المقالات النقدية

قراءة في لقاء الجمعة اليوم مع سماحة الشيخ الخليلي مفتي السلطنة في قناة الرسالة

شخصيا من المتابعين منذ فترة خاصة في شهر رمضان للمذيع السعودي الشهير عبدالله المديفر، حتى تم توفيقه تقريبا بعد لقائه مع المفكر عدنان إبراهيم في رمضان الماضي، فهو يستفز الضيف بأسئلة بعيدة عن أصل الموضوع، وتضعه في حرج شديد، هذه عادته، ويختم البرنامج بعبارة يراها مثيرة كما فعل اليوم مع سماحة الشيخ في قضية المناضرة مثلا.

أردتُ أن أقدم الكلام بهذا لأبين للسادة القراء – في نظري – أنّ هذا هو أسلوب البرنامج والمذيع مع جميع الضيوف، فهو يتبع عنصر الإثارة خصوصا في الجزء الثاني من خلال عرض بعض الأحداث المهمة وفق صور مثيرة، أو يختار كما في الجزء الثالث ما يثير من أسئلة المتابعين.

وفي نظري أيضا هذا يعود إلى القنوات المادية كالرسالة وروتانا والخليجية ونحوها فهي تستخدم عنصر الإثارة سواء في برامج الدعاة أو الفنانين أو المطربين ونحوهم، وهي بخلاف القنوات الأخرى العميقة في برامجها كالكوثر والحوار والجزيرة، فالأولى أقرب إلى السندويشات السريعة التي تثير الناس في قضايا أحيانا مهمة في أبعادها ووقفاتها.

أصلُ البرنامج كان عن الوحدة وبالذات بين المدارس (المذاهب) الإسلامية، وهذا مبحث ليس بالهين خاصة طرحة في الوقت الراهن في ظلّ صراع بين طرفين كبيرين من الأمة السنة والشيعة كإسقاط سياسي لإثارة الجانب الديني من خلال خطورة إيران الشيعية وتهديدها النووي للمنطقة كما يُشاع، كذا التفوق السياسي الشيعي في العراق على السنة وما يليه، ومن أحداث في سوريا ضد حكومة النصيريين الشيعة (كما يصور)، ودعم حزب الله الشيعي للنظام السوري النصيري، وعليه طرح قضية الوحدة بالمفهوم التقريبي يعتبر مرفوضا في الفكر السلفي، لأنّه لا زال يعيش صراع التاريخ، وهذا ما جرّ المذيع أن يثير قضايا تاريخية ومذهبية ليهدم عنصر الوحدة المرام من الحلقة أساسا.

من هنا يظهر ذكاء الشيخ ورغبته في الوحدة الحقة وهو الانطلاق من المشترك بين الجميع وهو القرآن الكريم، وسنجد الشيخ يركز على:

– الإسلام مبدأ ومنهج يسع الجميع، وهو لا يقتصر عند النبي محمد عليه السلام بل يعمّ أنبياء الله تعالى جميعا، وأورد العديد من الآيات، والشيخ – فيما يبدو لي – يرمي من هذا أنّ الإسلام يسع جميع المدارس الإسلامية، الإباضية والزيدية والسنة والإمامية، فجميع الأمة مسلمون، وعليه قال في الجزء الثالث أنا مسلم بدرجة أولى وإباضية بدرجة ثانية، فهو انطلق من الإسلام الجامع بأركانه، ليزيل شبهة الانطلاق من المذهب أو الذات والتي حاول أن يثيرها المقدم من خلال السؤال هل الإباضية أقرب إلى الشيعة أو السنة، والأصل جميع المذاهب تقاس بقربها من الوحي القرآني، والذي يشكل مدرسة الجميع تحت مظلة الإسلام، وهي مذاهب متداخلة لها مؤثراتها الزمانية والمكانية، لا تختصر في القرب مني، أو البعد عني.

التوحيد لله وحده، وهنا لا يتجانس مع المسلمين كدائرة توحيدية فحسب؛ بل حتى مع الكون المنتظم في أجزائه وأفلاكه، والمسبح لله وحده، وفي هذا نكتة لطيفة أنّ التوحيد بين المسلمين وسجودهم لله يسع الجميع أن يكونوا أمة واحدة، لذا استشهد لاحقا ببيت الإمام السالمي ت 1332هـ/ 1914م الشهير:

فمن أتى بالجملتين قلنا    إخواننا وبالحقوق قمنا

والجملتان هما الشهاتان لله بالوحدانية وللنبي محمد بالرسالة، وهذا يبطل نظرية احتكار التوحيد، أو التوحيد المذهبي، فالسلفي ينطلق من التوحيد المذهبي ليعتبر الشيعي مشركا يباح دمه لأنه يتوسل بالقبور، وكذا الشيعي الأخباري الذي يكفر المسلمين لأنه لا يؤمن بالركن الثالث وهي الإمامة مثلا، ليخرج هذه الأمة إلى التوحيد القرآني الذي يسع الجميع، ويظمهم إلى دائرة التوحيد الكوني لله سبحانه وتعالى.

  • الأخوة الإيمانية [إنما المؤمنون إخوة] دائرة تسع الجميع أيضا، فالمؤمنون من أي مدرسة إسلامية جميعا إخوة، والصلح بينهم قائم على هذا المبدأ.

من هنا يتضح أنّ الشيخ ركز على (الإسلام والتوحيد والأخوة) كعناصر ثلاث للوحدة الإسلامية، وهذه العناصر الثلاث مشتركة بين الجميع، وأشار إليها القرآن الكريم.

بطبيعة الحال سيظهر لنا من خلال هذا خطابان: خطاب قرآني أو منطلق قرآني إن صح التعبير، وخطاب مذهبي أو انطلاقة مذهبية إن صح التعبير أيضا، وما أورده سماحته من آيات ليست وليد الخاطرة، بل هي الآيات التي يقرأها الإباضي والزيدي والسني والجعفري، ولكن هذه الآيات غائبة بسبب الانطلاقة المذهبية البغيضة، وجعلها حكما لا محكوما، بأقوال البشر، وتاريخية المذهب.

لذا سنجد المقدم يَعتبرُ هذا تنظيرا، ويريد أن يخرج بالشيخ من هذا التنظير، والحق هذه انطلاقة وحكم، وما عداه تطبيق بشري محكوم به، فلابد بداية من الانطلاقة القرآنية لوضع الكلام في مكانه الصحيح، وليسهل غربلة التطبيق بما يوافق الوحي القرآني.

وعليه سنرى المقدم يأتي بنماذج بشرية خلافية بعد ذلك، لأنّ المنطلق في الحقيقة عند العديد من المدارس الإسلامية المنطلق التاريخي المذهبي، ولو وقفوا مع كليات القرآن والقدر المشترك لكفاهم، وهذا ما عبر عنه الشيخ بالتفاؤل عند النظر إلى الإسلام، والتشاؤم عند النظر إلى المسلمين، ومن أهم هذه المنطلقات المذهبية المعيقة للوحدة الإسلامية من القضايا التاريخية والمذهبية والتي منها:

– خلق القرآن.

– الإباضية واشتراكهم مع النجدات والأزارقة والصفرية.

– تكفير الموحد.

– الرؤية.

– الخروج من النار.

– مصادر الرواية.

– قضية الصحابة.

ورأينا الشيخ يحاول قدر الإمكان جذب المقدم والمشاهد إلى الأصل الذي انطلق منه وهو القرآن، ففي الخلق انطلق من آيات النزول والحدث، وفي التكفير بالنعم انطلق من آية سليمان في شكر وكفر النعمة، وفي الخروج ذكر آية الفرقان بعد ذكر الكبائر الثلاث المشهورة، وآية العصيان والخلود في سورة الجن.

أما الرؤية فلم يتح له إلا الإجابة السريعة، وقضية الخوارج بين الخلاف الفكري بينهم والإباضية خصوصا في تشريك الموحد من القرن الأول، ومصادر الرواية عند الإباضية لا حرج في الأخذ من مصادر السنة بشرط أن لا تعارض القرآن، وذكر مثلا من صحيح مسلم في قضية قتل المجبوب المتهم بالزنا.

بطبيعة الحال هذه القضايا الخلافية التاريخية لا تعوق الوحدة لو أرجعناها إلى القرآن بعيدا عن المخلفات المذهنية التاريخية والبشرية، والتسليم المطلق لكتاب الله تعالى فيه، وعليه المقدم سيشكل عليه هذا أيضا وهي قضية أنّ القرآن نفسه مختلف في فهمه، وقد طرختُ شخصيا هذا لسماحة السيد حسين المؤيد في الجامع الأكبر وكان سماحة الشيخ الخليلي حاضرا، وقلتُ له ضرورة الانطلاقة القرآنية والتحكيم القرآني، وكانت المحاضرة عن الوحدة أيضا، فأجابني بنفس رد المقدم، وهو أنّ القرآن مختلف في التعامل معه تأويلا وفهما، والصواب – في نظري – أنّ المختلف هو فهم البشر، لذا بقي النص القرآني واضحا وباقيا نورانيا فرقانا خالدا في التحكيم والهيمنة والهدى والفرقان، ومتى ما صدقنا النية سنجد الجواب.

لذا سنجد المذاهب الأولى الإباضية والزيدية والمالكية تجعل القرآن خطا للتحكيم والهيمنة، وإن تأثرت ذاتها كطبيعة البشر بنتاج البشر وصيرورتهم.

نعم أنّ القرآن يعطي بحبوحة من النظر والتأمل والتدبر حتى في مفرداته، ولكن في قضايا الغيب فقد حسمها بوضوح، وهي التي تشكل الخلاف بين المسلمين في الرؤية والخروج والشفاعة وخلق القرآن، لو قدّم النص القرآني، وأعطي هيمنته لرأينا رجوعا واضحا في هذا، وهذا ما ظهر عند بعض علماء السنة المتأخرين كالإمام محمد عبده ت 1905م، والشهيد سيد قطب ت 1964م، والمفكر محمد الغزالي ت 1996م، والفيلسوف مصطفى محمود ت 2009م، وغيرهم كثير خاصة الآن بعد الانفتاح، وكذا عند الشيعة، كالإمام آية الله العظمى أبي الفضل البرقعي الإيراني ت 1412هـ/ 1992م والقائل: “وفي تلك الأعوام كنتُ أجد فراغا في الوقت الذي ساعدني على المطالعة والبحث والتأليف والتدبر في كتاب الله، فتبين لي أنني وجميع علماء مذهبنا – أي الإمامية – غارقون في الخرافات، وغافلون عن كتاب الله، وتخالف آراؤهم صريح القرآن وتعارضه”، وآية الله محمد حسين فضل الله، وانطلاقته القرآنية واضحة، وكثيرا ما يستدل بقول الإمام الصادق ت 148هـ: كل كلام خالف القرآن فهو زخرف، والمفكر أحمد الكاتب (معاصر)، والسيد آية الله العراقي حسين المؤيد(معاصر)، وغيرهم كثر خاصة الآن بعد الانفتاح على العالم أيضا.

وعليه الرجوع القرآني والانطلاقة منه هو توحيد حقيقي لهذه الأمة، بدلا من تركها في صراع صنعه البشر، ورجوعها سنين إلى الوراء في ظلمات الخلاف والشقاق، وهذا لا ينافي التعددية.

أما قضية الصحابة فالشيخ أيضا انطلق منها قرآنيا، فالله تعالى أثنى عليهم، وفي الوقت نفسه بين أنّهم بشر، وعليه الشيخ بين للصحابة حسنات وسيئات، والأصل ذكر هذه الحسنات، وهذا لا يعني وجود أخطاء لهم، وهذه منهجية قرآنية جامعة، فالشخوص لخالقهم، والتاريخ يقرأ للعبرة، وقد كنتُ أتمنى لو أنّ الشيخ أيضا طبّق هذا في معاوية في كتاب الاستبداد، فمعاوية لخالقه، لسنا ملزمين به، له حسنات وسيئات، ونحن ندرس ما وقع فيه للعظة والتأريخ، أما ما يقال في لعنه وما شابه ذلك فلا حاجة لنا فيه، ولم يكلفنا الله تعالى به، وهو لا يقدم ولا يؤخر شيئا.

من الأمور المهمة والحرية بالوقوف معها هي قضية العدل، فقد بين الشيخ أنّ هذه القيمة أرساها القرآن، وطبّقها النبي الكريم في المدينة مع أشد خصومه وهم اليهود، فالمذاهب مدارس، والحاكم أو المفتي أو القاضي أو غيره إنما يتبع العدل في الرعية لا المذهبية، وهذا يحدث استقرارا وانسجاما بين الناس، وهو سبب الانسجام الرئيسي في عمان وهو العدل بين المذاهب، فالوظائف والمهام والرواتب والصحة والتعليم وغيرها ليس على أساس المذهبية وإنما العدل في الجملة، أما المفتي كونه إباضيا هذه رتبة وظيفية، لذلك نفى الشيخ أن يسمي نفسه بمفتي الإباضية، فهو مفتي عمان بمذاهبهم، ومع هذا للسنة مرجعياتهم، وكذا الشيعة، ولا أحد يجبرهم على الفتوى الرسمية نفسها، ثم بين أنّ العدل ليس قضية حالية في عمان بين المذاهب، بل هي عميقة الجذور، وضرب مثالا لأموال الشيعة في صحار أبان حكم الإمام ناصر بن مرشد اليعربي ت 1649م، والذي رفض توقيع صلح مع البرتغالين إلا بعد رجوع أوقاف الشيعة في صحار غلى أهلها، وعليه كان التعايش سمة انسيابية وخلقية يرثها الجيل من الجيل السابق قبل أن يكون نظاما وسياسة.

ومع هذه الخطوط الفكرية إلا أنّ الحلقة لم تخلو من السياسة المبطنة للصراع المذهبي وعلى رأسها قضيتي القاعدة التي تنتسب إلى المدرسة السنية، والنظام السوري المصنف في الجانب الشيعي النصيري خصوصا، والجعفري الإيراني الحزبي اللبناني دفاعا، وهو جزء من قضية الصراع السني الشيعي الذي أشرنا إليه في أول المقال.

وسنجد الشيخ هنا ينطلق من العدل بين الجميع، فلم يميل إلى الشيعة ويشن هجوما على القاعدة السنية ولا الثوار السنيين، وكذا العكس فلم يميل إلى السنة فيشن هجوما على الشيعة ويبيح دمائهم باعتبارهم روافض في تفجير السفارة الإيرانية، ولا أيضا يكفر النظام السوري ومن يعينه.

فبين في الأول التحقق من نسبة الأمر إلى القاعدة، وكذا عدم جواز التفجير ضد أي إنسان فضلا أن يكون من جماعة المسلمين.

أما في الوضع الإيراني فهو وإن ارتبك قليلا إلا أنّه لمكانه الرسمي يعذر، ومع هذا اعتبر العدل هو الميزان، فلم يخلع أحقية الثورة من مطالبها، وفي الوقت نفسه لم يكفر النظام ومن يسانده، بل دعا إلى الصلح ومكافحة الباغين، وبين أنّ الباغي هو الذي لا يحقق العدل من الفريقين، بغض النظر عن توجهه ومذهبه.

ومن المسائل التي أُدخِل فيها وهي هامشية قضية مشاركة المغني المغربي في غسل الكعبة، وهي قضية هامشية كان لا ينبغي الالتفات إليها وتضخيمها أصلا.

ومن القضايا الهامشية التي لا ينبغي الالتفات إليها أيضا في قضية الوحدة قضية رؤية الهلال كرأي فقهي وقضية مناظرة ابن باز كجانب تاريخي أحدث بلبلة لا ينبغي أحياؤها من جديد.

هذه كانت أهم المعالم الوصفية للقاء، لا كقراءة نقدية، وعموما اللقاء كان جيدا، وإشراك الإباضية في القنوات الدينية مهم، ونتمنى إشراك الشيعة الجعفرية والزيدية، وكذا الحال عند قنوات المدارس الإسلامية الأخرى لابد من إشراك المدارس السنية بمذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية والفقهية، فهذا طريق مهم في الوحدة، مع تقوية الوجبة الفكرية قليلا ليكون الطرح أكثر رقيا، وأبعد عمقا، هذا ما أردت أن أشرك فيه القراء من رأيي في هذا اللقاء، والحمد لله أولا وآخرا.

فيسبوك 1436هـ/ 2015م

السابق
قراءة في كلام الشيخ أحمد المسهلي حول مسند الإمام الرّبيع بن حبيب البصري ت ق (2هـ)
التالي
قناة الاستقامة بين أمل هناك وخوف هنا
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً