من المتفق عليه عقلا وتشريعا أنّ الإسراف معصية للرّب قبل أن يكون مخالفة مجتمعيّة، وثقافة استهلاكيّة سيئة، وذلك انطلاقا من قوله سبحانه وتعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
ومن القواعد المقررة فقها أنّ المعصية لا تجتمع مع الطّاعة في وقت واحد، ولا تشغل الذّمة بنقيضين، ولو نزلنا وشاهدنا الحال اليوم في المواضيء نجدها للأسف تجمع النّقيضين: المعصية والطّاعة، والمتوضئ يظنّ أنّه بهذا يُحسن صنعا.
قديما قال العلامة أبو عبيدة الكبير ت 150هـ: أتوقت في غسل الوضوء ثلاثا ثلاثا، قال أبو عبيدة: لا أوقت في ذلك وقتا لأنّه لم يأتنا أمر يُنتهى إليه دون حسن الغسل والتنقيّة، إن كان ثلاثا فثلاثا سابغات، وإن كان اثنتين فاثنتين إذا كانتا سابغتين، أو واحدة فواحدة إذا كانت سابغة، كلّ ذلك يجزيه، ولا يجزيه ثلاثا أو أكثر من ذلك إذا لم يسبغ الوضوء وينقي، وليس في الإقلال والإكثار في ذلك عندنا وقت.
ومن المعاصرين من قال إنّ المقصود بالتّثليث في الغسل إي إمرار اليد في العضو ثلاثا، وليس المراد غسل العضو كاملا مكررا ثلاث مرات فهذا إسراف!!!
واليوم نلاحظ يجلس الواحد فاتحا الصّنبور بقوة ويتوضأ بوضوء يكفي لصلاة جماعة من النّاس؛ بل لإرواء أمّة من العطشى والّذين لا يجدون الماء إلا بصعوبة في أجزاء من العالم.
إنّ الماء ثروة، وأصبحت المساجد اليوم تستهلك هذه الطاقة في تطبيق خاطئ للعبادة من حيث الإسراف الواضح في فتح الصّنابير، وعدم استثمار هذا الماء المستهلك ولو في تشجير المسجد ومنطقة المسجد، ولأنّ مساجدنا أساسا تخلو من ثقافة الحدائق والملاعب المرافقة له!!
ونلاحظ أيضا الآن استخدام الصّنابير الّتي تدفع الماء بقوة، وصحيح أنّها بنفسها تتوقف عن الدّفع، إلا أنّ الماء المستهلك فيها بسبب سوء التّصرف، والمكوث طويلا للوضوء ليس قليلا.
فنحن بحاجة إلى جعل المسجد مدرسة للحفاظ على هذه الثّروة، وغيرها من الثّروات كالوقت والمحبة والمعرفة والتّربيّة الّتي يمكن أن يستثمر بها المسجد، لا أن يكون عالة بمثل هذه التّصرفات السّلبيّة.
كذلك نحن بحاجة إلى آلية لاستثمار هذا الماء المهدر يوميا وبفترة لا تقل عن خمس مرات يوميا في تشجير المساجد والمنطقة المجاورة له والحدائق، ولو أن يقوم بهذا الفرق المتطوعة والفرق الثّقافيّة والرياضيّة والمؤسسات المدنيّة الأهليّة بعقولهم الراجحة!!!
فيسبوك 1437هـ/ 2017م