ما سأذكره هنا للسادة القراء ليس نتيجة دراسة تاريخية أو ميدانية، وإنما نتيجة معايشة للواقع العماني من خلال المدة الزمنية التي عاصرتُ فيها الدعوة في المساجد والميادين، وعليه لعل من يقوم بدراسة الموضوع تأريخيا وميدانيا للتوثيق الدقيق …
عموما الاحتفال بالمولد في المجتمع الإباضي العماني في الجملة لم يكن حاضرا فيما أحسب، ولذلك لم يعهد في المجتمع الإباضي خاصة في الداخل، فلم نسمع حتى من الأسر العلمية أو المتدينة أنها تحتفل بيوم المولد، لا بقراءة كتاب ولا غيره …
وأتصور أنّ العمانيين تأثروا بهذا أبان اختلاطهم بالصوفية الشوافع خصوصا في شرق أفريقيا، فانتشر لديهم قراءة البرزنجي الشّافعي، والذي جعل من أبي مسلم البهلاني تأليف كتاب النشأة المحمدية كبديل عن البرزنجي، ومع هذا ظل البرزنجي أكثر بروزا حتى من العمانيين الذين رجعوا من زنجبار، وذلك لإيقاعه الموسيقي المتوزان مقارنة بالنشأة الذي أقرب إلى الجانب النثري.
وانتشر المولد في زنجبار بجانب كون الغالبية من الشوافع وغيرهم الصوفية يحتفون به، وتأثر الإباضية بهم، هناك جانب آخر مهم أنّ سلاطين البوسعيد كانوا يحتفلون بهذه المناسبة سنويا، حتى أصبحت عادة عندهم، يدعون فيها العلماء وغيرهم …
أما الصوفية في عمان خاصة الشوافع فأتصور أنهم يحتفلون به منذ فترة مبكرة جدا، ومع هذا لم يحدث تأثير كبير، وتداخل مع الجانب الإباضي، ولربما تأثر بهم من في الساحل.
وعليه لا نجد قضية المولد مطروحة في التراث الإباضي العماني، وأتصور أن نظرتهم للمولد وما يجري فيه كانت نظرة سلبية أقرب إلى النظرة السلفية، وعليه لم نجد لديهم ما يسمى بيوم المولد وحكمه، ولم ينتشر آنذاك كتاب النشأة المحمدية، ولا البرزنجي، إلا أنه ورد مع العمانين اللذين سافروا إلى زنجبار فيما أحسب، ومن تأثر بهم ورجع، أو من تأثر بعد ذلك من العمانيين أنفسهم.
أما كذات الاحتفال لم تكن صورة ظاهرة إلا مؤخرا، لمسايرة الإعلام العماني لهذه الظّاهرة، وجعل من يوم المولد إجازة رسمية، بجانب الخطب الجمعية، ومع هذا كان الخطاب الديني في عمان في المجتمع الإباضي مقصورا على المحاضرات المذكرة بهذا اليوم، والتذكير بسيرة النبي عليه السلام، ثم تطور كما في النوادي إلى بعض الحفلات التي تقام فيها الأناشيد، وتلقى حول المناسبة القصائد، وكذا الحال في المساجد في فترة متأخرة.
أما قراءة البرزنجي أو المولد فلم تظهر بقوة، ولم تنتشر، وحتى كتاب النشأة المحمدية إلا في أفق ضيق، وفي أماكن محددة، وفي أسر معينة …
وعليه ساير المجتمع العماني الإباضي إخوانه الصوفية وبعض أهل السنة وكذا الشيعة في الاحتفاء بهذه المناسبة، في فترة متأخرة، وفي حدود معينة …
ختاما: لا شك إن إقامة التذكير بالنبي في العام حسن جميل، ولكن حبذا تفعيل المناسبة إلى جانب عملي، دون جعلها وحصرها في المواليد ونحوها، مع البيان بمنطلقات الرسالة وأهدافها في الحياة، وتفعيلها عمليا في المجتمع.
فيسبوك 1435هـ/ 2015م