انتشر قبل أيام في وسائل التّواصل المعادلة الرّياضيّة المبينة للفرق بين المصارف (البنوك) التّقليديّة و(الإسلاميّة)، حيث أنّ ربح الأولى أقل بكثير من ربح الثّانية، وقد عبر عنه أحدهم بالذّبح، فكلاهما ذبح إلا أنّ المسمى سيختلف، فالأولى باسم الفائدة، والثّانية باسم الإسلام والمرابحة، والضّحيّة هو المواطن البسيط!!!
بينما اطلعتُ اليوم ردا على كاتب المعادلة مستنكرا ما كتب، إلا أنّه من الملفت أنّه قاس ما تأخذه البنوك الإسلاميّة من فائدة كبيرة حسب الظاهر بالزّواج الشّرعيّ، وما تأخذه البنوك التّقليديّة بنكاح العاهرة!!!
وهذا في الحقيقة – مع احترامي للكاتبين ولكاتب الرّد خصوصا لأنّي أتحدث عن رده – إلا أنّ تشبيه الحالتين بالزّواج هو استغفال للقارئ الكريم، وفي الوقت نفسه قياس مع الفارق إذا كانت القضية قضية جهد.
وإذا كانت الحالة كذلك فلو حسبت من جهة أخرى أنّ الزواج أسهل من الزّنا؛ لأنّ المتعة في الزّواج دائمة خلاف الثّاني، ممّا سيكلفه نفقات وجهد أكبر، ثمّ في بعض الدّول الزّواج أسهل بكثير ولا يكلف شيئا!!!
والقضيّة في الحقيقة ليست قضية معاملة؛ لأنّ الشريعة في جملتها جاءت بنظم وقيم كبرى وتركت للصّيرورة البشرية آلية الإنزال، والمعاملات في جملتها مرتبطة بإنزال البشر، ولهذا كما أسلفت في مقال سابق الأصل تنحية الإسلام بعيدا أن ننسب إليه معاملاتنا واجتهادنا ولباسنا وعاداتنا وتقاليدنا، حتى لا ننسب إلى الله تعالى ما لم يشرعه، فنفتري عليه الكذب باسم الدّين.
والبنوك في جملتها اجتهاد بشريّ تُقاس بالقيم الكبرى والنّظم والمبادئ الّتي نادت بها شرائع السّماء، وقعدتها عقول البشر، فهي ليست شرا محضا، ولا خيرا مطلقا.
ثمّ الشرائع لم تحرم فقط الرّبا؛ بل حرّمت الظّلم والاستغلال والتّحايل وهذه لو أنزلناها لوجدناها ظاهرة بقوة في البنوك (الإسلاميّة) أكثر منها التّقليديّة.
وإلا فلا معنى لاستغلال حاجة الإنسان في المال والمسكن والسّيارة، ليضاعف له الرّبح أضعافا مضاعفة، والله تعالى بين علة تحريم الرّبا لرفع الظلم: لا تظلمون ولا تُظلمون، فكيف يحلّ الظّلم بطرق أخرى!!!
والبيع ليس جائزا مطلقا، فإذا ظهر فيه استغلال لحاجة الإنسان وغش وغبن وظلم ربط به، كان الجهد أكبر أم أقل….
ثمّ من حق الإنسان أن يسأل وينقد لأنّه حق مجتمعي، فالبنوك ليست منزلة من السماء، وقد نزلت الشّرائع وليس هناك شيء اسمه بنك أصلا، وإنّما جاءت كما أسلفت بالقيم الكبرى، والمبادئ الرّافعة للظّلم والاستغلال.
ثمّ عجبتُ أيضا من فيديو أيضا منتشر فيه الحكم بوجوب الانتقال من البنوك التّقليديّة إلى البنوك (الإسلاميّة) وكأنّ البنوك التّقليديّة شرا محضا، ثمّ كأنّ المصب مختلفا، مع أنّ جميع البنوك تصب في مصب واحد، ومرهونة بنظام عالمي واحد، والصّكوك واحدة، والاختلاف في بعض بنود العقود وألفاظها لبعض وبعض المعاملات في الجملة!!
فليس من ينقد البنوك (الإسلاميّة) مرجفا في الأرض، فقد انتقدها علماء كبار، وليس كلّ من تساهل مع البنوك التّقليدية منافقا ومفسدا في الأرض فقد تساهل معها فقهاء وعلماء ليسوا أقل مكانة واعتبارا، كما أنّه ليس من أيدها سطحيا ورجعيا ومتحايلا!!
المسألة نسبية جدا، وقد يأتي زمان ويتساهل من شدد اليوم أو العكس؛ لأنّ الأفهام تتطور وتتغير في آرائها، وهذه طبيعة البشر، وقد كان بالأمس الجلوس في ظلّ البنك حراما، واليوم مَن أصبح مستشارا في هيئته ويمارس عمله بلا حرج مع حقه المالي في ذلك!!
الخلاصة البنوك التّقليديّة أو (الإسلاميّة) كلاهما اجتهاد بشريّ، وفق منطلقات قد تختلف إلا أنّ القيم الكبرى في الميزان واحدة، من هنا ستختلف التّفسيرات في الإنزال والنّظر والحكم، فليست التّقليديّة كفرا بواحا، وليست الإسلامية وحيا يوحى، فهذه الدّائرة البشريّة الواسعة دائرة كافية لفهم الآخر ونقده والتّدافع معه، فليس عندنا هنا امرأة شريفة وأخرى عاهرة الرّابط بينهما الزّواج؛ بل عندنا إنسانة هديت النجدين كسائر البشر تماما!!
فيسبوك 1438هـ/ 2017م