قد يتصور القارئ الكريم أنّ تردد هذه المصطلحات اليوم ضدّ من خالف [الإلحاد وهدم الكتاب عن طريق هدم السّنة ونحوها] هو نتيجة لمخطط غربي صهيوني ولد إبان المخابرات الاستشراقيّة لتأسيس جماعة تحمل فكرا هدّاما هدفه إسقاط المسلّمات عند المسلمين، فهو لا يتعدى القرن وبعض القرن!!!
بينما في الحقيقة من يقرأ الموروث عند أهل الحديث سيجد هذه التّهم والّتي وجهت اتجاه مدرسة الرأي وعلى رأسها أبو حنيفة النعمان ت 150هـ، حيث خلص الأمر إلى تكفيره وإخراجه من الملة كما في كتاب السّنة لعبد الله بن الإمام أحمد!!!
ومن ثم اتسع الخرق ضد المبتدعة (الخوارج [الإباضيّة] والمعتزلة والجهمّية والشيعة الزيدية ومن سار في طريقهم)، فهذه الفرق تحمل صفات الإلحاد وإنكار السّنة والمؤامرة على الدّين ونقضه ونقض الكتاب.
وهذا كان قبل أن تولد الصّهيونية ومن دعمهم بداية من بريطانيا فأمريكا!!!
وهنا لن أورد نصوصا من كتب أهل الحديث الأولى ككتب البربهاري وعبد الله بن أحمد بن حنبل والبيهقي ونحوهم، بل سأورد فقط نصا من كتاب أبي بكر محمد بن فورك ت 406هـ، والّذي كتب كتابه بيان مشكل الأحاديث للجمع بين مدرستي أهل الحديث والأشاعرة، حيث حاول أن يؤصل بقبول جميع الأحاديث المتواترة والمشهورة والآحاد في الاعتقاد، على اعتبار أنّ المتواتر يلزم عقيدة والمستفيض يفيد غالب الظّن، والآحاد يؤول، كروايات نزول الله ويمينه وأنّ الرّيح من نفس الرحمان، فضلا عن روايات الرؤية والشّفاعة والخروج من النار فهي – في نظره – متواترة.
ومع قبوله لهذه الرّوايات، والاعتماد على صحة السّند، ولا يرد شيء إذا صح السّند إن كان آحادا أو مستفيضا عند بعض بل يؤول، ومع هذا كما يقول ابن عساكر أنّه سجن في النهاية لتكالب أهل الحديث عليه، ومات مسموما في سجن شيراز!!!
الحاصل يطلق ابن فورك على المبتدعة (الخوارج [الإباضية] والمعتزلة والجهمية والشيعة الزيدية ومن سار في طريقهم) الّذين يردون هذه الرّوايات وغيرها ثلاث صفات:
الأولى: قوله ص 51 من الكتاب: [وهذه المقدّمة تكشف لك عن جهالة المبتدعة في اعتراضهم أهل النّقل من أصحابنا في نقل مثل هذه الأخبار، وتوضح لك أنّ قوة هذه المقالة تجرّ القائل به، والقائد له إلى إبطال الكتاب بمثل ما بطل به السّنة …].
أي أنّ هدف هؤلاء المبتدعة ليس إنكار السّنة = الرّواية، بل إنكار الكتاب، وهي التّهمة ذاتها الّتي تردد اليوم، وكأنّها ولدت اليوم، وهي ذاتها التي قررها أهل الحديث ضد خصومهم من الخوارج والمعتزلة والشيعة!!!
الثّاني: قوله ص 51: [فلم يبق إلا أّن هؤلاء المبتدعة إنّما تقصد بهذا التّهجين الكشف عمّا تسره من العقائد الرّديئة في هذه الطّائفة الطّاهرة الّتي هي بالحق ظاهرة سبيل اعتراض الملحدة على جملة أهل الشّريعة – أي أهل الحديث-].
النتيجة: المبتدعة [الخوارج والمعتزلة والشيعة] والملاحدة سواء ضد الشّريعة، أو كما يعبر اليوم في خندق واحد، وهي ذات التّهمة قبل ألف سنة تعود اليوم مرة أخرى في لباس جديد!!!
الثّالث: قوله ص 51 – 52: [فتأبى – أي المبتدعة – إلا التّهجين والعيب لسوء إضمار وعقدها لأهل الإسلام – أي أهل الحديث -].
النتيجة: هي ذات التّهمة اليوم أنّ وراء هؤلاء منظمات خارجية هدفهم نقض الإسلام عروة عروة.
لا أريد بهذا الهجوم على مدرسة أهل الحديث ولا غيرها، ولكن الحقية أنّهم مارسوا الإقصاء الفكري بقوة لمن خالفهم حتى اليوم، وللأسف مصطلحاتهم في الإقصاء تتكرر ذاتها اليوم، ومن قبل من مورس معهم الإقصاء في السّابق، تورد كتهم دون أدلة علمية، ونقد علمي واضح ومنطقي، إلا إثارة مثل هذه التهم في ثوب جديد …
وليس الهدف من هذا الانتصار لأحد بقدر الهدف منه مراجعة الذّات من الجميع، والبعد عن إلصاق التّهم، لأنّه يضر ولا ينفع، ويزيد الخرق ولا يصلح، والإصلاح هو في الجمع ونقد الذّات واحترام المخالف مهما كان، وعدم ادعاء الحق المطلق في قضايا رأي واسعة.
فيسبوك 1435هـ/ 2015م