المقالات التأريخية

لماذا لا نقترب ثقافيّا من الشّرق القريب منّا؟

جريدة عُمان، الأربعاء 7 جمادى الأولى 1447هـ/ 29 أكتوبر 2025م

في زيارتي قبل فترة بسيطة إلى كولمبو عاصمة سيرلانكا (سرنديب العرب/ سيلان)، ثمّ تأملي في قراها ومدنها متجها إلى جنّتها كالدي ونوراليا، زرت “شارع المتنبي” “أو شارع العتبة أو الأزبكيّة” ليس في بغداد أو القاهرة، وإنّما ما يماثلهما من شارع الكتب في العاصمة كولمبو، وقفت حينها متأملا، وقد سبق أن اتّجهت شرقا من “بومباي” في الهند، وحتّى “هانوي” في فيتنام، وجدت عوالم تكتنز بالثّقافات والمعارف والفنون، وهي قريبة منّا، لكنّنا نبتعد عنها، بينما ننبهر كثيرا بالغرب البعيد عنّا، وإن كنت مع الانفتاح على الجميع، بما يمثّله العالم ككل من جماليّا في التّنوع الثّقافيّ الإنسانيّ، بيد أنّ هذه الأمم الشّرقيّة كنّا قريبين منها لأزمنة موغلة في القدم، ومعها نشترك في العديد من الثّقافات، حتّى على مستوى الألبسة والمطعومات.

قلتُ لصاحب العربة الصّغيرة “توك توك”: أريد أن أذهب لأرى شارع الكتب هذا، فلمّا رأيته لم أتمالك إلّا أن كتبت خاطرة سريعة على هاتفي، وقد نشرتها سابقا، وأعيد نشرها لما لي من زيادة وكلام حولها، قلت فيها: :”وأنا أتأمل في شارع الكتب القديمة، رخيصة الثّمن في كولومبو عاصمة سيرلانكا؛ أجد معارف وتأمّلات تكتنزها قارّة وادي السّند ببعدها الكبير، أو دول (الهند – نيبال – سيرلانكا – بوتان – بنجلاديش – باكستان – المالديف)، فمن كثافة السّكان فيها، إلى التّدافعات السّياسيّة الأخيرة الّتي أثرت سلبا على الأوضاع المعيشيّة على نسبة وتناسب بينها، بيد أنّها تحمل في بطنها غنوصيّة موغلة في القدم، ذات تعدّديّة دينيّة ومذهبيّة وعرفانيّة وثقافيّة، خلقت تعايشا في الأجواء العامّة مع عامّة السّكان، في المقابل هناك حالة تكنلوجيّة ومعلوماتيّة متقدّمة في المعارف الطّبيعيّة والتّجريبيّة والعلميّة في بعض جامعاتها، هذه الأجواء خلقت نتاجا كتابيّا لا زلنا – نحن العرب – نجهل الكثير منه مع قربنا من هذه القارّة (بمفهومها السّكانيّ والتّأريخيّ والثّقافيّ)، وفي تأمّلي لهذه المكتبات أجد ثلثها ولا أبالغ إن قلت نصفها بالإنجليزيّة، ولكن لمّا تأملت بعضها لم تكن دراسات أجنبيّة عنها، بيد أنّي وجدّت العديد من كتّابها من أبناء المنطقة، ومنهم رهبان يروون تجربتهم وخلاصة حياتهم الرّوحيّة والتّأمليّة، فهناك عوالم معرفيّة قريبة منّا نجهلها، ولكي نفهمها نذهب إلى ما قاله البعيد عنها، ونترجم عنهم وعن رؤيتهم لها، كالّذي يريد أن يعرف عنّا يذهب إلى ما قاله المستشرقون والكتّاب الغربيّون عنّا، فينبغي أن يكسر هذا الحاجز، فهؤلاء يشتركون معنا في الماضي بحسناته وسلبياته، ويتشابهون معنا ثقافيّا، وبيننا مشتركات كبيرة، فينبغي أن تكون في جامعاتنا ومراكزنا أقسام لدراسة الشّرق، وترجمة المهمّ ممّا ينتجه أبناء هذا الاتّجاه وحتّى الامتداد شرقا، ولا يكتفى عند الجوانب السّياحيّة والعلاقات السّياسيّة العابرة، كما لا يعني هذا إهمال العوالم الأخرى، حيث الانفتاح على جميع العوالم، وكشف ما تكتنزه من معارف، ووجود مراكز أو أقسام جامعيّة متخصّصة يعتبر عنصر قوّة، لا أن نكون مجرّد مستهلكين لما ينتجه الغربيّون فحسب، ونستهلك حتّى نتائجهم عن الآخر مع أهميّتها، ولكن ينبغي أن ننتقل إلى عنصر الفاعليّة المؤثرة والمنتجة أيضا بدون واسطة وإعادة تدوير لا أكثر”.

السابق
الماضي ليس ملائكيّا
التالي
أحمد الفلاحيّ في يوم تكريمه
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً