المقالات الدينية

الحلقة السّابعة عشرة والأخيرة: الصّيام في الإسلام

من حلقات الصّيام في الأديان على إذاعة مسقط أف أم

17 رمضان 1445هـ/ 28 مارس 2024م

جاء الإسلام على يدي النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام في النّصف الأول من القرن السّابع الميلاديّ، كدين خاتم للنّبوّات السّابقة، وأنزل إليه القرآن، وقد عاش في الحجاز في مكّة والمدينة، والحجاز كان متعدّدة الأديان حينتها، ولمكّة حضارتها واقتصادها بسبب رحلات الشّتاء والصّيف، واختلاطها ببلاد الشّام، ولها مكانتها المقدّسة عند العرب.

وقد عرف العرب الصّيام قبل الإسلام، وكان في الرّمض أي الحر، ولهذا سمي رمضان، وكان الأحناف يقدّسون رمضان، واشتهر لديهم مع الصّيام عن الطّعام والشّراب والجماع وأيضا الصّيام عن الكلام، وكان منتشر بينهم صيام الأحناف واعتكافهم، واشتهر منهم أربعة رموز اشتهروا مع النّبيّ محمّد عرفوا بالتّحنث أي الاعتكاف والتّأمل، وهم ورقة بن نوفل [توفي ق هـ]، واعتنق النّسطوريّة، وزيد بن عمرو [ت 18 ق هـ]، وكان من الأحناف الباحثين عن الحقيقة، وقسّ بن ساعدة [ت 23 ق هـ]، وكان من الرّهبان المتنسكين، وأميّة بن أبي الصّلت [ت 5هـ]، وكان من الأحناف أيضا.

ويذكر ابن هشام [ت 218هـ] بيتا لأبي طالب [ت 3 ق هـ]، أنّ جبل حراء ذاته كان مأوى للمتنسّكة والمعتكفين، إذ يقول:

وثورٍ ومن أرسى ثَبيرا مكانه       وراق ليرقى في حِراءَ ونازلِ[1]

ويورد ابن هشام أيضا رواية أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – “يجاور ذلك الشّهر من كلّ سنة، يطعم من جاءه من المساكين ….. وذلك الشّهر شهر رمضان، حرج رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – إلى حراء، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله”[2]، وذكر ابن كثير [ت 774هـ] رواية أنّ هذا النّسك يمارسه العرب، ومنهم النّبيّ محمّد لمدة شهر، وبعد انتهاء الشّهر يطوفون بالكعبة سبعة أشواط[3].

وأصبح الصّيام في الإسلام ركنا رابعا من العبادات، فيصومون شهر رمضان، تسعا وعشرين يوما أو ثلاثين يوما حسب الرّؤية القمريّة، مع اختلاف في بعض جزئيّاته، فالمشهور عند غالبهم أنّ الصّيام من طلوع الفجر الصّادق إلى غروب الشّمس، ويبدأ الغروب من بداية نزول الشمس وغياب قرصها،  وذهب فريق آخر أنّ الليل  يكون بظهور الظلمة، وهذا يتحقق بظهور النجم أو غياب الشفق الأحمر، كما اختلف أيضا في الخيط الأبيض، أهو بالفجر الصّادق إم بظهور الإسفار، أي بعد الغّلس وانكشاف الظّلمة[4]، بهذا نختم حلقات الصّيام في الأديان المنتشرة والمشهورة، وإن لم نتطرق إلى الأديان البدائيّة في أفريقيا خصوصا، لحاجتها إلى مزيد بحث، والصّيام في الفكر الغنوصيّ والعرفانيّ ورمزياته، فقد تناولنا عرضا منها في الأديان، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكلّ عام وأنتم بخير.


[1] ابن هشام: عبد الملك، السّيرة النّبويّة؛ تحقيق مصطفى السّقا وآخرون، ط دار إحياء التّراث العربيّ، لبنان – بيروت، الطّبعة الثّالثة، 1421هـ/ 2000م، ج:1، ص: 272.

[2] نفسه، ج: 1، ص: 272 – 273.

[3]  ابن كثير: أبو الفداء، السّيرة النّبويّة؛ تحقيق: صدقي جميل العطّار، ط دار الفكر، لبنان – بيروت، الطّبعة الأولى، 1418هـ/ 1997م، ج:1، ص: 282.

[4] ينظر: العبريّ: بدر، أيام رمضان: تأملات حضاريّة ومقاصديّة من خلال آيات الصّيام؛ ط مكبة مسقط، سلطنة عمان – مسقط، الطّبعة الأولى، 1440هـ/ 2019م، ص: 144 – 146.

السابق
الحلقة السّادسة عشرة: الصّيام عند القاديانيّة والبابيّة والبهائيّة
التالي
مخيّمات الحجّاج العُمانيين بمنى وشكاوى الحجّاج
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً