مجلّة الفلق الالكترونيّة 25 فبراير 2018م
يتوفّر بمعرض مسقط الدولي للكتاب كتاب “فقه التطرّف” للكتاب بدر العبري، الصادر مؤخّرًا عن دار مسعى للنشر والتوزيع، وبدعم من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء.
ورد في افتتاحية الكتاب: “يمر العالم العربي خصوصًا والإسلامي عمومًا بحالة ازدواجية بين خطاب مثاليّ يسمعه، وواقع سيءٍ يعيشه، من هنا كانت العديد من الوقفات والمراجعات في داخل المنظومة الفكرية ذاتها؛ لأن إصلاح البيت من الداخل أولى من التلميع وإظهار الصورة المشرقة من الخارج، بينما الأول يعاني من علل لا بد أن نقف عندها أولًا.
ومن هذه العلل علة التطرف والإرهاب التي حاول البعض جعلها لصيقة بالإسلام، بينما حاول تبرئة الأمم الأخرى منها ولو حدث عندهم أشد وأطغى مما يحدث بيننا، ومن داخل نصوصهم!!”
وفي القسم الأول الذي يعنى بماهية التطرف، قال: “التطرّف يعتبره العديد من الناقدين بأنه نسبي، فما تعتبره أنت تطرفًا قد يعتبره الآخرون وسطًا وحقًا مشروعًا، فيحدث التضارب في فهمه وإسقاطه.”
وفي إجابته على سؤال كيف يمكن أن نفرق بين ما هو تطرف وما هو اعتدال على اعتبار النسبية، يقول إن هذا يخضعنا للعودة إلى القيم الإنسانية المشتركة كرابط مشترك ولو من زاوية كليّة في تحديد التطرف ومقداره.
وفي تعليقه على نموذج “الدعوة بالتي هي أحسن، مع احترام مواضع الجماعات الأخرى وأماكنهم وعدم الإكراه واستخدام العنف والإجبار” الذي جاء ضمن نماذج حفظ الفكر التي أوردها، علّق على الآية التالية: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” وقال: “ومع وضوح هذه القاعدة الفكرية إلا أنّه نتيجة الانغلاق المذهبي، والعلاقة السياسية الدينية المصلحيّة، وتوسّع دائرة النص؛ فسرت تفسيرات خاطئة.” ثمّ أشار إلى نماذج من الاستنتاجات السلبيّة.
وفي الوقفة الثانية : ضابط حفظ الفكر من “التطرّف في الإلحاد”، قال الكاتب: “الإلحاد بهذا المفهوم الحالي موجود في السّابق لا يقل عن اليوم، ولكن منع من أسباب ظهوره عوامل، ومنها الحالة الاجتماعية المنغلقة غالبًا حول اتجاه معين إسلاميّ أو نصرانيّ أو يهوديّ أو غيرها من الفلسفات تحت حكم القبائل والعشائر أو الدول بالمفهوم البسيط، مع الانغلاق الحكميّ، لذا غالبًا ما ينتشر النفاق في مثل هذا الوجود، ومع هذا كانت بعض الكتابات السريّة تنتشر، ومنها كتابات ليست بالمفهوم الإلحادي الحالي؛ بل كانت نقدًا لبعض السياسات والموروثات الدينيّة والاجتماعيّة كرسائل إخوان الصّفا في الدّولة العباسيّة.”
ومما ورد في خلال حديثه عن التوسّع في دائرة الولاية والبراءة: “هذه المبادئ القرآنية للأسف خرجت من عنصر البناء الجماعي الحافظ للفكر والمجتمع إلى الجانب السياسي، بداية من قضية الأموات والصراخ حول الصحابة والبحث عنهم، مع أن الميت انتهى أمره، ولا يلزمنا ولايته ولا براءته، وإنما عندما كان حيًّا واليناه في الخير وتبرأنا ما صدر منه في الظلم والعدوان والإثم، فلما مات صار أمره إلى الله تعالى وحده لا شريك له، فلا معنى اليوم للبحث في عثمان وعلي مثلًا، أهم في الولاية أم في البراءة؟.”
وجاء في وقفة “فلسفة الجهاد في القرآن الكريم: “ومن الملحوظ في العهد النبوي أنه عليه السلام قاتل دفاعًا عن الحق من اعتدى عليه، دون تعدٍ منه، وشارك بنفسه، أو من يختارهم ممن يراهم كفؤا في الأمر كما في السرايا . وما يفعله بعض (الدعاة) اليوم في القنوات والمنابر من الحثّ العشوائي دون تنظيم، ولا مراعاة لأصول الجهاد، وهم جالسون متكئون في قنواتهم وبيوتهم، هذا بعيد عن الجهاد في سبيل الله تعالى وفقهه.” ويختم كلامه هنا بـ: ” الجهاد تنظيم جماعي، عسكريًا وعتاديًا ومعرفيًا وتنظيميًا، يقرر بشكل جماعي لا بشكل عشوائي، ولا يصح تغرير الأبرياء، واستغلال الذين لا يفقهون دينهم باسم الملذات الأخروية، وباسم الله زورًا وبهتانا، فيقعون في التطرف باسم الجهاد.”
وعن القتل: “الإشكالية في القتل ليس في تطبيق الفئات المتطرّفة بقدر ما تكون الإشكالية أيضًا في الخطاب التراثي الذي شكّل الخطاب الديني المعاصر، حيث تعامل مع النفس من منظور ملي أو مذهبي، خلافًا للخطاب القرآني الذي اعتبر النفس نفسًا بغضّ النظر عن توجهها أو دينها، فمن قتلها فكأنما قتل الناس جميعا، إلا في حالتي الاعتداء والقصاص، ومن ثمّ إذا كانت مؤمنة بالله يزداد جرمًا وبشاعة.”
وفي حديثه عن البنوك الإسلامية قال: ” المسألة نسبية جدًا وقد يأتي زمان ويتساهل من شدد اليوم أو العكس؛ لأن الأفهام تتطور وتتغير في آرائها، وهذه طبيعة البشر، وقد كان بالأمس الجلوس في ظل البنك حرامًا، واليوم هناك مَن أصبح مستشارًا في هيئته ويمارس عمله بلا حرج مع حقه المالي في ذلك.” ويتابع: “الخلاصة البنوك التقليديّة أو (الإسلاميّة) كلاهما اجتهاد بشريّ، وفق منطلقات قد تختلف إلا أن القيم الكبرى في الميزان واحدة، من هنا ستختلف التّفسيرات في الإنزال والنّظر والحكم، فليست التقليديّة كفرًا بواحًا، وليس غيرها وحيًا يُوحى.”
وقد خلصَ في حديثه عن سُنيّة الاختلاف بين البشر إلى أن : “اختلاف أجناس الناس وأعراقهم أمر طبيعيّ، وسنة كونية، تفرض نفسها بنفسها، وهي أداة للتجانس البشري، والتكامل الإنساني، والتعارف بين الأمم، والذي يميّز بين الناس هو تقواهم لله تعالى فقط لا غير، وعليه يكون الحساب يوم العرض.”
وفي القسم الخامس “من أنواع التطرّف” ذكر عن التطرّف الديني: ” والاعتدال عند الناس هو الأصل، والتطرف الديني نشاز، أكبر أسبابه المتدينون الذين يتربون في الكليات والجامعات والحوزات والمدارس الدينية، خاصةً التقليدية، ولو اقتصر الأمر عند الخلاف العلمي والبحث المنهجي في هذه المدارس لهان، ولكن – للأسف – أن تستغل منابر المساجد، والقنوات في إشعال هذا الفتيل، وإدخال العامة في هذا الصراع، مما ولد ما نراه من ردة عن الدين من جهة، وغلو في التعصب الذي يصل إلى الهجر واللعن وإراقة الدم من جهة أخرى، فاستغل الشيطان هذا الخلاف الواسع في نشر عدوانيته، وإثارة البغضاء بين الناس باسم الدين والإسلام.”
وقال في معرض تفصيله في التطرف الثقافي: “الأصل في الخطاب الثقافي أن يوفر البديل عن الخطاب الديني والفكري المتطرّف، لأن الإنسان لا يستجيب لكتب التطرف كما يقول نجيب محفوظ (ت 2006م) إلا إذا كان لذلك مهيأ نفسيًا واجتماعيًا، والحائز للصحة النفسية والاجتماعية لا يميل إلى الآراء المتطرفة، وإذا اعتنقها كأفكار في أحوال نادرة فإنّه لا يميل بها إلى العنف والإرهاب.”
واختتم الكتاب بـ” الله يريدنا أن ننطلق إلى الإنسان، وإلى الكون، وكلما امتد أفقنا أكثر كلما عرفنا الله أكثر، وكلما اقتربنا من الإنسان كلما اقتربنا من الله، فالله يتجلى عطفه ورحمته ووجوده في هذا الإنسان، لنحمل إليه رسالة ربنا، رسالة التوحيد لله لا للمذهب، ورسالة السلام والبر والإحسان والعدل والقسط والشهادة لله لا للمذهب، لنتجاوز صناعة التطرف وفساد الأرض إلى صناعة الإنسان وإصلاح الأرض.”