بداية ما أكتبه في هذا المقال لا أريد به تشكيل دائرة صراع مع الأخوة الشيعة فأنا أحترم طقوسهم ومروياتهم ومدرستهم كليا، وهي جزء من البيت الإسلامي أولا، وجزء من البيت الإنساني الكبير ثانيا.
ثم للحسين مكانته إنسانا ومسلما ثم سبطا وصحابيا جليلا، فلا يزيده مدح أحد، ولا ينقصه ذم قادح وحاسد، فدمه الذي زهق بغير حق لم يذهب هدرا، فهناك حساب عادل لكل دم هدر بغير حق، ولكل نفس زهقت ظلما وعدوانا، لأنّ النفس واحدة، من أخذها ظلما فكأنما أخذ نفوس الناس جميعا.
إلا أنني ما سوف أذكره هنا كمعرفة لتشكل حوارا معرفيا، ثم لننطلق من كلمة سواء بيننا، وفي النهاية لكل رأيه، وعليه احترام الآخر.
وعندما نأتي إلى القرآن الكريم، وهو المشكل للتوجه الفكري الإسلامي يشير إلى أنبياء قتلوا بغير حق من قبل المتدينين المتعصبين اليهود، حيث يقول سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ.
ومن هؤلاء كما هو مشهور مقتل زكريا النبي وابنه يحيا (يوحنا) على يدي المتعصبين اليهود بمشاركة الرومان لكون القوة السياسية معهم، ومحاولة قتل المسيح وصلبه.
ومع هذا القرآن الكريم نظر إلى الجانب الآخر الذي هو أكثر إشراقا من مدرسة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما يجسد هذا دعوة النبي شعيب وصراعه مع قومه في القضايا الاقتصادية خصوصا، إلا أننا لا نعرف كيف مات شعيبا، فلعله مات شهيدا، إلا أنّ القرآن الكريم ذكر معالم دعوته دون النزول إلى صراع تأريخ بين رموز التأريخ، ولم يخلّد ذكرى أولئك الخصوم، وإنمّا اكتفى بأبرز جوانب الحدث، وقد عملت مثلا دراسة تدبرية لدعوة نوح في القرآن في أكثر من مائة صفحة، كتطبيق عملي للتعامل مع الحدث وربطه بالواقع، من أراده فليراسلني.
عموما إذا جئنا إلى الخطاب الحسيني اليوم، وأنا شخصيا حضرت بعضها، واستعمت إلى العديد يوتيوبيا، سنجد صراعا حول شخصيات مضت إلى خالقها سبحانه وتعالى، ونجد خطاب اللعن والتأجيج التأريخي، ودعوى الثأر لمن قتل الحسين!!
والسؤال هنا: في العقلية المجتمعية الشعبية الشيعية، هل لا زال قتلة الحسين يعيشون، ومن هم، وما معنى اللعن لأعداء الحسين إلى يوم الدين، وهل للحسين أعداء اليوم، وكيف يكون الثأر منهم؟
قد يراه الأخوة الشيعية خطابا عاطفيا عاما، ولكنه في الحقيقة يشكل أبعادا خطيرة لأنه ينظر إلى الحسين كرجل عادي هم أبناء طائفته، ومعنى ذلك الثأر من الطوائف الأخرى خاصة اللصيقة بالأمويين تأريخيا.
الظلم لا ينتهي إلى يوم الدين، ولكنه ليس جينات تتوارث، بل أفكارا تتوارث وتتجدد في أساليبه، فالثأر ضد الظلم، والحسين قاتل ضد الظلم، أما تجسيد ذلك وحصره في حادثة العديد من متعلقاتها حبكت وأضيفت بعد ذلك نتيجة الصراع السياسي والمذهبي!!!
لذا أتصور ضرورة وجود مراجعات جادة، وتفكيك خطاب المنبر الحسيني، نعم لقد حاول البعض كخطيب المنبر الحسيني أحمد الوائلي التجديد في الخطاب في رمزية الحسين، إلا أنه أيضا كان في نهاية كل خطبة رهينا بأحداث مضت دون نقد وفحص ومراجعات، وإنما لإشباع العاطفة الشعبية، مع احترامي الكبير لهذه القامة الفكرية.
كذلك ما يتعلق بلفظة الشعائر، فالشعائر ما فرضها الله تعالى قطعا في كتابه تعالى حيث قال: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، وجاءت في سياق آيات الحج وما يتعلق به من هدي وقربان.
فالشرائع مرتبطة بالله وقد لا نفقه بعض مقاصدها، كالصلاة والصوم والحج والنذور ونحوها، وأنا شخصيا أفرق بين الشعيرة والعبادة، لأن العبادة هي أثر الشعائر في الحياة، وهذا ما يظهر من قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا.
وفي كتابي القيم فصلت قيمة العبادة ممكن الرجوع إليه، واما الشعيرة فجانب مقدس أو ما يسميه الفقهاء بالعبادات المحضة أو غير معقولة المعنى في الأصل، إلا أنها لها جانبان: الأول ارتباطها بالله تعالى وحده، والثاني الذي يحددها ويفرضها هو الله وحده أيضا.
أما حادثة الحسين فهي حادثة تأريخية وليست شعيرة دينية، لأنها قطعا لم يشرعها الله في كتابه، وجاءت بعد إكمال الدين كحد مشترك بيننا وبين الأخوة الشعية، بغض النظر عن استمرارية الرسالة والوحي في الأئمة الاثني عشر عند الإمامية.
وسنجد هناك أيضا من قتل، فأول حادثة اغتيال سياسي كانت ضد سعد بن عبادة، وصيغت روايات أن الجن هي قتلته، ثم مقتل عمر وعثمان وعمار بن ياسر، والمشهور حتى الحسن قتل بالسم، وهو أخ الحسين، وسبط رسول الله أيضا، وقتل أبيهما علي بن أبي طالب، وقتل زيد بن علي، وغيرهم كثير.
فهذه حوادث تأريخية وليست شعائر دينية، لأن الدين واحد لا يمكن الزيادة فيه أو النقيصة، وهو خيط مشترك بين المسلمين جميعا.
بطبيعة الحال لن أدخل في الجانب الروائي، وصناعة روايات سياسية ودينية لدعم المواقف التأريخية، ولكن الذي أريد أن ألفت القراء إلى أهمية المراجعة، خاصة في الخطاب الشعبي، وأرجو من الأخوة الشيعة أن يعملوا مراجعات أكبر، صحيح قد يكون شاقا في البداية، لكنه سيكون مثمرا في النهاية، ونقد الذات ليس عيبا ولا نقيصة، بل تطورا تحت ظل الشهادة لله تعالى وحده لا شريك له.
وعلى العموم في الجملة لم أرد بهذا تنقيصا لأحد، فأنا أحترم أولا وآخرا رأي الآخر، وما ذكرته ليس وحيا لا ينقد، لكنها رؤية قد تفتح بعض الأمل لدراسات ومراجعات أكثر بحثا وعمقا.
قراءة في مقال وقفة على وقفة للأستاذ العزيز مصطفى اللّواتي
لقد اطلعت قبل قليل على رد لمقالي “وقفة مع عاشورية الحسين” للأستاذ الجليل مصطفى محسن اللواتي، وبداية أشكره على جميل رده ونقده، وهذا ما نرجوه وهو القراءات النقدية والتفكيكية، فكما أسلفت في نهاية مقالي: [وعلى العموم في الجملة لم أرد بهذا تنقيصا لأحد، فأنا أحترم أولا وآخرا رأي الآخر، وما ذكرته ليس وحيا لا ينقد، لكنها رؤية قد تفتح بعض الأمل لدراسات ومراجعات أكثر بحثا وعمقا].
وأسلفت في البداية أنني أحترم المدرسة الشيعية ورموزها وطقوسها، كما أحترم أي مذهب وملة في الأرض، ولكني أتعامل مع معرفة لا يملكها أحد، فالمدرسة الإباضية كمعرفة لا يملكها أتباع المدرسة الإباضية أنفسهم، فهو حق إنساني كباقي المدارس الأخرى تماما، وإن كنت أرى في الأصل بداية نقد الذات وهذا ما عملته مع مدرستي طيلة السنوات الماضية، ولكن لا يمنع هذا من نقد الآخر نقدا معرفيا.
ثم إنني أشكر للأستاذ لغته البعيدة عن تنقيص الآخر واتهامه، وهذا خيط مشترك يجعلنا نلتقي على كلمة سواء.
إلا أنه قال في البداية: [قرأت قبل فترة مقالا للأخ بدر العبري، حاول فيه تبرير خطاب الشيخ أحمد الخطيب] وأنا في الحقيقة لم أبرر كلام الخطيب ولكن بينت أن الخطيب وغيره ضحية لتصارع قنوات من الجانبين السنة والشيعة سيؤثر بشكل طبيعي في مجتمع متآلف كعمان، إلا أن هذا الخيط سيتسع إن لم نضع قاعدة عريضة للمعتدلين ومن الطوائف والمذاهب، ولهذا قلتُ فيه: [في الحقيقة أقرأ ثناء الخطيب على وصال وصفا شيئيا طبيعيا في وقت نرى القنوات الطائفية الشيعية تسيء إلى الصحابة والتسنن، وفي الوقت نفسه عندما يقوم شيعي عماني بمدح بعض القنوات الطائفية الشيعية سيكون أيضا الأمر طبيعيا عندما نرى هذه القنوات تسيء إلى الشيعة وتتبع كل شاردة في التراث الشيعي وتضخمها…
يحدث هذا عندما تغيب المؤسسات الحاضنة، فيكون العقل الجمعي عقلا إما مذهبيا بحتا، أو عقلا يقوده بعض الآحاد، من هنا يسد هذا الفراغ وتؤثر فيه مثل هذه القنوات]، وتحدثت في مقالي على المدى البعيد، وأنا حاليا أكتب بحثا عن التسامح الفقهي في عمان من داخل المدارس الثلاثة الإباضية والسنة والإمامية، إلا أن هذا التسامح يتأثر بشكل طبيعي مع الأجواء الطائفية المشتعلة سياسيا ودينيا وإعلاميا، إن لم نجد حلقات جادة في التواصل المجتمعي فقد نخترق يوما ونصير أمما متصارعة، حالنا تماما – لا قدر الله – سيكون كما في اليمن، فاليمن عاشوا في قمة التآلف بينهم، بل أن التداخل بين الزيدية والشافعية في اليمن أكثر منه في عمان بين الإباضية والشوافع، ولكن لننظر إلى حالة اليمن اليوم، فأنا عندما كتبت استشرف به المستقبل قبل أن ينفلت الأمر من أيدينا، ولا ننغر بالثناء الوصفي إن كان يوجد في الباطن مرض خفي، فهو كالمخدر الذي ينتهي مفعوله يوما ما!!
يقول أستاذي العزيز: [القرآن كتاب حياة، كتاب يرسم الخطوط العامة للإنسان، ويذكر الحوادث المفصلية في تاريخ البشر والأنبياء(ع)، ويعطي عقيدة التوحيد واليوم الآخر حقها لأنها هي ما ستحدد حركة الإنسان نحو الله].
وهذه قاعدة نشترك فيها، بل هو في الحقيقة قبل أن يكون كتاب حياة، هو كتاب منهج وتربية لنا وتصحيح، لذا وصفه الله تعالى بأنه مصدق ومهيمن وفرقان، وكما هو مصدق على ما قبل من كتب الأنبياء وآثارهم، سيكون مصدقا أيضا على كتب المذاهب من بعد وآثارها، ومنها الكتب الحديثية والسير والتأريخ.
ثم يقول أستاذي: [هذا هو القرآن، وأكثر من هذا، لذا فعدم ذكره لبعض التفاصيل لا يمكن الاستدلال منه بأنه “ينهى” أو لا يريد او لا يحبذ ذكرها] بل العكس الله تعالى أمر بالسير في الأمم، والسير قد يكون تأريخيا بدراسة المرويات، ولكن كما أسلفت في المقال وفي غيره كثير ومنه كتاب الدعوة النوحية الذي أشرت إليه الله تعالى لم يرد أن يجعلنا شركاء معه في الحكم على الخلق، ولم يرد منا أن نتصارع في أحداث مضت، أو نعيش صراعها في عالمنا اليوم، والعالم ينظر إلى حاضره وغده، ويستفيد من ماضيه، لا أن يعيش ماضيه، والحديث قرآنا حول هذا يطول جدا.
ثم تطرق أستاذي العزيز إلى بعض الظلمة وحكم الله عليهم وشدته، ونسي أستاذي أنّ المتحدث هنا هو الله سبحانه وتعالى الذي بين: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ.
فهناك فرق كبير في القرآن الكريم بين الحكم وبين الاعتبار والاتعاظ والاستفادة، فالحكم لله وحده فنؤمن قطعا بما ذكر في كتابه، لأنّ الله حكم بذلك، ولم نعط الشراكة معه لنحكم على البشر بدون وحي ولا كتاب منير.
ثم لما تتأمل القرآن الكريم تجد الحكم لصيقا بالله ولا تجد حكما منسوبا إلى الأنبياء، لأن الأمر المنوط بهم البلاغ بشارة وإنذارا، لا الحكم على الخلق.
أما الوصف بالكفر والظلم والفسوق هو وصف حكمي لغوي لا خلاف فيه في كتاب الله، أما كأثر حكمي جزائي فهو غيبي قطعا، لأن المتحدث في القرآن هو الله تعالى، والوصف لا يعني الحكم الجزائي إلا بحكم غيبي قطعي عندنا من الله برهان واضح.
أما قضية الكلب والحمار فهي في مجال الأمثال لا في مجال اللقب والوصف، والمثل أوسع، وهنا الإشارة إلى صنيع فعلهم، وهذا فصلته في مقالي عن لفظة القطيع يمكنك الرجوع إليه، ومما قلت فيه بتصرف: [والله لم يخاطب النّاس بالحيوان قط، إلا بالقردة والخنازير أو بالأنعام كما في سورة الأعراف والكلب والحمار في الأعراف والجمعة على سبيل التّشبيه كما في قوله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ …
فهنا شبّه الله هؤلاء بالأنعام لأنّهم عطّلوا الحواس في إدارك خالق الكون والتّأمل فيه، فصارت معطلة، مستخدمة للشّهوة الحسيّة القاصرة فقط، فهم كالأنعام في تعطيل هذه الحواس، وهذا أقرب إلى التّشبيه المقلوب؛ لأنّ الإنسان أعظم وأجلّ قدرا ومكانة ورفعة كجنس، وإن اشترك مع الحيوانيّة في الجنس كما يقول المناطقة …. وعليه الأصل في التّشبيه لا يكون صفة ملازمة؛ بل هو غرض طارئ، أمّا أن يصبح صفة ملازمة فأراه بعيدا جدا عن الخطاب القرآني والإنساني المكرّم لذات الإنسان …].
ثم تطرق أستاذي العزيز إلى قضية اللعن في القرآن، ويستند البعض إلى لعنهم للأموات إلى مثل هذه الآيات، وإن كنت أحترم رأيهم إلا أنّ اللعن له معنيان، المعنى الأول الطرد من رحمة الله تعالى، وهذا بيد الله تعالى وحده، والبراءة من الظلم والكفر والفسوق والطغيان كحكم عام، أما كذوات فعلمهم عند الله إلا بدليل قطعي وبرهان جلي من دائرة الغيب وعلى هذا نفهم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ.
أي يتبرأ منهم الله ويطردهم من رحمته ويتبرأ منهم المؤمنون، فلا شك نحن نتبرأ ممن يكتم آيات الله ويحرفها طلبا لمال أو منصب، أو رضا لمجتمع أو حاكم، ولكن الحكم بيد الله وحده، فلما حكم الله على (بلعام) كان بدليل قطعي، أما وليس لدينا الآن الدليل القطعي فنتبرأ جملة من ذلك، ونبلغه ولا نسقطه إلا بعلم قاطع من الله فيه برهان جلي واضح.
أما التلفظ باللعن وخاصة للأموات فلا أتصوره يليق ومنهج الأنبياء، ولسانهم رطبة بالذكر والخير لا باللعن للخلق، ولا يليق بمنهج المؤمن، فاللعن في القرآن المراد به كما أسلفت في الأعيان الطرد، وفي الحكم البراءة، فالله أمر موسى وهارون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، وأمر نبيه محمدا: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فإذا كنا لا نلعن ونسب أصنامهم وهي واضحة جلية فكيف بأمواتهم، ولكننا نتبرأ من هذا الفعل وهو ما يسعنا عند الله تعالى.
يقول الأستاذ العزيز: [ما لفت نظري هي عبارة وردت في مقال الاخ بدر حينما قال “ولعل شعيبا مات مقتولا”، عبارة حاولت ان اجد له مخرجا منها فلم أفلح، هل ذكر القرآن كيف مات النبي الأكرم (ص)؟] لم أقل مات شعيب مقتولا، قلت (لعل) وهذا في باب التمثيل، ولهذا قلت والكاتب هداه الله أهمل ما ذكرته: [إلا أننا لا نعرف كيف مات شعيبا، فلعله مات شهيدا]، وهنا في مقام التساؤل وليس في مقام الأخبار، والأول إنشاء لا يحتمل صدقا ولا كذبا، والثاني إخبار كما لا يخفى على أستاذي الجليل في الجانب البلاغي والمنطقي.
أما مسألة الباطل والترضي عليه ومسألة الحق وطمسه، فهذا لم أتطرق إليه لأن التأريخ البشري يحمل الجانبين، والقارئ للتأريخ يدرس الحدث كحدث بما وصل إليه، إلا أن الأشخاص حكمهم عند الله وحده، ولا نتصارع حولهم، وأظن هذا الخيط كافيا وهو الذي يتوافق مع منهج القرآن، وأسلفت حول ذكر مرارا في مناسبات عديدة لا داعي لتكراره.
أما مسألة الثأر فأظن أستاذي خرج من الواقع ومن سؤالي في المقال ولم يجب عليه حيث قلت: [والسؤال هنا: في العقلية المجتمعية الشعبية الشيعية، هل لا زال قتلة الحسين يعيشون، ومن هم، وما معنى اللعن لأعداء الحسين إلى يوم الدين، وهل للحسين أعداء اليوم، وكيف يكون الثأر منهم؟]!!
أي هل القضية انتهت مع الحسين ويزيد، أم الحسين يمثل طائفة معينة لها طقوسها، ويزيد يمثل الطرف الآخر، فمثلا الإباضية كانت نظرتهم سلبية إلى الحسين إلى فترة متأخرة بسبب التحكيم، والسنة نظرتهم لما سلف تحت دائرة الاجتهاد، وهناك من الدراسات الأخرى من ترى الصراع بينهم في السلطة والذي تشكل لاحقا في صراع أموي عباسي، وصيغت حوله المرويات، وزادت ونقصت، أكثر من صراع حق وباطل!!
والسؤال هنا: أليس الحق واضحا كمبدأ، والباطل واضحا أيضا، والأحداث التأريخية تدرس كحدث، ولا كمبدأ ينطلق منها!!
ولكي أكون قرآنيا معك ألا ترى أن الأنبياء في القرآن فعلوا أكثر مما فعله الحسين، وتعذيب أصحاب البروج أشد بكثير، فلماذا لم يأمرنا القرآن أن نبكي عليهم، ونضع لهما يوما سنويا، وإنما أمرنا بدراسة الحدث من حيث المبدأ العام، لأن الوقوف مع الأشخاص يدخل فيه الأهواء السياسية والطائفية، والوقوف مع الحدث والمبدأ يشترك معه الجميع.
ثم يقول أستاذي العزيز: [ولكن لم يقل احد من علماء الشيعة ان حادثة كربلاء هي بذاتها شعيرة، ولا ادري من أين أتى بهذا القول، وحبذا لو يطلعني عليه لاستفيد] وهذا عجيب منك أستاذي، وأنا أذكر لك نصا واحدا من كتاب موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ لسيد محمود طباطبائي الجزء السادس ص 260 جاء فيه: المرحلة الثانية (إقامة العزاء كشعيرة دينيّة من قبل الأئمّة عليهم السلام ) ظهرت مراسم العزاء على أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام في هذه المرحلة باعتبارها شعيرة دينيّة … الخ).
وللسيد كمال الحيدري مقطع في اليوتيوب في أثبات مصداقية الشعيرة في المراسم الحسينية، وكذا لآية الله محمد السند مقال طويل، ولولا ضيق المقال لذكرت لك العشرات من النصوص.
ومع هذا كما أسلفت في مقالي أحترم رأي الشيعة ولا عندي حساسية في الألفاظ، ولكني ناقشتها كمعرفة لا أكثر.
وفي الأخير يقول أستاذي العزيز: [كما ان استمرار الوحي في الأئمة قول لم اره عند أحد من العلماء عبر التاريخ، لذا حينما ينقل اي كاتب كان مثل هذه الآراء عليه ذكر مصادره فيها].
بينما قال أستاذي نفسه قبل هذا: [لا يفوتني ان اذكره أن السنة الروائية لدى الشيعة تمتد لما بعد النبي(ص) الى ١٢ إماما] ويدرك أستاذي أن السنة لها مصدرها التشريعي وما يسميه المحدثون بالوحي الخفي، وهي جزء من استمرارية الرسالة، فالأخوة الشيعة يعتبرون ما روي عن الأئمة داخلا في التشريع الديني، وجزء من المنظومة الدينية، إذ لا يتوقف عند الرسول الأكرم بل يمتد لاثني عشر إماما.
عموما هذا ما أردت التعقيب عليه، وأحترم كليا ما قاله أستاذي الجليل، وكما أسلفت ليست عندي خصومة مع الشيعة فنحن وإياهم نعيش في بيت واحد، وجزء من الجنس الإنساني الكبير، وإن كنت أسأت أو أخطأت فأقدم اعتذاري لهم ولغيرهم، والمعرفة النهاية حق مشاع للجميع.
فيسبوك 1439هـ/ 2017م