ضج العالم الفيسبوكي بالأمس محليا معنا وقبله في قضية القرنقشوه بين مبدع متشدد، وبين مدافع عن العادة، وهناك من هو بين بين.
هذه العادة في الحقيقة لا تستحق الوقوف مع لسبب بسيط، أنّ العادات والأعراف ليس بذاتها محرمة، أو حقها المنع، ولا يدخل فيها مفهوم البدعة لأنها ليست زيادة أو نقيصة في الدين، ولكن حقها التهذيب وفق القيم المجتمعية، وتبقى الأعراف كما هي.
في نظري غالب المجتمعات العربية والإسلامية يعطون أهمية لليلة النصف من رمضان، كما أنّ العديد أيضا يعطي أهمية لليلة النصف من شعبان، ويعود الاهتمام بليلة النصف من رمضان إلى رواية ضعيفة ولا يصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تحدثت عنها في بحثي فضائل رمضان في التراث العماني قراءة قرآنية، وهي رواية أبي الديلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في رمضان صوت، قالو: يا رسول الله، في أوله أو في آخره؟ قال: في النصف من رمضان، وإذا كانت ليلة النصف ليلة الجمعة يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفا، وتخرس فيه سبعون ألفا، ويعمى فيه سبعون، وتنفتق فيه سبعون ألف عذراء، قالوا: يا رسول الله، فمن السالم؟ قال: من لزم بيته وتعوذ، بالسجود وجهر بالتكبير، قال: ومعه صوت آخر، فالصوت الأول صوت جبرائيل، والصوت الثاني صوت الشيطان لعنه الله، فالصوت في رمضان، والمعمعة وهو صوت لا يفهم في شوال، وفيه تميز القبائل في ذي القعدة، ويعاد على الحاج من ذي الحجة، والمحرم أوله بلاء على أمتي، وآخره فرج على أمتي، ولراحلة في ذلك الزمان ينجو عليه خير له من دسكرة تغل له مائة ألف درهم.
وعليه تجسد الاحتفال بعدة أعراف منها دينية كالدعاء وإحياء ليلة النصف من رمضان بالصلاة والذكر، ومنها مجتمعية كإقامة الولائم والصدقات الاجتماعية.
وعليه اختلفت تسميتها من مكان لآخر، ففي دول الخليج يسميها البعض القرقيعان وهذه التسمية شاعت في السعودية والكويت، وبعض دول الخليج يسميها الناصفة أو حل وعاد أو كريكشون أو القرنقشوه أو الطلبة، وتسمى أيضاً طاب طاب، وكرنكعوه أو كريكعان وتسمى أيضاً حق الليلة أو الماجينة، وهذه التسمية شاعت في الإمارات وعمان، والبحرين والعراق، بجانب السعودية والكويت.
وفي عمان الداخل لم يكن يعرفوا القرنقشوه إلا من خلال تأثرهم للذين بالساحل أو ممن هاجروا إلى عمان منذ زمن بسيط، وتركزوا في الأماكن الساحلية.
ولكن مع هذا شاع في الداخل بعض الاهتمام بهذه الليلة كأكل الحلوى تحذيرا من بعض التأثيرات السلبية التي قد تحدث، لذا يوجبون على الأطفال أن يأكلوا شيئا ولو بسيطا منها، وكذلك قضية الولائم.
عموما بغض النظر عن الأصل والمظاهر تبقى تدخل في دائرة الأعراف، والأصل في الأعراف الحل، فقد أصبحت عادة مجتمعية في بعض المناطق كالتهلولة مثلا في مناطق أخرى.
وشيء طبيعي الذي لم يتعود عليها أنه يباشر إلى الإنكار أو الاستهجان، لأن الإنسان وليد مجتمعه فكرا وطبعا، ويؤثر هذا على سلوكه وتصرفاته.
أما قضية التسول فلا أتصور ذلك لأنها فرحة للأطفال كالعيدية تماما، وقضية ظهور بعض التصرفات السلبية فهذا راجع إلى التفكير المجتمعي الذي بحاجة إلى توجيه، لأننا نرى ذلك في بعض المناطق والعديد من المناطق الأخرى لا يحدث عندهم هذا.
عموما قضية القرنقشوه لا ينبغي أن تأخذ حيزا كبيرا من تفكيرنا، فمن اعتاد عليها لا ينكر عليه ويوصم بالبدعة، ومن رفضها لا يوصم بأنه ضد الفن والمرح، كل يعمل على شاكلته، والعادات في الأصل تهذب لا تقمع وتبدع وتقصى، والله الموفق.
فيسبوك 1436هـ/ 2016م