يستعد حجاج بيت الله الحرام لحزم أمتعتهم لأداء النسك الواجب عليهم، ومع أننا في القرن الحادي والعشرين؛ إلا أنّ الحال التنظيمي التقليدي في عرصات منى وعرفة خصوصا يرجعك إلى بدايات القرن العشرين أو نهايات القرن التاسع عشر، مع بعض التنظيم في الجمرات مثلا.
فلا أحد ينكر ما تقوم به المملكة العربية السّعودية من جهود في تنظيم الحج؛ إلا أنّ هذه الجهود لا زالت تقليدية في الصورة العامة، وخاصة في الطرق والخدمات والمرافق، مع الأحادية، وعدم مشاركة مؤسسات العمل المدني بصورة واضحة.
وهذا الخلل بطبيعة الحال سينطبق على بعثات الحج بطريقة مباشرة، وعليه قد نعذر هذه البعثات من جوانب خارجة عن إرادتها، ومع ذلك نجد أحيانا الخلل فيها أيضا.
وبما أنني أتحدث عن بعثة الحج العمانية، فهنا أتحدث عن تجربة عايشتها من خلال مشاركتي فيها مرتين، ومن خلال ذهابي للحج في غيرها تسعة حجج، وقد كتبت العام الماضي مذكرة كاملة لمن أرادها في صفحتي نشرت عقب العام الماضي.
وعليه من خلال تجربتي السابقة أدرك أنّ الإشكالية في بعثة الحج العمانية أنها تفتقد للعمل المؤسسي ذات الرؤية الواضحة.
فاللجنة كانت تشكل قبل فترة بسيطة وغالبا في شوال، وهذا العام كان في رمضان السالف، إلا أنّ هذا التشكيل لا يكفي لإعداد البرنامج الكامل للبعثة!!
ومع وجود دائرة للحج؛ إلا أنّ هذه الدائرة شبه يتيمة، مع الصراع الحادث في المشاركة في بعثة الحج، وذلك لسببين أولاهما أنّ مجموعة ترى أنّ هذه البعثة شبه إرث رسمي لهم، ولذا تجد هيمنتهم في البعثة، وبالتالي نجد تكرار نفس الوجوه، ودخول فئات أخرى جديدة بشكل بسيط جدا، وحسب ما يختاره البعض لا حسب الكفاءة والتقويم الفاعل بغض النظر عن الشخص ومنهجه وفكره.
والسبب الثاني وجود فئات شبابية تريد التغيير، إلا أنها ستعيش في مواجهة لطرف أقوى منها قربا من الأعلى، وتقديما عندهم.
وبالتالي كلّ هذا سيؤثر في تطور حركة البعثة، بل التجديد سيكون بطيئا جدا….
والعلاج هذا في نظري بداية لابد من وجود هيئة مستقلة، ذات تقنين مستقل، وذات رؤية واضحة أيضا، مبنية على العدل والكفاءة لا على الأشخاص والفكر والقبيلة، لأنّ عمل البعثة اليوم لا يقتصر عند الحج فقط بل هو عمل طيلة العام يحتاج إلى جوانب عديدة لتفعيله أدارة وقانونا وتثقيفا وصحة، وهذا لا يمكن أن يقوم به دائرة بسيطة، أو لجنة يتم اختيارها قبل شهر أو شهرين!!!
ففي جانب الوعظ مثلا لا يمكن لعشرة أفراد أن يعظوا ويفقهوا أربعة عشر ألفا على الأقل، وعليه الأصل أن توجد مراكز وليست محاضرات في المساجد، بل مراكز تدريب للحج أو العمرة، لا يقتصر عند الجانب الفقهي بل الجانب النظامي والمقاصدي والصحي، لأنّ الحاج والمعتمر سفير بلده، فلابد من إعداده، وهذا لا يمكن بدون هيئة، ومع جهود الحملات إلا أنها لا زالت تقتصر في جوانب محدودة!!
كما أنّه عن طريق الهيئة التي تعمل طول العام تستطيع استغلال الوسائل المعاصرة سمعا وبصرا وقراءة، واستغلال وسائل التواصل والواتس في تفعيل هذا الجانب.
كما أنها تستطيع أن تراجع أوراقها، وتنظر إلى سلبياتها، وتكون تحت المسائلة والمحاسبة، والنقد والتطوير، فبعد خمس سنوات لاحقة لن تكون كاليوم، وهكذا بعد عشر أخرى، بدلا من هذه العشوائية التي نراها اليوم القائمة على الأشخاص لا على العمل المؤسسي المنظم.
إنّ هذه الأموال التي تنفق على البعثة، الأولى أن يتم استثمارها في عمل مؤسسي دائم، بدلا من تبذير بعضها فيما لا يجدي، ويذهب بعدها.
الهيئة كما أنها تستطيع تنظيم الحج والعمرة إداريا وقانونا ومحاسبة؛ أيضا ستستطيع أن تفعل نفسها في جميع الجوانب، وتكون قريبة من الحاج والمعتمر العماني، وحافظة له، ومفتوحة طول العام، تحفظه من الحملات السيئة، وتحفظ حقه وماله من المغالاة المبالغ فيها خاصة في البطاقات والنقل، وتحميه صحيا في تغذيته، ويكون لها مكتبها الدائم على الأقل في مكة والمدينة، حيث ترعاه بعينها وقانونها.
فهل سنرى علاجا جذريا، وتطويرا فاعلا في البعثة الدائمة، أم ستكون اجتهادات سنوية سيعاني بعدها عشرات الحجاج كالعادة من سوء التنظيم، وسوءة المرافق، وظلم بعض المقاولين، والعبثية في التنظيم، والضعف التثقيفي والصحي.
كما أنه يجب فتح المجال للجمعيات الشبابية، ومؤسسات العمل المدني والشركات للمشاركة ولو في الحج وفق العمل التطوعي، ليكون لهم بصمة، ويشجعوا على ذلك، لأنّ الحج ميدان فسيح للجميع، وفرصة للتثقيف في كافة الجوانب.
وعليه لابد من سبيل لإصلاح بعثة الحج العمانية، مع شكرنا لجهودها، ولا ينكر إخلاص من يشارك فيها، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، ولكننا اليوم تجاوزنا مراحل اللجان إلى مراحل الهيئات المقننة والفاعلة، فيكفي تبذيرا للجهود والطاقات، وتبذيرا للمال، ولابد من التقنين والعدالة والرقابة والمحاسبة، وهذا لا يكون إلا وفق عمل مؤسسي لا اجتهادات آنية!!!!
فيسبوك 1436هـ/ 2015م