نسبه وولادته:
العالم القاضيّ الفقيه سعود ابن العلّامة قاضي القضاة في عصره عامر بن خميس بن مسعود بن أحمد بن حديد بن خميس بن عبد الله بن عمر المالكيّ[1]، ولد في ولاية عزّ من ولاية القابل من الشّرقيّة وذلك في عام 1323ه[2]، ثمّ انتقل إلى بديّة فنزوى، ثمّ استقرّ في بلدة المنترب ببديّة إلى آخر حياته رحمه الله تعالى.
تعلّمه وشيوخه:
نهل القاضي سعود من أكبر مدرستين في عمان حينها: مدرسة أبيه الشّيخ عامر بن خميس المالكيّ، وتعتبر أكبر مدرسة فقهيّة في نزوى من خلال شخصه – رحمه الله – خاصّة بعد وفاة شيخه ورفيقه نور الدّين عبد الله بن حميد السّالميّ، والمدرسة الثّانية مدرسة الإمام محمّد بن عبد الله الخليليّ.
بجانب هاتين المدرستين درس في بديّة قبل ذهابه إلى نزوى على يدي الشّيخ راشد بن حمد بن جمعة الحجريّ[3]، والشّيخ راشد بن خميس الحجريّ[4]، وفي نزوى على يد العلّامة حامد بن ناصر[5].
تلامذته:
اشتغل رحمه الله بداية بالتّدريس، وظلّ كذلك إلى آخر حياته معلّما ومرشدا ومفتيا وقاضيا وموجها، ولهذا تخرّج على يديه مجموعة من الطّلبة والمشايخ خاصّة في بديّة، منهم: الزّاهد حمد بن عليّ بن محمّد الحجريّ، وعليّ بن سالم بن حميد الحجريّ، وماجد بن محمّد بن سعيد الحجريّ[6]، والشّيخ علي بن ناصر الغسينيّ، والشّيخ محمّد بن حمد الحجريّ[7]، والشّيخ سالم بن ناصر المالكيّ[8]، مرتب هذه الجوابات.
أعماله:
عيّنه الإمام الخليليّ مدرّسا في المنترب بولاية بدية، حيث قام بتدريس مختلف العلوم الدّينيّة[9]، ثمّ تولى الأوقاف في بديّة[10]، ثمّ جعله الإمام الخليليّ قاضيا على بديّة ومتعلقاتها اعتبارا من يوم 20 جمادى الأولى 1365هـ[11]، وذلك بعد وفاة القاضي راشد بن حمد الحجريّ[12]، واستمر قاضيا في عهد الإمام غالب بن عليّ الهنائيّ، والسّلطان سعيد بن تيمور، وابنه السّلطان قابوس بن سعيد[13]، حتى وفاته.
وأثناء فترة قضائه كان يطلبه الإمام الخليليّ أن يقيم تارة في نزوى حسب الكتب الّتي في أجوبته[14]، كما صدر من الجهات المختصة أن يكون واليا في بديّة لكونه القاضي بها، فاستمر مدّة من الزّمن[15]، وجددت ولايته لها بعد نقل الوالي ليكون بدله من عام 1386هـ إلى عام 1390ه[16]، كما ذهب إلى مسقط للطّلب الرّسميّ في المشاركة مع المشايخ القضاة للبت في الدّعاوى حسب الرّسالة المؤرخة في 28 جمادى الأولى 1381هـ، وكذا للغرض نفسه ذهب إلى إبراء وجعلان بني بو حسن اعتبارا من 21 جمادى الثّانية 1391هـ، وكذلك لولايتي المضيبي وإزكي، وكان تلميذه سالم بن ناصر الكاتب معه في عام 1395ه[17]ـ
رحلاته وأسفاره:
كان مقلّا في السّفر، ملازما لبلدته بديّة في عمان غالبا، إلا أنّه توجه لأداء فريضة الحج في عام 1375هـ برّا وبحرا[18].
دوره الاجتماعيّ والتّربويّ:
كان يمضي السّاعات لقضاء حوائج المسلمين، مجلسه يقصده المسترشد والمستشير، كريما بشوشا محبوبا من الجميع، وقافا في الأمور حتى يرى الحق، يردد دائما البيت:
وليس بحاكم من لم يبالي أأخطأ في القضيّة أم أصابا[19]
دوره السّياسيّ:
القاضي سعود كان على نهج أبيه من حيث الخطّ العام، فأبوه كان له الدّور الكبير في الجانب السّياسي من خلال إحياء الإمامة، وتعبئة المجتمع بذلك مع شيخه السّالميّ، وقد كان الرّجل الأول سياسيّا بعد وفاة السّالميّ، ويظهر هذا من حيث كونه أول من بايع الإمامين: سالم بن راشد الخروصيّ بالإمامة في عام 1331هـ/ 1913م، ومحمّد بن عبد الله الخليليّ بالإمامة في عام 1338هـ، وقد كلّف الإمام سالم الخروصيّ الشّيخَ المالكيّ إدارة الإمامة، وأعطي لقب قاضي القضاة، ويقوم بالنّيابة عن الإمام في العاصمة نزوى أثناء غياب الإمام عنها، بجانب كونه مسؤولا عن موارد الدّولة ونفقات الموظفين، وقام بها خير قيام[20].
إلا أنّه يختلف عن أبيه أنّه يميل إلى المهادنة والسّكون، ولعلّ الظّرفيّة من خلال القوّة تغيرت، خصوصا بعد وفاة الإمام الخليليّ، وخروج الإمام غالب، ويعلل هذا الدّكتور محسن الكنديّ لأنّه ليس بمقدور الشّيخ سعود المالكيّ التّصدي لسعيد بن تيمور وإلا كان اعتقل كغيره[21].
ويضرب الكنديّ مثالا لإخلاص القاضي سعود من خلالا علاقته بالشّيبة محمّد بن عبد الله السّالميّ، فمع توحد العلاقة واشتراكها؛ لأنّ القاضي سعود ابن العلاّمة عامر بن خميس، والشّيبة ابن العلّامة نور الدّين السّالميّ، ويعتبر الشّيبة من المطلوبين الخطرين، وقد أهدر دمه، فلمّا طلبه السّلطان سعيد رفض القاضي سعود، وقال: دعوا الشّيبة لدي، ولم يسمح لأحمد بن محمّد الموكل عليه قبض الشّيبة أن يفتش بيته بحثا عنه[22].
مؤلفاته:
كان القاضي سعود من المقلين في التّأليف، ومع هذا ترك الأجوبة النّثريّة الّتي رتبها تلميذه سالم بن ناصر المالكيّ، والّتي هي بين أيدينا الآن، والمنبع المورود في أجوبة القاضي سعود، لم نجدها، ويميل فهد السّعديّ إلى أنّها نفس الأجوبة الّتي جمعها تلميذه سالم المالكيّ[23]، وترك مجموعة من القصائد والمساجلات الشّعريّة، والأسئلة والأجوبة النّظميّة في الفقه، وحصلنا على القليل منها، وأشار أحمد عبد الوهاب أنّ له مناظيم في كتاب الدّر النّظيم، وله قصائد في كتاب شقائق النّعمان، وديوان أبي الفضل[24].
وفاته:
كفّ بصره في آخر حياته[25]، وعرجت روحه الطّاهرة بعد صلاة المغرب في ليلة الأربعاء ثالث صفر 1403هـ[26]، يوافقه ديسمبر 1982م، وأخطأ عبد الله بن سالم الحارثيّ إذ يرى توفى بعد صلاة العصر[27]؛ لأنّ رواية سالم المالكيّ مقدّمة لسببن: لكونه جدّه، وعليه يكون ملازما له في مرضه خصوصا، ولسبب كونه تلميذا وفيّا ملازما له إلى آخر حياته.
وصلّي عليه ودفن في منطقة المنترب بولاية بديّة[28]، المنطقة الّتي أحبها وعشقها، والولاية الّي ظلّ وفيّا لها إلى آخر حياته رحمه الله ورضي وعفا عنه.
رثاه الشّيخ سعيد بن عبد الله بن غابش بقوله[29]:
مصاب عظيم ساقه أمر قادر | ونعي فضيع مرجف بالخواطر | |
لفقد جليل نوّر الأرض سعيه | وبدر تحلى في سماه لناظر | |
لقد فارق الدّنيا سعود بن عامر | وسارع للأخرى فيا خير عامر | |
فطوبى لجثمان ثوى قد تضمّه | لحود الرّضا تحت الثّرى بالمقابر | |
نزحت عن الدّنيا وفارقت أهلها | حثيثا إلى دار البقا والبشائر | |
تركت بني عيسى يضجون بالأسا | تركتهم ما بين باك وحائر | |
تركتهم في وحشة لم يكن لها نظير | إلى يوم اللّقاء والمحاضر |
ورثاه تلميذه وحفيده سالم بن ناصر بقصيدة ذكر منها[30]:
فجعت بموتٍ من أرضاه جدّا | فجاوز في فؤادي الخطب حدّا | |
فيا لله من زمن رماني | بداهية تهدّ الشّيم هدّا | |
رزئت بفقد شيخ كان عيني | ومن يفقده لست أراه يهذي | |
أكفكف أدمعي فتبلّ ثوبي | وتترك جسمي المحميّ صلدا | |
فقلت الدّمع يطفي نار حزني | فما أطفى وزاد النّار وقدا | |
وكان المؤنس المفضال عندي | يسددنا بتوفيق ورشدا |
ملحق (1) ترجمة الشّيخ القاضيّ سالم بن ناصر بن مسعود المالكيّ [31]
قاض، فقيه، من ولاية بني خالد، نشأ فيها، ثمّ انتقل إلى بديّة، ولد عام 1376هـ/ 1947م، جدّه الشّيخ مسعود بن خميس أخ العلّامة الشّيخ عامر بن خميس المالكيّ.
كان ملازما للشّيخ سعود في حلّه وترحاله، وتعلّم على يدي الفقه والميراث والنّحو، وعيّن نائب قاض في بدية، حيث كان القاضي فيها الشّيخ سيف بن محمّد الفارسيّ، ثمّ نقل قاضيا إلى وادي بني خالد، ثمّ جعلان بني بو حسن، ثمّ المضيبي.
لم يترك آثارا، إلا أنّه جمّع فتاوى شيخه القاضي سعود، وهي الّتي بين أيدينا الآن، توفي عام 1416هـ/ 1995م.
ملحق (2) ترجمة الشّيخ الوالي سالم بن حمود المالكيّ[32]
أدرجنا ترجمته حفظه الله وأمدّ في عمره، ومتعنا ببقائه، لما له من دور في حفظ تراث جدّه، وتراث القاضي سعود، فهو الجنديّ الّذي يعمل في الخفاء بلا كلل ولا ملل، ولولا فضل الله ثمّ فضله لضاع الكثير من هذا التّراث.
وهو من مواليد سيح الحيل بولاية وادي بني خالد من المنطقة الشّرقيّة بتأريخ 28 صفر 1354هـ، نشأ وترعرع وسط أعمامه، ودرس القرآن على يد والده المعلّم حمود، والشّيخ حمد بن محمّد الحجريّ، ثمّ درس العلوم الفقهيّة على يد عمّه القاضي سعود بن عامر المالكيّ، صاحب الجوابات، والشّيخ علي بن ناصر الغسينيّ، والشّيخ علي بن سالم الحباسيّ الحجريّ.
وفي بداية السّبعينات عين نائب والي في وادي بني خالد، ثمّ واليا بولاية دماء والطّائيين، ثمّ بولاية نخل ووادي المعاول[33]، ثمّ ولاية جعلان بني بو حسن.
وبعد تقاعده أصبح عضوا بمجلس الشّورى لثلاث مرات متتالية ممثلا عن ولاية وادي بني خالد.
سافر إلى دولة تنزانيا في سن مبكرة لزيارة عمّه محمّد بن عامر بن خميس المالكيّ، وأكثر سفراته إلى الأراضي المقدّسة.
والشّيخ سالم – حفظه الله تعالى – قمّة في التّواضع وحسن الخلق، بيته مقصد السّائلين، وكعبة المحتاجين، له حافظة قوية، يحفظ من التّأريخ والشّعر الشّيء الكثير، يقدّر طلبة العلم، وصاحب فكاهة ونكتة، وكرم وجود، هو وابنه الشّيخ خميس بن سالم، حفظهم الله، وبارك في أعمارهم، ونفع بهم البلاد والعباد.
[1] المالكيّ: عامر بن خميس بن مسعود: فتاوى وأجوبة الشّيخ العلّامة عامر بن خميس بن مسعود المالكيّ العمانيّ، تحقيق بدر بن سالم بن حمدان العبريّ، ط مطبعة النّهضة، سلطنة عمان/ مسقط، الطّبعة الأولى، 1436هـ/ 2015م، ص: 21. من ترجمة المحقق.
[2] المالكيّ: سعود بن عامر؛ الأجوبة النّثريّة للقاضي سعود بن عامر المالكيّ، تجميع سالم بن ناصر بن مسعود المالكيّ، مخطوط، ص: 1.
[3] السّيابيّ: عبد الله بن راشد؛ معجم القضاة العمانيين، ط مكتبة خزائن الآثار، سلطنة عمان، بركاء، الطّبعة الأولى، 1438هـ/ 2017م، ص: 319.
[4] السّعدي: فهد بن علي بن هاشل، معجم الفقهاء والمتكلمين الإباضيّة، ط الجيل الواعد، سلطنة عمان/ مسقط، الطّبعة الأولى، 1428هـ/ 2007م، ج2 ، ص 53.
[5] الحارثيّ: عبد الله بن سالم بن حمد؛ أضواء على بعض أعلام عمان قديما وحديثا، ط المطابع العالميّة، سلطنة عمان/ مسقط، ط 1994م، ص: 124.
[6] السّعدي: فهد بن علي بن هاشل، معجم الفقهاء والمتكلمين الإباضيّة، مصدر سابق، ج2 ، ص 53.
[7] الحارثيّ: عبد الله بن سالم بن حمد؛ أضواء على بعض أعلام عمان قديما وحديثا، مصدر سابق، ص: 124.
[8] السّيابيّ: عبد الله بن راشد؛ معجم القضاة العمانيين، مصدر سابق، ص: 302.
[9] المصدر نفسه، ص: 124.
[10] السّعدي: فهد بن علي بن هاشل، معجم الفقهاء والمتكلمين الإباضيّة، مصدر سابق، ج2 ، ص 53.
[11] المالكيّ: سعود بن عامر؛ الأجوبة النّثريّة للقاضي سعود بن عامر المالكيّ، مصدر سابق، مخطوط، ص: 1. من ترجمة المرتب.
[12] السّيابيّ: عبد الله بن راشد؛ معجم القضاة العمانيين، مصدر سابق، ص: 319.
[13] المصدر نفسه، ص: 319.
[14] المالكيّ: سعود بن عامر؛ الأجوبة النّثريّة للقاضي سعود بن عامر المالكيّ، مصدر سابق، مخطوط، ص: 1. من ترجمة المرتب.
[15] المصدر نفسه، ص: 1.
[16] المصدر نفسه، ص: 1.
[17] المصدر نفسه، ص: 1.
[18] المصدر نفسه، ص: 1.
[19] المصدر نفسه، ص: 2.
[20] المالكيّ: عامر بن خميس بن مسعود: فتاوى وأجوبة الشّيخ العلّامة عامر بن خميس بن مسعود المالكيّ العمانيّ، مصدر سابق، ص: 27. من ترجمة المحقق.
[21] الكنديّ: محسن بن حمود؛ الشّيبة أبو بشير: محمّد بن عبد الله السّالميّ، ط رياض الرّيس للكتب والنّشر، لبنان/ بيروت، ط 2011، ج:1، ص: 251.
[22] المصدر نفسه، ج: 1، ص: 251.
[23] السّعدي: فهد بن علي بن هاشل، معجم الفقهاء والمتكلمين الإباضيّة، مصدر سابق، ج2 ، ص 54.
[24] عبد الوهاب: أحمد؛ أعلام عمان، ط مركز الرّاية للنّشر والإعلام، مصر/ القاهرة، الطّبعة الأولى، 1435هـ/ 2014م، ج: 2، ص: 32.
[25] المالكيّ: سعود بن عامر؛ الأجوبة النّثريّة للقاضي سعود بن عامر المالكيّ، مصدر سابق، مخطوط، ص: 1. من ترجمة المرتب.
[26] المصدر نفسه، ص: 2.
[27] الحارثيّ: عبد الله بن سالم بن حمد؛ أضواء على بعض أعلام عمان قديما وحديثا، مصدر سابق، ص: 124.
[28] المالكيّ: سعود بن عامر؛ الأجوبة النّثريّة للقاضي سعود بن عامر المالكيّ، مصدر سابق، مخطوط، ص: 2. من ترجمة المرتب.
[29] الحارثيّ: عبد الله بن سالم بن حمد؛ أضواء على بعض أعلام عمان قديما وحديثا، مصدر سابق، ص: 125.
[30] المالكيّ: سعود بن عامر؛ الأجوبة النّثريّة للقاضي سعود بن عامر المالكيّ، مصدر سابق، مخطوط، ص: 3.
[31] السّيابيّ: عبد الله بن راشد؛ معجم القضاة العمانيين، مصدر سابق، ص: 302.
[32] مصدر التّرجمة: لقاء مع حفيد الشّيخ سالم بن حمود من ابنته الأستاذ خالد المالكيّ، عن طريق برنامج الواتس أب، يوم الاثنين: 6 جمادى الآخرة 1440هـ يوافقه 11 فبراير 2019م.
[33] كانتا ولاية واحدة حينها.