تقدمة
بدعوة كريمة من الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء بالدّعوة للمشاركة في مؤتمر التّطرف الفكريّ ومدى تأثيره على المجتمع العربيّ، والمزمع عقده في شهر ديسمبر 2015م.
ولقد طُلب مني أن أكتب ورقة بعنوان فكرنا الإسلاميّ والقيم الإنسانيّة [النظّريّة والواقع]، وعليه رأيتُ أن تكون الورقة حول الفكر القيميّ والشّراك الإنسانيّ لما له من علاقة بالتّطرف، وقسمتُ بهذا البحث إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الفكر والقيم والتّطرف والعلاقة بينهم.
المبحث الثّاني: الفكر القيمي والشّراكة الإنسانيّة.
المبحث الثّالث: الفكر القيمي والتّطرف.
راجيا أن أكون وفقتُ في توصيل المراد، والحمد لله رب العالمين.
بدر بن سالم بن حمدان العبري
الموالح – مسقط -/ سلطنة عمان
صباح الأحد, 11 محرم 1437ه الموافق 25 أكتوبر 2015م
المبحث الأول: ماهية الفكر والقيم والتّطرف والعلاقة بينهم
قبل الدّخول في البحث لابدّ من إدراك ماهية أهم ثلاث مفردات في البحث (الفكر والقيم والتّطرف) لإدراك العلاقة بينهما.
- ماهية الفكر:
جاء في مختار الصّحاح: التَّفَكُّر التّأمل، والاسم الفِكْرُ، والفِكْرةُ والمصدر الفَكْرُ بالفتح[1]، وفي معجم الغني: فَكَّرَ فِي الْمُشْكِلَةِ أَعْمَلَ عَقْلَهُ فِيهَا لِيَتَوَصَّلَ إِلَى حَلِّهَا مُسْتَعِيناً بِمَا يَعْلَمُ[2].
فالفكر في اللغة له ركنان معلوم ومجهول، فيستخدم آلة المعلوم لكشف المجهول، وهذه يعمّ جميع وسائل المعرفة، سواء كانت إنسانية فلسفية بحتة، أو كانت تجريبيّة.
وجاءت لفظة “يتفكرون” صريحة في القرآن الكريم ثماني عشرة مرة، كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[3]، وجاءت بمعاني أخرى كالنّظر والسّمع والبصر والانتشار في الأرض والتّعقل أو إعمال العقل، والتّحري في الخبر مثلا.
وجاء في الموسوعة العالميّة (ويكيبيديا): الفكر مصطلح يُستخدم في الدّراسات المتّعلقة بالعقل البشري، ويشير إلى قدرة العقل على تصحيح الاستنتاجات بشأن ما هو حقيقي أو واقعي، وبشأن كيفية حل المشكلات.
والفكر قرين الإنسان في الحياة، فالإنسان مفكر بذاته وفطرته، فمنذ ولادته وحتى موته يبقى مفكرا، إلا أنّ هذا التفكير البديهي العشوائي تحوّل باكتشاف ما في الكون إلى تفكير معرفي منتظم، ثمّ تشعب لتشعب المعرفة نفسها، وفي العصر الحديث كانت مناهج خاصة عن التفكير وطرقه ووسائله، وآلية اكتشاف وتنظيم المعرفة، وسبل اكتشاف المجهول.
فلا يوجد إنسان في الحقيقة ليس مفكرا، حتى المتطرف هو مفكر في تطرفه، كما أنّ المعتدل هو أيضا مفكر في منهج اعتداله.
لذا كان التّفكير في حدّ ذاته مربوطا بالقيم المشتركة التي تجعله عنصر بناء لا وسيلة للهدم والإفساد في الأرض.
- ماهية القيم:
القيمة من قام بالشيء على الوجه الأكمل، و قيمة الشيء قدره، كما أنّ قيمة المتاع ثمنه، والقيم هي الفضائل الدِّينيّة والخُلقيّة والاجتماعيّة التي تقوم عليها حياة المجتمع الإنسانيّ[4].
وسمّيت القيمة بهذا الاسم لأمرين: الأمر الأول الثّبات، فلا تتغير بتغير الزمان والمكان، لذا أيّ متغير يدور وفقها إيجابا أم سلبا[5].
والأمر الثّاني الدّيمومة، فهي لا تنتهي بمدة؛ لأنّها من فطرة الإنسان نفسه، وفطرة الإنسان السّليمة لا توقت بفترة، فلا يمكن أن يأتي يوم ويصبح الكذب هو الأساس، إلا إذا تأثرت فطرة الإنسان بملوثات خارجيّة، ولا أقول تتغير فطرة الإنسان، فهي لا تتغير ولكن تتأثر بضباب خارجي يؤثر على مجرى حياة الإنسان[6].
وفي القرآن الكريم وصف الله تعالى الدّين بأنّه دين القيّمة، حيث قال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[7] ، والقيّمة لغة الأمة المستقيمة المعتدلة، فيكون الدّين الإلهي الصّافي، لا المتأثر بأفكار البشر ورواياتهم البعيدة، فيكون هذا الدّين منبها البشر إلى القيم المستقيمة المعتدلة، والتي تعود بالإنسان إلى فطرته السوية التي خُلِقَ عليها، ولذا جاء الأنبياء بقيم مشتركة كليّة.
والنّاس يخلطون بين القيم والخلق، وبينهما فرق شاسع، فالخُلُقُ في اللغة بمعنى السّجيّة، وفي الاصطلاح يعرّفه الجرجاني بأنّه عبارة عن هيئة للنّفس راسخة يصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة بحيث يصدر عنها الأفعال الجميلة عقلا وشرعا سمّيت الهيئة خلقا حسنا[8] .
فالأخلاق من آثار القيم ونتائجها الطّبيعية، لذلك إذا كانت القيم مستقيمة وفق فطرة الإنسان؛ كانت الأخلاق مستقيمة حسنة، أما إذا كانت القيم خلاف الفطرة كانت الأخلاق معوجة سيئة، لذا نقول هذه أخلاق حسنة، وهذه سيئة، وهذا وفق وجود أو غياب القيم السويّة[9].
والسّؤال: ما العلاقة بين الفكر والقيم من خلال ما تقدّم؟
نجدُ من خلال ما تقدّم أنّ الفكر أعم من القيم وأقرب إلى الأثر أو النتاج، أمّا القيم فهي أخص وأقرب إلى الأصل والثّبات، وعليه كانت ديمومة القيم وثباتها عنصرا مهما في صلاح الفكر واستقامته.
مثلا: قيمة الإنسان قيمة كليّة مشتركة تعود إلى ذات النّفس البشرية التي لها حق الوجود والتّمتع في الحياة، وهذه القيمة لا تنزل أو ترتفع بدين أو مذهب أو لغة أو لون أو جنس أو مال أو منصب.
ووجود فكر أو تصوّر يفرّق بين النّاس، أو يبيح قتل النّفس لمجرد اختلاف في مذهب أو فكر، أو يضع الكفاءة غير متساوية بين البشر، هذا الفكر ناتج نتيجة غياب القيم ذاتها، وليس نتيجة وجود قيم أخرى تزاحم هذه القيمة، فالقيمة مشتركة، ولكن غيابها أو على الأقل وجود تفسيرات لها جانبية تنحرف بها هنا يحدث الخلل بداية في التّفكير ثمّ في التّطبيق ذاته.
وعليه كان لزاما بداية نقاش القيم ذاتها لتكون ميزانا للفكر لا العكس.
- ماهية التّطرف:
يعرّف بعضهم التّطرف بالمغالاة السّياسيّة أو الدّينيّة أو المذهبيّة أو الفكريّة، ويعتبرونه أسلوبا خطِرا مدمِّرا للفرد أو الجماعة[10]، وفي اللغة: الْمُبَالَغَةُ وَالإِفْرَاطُ، وَتَجَاوُزُ حَدِّ الاعْتِدَالِ[11].
والقرآن الكريم لم يستخدم مصطلح التّطرف، ولكنه استخدم مصطلح الغلو في الدّين، وحذّر منه، من ذلك قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}[12]، والغلو مجاوزة الحدّ، وهو مظهر من مظاهر التّطرف الدّيني.
والتّطرف له مظاهره، منه التّطرف الفكري والدّيني والسّياسي والاجتماعي والخلقي، ويأتي على نمطيات مختلفة منها القولي ومنها الفعلي السّلوكي.
والتّطرف يعتبره العديد من النّاقدين بأنّه نسبي، فما تعتبره أنت تطرفا قد يعتبره آخرون وسطا وحقا مشروعا، فيحدث التّضارب في فهمه وإسقاطه.
والسّؤال البديهي هنا كيف نفرّق بين ما هو تطرف وبين ما هو اعتدال على اعتبار النّسبيّة، وهذا يخضعنا إلى العودة إلى القيم الإنسانيّة المشتركة كرابط مشترك ولو من زاوية كليّة في تحديد التّطرف ومقداره واعتباره من غيره.
وعلى هذا سينقسم الفكر إلى أربعة أقسام:
الأول: فكر معتدل واقعا مشتركا.
ثانيا: فكر متطرف واقعا مشتركا.
ثالثا: فكر معتدل نسبة.
رابعا: فكر متطرف نسبة.
وواقعية هذا من نسبية ذاك يعود إلى القيم المشتركة وتعزيرها، كنسبية الأخلاق مثلا وواقعيتها.
- خلاصة المبحث الأول:
نخلص من هذا المبحث إلى ضرورة الرّجوع إلى القيم المشتركة، ومحاولة النّظر إليها من جديد بعيدا عن الإسقاطات التّأريخيّة والتّفسيريّة المصاحبة لها، وهذا ما يتضح بصورة أكبر في المبحث التّالي: الفكر القيمي والشّراكة الإنسانية.
المبحث الثّاني: الفكر القيمي والشّراكة الإنسانيّةعنوان المبحث يتكون من ركنين الأول: الفكر القيمي، والثّاني: علاقة هذا الفكر بالشّراكة الإنسانيّة، وعليه قبل التّطرق إلى الشّراكة لابد من تحديد أهم القيم في الشّراكة والّتي لها علاقة بموضوع بحثنا.
- الفكر القيمي:
القيم ذاتها تنطلق من ذات الإنسان، فذات الإنسان واحدة، أصلها واحد وفرعها واحد، هذه الذّات يدخل عليها عوامل متعددة منها:
- عامل الخلْقة كاللون والنّسب[13] والذّكورة والأنوثة.
- عامل القبيلة والوطن والبيئة.
- عامل المنصب والمال والوجاهة والعلم والشّهادة.
ومع وجود هذه العوامل الخارجيّة إلا أنّ الذّات تبقى واحدة لا تتغير، وهذا ما قرره القرآن الكريم، فالقرآن قرّر بداية كرامة الإنسان حيث قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[14]، فهذه الآية تبيّن كرامة الذّات الإنسانيّة كذات وجدت في الأرض، وتكريمها والمحافظة عليها من تكريم الله سبحانه وتعالى، ومن عبادته جلّ جلاله.
وكما أنّ الله سبحانه وتعالى سخّر للإنسان ما في الوجود؛ إلا أنّ أعظم ما في الوجود حبُّ البقاء، وهي فطرة غريزيّة جبل عليها الوجود البشري، ولذا حرمان نفس واحدة من البقاء بغير حق؛ يعتبر قرآنا حرمانا للذّات البشرية جميعا، بما يضيفه من خراب وفساد في الأرض، يقول سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[15].
والسّؤال الطّبيعي هنا: ما القيم الإنسانيّة المشتركة التي تقرر الحق المشترك بين البشر؟
بطبيعة الحال لا يمكن في هذا البحث المتواضع ذكر جميع القيم، ولكن نشير إلى أهم هذه القيم من باب التّمثيل والاستشهاد لا الحصر .
ويمكن تقسيمها إلى خمسة أفرع[16]:
الأول: القيم التّعبدية المحضة.
الثّاني: القيم الفردية الذّاتيّة.
الثّالث: القيم الاجتماعيّة والبيئيّة.
الرّابع: القيم الاقتصاديّة والماليّة.
الخامس: القيم السّياسيّة والدّوليّة.
أولا: القيم التّعبديّة المحضة.
حق الإيمان بالله تعالى حق اختياري {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[17]، ولا يملك أحدّ حق الحصر في نفسه، أو ممارسة الإكراه في غيره، وله حق البيان لفكره والجدال بالتي هي أحسن.
وحرّم القرآنُ الإساءةَ إلى عبادات الآخرين وآلهتهم، فضلا عن شعائرهم وطقوسهم، قال سبحانه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[18] .
فلكل إنسان حريته في عبادته وتوجهه، واختيار المذهب أو الدّين الذي وُلِدَ فيه، أو اقتنع به، أو الرأي الذي يراه أقربَ صوابا، وأهدى سبيلا، ولا يجوز لأحد قمعه أو التّضييق عليه، مع إمكانية فتح باب الحوار، والجدال بالتي هي أحسن، لكن أن يُقمع وُيهجر ويُؤذى فهذا بعيد عن القيم الإنسانيّة التّعبديّة، والتي لا إكراه فيها لأحد.
وكما أنّ الإنسان له حق العبادة إلا أنّ حق الجزاء يوم القيامة لله وحده لا شريك له، فلا يجوز عقلا ولا شرعا الإشراك مع الله تعالى في هذا، فالحرية في العبادة مبدأ يترتب عليه الكرامة الإنسانيّة في الدّنيا، والجزاء الأخروي في الآخرة، قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا}[19]، وقال سبحانه: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}[20] .
ثانيا: القيم الفردية الذّاتيّة.
قيمة الإنسان قيمة فردية ذاتية، لا تفترق بدين، ولا تختلف برأي أو مذهب، ولا تتعدد بلون أو جنس، فالإنسان له قيمته لذاته البشريّة، لا للونه ولا لجنسه، ولا لقبيلته ولا لعشيرته، وعليه دمه لا ينتهك بمجرد اختلاف دينه، فلا يجوز إراقة دمه بمجرد كونه مشركا أو ملحدا، أو يهوديّا أو نصرانيّا، أو مخالفا في المذهب والتّوجه، فدمه من خلق الله تعالى، ونفسه الحيّة بيد الله وحده.
فعجبا أن يذهب بعض الفقهاء إلى وجوب قتل المخالف في الدّين إذا كان مشركا غير كتابيّ بدعوى آية السيف، ونسو الآيات المبينة لكرامة الإنسان وحرمة دمه، والعجب أكثر أن يجيز بعضهم الدّماء المؤمنة بمجرد اختلاف في رأي أو مذهب.
ومن لوازم قيمة الإنسان الذّاتيّة حفظ عرضه، فعرض الإنسان مصون لا يُمس بحال من الأحوال، لا يمس لسانا ولا نظرا ولا سمعا ولا فعلا {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[21]، وذكر المؤمنات لا يعني جواز قذف غير المؤمنات، ويدخل فيه بطبيعة الحال الجنس الذّكوري، وإنّما خص المؤمن من باب التّغليظ، أي إذا كان قذف الإنسان محرما فيشتد الأمر ويغلظ إذا كان مؤمنا، لحرمة الإيمان.
ومن لوازم هذه القيمة أيضا حرمة التّجسس السّمعي، كالتّجسس في المكالمات الهاتفيّة، وقراءة الرسائل النّصيّة، وفتح مواقع المحادثات الخاصّة، ويُستثنى من هذا إذا كان من باب التّربيّة كالوالدين مع أولادهم إذا كانوا صغارا، أما إذا كبروا فكل يعمل على شاكلته، ولا يجوز التّجسس من قبل الزّوجين على بعضهم بعضا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}[22].
وهذه القيمة تجسّد الأخوة بين البشر، فالنّاس جميعا يعودون إلى مصدر واحد، فهم أهل بيت واحد، وأخوة في الإنسانيّة، والأصل في هذا البيت يعمهم السّلام، ويسود بينهم الود والاحترام، ويكونون يدا واحدة في بناء هذا الكون العظيم.
والاختلاف بين النّاس في هذا البيت الأرضي الواحد لا يعني التقاتل والتحارب والتّنازع والشّقاق والبغضاء، فخيط الإنسانيّة جامع كبير بين الشّعوب والأمم، لذا أمرت الشّرائع بالإحسان إلى النّاس، ولو كانوا يعبدون غير الله تعالى.
وإذا كانت القيمة الذّاتيّة لابد منها لقيمة الإنسان نفسه؛ فإنّ هذه القيمة تزداد عظمة إذا كان الرابط الإيمان بالله سبحانه وتعالى وحده، فهنا يجتمع أمران، الأمر الأول: رابط التّوحيد، والأمر الثّاني: رابط كرامة الإنسان الذّاتيّة.
والقرآن الكريم أبقى الأخوة الإنسانيّة بين أبناء الرّسالات السّماويّة، ليس لرابط الدّم الإنسانيّ فحسب؛ بل لرابط الإيمان بالله تعالى، وإن وجد انحراف من قبل أبناء هذه الدّيانات، فهو لا يلغي الاعتراف بالطّرف الآخر، والاجتماع على كلمة سواء، قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[23] .
وحفظت الشّريعة عناصرَ الأخوة بين هذه الأمة، بداية من منطلق توحيدها وعبوديتها لله الواحد لا شريك له، فالله واحد لا شريك له، والنبّي خاتم هذه الأمة، والكعبة البيت الذي تستقبله في صلواتها، وتصلي خمس مرات في يومها، وتخرج زكاة مالها، وتصوم شهرها، وتحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
فهذه الدّائرة الواسعة كافية لتحقيق الأخوة بين الأمة الواحدة، لتصلح فيما بينها، وتوحد صفها، وتحل مشاكلها بنفسها، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[24] .
واعتبر القرآن المؤمنين أخوة مهما حدث منهم، بل وحتى في حال القتال اعتبرهم أخوة، ولم ينفِ عنهم صفة الإيمان، قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[25]، وعلى الجماعة المؤمنة أن تصلح بين المتخاصمين، ليعودوا إلى الوحدة والوفاق والشّراكة في بناء المجتمع، بعيدا عن الأهواء والمصالح الشّخصيّة، وهذا أصل الأخوة،
فالقيمة الذّاتيّة مجسّدة لكل عناصر الأخوة في البيت الإنسانيّ، وتزداد متانة وقوة إذا اجتمع فيها الإيمان بالله والإقرار بوجوده سبحانه وتعالى.
ثالثا: القيم الاجتماعيّة والبيئيّة.
قديما قيل: الإنسان مدني بطبعه، وقيل: الإنسان اجتماعي بفطرته، وهذا من السّنن الكونيّة، فهو ليس فقط لا يستطيع الانفكاك عن الإنسان؛ بل لا يستطيع أن يعيش بدون مفردات الكون التي تحيط به، فهو محتاج إلى الهواء ليتنفس، وإلى الماء ليحيا، وإلى الأرض ليكسب.
كذلك لا يستطيع أن يعيش بمفرده دون وجود جماعة من بني جنسه يخالطهم ويعيش معهم، ويعينهم ويعينوه، ويسامرهم ويسامروه، فهذه سنّة الله في الكون، والتي لا تتغير ولا تتبدل، لذا اعتبر العقلاءُ العزلةَ مرضا، والانزواءَ سلوكا سلبيّا.
والجماعة تبدأ من الأسرة التي يترعرع الفرد بين جنباتها، ويلهو بين أفرادها، فالقرية التي تنتمي إليها هذه الأسرة، والتي تدور حول المسجد أو الكنيسة أو الدّير أو أي مظهر يجمع بينها، ومن ثمّ تتجمع هذه القرى لتشكل المدن والمحافظات والمناطق فالدّول، وهكذا يتشكل المجتمع الإنساني الكبير.
وقد وضعت الشّريعة البعدَ الاجتماعي حتى في شعائرها وطقوسها المحضة، فهذه الصّلوات الخمس تمارس في جماعة، وفي منطقة المسجد، والذي يجمع أبناء وأفراد القرية الواحدة، فتكون الصلّوات الخمس جامعا بين المؤمنين، ينظرون إلى بعضهم، فيعرفون المريض منهم، ويساعدون المحتاج، ويعطفون على المدين.
ثم ينطلقون بعدها إلى مظلة الجمعة الواسعة، لتجمع أكثر من قرية، في عيد أسبوعي بهيج، يخطب إمام الجمعة مبينا أهمية الجماعة، ومحذّرا من الفرقة والاختلاف، والتّنازع والتّباغض.
وبعدها تأتي مظلة رمضان الواسعة، لتكون دورة سنوية في مراجعة الذّات، ومحاسبة أمر العلاقات الاجتماعيّة، فتتجدد الصّلات، وتقوى الرّوابط، في جو من التّنافس والوئام.
وأخيرا تأتي مظلة الحج الواسعة، لتجمع النّاس من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معدودات، فيتعارفون فيما بينهم، فتألف قلوبهم، وتتوحد صفوفهم، وتذوب الفوارق فيما بينهم، يطوفون حول بيت واحد، ويسعون بين جبلين في صفوف متراصة، قلوبهم مليئة بالحب لبعضهم بعضا، قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}[26] .
وقد شرع الله تعالى بعد فريضتي الصّيام والحج عيدي الفطر والأضحى، وهما جامعة عظيمة في البناء الاجتماعي، وقد شُرِعَ فيهما من النّسك ما يجمع الجميع على فرحة واحدة، ويبهج الكلّ بالعيدين العظيمين.
وقد سُنَّ قبل عيد الفطر زكاةُ الفطر، لتكون بهجة للجميع، وحتى تشمل الفرحة جميع أبناء القرية الواحدة، فيخرجون من أموالهم ما يعينون به المحتاج في يوم العيد، من نقود وغيرها.
كذلك سن الشّرع القربان يوم الأضحى، فيكون تجديدا لعهد الحنيفيّة السّمحة، وتذكيرا بعهد إبراهيم عليه السّلام، وإعانة للفقير يوم العيد، وإطعاما للجائع، {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[27].
ومن أعظم معاني القيم الاجتماعيّة والبيئيّة قيمة الرّحمة، فالرّحمة هي القيمة التي لا يفرّقها دين أو فكر، أو مال أو نسب، أو لون أو جنس، فهي قيمة مشتركة بين أبناء الكون أجمع، فإذا نزعت هذه القيمة من قلوب النّاس حلّ محلها العجب بالذّات، والتّكبر والغرور، والحسد والطّمع والجشع وسائر الأمراض التي تؤثر على سلوك واجتماع النّاس وتآلفهم.
ثمّ تأتي قيمة التّعاون، وهي من القيم التي تحفظ المجتمع، وتجمع بين أفراده، ولها الأولوية فوق أي أمر ثانوي آخر، فهذه القيمة تعتبر قاعدة جماعيّة مقدمة على الاعتبارات الفرعيّة، وهي خيط وفاق يسير عليه الجميع، فقد تختلف مع أشخاص في فكر أو منهج، ولكن عمل البر والخير يتطلب منك أن تكون عونا لهم في تحقيقه، وهذا ما يسمى اليوم بالعمل المؤسسي المدني.
فالإنسانيّة في مجموعها غير متفقه في اتجاهاتها الدّينيّة والفكريّة والسّياسيّة، وهي مشتركة في تحقيق مصالح يعم نفعها الجميع، وعليه أن يترفع الفرد عن التّوجهات الذّاتيّة والفكريّة، ليعملوا وفق المنظومة المصلحيّة والجماعيّة، ويتعاونوا عليها، وهذه قيمة التّعاون في حقيقتها الذّاتيّة، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[28].
ونجد الله تعالى ذكر قيمة التّعاون بعد ذكر تحريم العدوان في أخذ الحق، فعندما قال سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا}[29]، أي تجاوزوا الحد في أخذ الحق ورفع الظّلم، ولو كان الظّالم من المسلمين، والمظلوم من المشركين؛ هنا يجب الوقوف مع المظلوم، لأنّ القيمة الإنسانيّة مقدمة، لذا ذكر بعدها هذه القيمة، ليكون المؤمنون صفا واحدا في رفع العدوان من أيّ كان.
واعتبر القرآن البر ليس محصورا في الصّلاة فحسب، فالبر واسع يعم الصّلات الجماعيّة، والتّواصل البشري، والفعل الخيري، والعمل المؤسسي، فكلّ هذا من البر، والذي لا يحصر فقط في الإكثار من الصّلوات والأذكار، فإنشاء مؤسسة خدمية أقرب إلى البر من الاعتكاف ألف ليلة، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [30].
رابعا: القيم الاقتصاديّة والماليّة.
من حق الإنسان أن يكسب ويتملك، ويكون عنده من المال ما يغني نفسه وعياله، ولكن بالطّرق المباحة والتي لا يتبعها استغلال وسرقة لأموال الفرد والأمة، يقول تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[31] .
فالشّريعة ربطت بين الحكومة والشّعب، فعلى الشّعب السّعي في الكسب، فحرّمت عليه التّسول، وأخذ المال بغير الحق، وحثت على العمل، والأمانة فيه، وكسب الرزق، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[32] .
وفي الوقت نفسه على الحكومة توفير التّأمين الاجتماعي، وتحديد مستوى المعيشة، حتى لا ينزل الشّعب إلى درجة يبيعون فيها أعراضهم، أو يعرّضوا أنفسهم للهلاك والمشقة الشّديدة، من هنا أوجبت الشّرائعُ الزكوات، وحثّت على الصّدقات، وهذا من باب التكامل الاجتماعي، والقضاء على الفقر ومسبباته، قال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[33] .
وبالتكافؤ بين الشّعب والحكومة يتحقق عنصر التّوازن، وهذا سيؤثر إيجابا على الأمة والإنسانيّة، لأنّ توزيع المال وعدم جعله دولة بين الأغنياء سيجعل الفرد يمسك بعض ماله مدخرا، وفي الوقت نفسه لا يقتّر على نفسه وعياله ومجتمعه، فيرسل بعض ما في يده، لتوفير مستلزماته الضّرورية، وحاجياته المهمة، وبعض الكماليات بلا إسراف ولا تقتير.
فهو هنا نفع اقتصاد بلاده وأمته من جانبين: الجانب الأول جانب الادخار، فادخاره للمال، وعدم الإسراف فيه بالكليّة، يعطيه فرصه لتنميته في المستقبل، والمتاجرة به، وإنشاء مشاريع حيوية في المجتمع، وقد تنمو هذه المشاريع وتتحول إلى مشاريع حساسة تؤثر في نمو البلد وتقدمه، خلاف اكتناز المال وعدم استثماره، فهذا يخسره المدخر ذاته أولا؛ لأنّه ينقص بالصّدقة والزّكاة، وقد ينقص كليّا إذا تعرّض للسّرقة أو انخفاض العملة مع تقدم الزّمن.
أمّا إذا حوّله إلى استثمار في السّوق، فهذا وإن كان قابلا للخسارة، إلا أنّه في الغالب يحصل على ربح أوفر من كنزه بلا فائدة، فقد حافظ هنا على رأس المال، مع الاستفادة من أرباحه، ونفع المجتمع به، وشارك في تحريك الاقتصاد البلدي أو القومي.
أما الجانب الثّاني فهو جانب الإخراج، فإخراجه للمال بلا إسراف، يحرّك اقتصاد المجتمع، فهو يتعامل مع مؤسسات عدة، وفي جوانب متعددة، فينعش اقتصاد البلد، ويحرّك فيه الجانب المالي أخذا وعطاء، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}[34] .
ولهذا اهتمّت الشّريعة بتدوير المال حتى بعد الوفاة في طريقة توزيع الميراث بشكل يحقق النّفع للفرد والمجتمع.
ونجد أنّ الشّريعة أيضا أعطت للعقل البشري الحرية الكاملة في الإبداع المالي والاقتصادي وفق الزّمان والمكان، وما نهت عنه كان قواعد وقيما مانعة للظلم وأكل مال النّاس بالباطل، واستغلالهم سلبيا، فحرّمت الغش والسّرقة والاحتكار والطّبقيّة والرّبا وغيرها من الأدبيات الكليّة، أما الوسائل فتركتها للتّطبيق البشري.
وربطت المال بذات الإنسان، ولم تربطه بدين أو فكر أو نسب أو جنس، فلا يجوز ظلم إنسان أو سرقته أو أخذ ماله بغير حق بدعوى أنّه ليس مؤمنا، أو بدعوى الخلاف الدّيني والمذهبي.
بل أنّ الله تعالى خصص لغير المسلمين نصيبا من الصّدقة ولو كان المال يؤخذ من المسلمين ما داموا في مجتمع واحد، فلهم الحق في العيش الكريم كغيرهم من البشر، ولأنّ الأصل رابط الإنسانيّة، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[35] .
خامسا: القيم السّياسيّة والدّوليّة.
لم يتطرق القرآن ولا الشّرائع إلى الجانب السّياسي، وإنما أعطت قيما ينزلها الإنسان زمانا ومكانا.
والسّياسة ليست منحصرة في الحكم، بل هي شاملة لكل ما يسوسه الإنسان، فالزّوجان راعيان في بيتهما بالسّياسة والتّربيّة والعناية مثلا، وحصر السّياسة في الحكم وأفراده في أذهان كثير من النّاس نتيجة نظريات تراكمت على مر الزّمن، خاصّة عندما تعمّق هذه النّظريّات في قالب التّخويف والتّهديد، مما جعل من النّاس يخافون من ذكرها، بل يهابون حتى من التّلفظ باسمها.
والشّرائع جاءت لتعميق مبدأ الشّراكة السّياسيّة في المجتمع، فالسّياسة ليست محصورة في نظام الحكم وشخوصه، وفي الوقت نفسه ليست محصورة على أفراد أو قبيلة معينة، وهذا يولّد لنا إبداعات وطاقات في المجتمع قادرة على التّغيير والتّطوير، والإصلاح الشّامل، مع الرّقي بالوطن والمواطن، على أن تكون هذه الشّراكة السّياسيّة في جو من الشّفافيّة واحترام الطّرف الآخر، أيا كان هذا الطّرف، فلا تكون من باب المصالح الشّخصيّة، والرّغبات الذّاتيّة.
ومن أهم قيم السّياسة العدل، فالنّاس وفق هذه القيمة سواسية، وهم أمام القانون سواء، لا يفرّقهم لون ولا جنس، ولا قبيلة ولا عشيرة، ولا دين ولا مذهب ولا فكر، والقانون ينطبق عليهم جميعا، حكاما كانوا أم محكومين، أغنياء أم فقراء، فلا يجوز أن يقدّم شخص على آخر لنسب أو مال أو جنس، أو توافق في مذهب أو فكر، كما أنّه لا يجوز أن يكون الحساب محصورا على فئة معينة، والعقاب خاصا بفئة معينة من الشّعب، والفئة الأخرى تعمل ما تشاء، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[36].
ثمّ تأتي قيمة المساواة، فقد خلق الله تعالى النّاس على قدم المساواة، لا فرق بينهم في جنس أو دين أو لون أو لغة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[37].
وأصّل القرآن قيمة الشّورى، وجعلها بين فريضتين عظيمتين، بين فريضة الصّلاة وفريضة الزّكاة {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [38]، وسمّى سورة باسمها لتكون منهجا عمليا في جميع جوانب الحياة، وجعل الاختيار على أساس ذات الإنسان المطلقة.
هذه أهم القيم المتّعلقة بالجانب الإنساني كخيوط مشتركة تحفظ الإنسان وحقوقه الذّاتيّة، وبعد هذا نتطرق إلى الجزء الثّاني من المبحث وهو الشّراكة الإنسانيّة، وعلاقة هذا بالقيم.
- الشّراكة الإنسانيّة.
استخلص الفقهاء بعد دراسات عميقة بحثا وتطورا تأريخيا، وشمولا مكانا وزمانا، إلى أنّ الفقه – أي الجانب التقنيني للمجتمعات – يدور وفق مقاصد ضروريّة وتكميليّة وحاجيّة، ومن أسهب في هذا الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن الشّاطبيّ ت 790هـ في الموافقات، وتبعه العلامة محمد الطّاهر بن عاشور ت 1296هـ في مقاصد الشّريعة الإسلاميّة.
وما استخلصوه من مقاصد في الفقه واستقرائه يسقط تلقائيا في تنزيل القيم وتفسيراتها وتطبيقها زمانا ومكانا، إلا أنّ المقاصد غاية، والقيم آلة في تقويم نتاج هذه الغايات.
وما يهمنا هنا المقاصد الضّروريّة الخمس التي استخلصت في:
الأول: حفظ الدّين.
الثّاني: حفظ النّفس.
الثّالث: حفظ العقل.
الرّابع: حفظ النّسل.
الخامس: حفظ المال.
وقد عرّف الشّاطبئ المقاصد بما لابدّ منها في القيام بمصالح الدّين والدّنيا[39]، وهذا يتوافق كليا في شمولية القيم للشّراكة الإنسانيّة.
أولا: حفظ الدّين.
من المقاصد التي جاءت لأجلها الشّرائع حفظ الدّين، ويدخل في هذا حفظ التّوجهات والأفكار والطّقوس والشّعائر، مع الحرية في الممارسة والاعتقاد.
وقد رأينا من خلال القيم أنّ هذا حدٌ مشترك بين الجميع، وعليه بيّن القرآن مع الحرية في الاعتقاد والممارسة التّالي:
- النّهي عن سبّ موروثات وطقوس المخالفين: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[40].
- الدّعوة إلى الحوار بالّتي هي أحسن، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[41].
- الانطلاق من المشترك في الحوار، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[42].
- الدّعوة بالتي هي أحسن، مع احترام مواضع الجماعات الأخرى وأماكنهم (الحكمة)، وعدم الإكراه أو استخدام العنف والإجبار، {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[43].
ومع وضوح هذه القاعدة الفكرية إلا أنّه نتيجة الانغلاق المذهبي، والعلاقة السّياسية الدّينيّة المصالحيّة، وتوسع دائرة النّص؛ فسّرت هذه القاعدة تفسيرات خاطئة، وعلى رأسها كانت هذه الاستنتاجات السّلبيّة، وأشير هنا إلى بعضها سريعا لضيق المقام، ومنها:
- قتل المرتد أو المخالف في الدّين، ومنهم من فهم الارتداد بالمعنى الدّيني الكلي أي الخارج من الإسلام إلى دين آخر، أو أنكر الأديان بالكليّة، ومنهم أدخل فيه حتى الارتداد المذهبي، أي الخروج من مذهب إسلامي إلى مذهب آخر، على اعتبار تكفير المخالف كما جاء في عند الإمام أبي منصور عبد القاهر البغدادي ت 429هـ في كتابه أصول الدين: “وأجمع الفقهاء والمتكلمون من أصحابنا – أي أهل السنة – أنّه لا يصح الصلاة خلف المعتزلي، ولا يحلّ أكل ذبيحته، ولا ردّ السلام عليه”[44].
يقول الشّيخ عبد الرحمن الأسعد: لا يوجد شيء اسمه الردة أو حدّ الردة عندنا، بل يوجد عندنا آيات محكمات، تُتلى آناء الليل وأطراف النّهار، يقول الله تعالى فيها: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}[45]، وقوله سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ}[46]، وقوله عزّ وجل: {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ}[47]، وقوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[48].
وغير ذلك من الآيات التي تضفي القداسة على حرية الاعتقاد التي كفلها الإسلام بينما لم تكفلها نظرية أخرى على مرور التّاريخ الإنسانيّ إلا أحيانا مضيئة عند اليونان مثلا، وليس في كلّ الآحايين لأنّ الدّين الشّعبيّ ما زال مسيطرا طيلة الأدوار الحضاريّة والمدنية لتلك الثّقافة[49].
- نظرية الهجر للمخالف في المذهب وعدم صحبته والتّسليم عليه، ومن ذلك وجوب اللّعنة على من آوى محدثاً – أي مخالفا في المذهب أو الفكر -، والنّهي عن مؤاكلة أهل البدع ومشاورتهم وتوقيرهم، واستحباب مؤاكلة اليهودي والنّصراني، ولا مؤاكلة صاحب بدعة، واستحباب تغميض العين إذا مرّ في طريق مبتدع حتى لا يرى ، وإذا شوهد الأفضل الرجوع لأنّ الشّياطين محيطة به، والنّهي عن الصلاة خلف المبتدعة، وعن مناكحتهم، وعن إتباع جنائزهم، ولا يورث، ولا تؤكل ذبائحهم، ولا بأس من الشّاب إذا شوهد في حالة منكرة إلّا إذا صاحب مبتدعاً[50]، وسمّت بعض المذاهب المخالف في المذهب مبتدعا، وبعضهم العامّة، وآخرون قومنا، واتّفق الكل على تفسيق بعضهم ومنهم من كفّر كما أسلفنا.
- نظرية عدم جواز التّهادي مع غير المسلمين في أعيادهم، وعدم إبدائهم في السّلام، ومضايقتهم في الطّريق، وتخصيص ملابس خاصة لهم تمييزا عن غيرهم.
- نظرية قتل المشرك غير الكتابي، وله خياران فقط إمّا الإسلام أو السّيف[51].
هذه التّطبيقات مخالفة لمقصد حرية التّدين، وهذا المقصد خاضع للقيم ومنها القيم الفردية الذّاتيّة التي تعطي الإنسان الحرية الكاملة في العبادة والفكر والتّدين.
ثانيا: حفظ النّفس.
اعتبر الفقهاء حفظ النّفس ضرورة بتحقيق الزّواج، وتناول الضّروري من الطّعام والشّراب، وفرض العقاب على قاتل النّفس[52].
ونجد القرآن الكريم اعتبر النّفس بمجرد وجودها هي من حق الله تعالى وحده {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[53]، فتنكير كلمة نفس يدخل فيها أيّ نفس كانت.
أمّا قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[54]، فهذا من باب التّغليظ؛ لأنّ الأصل رابطة الإنسانيّة ويزيدها الإيمان بالله تعالى غلظة وقوة.
وعليه اعتبر الفقهاء حتى تكون الجنين نفسا ما بدأ الحركة، ومنهم من قال بمجرد كونه علقة، ومنهم من حدد أربعين يوما لاعتبار نفخ الرّوح، وعليه حرّموا الإجهاض، ولو كانت الولادة من طريق غير شرعي، إلا أنّ اللقيط له كرامته الإنسانيّة، وله حقه في الوجود والعيش الكريم كباقي البشر، ولو قيل إنّ المولود يكون معوقا يبقى حقه في الحياة هو الغالب، فلا يجوز القضاء عليه ولو كان في بطن أمه.
ومع هذا الحق إلا أنّه بسبب الضّبابية في إنسانيّة القيم كانت بعض النّتائج السّلبيّة ومنها مثلا:
- قتل المشرك غير الكتابي والمرتد وقد سبق الإشارة إليه.
- الرجم بطريقة فظيعة، لا يمكن أن يكون تشريعا من الرّب الرّحيم، الّذي فتح للنّاس باب التّوبة.
- الحرق لبعض العصاة، وكذا الصّلب.
- القتال من أجل الدعوة، وإكراه الآخرين في الدّخول في الدّين ولو بين اختلاف المذهب.
- توسع نظرية التّكفير والتّشريك، وبالتالي جواز القتل والسّلب باعتباره مشركا، ولو كان القرآن في يديه.
هذه مظاهر تأريخيّة، وهي نتيجة للصّراع الدّيني والمذهبي، والذي تحول بدوره إلى نصوص يعتمد ويستند إليها المتطرفون.
ثالثا: حفظ العقل.
العقل عند الفقهاء هبة الله تعالى ليكون مناط التّكليف، والحفاظ عليه بتنميته بالمعارف والعلوم، والابتعاد عن كلّ ما يزيله أو يضعفه بالمسكرات والمخدرات وغيرها، وتطبيق العقاب على متناولها[55] .
والله تعالى أمر في مئات الآيات بتحكيم العقل، فمثلا عبارة أفلا تعقلون تكررت ثلاث عشرة مرة، وعبارة لعلكم تعقلون تكررت ثماني مرات، وعبارة لا يعقلون تكررت إحدى عشرة مرة، وعبارة لقوم يعقلون تكررت ثماني مرات، وعبارة إن كنتم تعقلون تكررت مرتين، وعبارتي ما عقلوه ونعقل تكررت مرة واحدة، وعبارة يعقلون وتعقلون تكررت مرتين، وهكذا دواليك.
كذلك أمر الله سبحانه وتعالى بالسّير في الأرض، باطنا وفضاء، لكشف أسرارها، وتسخير سننها، حث قال: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[56]، وقال: {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}[57].
بجانب أنّه أمر بالتّفكر في الكون واعتبره عبادة حيث قال سبحانه: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[58].
بل حتى الآيات القرآنيّة ذاتها مع يسرها وسهولتها أمر الله سبحانه وتعالى بالتّدبر فيها، قال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[59].
كما أنّ القرآن نهى عن تعطيل العقل وعليه حذّر من التّسليم لثلاثة أمور مثلا:
الأمر الأول: موروث أهل الكتاب وانتشار التّحريف بينهم، حيث قال سبحانه: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[60].
الأمر الثّاني: التّقليد والاستسلام للفكر الموروث حيث قال سبحانه: { أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ، بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}[61].
الأمر الثّالث: عدم التّأكد من صحة الخبر، حسب الآلة المتاحة، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[62].
كما أنّ الله نهى عن كلّ ما يعوق العقل معنويا؛ أيضا نهى عن كلّ ما يعوق إعمال العقل ماديا كالخمور، ويدخل فيه المخدّرات بطبيعة الحال، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[63].
ومع وضوح هذا المقصد إلا أنّه – للأسف – حدث له من التّطبيقات السّلبيّة، ومنه إقصاء الآخر مباشرة تحت مسميات متعددة، سابقا أهل البدع والزّندقة والإلحاد، وسياسيا الخوارج والنّواصب والرّوافض، واليوم أصبح العقل تهمة وذما، والنقد تطاولا وتعالما، فوسعت دائرة التّعزير، وشاع شعار كتب حذّر منها العلماء، وقد يفعّل – لو فتح المجال – حد الردّة اليوم من أوسع أبوابه!!
رابعا: حفظ النّسل.
النّسل أو النّسب أو العرض عند الفقهاء يكون حفظه بالزّواج الشّرعي، مع مراعاة علاقة المحارم، والحفاظ عليه بتحريم القذف (الاتّهام بالفاحشة)، وتحريم العلاقات غير المشروعة، حتى لا تختلط الأنساب، مع وجوب الدّفاع عن العرض[64].
النّسل جانب إنساني بحت، فكلّ إنسان له عرضه واحترامه في ذلك، واحترام شريعته في تنظيم ذلك أيضا، وأن يكون التّقنين مراعيا لذلك.
والقرآن الكريم نظّم أمر العلاقات الجنسيّة، وبيّن المحارم من الجنسين، وجعل طريقة الزّواج ولفظ عقده وخروجه راجعا إلى أعراف الناس إلا أنّه أعطى خطوطا عريضة في الزّواج والطّلاق ونحوه.
وبيّن القرآن أنّ أعراض النّاس واحدة، وإنما ذكر المؤمنات في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[65] من باب التّغليظ، فمع كون رابط الإنسانيّة إلا أنّ الإيمان يزيدها غلظة، وذكر النّساء دون الرّجال من باب الغالب، أي أنّ الأغلب والأكثر ضررا من الأعراض والحديث حولها النّساء، كما هو الحال في المجتمعات الشّرقيّة!!!
وعليه حرّم الشّرع القذف، والحديث عن النّاس، ولكن – للأسف – من ضمن التّطبيقات السّلبيّة رواية لا غيبة لفاسق، ومنهم من يتوسع حتى يدخل التّفسق المذهبي الّذي صنعه البشر نتيجة الصّراع بين المذاهب، حيث كلّ فرقة لما عداها تفسق.
ومنهم من يستند إلى الرّواية في قضايا رأي يفسّق بها أخاه، فيبيح الحديث عنه بكل أريحية وغيبته استنادا إلى هذه الرّواية؟!!! فترى الغيبة واللّمز والهمز!!!
والقرآن جعل الإنسان مكرما ولو خالف دينا، فضلا أن يكون الخلاف مذهبيّا في الدّين الواحد، أو أخويا في المذهب الواحد، فالإنسان له كرامته ومكانته كذات بشريّة لا يصح همزه ولمزه وغيبته والاستهزاء به، لأنّ الله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}[66].
وقال بعد هذا مباشرة مبينا كرامة الإنسان ككل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[67].
خامسا: حفظ المال.
والمال عند الفقهاء يتمّ تحصيله بالسّعي والعقود المشروعة من بيوع وإجارات وشركات وهبات وإعارات ونحوها، وطريق الحفاظ عليه بتحريم أكل أموال النّاس بالباطل كالسّرقة والغصب والغش والخيانة والرّبا وضمان المتلفات[68].
فالمال قيمة معتبرة فردا وجماعة في القرآن الكريم، وبيّن لكل فرد له الحق في التّملك ذكرا كان أم أنثى، مؤمنا كان أم غير مؤمن، هذا حق مشاع، قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}[69].
وقد رأينا في الحديث عن القيم الاقتصاديّة التّنظيم القرآني لهذا، والّذي يهمنا هنا الجانب الإنسانيّ، والذّي لأجله حرّم الله تعالى استغلال النّاس في أكل مالهم باسم الدين أو الرّقية أو الأعشاب التّقليديّة الّتي يقرأ عليها، أو باسم الصّدقات والمعبد والنّذور، أو باسم الزّكاة والخمس بدون تنظيم وتقنين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[70].
كذلك شاع قديما مفهوم العبد والذي لم يسلب منه حق الحرية فحسب، بل سلب منه حتى حق المال، فصار ذاته مالا يباع ويشترى، نتيجة تطبيقات اجتماعيّة، ومرويات ساندت ذلك، ولم تُقرأ في مسارها التأريخي.
وكذا الحال عند بعضهم أجاز أكل مال غير المسلم، وإن كان هذا القول ضعيفا وشاذّا، إلا أنّ عدم قراءة التراث وفق القيم الإنسانيّة قد يستغل لاحقا كمصدر عند الجماعات المتّطرفة كالحرق مثلا!!!
خلاصة المبحث الثّاني:
رأينا من خلال هذا المبحث العلاقة بين القيم والشّراكة الإنسانيّة، وبه يتبين لنا ضرورة تفعيل هذه القيم لتحقيق هذه الشّراكة، وأنّ القيم حق مشاع بين البشر.
ونتيجة لغياب القيم أو فهمها فهما سلبيا، كان لها النتائج السّلبيّة ومنه التّطرف كما سنراه في المبحث الثّالث والأخير بإذن الله تعالى.
المبحث الثّالث: الفكر القيمي والتّطرف
تطرقنا في المبحث الأول حول مفهوم التّطرف، وأدركنا فيه أنّ التطرف مجاوزة الحد في الاعتدال، وهو بمعنى الغلو حسب المصطلح القرآني.
كما أنّه في المبحث الثّاني تطرقنا إلى الفكر القيمي، وخلصنا أنّه فكر إنساني جاء لتمجيد ذات الإنسان، وتعميق أبعاد كرامته الذّاتيّة.
وفي هذا المبحث سنحاول إسقاط ذلك على قضية التّطرف، والذي يهمنا في هذا المبحث هو:
أولا: التّطرف الديني.
ثانيا: التطرف الفكري.
ثالثا: التّطرف السّلوكي والمجتمعي.
أولا: التّطرف الدّيني.
تعاني المجتمعات الشّرقيّة وخاصّة العربيّة من تطرف ديني ناتج من موروث سابق أدخل إلى الفكر كدين.
وتعود أهم مشاكله إلى غياب القيم القارئة لهذه الموروث والنّاقدة له، وفي الوقت نفسه يعود إلى قراءة القيم ذاتها قراءة استعلائيّة فردية أو مذهبيّة، مع أنّ الله تعالى نهى عن تزكية الذّات واستعلائها: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }[71].
وعليه كان أهم مظاهره:
- التّعصب للذّات، وعدم الاعتراف بالآخر، أو إلغاء الآخر وتصفيته فكريا، وقد يستغل الجانب الشّعبيّ والمجتمعيّ كقاعدة في إلغاء الآخر، وقد يتعرض للتّصفيّة الجسديّة.
- تصوره أنّ بتطرفه هذا يرضي الله ويدخله رضوانه، وأنّه ينطلق باسم الغيب وباسم الله وأنبيائه وقديسيه.
- الصّراع المذهبي، والعيش في صراع الماضي، ومحاولة إحيائه.
- ضياع الوقت والمعرفة في جدل فلسفي في قضايا غيبيّة، وإشغال الأجيال بها، مقابل العلم والمعرفة التّجريبيّة والمستقبل.
- تزكية النّفس والمذهب، والاستخفاف من المخالف في الفكر والمذهب الآخر.
- التّفجيرات والقتل وإرهاب الآخر باسم الجهاد والحفاظ على بيضة الدّين.
- التّشدد في قضايا فرعيّة، وفي مسائل رأي يسع الخلاف حولها.
- تمجيد ذوات، والدّفاع عنهم، وفي الوقت نفسه إلغاء المخالف من الذّوات الأخرى.
- التّحذير من قراءة كتب الآخر، وصنع مسميات لوضعهم في هذه الخانة، لأجل التّحذير منهم، وإقصائهم مجتمعيّا.
وفي الحقيقة هناك مظاهر أخرى وما ذكرته من باب الإشارة، وهو ذاته يحتاج إلى تفصيل لولا ضيق البحث، وعلاجه مراجعة القيم وأنسنتها، وإنزالها بشريا، وكما رأينا أهم معالمها الاعتراف بالآخر، والانطلاق إلى المستقبل.
ثانيا: التطرف الفكري.
إن كان هناك تطرف ديني فهناك أيضا تطرف فكري، وهو أوسع أنواع التطّرف، لأنه لا يكون مقتصرا على الدّين، فقد يكون باسم المعرفة أو العادات أو الحرية أو السّلطة أو المال.
وأهم مظاهر هذا التّطرف:
- إقصاء الآخر لأي خلاف فكري أو سياسي أو مجتمعي، واستغلال النّفوذ المالي والسّياسي في ذلك.
- خلق حالة إقصاء يتولد عنها جماعات متطرفة، مما يغيب الحوار مع الآخر.
- التّطرف في الإلحاد، وإلغاء حرية النّاس في التّدين وممارسة الطّقوس، ولو بالاستهزاء والاستخفاف والسّخرية.
- التّطرف في العلمانيّة، وإقصاء المتدين، سواء كان الإقصاء شراكا معرفيا، أو شراكا مدنيا عمليا.
وعليه تكون القيم حافظة للجميع وفق حرية كاملة مرتبطة بذات الإنسان، ذات قانون مدني يحفظ الجميع في مصالحهم الخمس الضّروريّة، وفي مصالحهم الحاجيّة والتّحسينيّة أيضا.
ثالثا: التّطرف السّلوكي والمجتمعي.
يرى علماء التّربيّة أنّ السّلوك ناتج من نواتج الفكر، وعليه تكون العلاقة بينهما طردية، والسّلوك كان فرديا أو مجتمعيا يعود في حقيقته إلى الفكر ذاته، والمجتمعات إذا كانت تعيش في خواء فكري تكون أكثر عرضة لأي فكر دخيل، ولكونها لا تملك الأداة لنقد هذا الفكر، أو تقنين التعامل معه، فقد يكون الفكر متطرفا مما ينتج بيئات خصبة لنمو جماعات متطرفة جدا، وهذا ما يظهر في بعض البلدان والمناطق من العالم.
كما أنّ الفقر وعدم العدل الاقتصادي والمالي، وانتشار الأمية يشكل بيئات خصبة لغزو الفكر المتطرف.
والفكر المتطرف المجتمعي والسّلوكي لا يقتصر عند جانب معين، فقد يتسع إلى قضايا كبيرة في الأسرة والمسجد والسّوق، وقضايا المرأة والأطفال وكبار السنّ، والزّواج والميراث، واختلاف اللون والمناصب بين النّاس، وغيرها.
والعلاج كما أسلفنا في تعميق القيم وإرجاعها مع نشر المعرفة والتّقنين.
خلاصة المبحث الثّالث:
من خلال هذا المبحث ندرك العلاقة الطّردية بين القيم وبين التّطرف، فزيادة التّطرف دليل على غياب القيم أو ضبابية تفسيرها، فقد يتصور المتطرف أنّ تطرفه أيضا باسم القيم، وهذا يعود إلى غياب الجانب الإنساني من القيم كما أشار إليه القرآن الكريم.
خلاصة البحث
من خلال البحث نعيد ذكر أهم ما خلصنا إليه من المباحث الثّلاثة:
- ضرورة الرّجوع إلى القيم المشتركة، ومحاولة النّظر إليها من جديد بعيدا عن الإسقاطات التأريخية والتّفسيريّة المصاحبة لها.
- توجد علاقة كبيرة بين القيم والشّراكة الإنسانيّة، وبه يتبين لنا ضرورة تفعيل هذه القيم لتحقيق هذه الشّراكة، وأنّ القيم حق مشاع بين البشر.
- نتيجة لغياب القيم أو فهمها فهما سلبيا، كان لها النتائج السّلبيّة ومنه التّطرف.
- توجد علاقة طردية بين القيم والتّطرف، فزيادة التّطرف دليل على غياب القيم أو ضبابية تفسيرها.
أهم المصادر
1- القرآن الكريم.
2- مختار الصّحاح (نسخة الكترونيّة).
3- الغني في اللغة (نسخة الكترونيّة).
4- معجم اللغة العربية المعاصر، (نسخة الكترونيّة).
5- المغني في اللغة، (نسخة الكترونيّة).
6- القيم الخلقية رؤية قرآنية، بدر بن سالم العبري، قريب النّشر عن دار سؤال/ لبنان.
7- نظرة النعيم موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صالح بن عبد الله بن حميد وعبد الرحمن بن محمد ملوح وغيرهم، النّاشر: دار الوسيلة للنشر والتّوزيع، جدة.
8- الضّروريات والحاجيات والتّحسينيّات، الأستاذ الدّكتور محمد عبد العاطي محمد علي، ورقة مقدّمة للمؤتمر الأعلى للشّؤون الأهلية – مصر – في دورته الثّانيّة والعشرين.
9- كتاب السنة لا بن بطة، باب” النّهي عن إيواء المحدثين وأهل البدع “.
10- معنى المصلحة والمقصد في المنظومة الفقهيّة، الدّكتور وهبة الزّحيلي، بحث مقدّم لندوة تطور العلوم الفقهيّة، وزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة بسلطنة عمان، 1427هـ/ 2006م، الطّبعة الثّانيّة 1433هـ/ 2012م.
[1] مختار الصّحاح، مادة فكر (نسخة الكترونيّة).
[2] الغني في اللغة، مادة فكر (نسخة الكترونيّة).
[3] آل عمران/ 191.
[4] ينظر: معجم اللغة العربية المعاصر، مادة قوم (نسخة الكترونيّة).
[5] بحث القيم الخلقية رؤية قرآنية، بدر بن سالم العبري، ص 7، غير مطبوع.
[6] المصدر نفسه، ص 7.
[7] البينة/ 5.
[8] نظرة النعيم، جـ5، ص1570-1571.
[9] القيم الخلقيّة، مصدر سابق، ص 10.
[10] معجم اللغة العربية المعاصر، مصدر سابق، مادّة تطرف.
[11] المغني في اللغة، مادّة تطرف (نسخة الكترونيّة).
[12] المائدة/ 171.
[13] عامل النّسب لاعتبار أنه خلق في هذه الأسرة ووجد فيه ليس اختيارا منه ولكن خلْقة وصنعة.
[14] الإسراء/ 70.
[15] المائدة/ 32.
[16] لقد أسهبتُ الحديث عن القيم وإسقاطها للواقع في كتابي: القيم الخلقية (رؤية قرآنيّة)، غير مطبوع.
[17] البقرة/ 256.
[18] الأنعام/ 108.
[19] الإسراء/ 84.
[20] فاطر/ 18.
[21] النّور/ 23.
[22] النّور/ 19.
[23] آل عمران/ 64.
[24] الحجرات/ 10.
[25] الحجرات /9.
[26] الحج/ 27 – 28.
[27] الحج/ 36.
[28] المائدة/ 2.
[29] المائدة/ 2.
[30] البقرة/ 177.
[31] البقرة/ 188.
[32] الملك/ 15.
[33] الحشر/ 7.
[34] الإسراء/ 29 – 30.
[35] التوبة/ 60.
[36] النساء/ 58.
[37] الحجرات/ 13.
[38] الشورى/ 38.
[39] الضّروريات والحاجيات والتّحسينيّات، الأستاذ الدّكتور محمد عبد العاطي محمد علي، ورقة مقدّمة للمؤتمر الأعلى للشّؤون الأهلية – مصر – في دورته الثّانيّة والعشرين، ص 3.
[40] الأنعام/ 108.
[41] العنكبوت/ 46.
[42] آل عمران/ 64.
[43] النحل/ 125.
[44] أصول الدين للبغدادي، ط دار الكتب العلمية – بيروت/ لبنان، ط2 1401هـ/ 1981م، ص 189.
[45] الكهف/ 29.
[46] البقرة/ 256.
[47] الدّخان/ 21.
[48] الأعراف/ 87.
[49] منقول من الشّبكة العالميّة.
[50] للمزيد مثلا انظر: كتاب السنة لا بن بطة، باب” النّهي عن إيواء المحدثين وأهل البدع “.
[51] ينظر مثلا:
[52] معنى المصلحة والمقصد في المنظومة الفقهيّة، الدّكتور وهبة الزّحيلي، بحث مقدّم لندوة تطور العلوم الفقهيّة، وزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة بسلطنة عمان، 1427هـ/ 2006م، الطّبعة الثّانيّة 1433هـ/ 2012م، ص 20.
[53] المائدة/ 32.
[54] النساء/ 93.
[55] معنى المصلحة والمقصد في المنظومة الفقهيّة، الدّكتور وهبة الزّحيلي، مصدر سابق، ص 20.
[56] العنكبوت/ 20.
[57] الذّاريات/ 20.
[58] آل عمران/ 191.
[59] النّساء/ 82.
[60] البقرة/ 75.
[61] الزّخرف/ 21 – 22.
[62] الحجرات/ 6.
[63] المائدة/ 90.
[64] معنى المصلحة والمقصد في المنظومة الفقهيّة، الدّكتور وهبة الزّحيلي، مصدر سابق، ص 20.
[65] النّور/ 4.
[66] الحجرات/ 12.
[67] الحجرات/ 13.
[68] معنى المصلحة والمقصد في المنظومة الفقهيّة، الدّكتور وهبة الزّحيلي، مصدر سابق، ص 20.
[69] النّساء/ 7.
[70] التّوبة/ 34.
[71] النّجم/ 32.