الخطب

خطبة خطر الطائفية

1435هـ/ 2015م

بسم الله الرحمن الرحيم

وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ

إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ

ما أجمل نعمة الإسلام، نصبح على لا إله إلا الله، ونمسي على لا إله إلا الله ….

وما أعظم نعمة القرآن، بيان وهدى ورحمة لأولى الرحمن، والمستسلمين للديان وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ.

الإسلام هدية الله للعباد، منذ خلق آدم وإلى يوم الميعاد ….

وما أدراكم ما الإسلام، ثم ما أدراكم ما الإسلام ….

مبادئ رفيعة، وقيم نبيلة، وأخلاق سامية، مساواة وحرية وعدالة، مراقبة واستسلام واستقامة، وحب للقاء الله والجنة، وما أدراكم ما الجنة، إنّها سلعة الله الغالية …

حفظ الله بالإسلام التوحيد، فلا توسل ولا تضرع ولا تقرب إلا للعزيز الحميد ….

وحفظ الله بالإسلام الأعراض، فلا تلاعب بأعراض الناس ولا مساومة في ذلك…

وحفظ الله بالإسلام الأموال فلا خديعة ولا غش ولا تلاعب بأموال الناس …

وفوق هذا أتدرون أكبر نعمة من نعم الله بالإسلام، أتفقهون أكبر قيمة من قيم الإسلام، أو تدركون أسمى منزلة من منازل الإسلام؟

انتبهوا قليلا، وركزوا معي قلبا وقالبا …

وقبل أن نجيب على هذا السؤال، تصوروا معي هذا المثال ….

تصوروا حديقة غناء، تزهو بالورود الراقصة مع ضوء السماء، وانظروا إلى شجرها المختلف في الطول والعرض والبهاء، فسبحان الله، تصوروا لو لم تضم هذا التنوع من الخضرة والشجر، والورود والثمر، نعم لو كانت ذا لون واحد، وثمر واحد، وشجر واحد، أكانت بنفس جمال الحديقة المتنوعة في ثمرها، والمتعددة في شجرها، لا أخالكم إلا أن تدركوا جمال الثانية ….

ثم اطرحوا هذا السؤال: أنى لهذه الأرض هذا التعدد، ومن أين لها التنوع!!!

أوليست تسقى بماء واحد؟!!! أولم تنبت في تربة واحدة؟!!! فسبحان من خلق، وسبحان من قدّر وأبدع!! وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

والآن تعالوا معي يرعاكم الله، وحلّقوا بقلوبكم قبل جوراحكم، وبعقولكم قبل أبصاركم …

انظروا إلى جامعة الإسلام، ما أجملها وما أبهاها، ماؤها القرآن، وتربتها تطبيق مبادئ الرحمن …

إن حديقة الإسلام تضم أشجارا متعددة، أنبت ثقافات ورؤى متنوعة، كانت رافدا خصبا للحضارة العالمية، خاصة في جانب الفقه والفلسفة والمنطق والتربية، بل وفي العلوم التطبيقية، ولا زالت كتب فلاسفة الإسلام تعتبر من المصادر الأساسية في الجامعات الغربية.

إنّ جامعة الإسلام تضم مدارس متعددة، ومذاهب فقهية وتصورية، كلها خرجت من بيئة الإسلام، وكلها تمثل السنة الكونية في الخلاف والاختلاف: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ.

فهذه سنة الله، فلماذا نعارض سنة الله، ولماذا التناحر والتباغض، والشقاق وعدم الوفاق …

أليس الله الذي يتجه إليه جميع المسلمين واحدا، هل من خالق غير الله؟!!!

أو ليست القبلة التي يتجه إليه الجميع في اليوم والليلة واحدة، هل من كعبة عدا مكة؟!!!

أو ليس الكتاب الذي يتلوه المسلمون، ويستمدون منه مناهجهم واحدا، هل من كتاب للأمة إلا القرآن؟

أو ليس محمد نبيا للجميع، أولا يحج الجميع إلى بيت واحد، ألا يطوفون في مكان واحد، ألا يقفون في صعيد واحد …

فلم التباغض إذا؟؟؟ ولم السب واللعن والشقاق، يا قوم اسمعوا ربكم ماذا يقول: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ، فلماذا نريد أن نكون: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ….

فهل أئمة مدارس ومذاهب الإسلام اليوم توجهوا لغير الله، وهل رضعوا من غير لبان القرآن، وهل قبلتهم إلا مكة، وهل يصلون غير صلاة المسلمين اليوم، وهل يصومون غير رمضان، وهل اختلفوا في حجهم وعمرتهم…

فلماذا لا نستجيب لله، ويحترم بعضنا بعضنا، ونستفيد من مدارس الإسلام الرفيعة، فهل لنا دين وجامعة سوى الإسلام: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.

“وما ترك المختار ألف ديانة        ولا جاء في القرآن هذا التنازع

فيا ليت أهل الدين لم يتفرقوا           وليت نظام الدين للكل جامع

وما ذبح الإسلام إلا سيوفنا              وقد جعلت في نفسها تتقارع

وما صدعة الإسلام من سيف خصمه          بأعظم مما بين أهليه واقع”

السابق
خطبة بناء الإنسان عقلا ومعرفة مسؤولية جماعية
التالي
خطبة لِمَ التّفرق؟
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً