لعلي لا أبالغ إن زعمتُ أنّ من بين عشرة متزوجين تسعة منهم لا تمر عليهم الملكة بسلام بسبب تكاليفها فضلا أن أضيف إليها تكاليف الزّواج وما ابتدع اليوم وأضيف باسم القاعة!!!
وما قلته عن التّسعة هو من باب أضعف الأمثلة، وإلا فالحقيقة أكبر من ذلك…
لقد مرت الأجيال جيلا بعد جيل ولم يكن يوم العقد مؤرقا لهم، ولا الزّواج عائقا في حياتهم، فما أجمل العقدَ أن يكون سهلا مرنا، يسرا لا عسرا …
شخصيا عقدتُ لبعض الشباب في مجلس بسيط لربما لم يكلفهم عقد الزّواج عشرة ريالات، حضره بعض أهليهم وأصدقائهم، وكان مشهدا رائعا، بلا تكلف ولا تعب، وفي أي وقت ومكان يريدون، والحمد لله …
وفي المقابل سنجد عشرات من الشباب يرزحون تحت طلبات مجتمع لا يرحم محتاجا، فيُطالب بإخراج عشرات الريالات من أجل حفلة الخاتم (الدّبلة)، وحفلة العقد حيث يطعم المئات ومنهم العشرات لم يحضروا إلا لملئ البطن بالأرز واللحم، وما بعد ذلك من القاعة وتكاليف النّقلة، كلّ هذا سيجعله رهين ديون سنين يعاني منها، والسبب الزّواج الذي في الأصل سكن ورحمة، لا عذاب ومشقة …
في السّابق عاتبنا الآباءَ بدعوى الاستغلال والجهل، ولكن اليوم من يمارس هذا أبناءُ اليوم، ومنهم مثقفون وقارئون وراجعون من الخارج، بل ومنهم متعمقون في دراسة الشرع والواقع، ولعل ضغط المجتمع أجبرهم، ومع هذا في نظري ليس تبريرا، وهذه وجهة نظر مني …
من حق المجتمع والأسرة أن يفرحوا، ولكن ليس في مقابل ذلك الشّاب المسكين الذي أراد أن يعف نفسه في عرضه، فلم يستطع بذلك أن يعف نفسه ديْنا وقرضا، ولربما كان هذا القرض والدّيْن عن طريق الرّبا، والّذي سيضاعف عليه أضعافا كثيرة!!!
قالوا: أمرَ الرسولُ – صلى الله عليه وسلم – عبد الرحمن أن يولم، وعبد الرحمن كان غنيا مقتدرا، يستطيع أن يولم أهل المدينة كلّهم بلا كلّفة ولا مشقة عليه، ولكنّه عليه السّلام لم يأمر عشرات من المتزوجين تحت يديه ولو مقتدرين أن يولموا بسبب زواج؛ لأنّ الأصل في حقهم التّيسير لا الشّدة والعسر!!!
واليوم يتناقل النّاس أخبار ما يسمى بصندوق الزّواج، وهذا حسن جميل، وهو حق مباح، والأولى أن يصرفها من أراد الزّواج في بيته وتهيأة المكان كغرفة لائقة به كزوج، لا أن تصرف في مهور مرتفعة، وولائم ثلثها يرمى – ولا أبالغ – في الزّبالة، وقد رأينا هذا المشهد ونراه دائما، فلطالما جلس خمسة أشخاص على صحن يرمى أغلبه إذا أكلوا منه قليلا، والله المستعان، وأحيانا يفيض ما بقي من الأرز واللحم عن الحضور، فلا يُدرى ما يُفعل به، أيُدفن في الأرض أم يُرمى في العراء!!!
في فترة ماضية عانى النّاس من ولائم العزاء، فكانت الولائم أشدّ مصيبة من المتوفى نفسه، فتدخل العقلاء في المجتمع ومن يمثلهم، فأوقفوا هذا الضّرر الصّارخ، فارتاح الناس، وبراحتهم ارتاح المجتمع والأجيال القادمة …
واليوم هل سيتدخل العقلاء أمام معاناة الشّباب في أزمة تكاليف الزّواج مهرا وولائم وقاعات، ويرجعون إلى السّنة الطّبيعية في يسر الحياة وصيرورتها ….
الزّواج الجماعي –في نظري – في جملته ليس حلا، خاصة إذا تحول إلى مباهاة، وإنّما الحل العلاج الجذري لهذه الظّاهرة حكومة ومجتمعا، وصندوق الزّواج الأولى أن يُصرف في اللّوزام الضّرورية لبناء أسرة جديدة لا الكماليات الجانبية …
وجهة نظر أقدّمها لكم، لعلها تجد عقولا ناقدة، وآذانا صاغية، مع احترامي لأي وجهة نظر أخرى، دمتم بود.
فيسبوك 1435هـ/ 2015م