المقالات النقدية

ضايقوهم في وسائل التّواصل

في محاولة بسيطة لمسح بعض المقاطع السريعة المنتشرة خاصة في الواتس أب لوضع قراءة أخرى سواء كانت توافقيّة أو نقديّة، مع انطلاقي بداية من:

أولا: احترام وجهة النّظر الأخرى مبدئيا، كنت موافقا لها أم ناقدا ومختلفا في بعض جزئياتها.

ثانيا: لن أشير إلى الشخص وإنما إلى الفكرة.

ثالثا: ما أقوله يمثل نظرة ذاتيّة وليس إنابة عن مذهب أو فكر أو جماعة.

بداية نبدأ مع مقطع منتشر في اليوتيوب والواتس عن شيخ دين سُئِلَ عن وسائل التواصل ومنها التّويتر، فبين أنّ فيها الخير، وهي مجال للدّعوة إلى الله ونشر التوحيد، إلا أنّه يجب مضايقة أصحاب الضلال.

فالفكرة في جملتها قد يتفق معها الجميع، إلا أنّها عند التّفكيك نقع في العموميات خاصة في الخطاب الجمعي، والعموميات في الخطاب ضررها أكثر من القصد الإصلاحيّ.

والآن لو وضعنا خطا تحت لفظة المضايقة، فما المقصود بالمضايقة، وما أبعادها، ولمن توجه، ومن هم أصحاب الضلال!!

قد يكون مراد الشيخ بمعنى الإكثار من الدعوة إلى الخير والتوحيد، بمعنى المضايقة في البديل، ولكن هل العبارة هنا صحيحة؟

فهناك من يفهمها بمعنى البذاءة في اللسان، والتضييق في الخطاب، والغلظة في الحوار، كما وجدت في العديد من الأدبيات التراثية!!!

بينما الأدبيات القرآنية نجدها تأسس الحوار على الاعتراف الأول بالآخر: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لكم دينكم ولي دين، ثم الحرية مع الآخر: لا إكراه في الدين.

وبعد هذا أدبية حق الآخر الكلي في المعتقد والنظر والبحث، والبحث عن المشتركات: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم.

وأثناء الحوار لابدّ من: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالّتي هي أحسن، وقولوا للنّاس حسنا.

والخلاف وما يتبعه من حوار كما أسلفنا في مقال سابق لا يلغي الحق المدني لأحد، وحقه في الحياة والشراك فيها، ولو اختلف مذهبا أو فكرا أو دينا: وأمرتُ لأعدل بينكم.

وهكذا لو نزلنا إلى مصطلح أهل الضلال، فمن هم أصحاب الضلالة، وهل كل من خالف صار من أصحاب الضلالة، وهل الشراك في وسائل التواصل إذا انطلقنا من الاعتداد بالذات، وكوني صاحب الحقيقة ومن خالفني صاحب ضلالة وانحراف، هل هذا سيحقق جدوى من التنوع التواصلي في شبكات التواصل!!!

نعم وسائل التواصل تحوي الخير والشر، ولكن في الحقيقة لا يملكها أحد، وقبل الولوج فيها لابد من الإيمان من ضرورة التعددية للانطلاقة منها، فهي تختصر التعددية في عالمها الآخر، ونحن اليوم بحاجة إلى غرس خطاب التعددية قبل خطاب الذات والأنا والحكم على الآخر.

ثم لابد من غرس الثقافة القانونية العادلة وفق العرف القانوني لكل بلد، لا أن نشحن العقل الجمعي بضبابية العداء مع الآخر ومضايقته بألفاظ عمومية ضررها أكبر من نفعها!!!

فيسبوك 1439هـ/ 2017م

السابق
قراءة في كتاب فقه الحياة للسيد محمد حسين فضل الله
التالي
أهل السّنة في سلطنة عمان
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً