المقالات التأريخية

ديانة الصّابئة المندائيّة مع الدّكتور بهادر قيّم من إيران

تمّ التّسجيل ضمن برنامج حوارات الحلقة السّبعين في مقهى هوم لاند بمنطقة المعبيلة الجنوبيّة – ولاية السّيب بمحافظة مسقط، يوم الأحد 22 أكتوبر 2019م، السّاعة السّابعة مساء بتوقيت مسقط، وبثت في اليوم نفسه على قناة أنس اليوتيوبيّة.

يقول الدّكتور الجليل بهادر قيّم[1]: الصّابئة المندائيون لهم ارتباط كبير بإيران، وهذا الارتباط له مميزاته وعوائقه، وبحثي في المندائيّة انطلق من ثلاثة مصادر رئيسة: أولا: البحث الشفوي، فقد حضرت طقوسهم واجتماعاتهم في المندي [مكان العبادة]، والثّاني: المصادر المقدّسة للطّائفة المندائيّة مثل كنزا ربا، وهو الكنز الكبير المتكوّن من قسمين: قسم اليمين وهو قسم التّوحيد، وقسم اليسار وهو قسم المعاد والوعد والوعيد، ويعتقدون هذا الكتاب من تعاليم آدم، وكتاب دراشا إد يهيا، ويعتقدون هذا الكتاب من تعاليم يحيى، والثّالث: التّواريخ العامّة والجغرافيّة.

ولغة الصّابئة منبثقة من اللّغة الآراميّة القديمة، وهي ديانة عرفانيّة غنوصيّة رمزيّة، واعتبر العديد من المؤرخين العرب الصّابئة لفظة عربيّة أي الانتقال من دين إلى آخر، واعتبرها الشّهرستاني [ت 548هـ] مقابلة للحنفيّة، وهذا أحدث خلل كبير في التّعامل مع هذه الطّائفة جعلت في خانة الزّنادقة، ولكن إذا أتينا إلى الآراميّة نجد أنّ الصّابئة تكتب في أصلها صباة، وفي اللّهجة المندائيّة يقلبون الباء واوا فتكون صواة، مثل مصبّتة ينطقونها مصوّتة، والمصوّتة بمعنى التّعميد، والصّواة يعني التّغطيس في الماء، ومن هنا الصّابئة بمعنى التّعميد أو الغطس في الماء، ويسميهم ابن النّديم [ت 384هـ] بالمغتسلة، ومعنى الصّابئة التّعميد أو الغطس يتوافق مع أصول الدّيانة.

والمندائيّة من المندى وهو العرفان، والمندائي هو العارف بالشّريعة، ومكان عبادتهم المندي، وجاء التّخصيص بالمندائيّة تميزا لهم عن الصّابئة الحرانيّة، ولفظة الصّابئة الحرانيّة ظهرت في أواخر أيام المأمون العباسي [ت 218هـ]، عندما عبر مع عسكره في حروبه مع بيزنطة، ومر على ديار مضر، والتقى بمجموعة من حران جاءوا لاستقباله، فسأل عنهم فأجابوه بأجوبة لم يفهمها، فقال لهم: إذا رجعت من بيزنطة ولم أجد عندكم جوابا فأنتم زنادقة، أقيم فيكم حكمهم، فقسم منهم قال نحن نصارى، وقسم قالوا نحن يهود، وقسم ثالث قالوا نحن صابئة، ولهذا سمو صابئة حران، هذا هو المشهور، لكننا سنجد لاحقا هلال الصّابئ [ت 448هـ] في عام 380هـ في الدّولة البويهيّة يجعل هذا الكاتب والمؤرخ الصّابئ، وقد كان حافظا للقرآن الكريم؛ يجعل في ديوان الإنشاء، وأصله من حران، [ويقال إنّه دخل الإسلام، وقيل لم يدخل الإسلام].

والصّابئة المندائيون يعتقدون أنّ ديانتهم أم الأديان؛ لأنّ أول شخص عمّد واغتسل آدم – عليه السّلام – في سرنديب أي سيلان، وعمّده الملائكة، وعندهم ثمانية أنبياء يعتبرونهم من أولي العزم: آدم وشيث وأنوش ونوح وسام وإدريس وإبراهيم ويحيى.

ولعلّ اتّهام الصّابئة بعبادة الكواكب نتيجة الخلط؛ لأنّ للكواكب أهتمام عند الصّابئة، ويهتمون بها في قراءة المستقبل، وتحليل الحوادث، وتحديد اسم المواليد، لكن الصّابئة في الحقيقة هم موحدون، تأثروا بالزّرادشتيّة والمانويّة والمسيحيّة.

والمعتقد الصّابئي ينقسم إلى معتقدات كلاميّة، ومعتقدات فقهيّة، والمعتقدات الكلاميّة تدور حول التّوحيد والمعاد والنّبوات، ومن حيث التّوحيد هم موحدون، وفي كنزا ربّا في قسم اليمين يبدأ بالتّوحيد الأزلي، “هو الحيّ العظيم، البصير القدير العليم، العزيز الحكيم، هو الأزليّ القديم، الغريب عن أكوان النّور، الغنيّ عن أكوان النّور”، ويعتقدون للملائكة دور في تبسيط الخليقة بأمر من الله، ولهذا للملائكة أهميّة كبيرة عند الصّابئة.

وأمّا يوم المعاد فيرون فناء الدّنيا، والخلود الحقيقي في الآخرة، والموت ليس فناء، وإنّما انتقال من محل إلى محل، وروح الصّالح والزّاهد تنتقل إلى عالم النّور، والمسيء تنتقل روحه إلى عالم الظّلمات، وأرى نظريّتهم أقرب إلى المعاد الرّوحاني منه الجسماني.

وأمّا النّبوات فيحترمون جميع الأنبياء، ويحترمون جميع أتباعهم، ولكن كما أسلفنا عندهم ثمانية أنبياء أصليون، وهم ألو العزم.

وأمّا المعتقدات الفقهيّة فهي الجوانب العمليّة، فعندهم صلاة في ثلاثة أوقات [الصّبح والظّهر والعصر]، وقبلتهم النّجم القطبي في جهة الشّمال، ويعتقدون هي أقرب إلى عالم النّور والضّياء، والصّوم عندهم يسمى المبطلات، وينقسم إلى المبطلات الثّقيلة ، والمبطلات الخفيفة[2].

والتّعميد أساس وركن دّيانة الصّابئة المندائيّة، وعندهم تعميد الطّفل والميت والمحتظر ومريد الزّواج، وغيرها، والتّعميد يكون في الماء الجاري وليس الماء المنقطع، وهنا يختلفون مع المسيحيين، والمندي مكان العبادة هو حوض التّعميد، من قصب وطين أحمروله سقف، يكون على ماء جاري.


[1] الدّكتور بهادر قيّم من الجمهوريّة الإيرانيّة الإسلاميّة، وهو باحث متخصص في التّأريخ الإسلامي، يحمل دكتوراه في تأريخ شمال أفريقيا من جامعة طهران الدّولية، ويحمل امتياز في البحث العلمي لعام 2018م، ألف وترجم العشرات من الكتب، ومتخصص في الصّابئة المندائيّة.

[2] جاء في موقع الجمعيّة المندائيّة في لاهاي: “الصّوم الأكبر صوم انضباط الرّوح … [ويسمى] الصّوم الكبير، وهو فرض على جميع المندائيين، وعلى مدار أيام السّنة، وهو صوم انضباط النّفس، ومحاسبة الذّات، وهو صوم الانضباط بالصّفات الحسنة، والاخلاق الحميدة، وهي فترة انقطاع عن الشّهوات الرّوحيّة، والأعمال السّيئة، وكلّ ما يسوء الخالق، والامتناع عن المحرمات”، والصّوم الصّغير وهو “صوم لتذكير الانسان بصيامه الأكبر .. ويتم بالكف عن تناول لحوم الحيوانات وذبحها خلال أيام معينة من السّنة، لكون أبواب الشّر مفتوحة على مصراعيها، فتقوى فيها الشّياطين وقوى الشّر والظّلام، لذلك يطلق عليها أيام المبطلات، يتمثل الصّوم الاصغر باثنين وثلاثين يوما موزعه على أشهر السّنة، وأربعة أيام إضافيّة تخص رجال الدّين”.

تأريخ الزّيارة: الأحد 19 أغسطس 2021م، السّاعة الثّانية عشر زوالا.

السابق
المذهب المسيحي الماروني مع الأب الدّكتور حنّا أسكندر من لبنان
التالي
جواب على أسئلة الشّيخ الباحث الجليل: سعيد بن يعقوب القرني من الممملكة العربيّة السّعوديّة حول الإباضيّة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً