تقدمة:
شاركت بتأريخ 4-5 /9/ 2015م في مؤتمر “الدّين والشّرعية والعنف” تنظيم مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، بالشّراكة مع مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، والذي كان في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية.
ويأتي المؤتمر في مرحلة هامة في تاريخ الوطن العربي، والذي يتزامن مع نمو جماعات متطرفة تأخذ باسم الأديان السماوية لباسا لها، وباسم الجهاد والحفاظ على المقدس طريقا لها، وتجعل من إرهابها هذا غاية الجنان والحور العين.
مزايا المؤتمر
والمؤتمر تميز جملة بعدة جوانب منها:
الأول: جانب التنظيم المتقن، قبل الانطلاق وحتى الرجوع، فكان متميزا في الإتقان والدقة أثناء عرض الأوراق، مع حسن الاستقبال، وبشاشة الوجه، وسماحة النفس، إلا أنّه يؤخذ عليه التكثيف في الأوراق لمدة يومين فقط!
الثاني: التنوع في الوجوه المشاركة من حيث بداية المنطلقات الفكرية، فهناك العلماني الذي يقابله المتدين، واللبرالي الذي يقابله الرديكالي، مع التنوع كذلك في التوجه الديني والمذهبي في الجماعات الإسلامية والمسيحية، بجانب مشاركة المرأة وحضورها.
وهذا التنوع أعطى قوة في المؤتمر، وفتح أفقا أكبر في النقاش، خاصة في قضية حساسة يشترك حولها الجميع، ويتعلق بها الكل، ولطبيعة التنوع أنه يحيي ويُعالج، خلاف الأحادية، خاصة إذا خالطها التعصب والأنا وتزكية الذات.
الثالث: فتح المجال للشباب في المشاركة، وإقامة ورشات لهم، واختلاط الرموز والقامات الفكرية بالشباب، كل هذا تربية مهمة، وعلاج جذري لمثل هذه القضايا.
الرابع: وجود معرض مصاحب لنتاج المؤسسة أمر مهم للاطلاع على النتاج، وكم تمنيت – بمعنى الرجاء – لو كان العرض أيضا صاحبه عرض للبيع، لما لبعض الكتب من أهمية قد لا نجدها في معارض الخليج.
الخامس: تكريم الرموز وفتح المجال للشباب للمشاركة في الأبحاث والاستكتاب الحر، كل هذا يعطي المؤسسة قوة بعيدة عن الذاتية والمحسوبية والأنا، ويفتح المجال للشباب في الشراك والإبداع.
ملحوظات حول المؤتمر
ومع هذا هناك عدة ملحوظات أشرت إلى بعضها ومنها:
- عدم وجود مشاركة خليجية بقوة، وكذا عراقية، مع أهمية هذا الأمر، ولكثرة الخطاب السلفي التقليدي في هذه المناطق.
- تباعد بعض العناوين وتشعبها، مما يؤثر في النتائج وهدف الطرح، بجانب التكرار والتداخل.
- عدم طبع الأبحاث في كتاب وتسليمها للمشاركين، أو على الأقل في الموقع.
رجاء:
وعليه نرجو التالي:
- أن يكون للمؤسسة فروعها في الخليج، وحضورها الثقافي، لثقلها وأهميتها في الجانب التنويري.
- أن يكون لها مشاركتها في معرض مسقط ومعرض الخليج، للاستفادة من إنتاجها.
قراءة في ورقات البحث:
العنف والذي سماه القرآن الغلو، ويسمه بعض المعاصرين بالتطرف يعتبر مرحلة مهمة، ولذا كان الحديث من جهتين الشرعية والدين.
وذلك لأنّ الكثير من العنف والتطرف هو في الحقيقة باسم الدين من ثلاثة طرق:
الأول: التفسير الخاطئ للنصوص مباشرة، والتعامل معها تعاملا سلبيا، لفقدان دائرة النقد في داخل هذه الدائرة، واعتبار ما يقوله أحبار الدين من تفسير هو النص المقدس نفسه، بل أحيانا نقده أشد من نقد النص، ويشتد أزمة إذا كان تحت توقيع السياسة وهيمنتها.
الثاني: الإرث التاريخي للنصوص، والفهم السابق أي الإضافة سواء إلى الصحابة أو من بعدهم، وحتى عند المذاهب النصرانية في الإضافة إلى القديسين واللاهوتيين، مما تحول هذا التفسير ذاته إلى مقدس فوق المقدس الأصلي.
الثالث: اختراع نصوص جديد باسم الغيب أضيف إليها هالة قدسية باسم الوحي الخفي أو البيان أو السر المودع في المعصوم، مما ازداد النص وتضخم بصورة كبيرة جدا، وأصح نقده صعبا مجتمعيا ودينيا وسياسيا.
جميع هذا ولّد جهات متطرفة بجانب التطرف العلماني أيضا في الفلسفات المعاصرة والتعصب لها، وعدم نقدها إلا أنّ الأول أشد لأنه ينطلق باسم الغيب المقدس.
عموما حاول المؤتمر الربط بين الشرعية والدين وعلاقتها بالعنف، ودراسة ذلك فلسفيا وتاريخيا ومجتمعيا، ومن كافة الجهات في جو يفتح للجميع حرية النقد وحرية الكلمة.
وعسى أن يكون للمؤتمر وتوصياته حلوله العملية لتطلق الأمة من الماضي إلى الحاضر، ومن العنف إلى البناء، ومن الذات إلى الشراكة.
جريدة الرؤية العمانية 1436هـ/ 2015م