المقالات التأريخية

عُمان ومصر ومشترك الثّقافة

جريدة عُمان، 28 يناير 2025م

الحديث عن عُمان ومصر حديث موغل في القدم، من شجرة اللّبان قديما، وحتّى معرض القاهرة للكتاب في دورته السّادسة والخمسين لعام 2025م أي في هذه اللّحظة الزّمنيّة، وما اختيار عُمان ضيف شرف لهذا العام إلا تجسيد لهذه العلاقة الثّقافيّة، وهي إضافة مهمّة لعمان، فمصر لا زالت تترأس القيمة الثّقافيّة العربيّة، وهي كعبة العرب شرقا وغربا، رغم التّحدّيات الاقتصاديّة الّتي تمرّ بها، ومعرضها يترأس المعارض الأولى في الشّرق الأوسط، والثّاني عالميّا، وله جمهوره الّذي قد  يتجاوز خمسة ملايين سنويّا، كما تتنافس دور النّشر للمشاركة فيه لمكانته الإعلاميّة والثّقافيّة، ويحضره أغلب رموز الثّقافة العربيّة، فهو سوق عكاظ بمعناه الثّقافيّ الأشمل عربيّا.

ولقد نُشرت لي مقالة محكّمة بمجلّة الحياة الجزائريّة عنوانها “العلاقات الثّقافيّة بين عُمان ومصر”، بيّنت فيها بعض هذه العلاقات من القرن الأول الهجريّ، وحتّى عام 1970م، فما بعد هذا العام ظاهر للعيان، وموثق بشكل كبير في الصّحافة والوثائق والكتب، ولا زال العديد من شهادة رموزه أحياء يعيشون بيننا، ثمّ لا زالت العلاقة تتسع بشكل أكبر، وتتعمّق بشكل أوسع في الوقت ذاته.

ما يهمني هنا، ولمناسبة عُمان ضيف شرف في معرض القاهرة للكتاب، أن أشير لبعض ما ذكرته في النّصف الأول من القرن العشرين، ليس من باب التّكرار، ولكن من باب العيش مع الحدث الحاليّ، مثلا في عهد السّلطان حمود بن محمّد بن سعيد البوسعيديّ (ت: 1902م) نجد هذا السّيّد يدعم جريدة المحروسة، “وهي جريدة سياسيّة أدبيّة أنشئت عام 1875م في مصر، ودعمه لرئيس تحريرها كما في الرّسالة المرسلة من رئيس التّحرير إلى السّلطان حمود، والمؤرخة في 7 يناير 1901م، وقد أرسل سابقا رئيس التّحرير إلى السّلطان ذاته في 5 سبتمبر 1899م رسالة يرجو منه دعمه لكتاب “سلافة العصر في شعراء العربيّة بكل مصر”، ووصفه بأنّه “من أنفس الكتب وأحسنها”، على أن يكون اسم السّلطان في صدر الكتاب، كما تدل الرّسالة على جواب لقيمة الاشتراك في الجريدة”، وهذا يدلّ على اهتمام السّلطان لمتابعتها وقراءتها من خلال الاشتراك فيها، “وفي 3 يوليو 1902م أرسلت صاحبة مجلّة “السّعادة” روجينا عواد، الصّادرة في القاهرة 1902م العددَ الأول تيمنا إلى السّلطان السّيّد حمود بن محمّد بن سعيد سلطان زنجبار”، كما “تواصل رؤساء تحرير المجلّات المصريّة مع السّلطان السّيّد حمود بن محمّد بن سعيد، من ذلك رئيسة تحرير مجلّة المرأة أنيسة عطا الله في 29 نوفمبر 1901م ، ورئيس تحرير جريدة السّهام المصريّة جورج إسحاق في 20 يونيو 1902م”، “كما أرسل صاحب جريدة السّرور والمطبعة الوطنيّة بالإسكندريّة عبد المسيح الأنطاكيّ رسالة شكر  إلى السّلطان السّيّد حمود، على دعمه لطباعة كتاب، وذلك بتأريخ 21 مارس 1901م”.

وفي عهد ابنه السّيّد عليّ بن حمود (ت: 1918م)، نجد استمراريّة التّواصل الثّقافيّ بين عُمان خصوصا في شقّها الأفريقيّ آنذاك ومصر، مثال ذلك “رسالة عبد المسيح الأنطاكيّ في 19 يونيو 1905م إلى السّيّد سالم بن محمّد بن سالم الرّواحيّ بشأن التّوسط لدى السّلطان عليّ بن حمود ليتحفه بالقصائد الّتي قيلت في والده لطباعتها في كتاب أو ديوان مستقل”، “وأرسل مدير مجلّة الهلال إبراهيم زيدان إلى السّلطان السّيّد عليّ بن حمود بتأريخ 4 سبتمبر 1906م، تفيد دعم السّلطان للمجلّة، وقد بلغت السّنة الرّابعة من عمرها، كما أرسلوا إليه خمس نسخ من رواية العبّاسة أخت الرّشيد، وخمس نسخ من تأريخ التّمدن الإسلاميّ في جزئه الخامس، وقد أرسل له سابقا في 19 أبريل 1900م كتاب جمّعه وسماه “نوادر الكرم في الجاهليّة والإسلام”، ووصفه بأنّه “يحتوي على أشهر نوادر أهل الجود والكرم الّتي جرت لعهد البرامكة ومن جاراهم في السّخاء كمعن بن زائدة، وحاتم الطّائيّ، والخلفاء، وغيرهم”، “كما أرسل محّمد رشيد رضا صاحب مجلّة المنار الصّادرة في القاهرة إلى السّلطان السّيّد عليّ بن حمود بن محمّد في 16 أكتوبر 1910م، لمّا علم أنّه كان في القاهرة، وقد عرض عليه المشروع الّذي أسّسه في عاصمة الدّولة العثمانيّة “أسطنبول”، وهو تأسيس جمعيّة دينيّة علميّة خيريّة غير ربحيّة، ولا تتدخل في السّياسة، مؤلفة من جميع المذاهب الإسلاميّة، وتجمع المسلمين فيما اجتمعوا عليه، ويعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه، وذلك لأنّ السّلطان “….مَن يعلم ما عليه المسلمون من جميع الفرق في جميع البلاد من الضّعف في العلوم والفنون والصّناعات، والآداب الاجتماعيّة، والشّؤون المدنيّة، ويعلم أنّ علّة العلل لذلك هي سوء فهم الدّين الإسلاميّ، وكثرة البدع والتّقاليد فيه، وجهل علمائه بتطبيق أصوله وأحكامه على مصالح البشر في هذا العصر، وتعصبهم لمذاهبهم الّتي فرقت الأمّة الإسلاميّة، وجعلتها شيعا يعادي بعضها بعضا …”.

وفي عهد السّلطان فيصل بن تركيّ بن سعيد (ت: 1913م) نجد أنّ “عبد المسيح الأنطاكيّ [والّذي كان أيضا] رئيس تحرير مجلّة “العمران” الشّهريّة الّتي كانت تصدر في القاهرة، قد زار مسقط في 1907م، والتقى بالسّلطان فيصل بن تركي”، وقد أكرمه السّلطان، وضيّفه واستمع له، ووصف استقباله بقوله: “إذ قابلنا سموّ سيّدنا ومولانا السّلطان الأعظم بالقرب من الباب ببشاشته المعهودة، وصدره الرّحب، وكان يقول أهلا ومرحبا …. ثمّ جلس سموّه، وأمرني بالجلوس إلى جانبه، فسألني عن سفري وراحتي تلطفا، فشكرت ودعوت …”، “كما زاره أيضا السّيّد رشيد رضا  عندما مرّ إلى عُمان وبالتّحديد مسقط وهو راجع من مومباي في الهند يوم الاثنين 19 جمادى الأولى 1330هـ/ 6 مايو 1912م، والتقى بالسّلطان فيصل بن تركيّ، وقد خصّص له رجالا لاستقباله، ويؤرخ ذلك رشيد رضا بقوله: “أقمت في مسقط أسبوعا كان يختلف إليّ كلّ يوم وليلة منه وجهاءُ البلد وأذكياؤه، ويلقون عليّ الأسئلة الدّينيّة والفلسفيّة والأدبيّة والاجتماعيّة، وزارني السّلطان في دار الضّيافة أيضا، ومكث معي ساعات، وزرته في مجلس حكمه عدّة مرات، وكان يلقي عليّ في كلّ مرة الأسئلة المختلفة، وكان يكون معه في مجلسه أخوه السّيّد محمّد، وهو كثير المطالعة في الكتب، ولكنّه لا يحبّ البحث في المجالس في كلّ ما يطلع عليه من المسائل، وقد عهد السّلطان إلى كاتبه الخاصّ من أهل السّنّة الزّبير بن عليّ أن يتولى أمر العناية بضيافتي، وإلى كاتبه الآخر الشّيخ إبراهيم بأن يتعاهدني معه أيضا”.

هذه نماذج سريعة لاهتمام ومتابعة العمانيين لمصر وثقافتها، اكتفيت فيما يتعلّق برأس الهرم بالسّلاطين الثّلاثة المشار إليهم آنفا، وإلّا أفقيّا أوسع من ذلك بكثير، في المستويات الدّينيّة والثّقافيّة والأدبيّة، فضلا عن العلاقات السّياسيّة والاقتصاديّة، فهذه لمحات احتفائيّة بالمناسبة لا أكثر.

ملحوظة: هوامش مصادر المقالة في بحث العلاقات الثّقافيّة بين عُمان ومصر؛ مجلّة الحياة، الجزائر غرداية، عدد (29)، رمضان 1445هـ/ أبريل 2024م، ص: 240 – 259.

السابق
صدور كتاب “إيران التّعدّديّة والعرفان” لبدر العبريّ
التالي
المطاعم في نهار رمضان وقضيّة تقنين فتحها لمن يباح له الفطر
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً