بغيرهم كالصّوم عن اللّحوم وهي أقرب إلى العادة، وليس طقسا زرادشتيّا دينيّا”[6].

كما حدث لاحقا خلط بين الزّرادشتيّة والمانويّة، أي أتباع ماني في القرن الثّاني بعد الميلاد في بلاد بين النّهرين، وهي طائفة غنوصيّة توحيديّة، تصارعت قديما مع الزّرادشت، وهي مبالغة في التّقشف والرّهبنة وترك متاع الدّنيا، ونسب إليهم الصّيام ثلاثون يوما[7].

ومن المانويّة نشأت المزدكيّة في بلاد فارس على يد مزدك بن موبذان في النّصف الأول من القرن السّادس الميلاديّ، وهي حركة إصلاحيّة زاوجت بين الزّرادشتيّة والمانويّة، ونادت بالمساواة المطلقة بين الجميع، وبين ثنائيّة الذّكر والأنثى، كما نادت بالاشتراكيّة في التّمتع بخيرات الحياة على مبدأ المساواة، لهذا سعت إلى التّخفيف من التّشديدات الطّقسيّة الزّرادشتيّة والمانويّة، كما حاربت الرّهبان، واعتبرت الجميع سواء، فالإيمان قلبيّ، وبجهده يرقى روحيّا، ولا يحتاج إلى واسطة بشريّة، وأنّ النّفس البشريّة مكوّنة من النّور والظّلمة، فعليه أن يتخلّص من الظّلمة ليرقى إلى النّور، وأنّ ثنائيّة الخير والشّر اجتمعتا صدفة فظهر الكون ثنائيّا بين النّور والظّلمة، فعلى الفرد أن يرقى من الظّلمة إلى النّور[8]، ونسب إليها أنّها إباحيّة لكونها جعلت المساواة والاشتراك في المال والنّساء، مع التّخفيف من الطّقوس والتّقاليد[9]، وهذه نسبة من خصومهم، ولم أطّلع على شيء حتّى الآن بشأن طقوسهم حول الصّيام، وأرى ابتداء أنّهم أقرب إلى الزّرادشت في هذا، بيد أنّهم كما يذكر يحرّمون القتل وأكل اللّحوم؛ لأنّ اللّحوم تحوي موادا مشتقّة من الظّلام[10].


[1] العبريّ: بدر، إيران التّعدّديّة الدّينيّة والعرفان؛ مرقون. من خلال اللّقاء مع العالم الزّرادشتيّ مهرباك بولادي.

[2] نفسه.

[3] نفسه.

[4] العبريّ: بدر، التّعارف تعريف بالذّات ومعرفة للآخر؛ سابق، ص: 25.

[5] العبريّ: بدر، إيران التّعدّديّة الدّينيّة والعرفان؛ سابق.

[6] العبريّ: بدر، التّعارف تعريف بالذّات ومعرفة للآخر؛ سابق، ص: 23 – 24.

[7] ينظر مثلا: إبراهيم: مختار حضر حسن، مقالة الصّيام في الأديان؛ سابق، ص: 308.

[8] ينظر مثلا: الموسوعة العالميّة ويكبيديا حول المزدكيّة، تأريخ الزّيارة: الأحد 7 رمضان 1445هـ/ 17 مارس 2024م، السّاعة الحادية عشرة صباحا.

[9] الموقع والزّيارة نفسها.

[10] الموقع والزّيارة نفسها.

السابق
الحلقة الخامسة: الصّيام في الجينيّة والسّيخيّة
التالي
الحلقة السّابعة: الصّيام في الصّابئة المندائيّة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً