أطلعت على مقطع منتشر في بعض وسائل التّواصل عن لقاء في قناة وصال المحسوبة على التّيار السّلفيّ، حيث وجه المقدّم سؤالا عن وضع السّنة في عمان، تركز على التّالي:
نسبة السّنة في عمان 77 بالمائة.
عدم وجود مفتي سنيّ في عمان.
وجود مفتي شيعيّ في عمان.
قرب أهل السّنة إلى الإباضيّة والعكس.
اعتقال من يتسنن ويضايق في وضيفته.
مطالبة أهل السّنة بحقوقهم في عمان.
الإباضيّ يُدرس بالمجان والسّني يُمنع.
في البداية لا أتحدث هنا ضدّ أحد، أو أدافع عن أحد، ولكني أوجه رسالة إلى قناة صفا ونحوها قائلا براءة إلى الله أرحموا هذه الأمة، كفاها تفرقا وتحزبا وتشتتا، كونوا أذن خير لا أذن سوء وتفرق وشقاق.
فمن العجيب أن يفتخر المقدم بأنّه في القناة حارب الأشاعرة والصّوفيّة والشّيعة، وليته حارب التّخلف والجهل والفرقة والأميّة والتّمزق وقتل الإنسان، ووجه سلاحه ضد ما يضرّ الإنسان ويمزقه لا ضدّ إخوانه من المسلمين.
لننظر إلى العراق كيف أصبحت، والشّام كيف تمزقت، وليبيا كيف تفرقت، وغيرها من الدّيار، فما بقي لكم إلا أن تحولوا ما بقي إلى شتات متناحر، وجماعات متباغضة، والصّين الاشتراكيّة صنعت الإنسان اقتصادا، والهند بهندوسية العديد من مفكريها صنعوا العقل الهنديّ برمجة، فضلا عن الغرب وغيرهم!!!
فماذا يستفيد العالم من سيفكم ضدّ إخوانكم، مع ضياع وقت ثمين من هذه الأمّة هي أولى أن تسخره في صناعة الإنسان وتنميته!!!
لا أقوله هذا الكلام لكم فقط، فليس لي عداء مع السّلفيّة، فهم إخوان لي كباقي المدارس الإسلاميّة؛ بل قلته ضدّ كلّ متعصب لا يؤمن بسنة التّعدديّة والشّراكة في المجتمع، ومنها للمتعصبين حتى من المدرسة الإباضيّة التي انتمي إليها ولادة ونسبا.
أمّا سلطنة عمان ففيها تيارات فقهيّة متنوعة، فعندنا المدرسة الإباضيّة والمدرسة السّنيّة، وغالب المدرسة السّنيّة شوافع فقها، ثمّ بنسبة أقل الأحناف، يليهم بدرجات قليلة المالكيّة والحنابلة.
والأغلبيّة من المدرسة السّنيّة غلب عليهم التّصوف، فكانت الزّوايا الصّوفيّة منتشرة عند الشّوافع خصوصا، إلا أنّها قلّت حاليا، وبدأ بعض أفراد المدرسة السّنيّة يميل إلى السّلفيّة.
كذلك عندنا الشّيعة الإماميّة وهم منتشرون كأقليّة على السّاحل كمطرح وبعض سواحل الباطنة.
والدّولة في عمان مدنية والحمد لله وليست مذهبيّة، وهذا ما يميز دول الخليج وغيرها جملة، وهذا من رحمة الله، ولو كانت هذه الدّول مذهبيّة أو دينيّة بحتة لظهر الفساد بالتّفرق والتّشتت ونشر رسالة الشّيطان المتمثلة في العداوة والبغضاء بين النّاس في المجتمع الواحد.
وهذا لا يعني عدم وجود اتكاء مذهبيّ أو أخطاء، ولكن لي إيمان أنّ المجتمعات عموما ومنها عمان، والعقل الإباضيّ أو السّنيّ أو الشّيعيّ سيتجاوز هذه العقليّة المذهبيّة، وقد ذاق منها البلاء، وظهرت أصوات كثيرة من كافة المذاهب ويزيد عددها يوما بعد يوم، كما ظهر ذلك في المذاهب المسيحيّة حتى تجاوزا الواقع إلى واقع الإنسان لا المذهب!!
وبعد هذه المقدمة السّريعة أشير إلى أهم النّقاط في المقطع:
أولا: نسبة السّنة في عمان 77 بالمائة، أي أنّ نسبة الإباضيّة 21 بالمائة والشّيعة 2 بالمائة، ولنقل إنّ النّسبة صحيحة فماذا سنقدم للمجتمع، ولنقل خاطئة فماذا سيضر المجتمع، وماذا سيتفيد النّاس خطابيّا من هذا، فلا أريد أن التفت إليها، أو أضيع وقت القراء بنقاشها، فهذه الوظائف عندنا مدنيّة أو عسكريّة، قطاع عام أو خاص لا علاقة فيها للمذهب، فكلّ له مذهبه، والوظيفة مبنية على ذات المواطنة، وهذه المناطق السّنيّة والإباضيّة والشّيعيّة، مساجدهم شاهرة، ويصدح فيها الأذان، وتقام في الجمع والجماعات، ويتلى فيها القرآن آناء اللّيل وأطراف النّهار، والنّاس بعضها على بعض متآلفون، ويتصاهرون فيما بينهم، ويتزاورون ويسافرون ويسمرون معا، فهل هذا يغيظ المتعصبين، ولو كان محمد عليه الصّلاة والسّلام حيا أيفرح بهذا أم يشن هجوما على هذه المجتمعات المتآلفة والمتحابة، فهل سنة الألفة والمحبة لا قيمة لها مقابل سنة السّواك بالأراك والدّخول باليمين!!!
ثانيا: عدم وجود مفتي سنيّ في عمان، وهذه تحدثتُ عنها في مقال لي طويل فليرجع إليه، وأنا وإن كنت أميل إلى تقنين الافتاء إلى مواد قانونيّة، ووجود مجمع بحثيّ يشمل المختصين القانونيين والاقتصاديين والاجتماعيين والتّربويين ونحوهم، إلا أنني مع هذا الوضع أقول من حق المذاهب السّنيّة أن يكون لها كراسيّ في الافتاء، فالشّافعيّة في عمان مثلا نسبتهم كبيرة، ولا يعقل لا يوجد لهم كرسيّ في الافتاء، ولا يصح أن يقول عاقل إنّ المكتب يفتي للجميع، فلو كان المفتون عندنا شوافع لبحث الإباضيون عن مفت إباضيّ ولو من خارج عمان، والأمر سيان بالنّسبة للأخوة السّنة، وهذا حقهم المدنيّ والإنسانيّ في مجتمعنا!!
وهذا لا يعني لا يوجد فقهاء عند السّنة يستفتونهم، ولا أحد يمنعهم، ومن هؤلاء قديما العلامة حبيب بن يوسف الفارسيّ الصّحاريّ المسقطيّ الشّافعيّ ت 1276هـ رحمه الله، وقد طبعت له الدّولة كتاب الفتاوى في مجلدين كبيرين، ومن المعاصرين الدّكتور عبد العزيز العوضيّ الشّناصيّ الشّافعيّ حفظه الله ورعاه.
ثالثا: وجود مفتي شيعيّ في عمان، وهذه غريبة من قناة تقول متخصصة في نقد الشّيعة ومحاربتهم، وهذه من أبجديات العمل الشّيعيّ، حيث أنّ الشّيعة لا يوجد عندهم مفتي بالمفهوم الرّسميّ، وإنّما عندهم مراجع، وللمرجع مكاتب، لذا لا علاقة لهم بالموقع الجغرافيّ، فالشّيعة العمانيون في جملتهم حاليا يقلّدون السّستاني، والقليل منهم يقلّد محمد حسين فضل الله ت 2009م، على اعتبار جواز تقليد الميت، ولا يوجد لهم مفتي أو كرسيّ في الافتاء لأنّ هذا لا يوجد في منظومتهم المذهبيّة!!
وبالجملة لم يذكر التّأريخ مرجعا شيعيّا عمانيّا عدا ابن أبي عقيل العُمانيّ (تُوفّي قبل سنة 369 ه) ويعتبر من منظري المدرسة الأصوليّة عند الشّيعة الإماميّة والّذي عاصر ابن الجنيد ت(ق4) الملقب بالإسكافيّ، ويعبّر عنه وعن ابن أبي عقيل العمانيّ بـالقديمَين، واستطاع الشّيخ المفيد (محمد بن محمد بن النّعمان) ت 413هـ تلميذ الإسكافيّ تطوير مدرسة القديمين لتدخل دور التّصنيف الأصوليّ في المدرسة الإماميّة .
وعموما العلامة ابن عقيل لا يدخل في كلامنا لسببين: الأول بعضهم يشكك في نسبته العمانيّة إلا كنسبة أصل، والثّانيّ أنّ نظام المرجعيّة متأخر كما يرى الأستاذ حيدر حبّ الله أبان الدّولة الصّفوية أو بعدها كما ذكرناه في الرّحلة القميّة فليرجع إليه.
وعليه لا يمكن عقلا أن نقول بوجود مفتي شيعيّ في عمان، وممكن أن نقول المرجع الشّيعيّ العمانيّ ولكن هذا لا وجود له؛ ليس بسبب الدّولة، ولكن لم يتـأهل شيعيّ عمانيّ حتى الآن لهذا أصلا!!!
رابعا: قرب أهل السّنة إلى الإباضيّة والعكس، والصّحيح لو تأملنا جميع المذاهب نجدها مشتركة مالا يقل عن 86 بالمائة، فضلا عن المشتركات الكبرى، ولكننا للأسف نهتم بالمختلف القليل ونترك المشترك الكثير، وليتنا توقفنا عند هذا؛ بل جعلنا من المختلف قنابل نكفر بها بعضنا!!!
خامسا: اعتقال من يتسنن ويضايق في وضيفته، وهذه لا أدري صحتها، ولم أسمع عنها، فمثلا عن قرب مني جار تسنن، وجار آخر تشيع، ونذهب سويا، ولم أسمع أحدا اعتقلهم أو ضايقهم في عملهم!! وهذا أصلا يخالف النّظام الأساسيّ للدّولة، وإن حدث فالقانون يحميه، والجهاز الوزاريّ والقضائيّ والأمنيّ والعسكريّ للدّولة أصلا في جملته متعدد المذاهب فضلا عن النّظام المدنيّ!!!
سادسا: مطالبة أهل السّنة بحقوقهم في عمان، وهذا حقهم، وليس أهل السّنة بل جميع الطّوائف بما فيهم غير المسلمين، وهذا حق مشروع، وعلى الدّولة العدل والإنصاف بين الجميع!!
سابعا: الإباضيّ يُدرس بالمجان والسّنيّ يُمنع، وهذه من الغرائب، ولم أسمع عنها، وهي جديدة لدي؛ لأنّ نظام البعثات أكترونيّ يقوم على المعدل ولا علاقة له بالدّين فضلا عن المذهب، وإذا حدث فساد فيحدث في الوزارات الخدميّة وبعض الجامعات بالدّاخل وسببه مشيخيّ قبليّ وليس مذهبيّا، فيقرب هذا على أساس المعارف، وإن حدث هذا أو ذاك فالمحكمة الإداريّة تنصف الجميع، مع شذوذ الحدوث أصلا، وإذا وجد فكما أسلفت سبب وجود مثل هذا الفساد فرديّ، ولا علاقة له – حسب علمي – بنظام الدّولة وتوجهها!!
نعم قد يمنع الالتحاق ببعض الجامعات، لأسباب تتعلق ما ينتج عن هذه الجامعات من غرس مفاهيم التّكفير والتّفرق، ممّا يهدد السّلم المجتمعيّ والوطنيّ عموما…
وإن حدث المنع فيعمّ الجميع، وإلا أغلب الإباضيّة يدرسون في جامعات السّنة دينيّا، ومن باب أولى غيرهم، ومن العجب أنّه ذكر الأزهر، والعديد من السّنة العمانيين درسوا فيه، ومنهم شيخنا العوضيّ المذكور آنفا، ولعمان كرسيّ في الأزهر، فضلا عن دراستهم الجامعات الأخرى في الخليج كالإمارات، بجانب الأردن وتونس والمغرب وماليزيا وغيرها كثير!!
وقد زرت قبل سنة تونس العاصمة، وجلست مع المالكيين، ووجدتهم يحذرون من التّكفير والتّشريك، وينشرون كتبا كثيرة بثمن بخس، ولما سألتهم لماذا هذه الحملة؟ قالوا لي بصريح العبارة، لما كان التّشديد في عهد زين العابدين بن عليّ على المدارس والجامعات الدّينيّة عندنا، درس العديد من أبنائنا في الخليج، ولما سقط النّظام السّابق رجع هؤلاء الشّباب يكفرون آبائهم، ويشركونهم، ويهدمون الأضرحة، ويثيرون الشّقاق في المساجد، فيكفر الابن أباه وأمّه وعشيرته، ولو فتح لهم المجال لحدث مثل ما حدث في ليبيا!!
من هنا أوجه نصيحتي للمتعصبين عموما، وللكليات والحوزات من جميع المذاهب أن يتقوا الله في هذه الأجيال، وأنّ المستفيد من إحياء التّراث المتعصب، وقد كان يوما يكتبه كاتبه ولا يرى إلا أبناء مذهبه؛ لقد أصبح العالم اليوم قرية واحدة، فليخافوا الله، وليرحموا هذه الأمة؛ لأنّ المستفيد هو العدو، وعلى رأسهم العدو الصّهيونيّ، فهل سيرجع العقل إلى رشده، وينشغل المرء بذاته، وليترك الخلق للخالق، ولتصرف الأموال في تأليف النّفوس، وبناء العقل، لا في هدمه والإفساد في الأرض.
عمان وغيرها بلد متآلف سنّة وإباضيّة وشيعة وغيرهم من غير المسلمين، فاتركوا البلدان المتآلفة، واشتغلوا بذاتكم، وأصلحوا بيوتكم، واتركوا النّاس تعيش في حب يجمعهم، وسلام يعمهم، وتذكروا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، وقوله: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}، واحذروا من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.
فيسبوك 1439هـ/ 2017م