جريدة عمان، 17 يوليو 2023م
ابتداء – في نظري – نعيش اليوم والحمد لله مرحلة متقدّمة في حضور الكتاب العمانيّ محليّا ودوليا، من حيث تنوّع الكتاب العمانيّ، وتنوّع مجالاته من فكر وأدب ورواية وتأريخ وغيره، بجانب حضوره تنافسيّا في المسابقات الدّوليّة والمحليّة، وفي الدّراسات الأكاديميّة والبحثيّة، وفي الصّحف والمجلّات الخارجيّة.
بيد أنّ انتقال الكتاب العمانيّ من المرحلة القرائيّة البصريّة إلى المرحلة القرائيّة الصّوتيّة يمثل نقلة مهمّة للكتاب العمانيّ، لما يمثله الجانب الصّوتيّ اليوم من أهميّة تنافس المجال القرائيّ، نتيجة الأجواء المهيأة لذلك، مثلا يقضي الإنسان يوميّا ساعات من وقته في سيارته، ولمسافات طويلة أحيانا، وفي رياضته ومشيه، وعند نومه وأكله وتأمله؛ يكون غالبا الجانب الصّوتيّ والمرئيّ أقربَ إليه في استغلال وقته، لهذا للكتاب الصّوتيّ أهميّة في هذا الجانب.
وقريبا احتفت “عين” بثلاث كتب عمانية مهمّة، أولها رواية “سرّ الموريسكي” لمحمّد العجميّ، والثّاني كتاب “صخرة عند المصبّ” لعبد الله حبيب، وهو من أدب الرّسائل، والثّالث “سرّ القلادة” لرقيّة البادي في الرّواية للنّاشئة، ليضاف إلى كتب ومكتبة منصّة “عين”، لتقترب بذلك من الثّلاثين كتابا، ووصول مكتبة عين إلى هذا العدد أعتبره شخصيّا مرحلة متقدّمة، حيث أنّ هذه النّافذة أطلقت عام 2021م، أي خلال عامين فقط، وهي مرحلة زمنيّة قصيرة، بيد أنّها تحتاج إلى شيء من التّرويج بصورة أكبر، خصوصا على مستوى الوطن العربيّ والدّوليّ.
وقد جاء في تعريف المنصّة أنّها “أول منصّة تفاعليّة رقميّة في السّلطنة، أطلقتها وزارة الإعلام عام 2021م؛ بهدف تعزيز المحتوى الإلكترونيّ العربيّ والعمانيّ على وجه الخصوص من جهة، ومدّ جسور التّواصل بين الوزارة والجمهور من جهة أخرى، لتصل إليه أينما كان عبر الأجهزة الذّكيّة واللّوحيّة”.
والمنصّة بجانب خدماتها لمتابعة البث المباشر لقنوات عمان المرئيّة والسّمعيّة، مع خدمة إمكانيّة التّحميل، والعودة إلى البرامج المحملة عند عدم توفر الأنترنت، إلّا أنّها تحمل الذّاكرة المرئيّة والصّوتيّة لمسيرة التّلفاز والإذاعة العمانيّة، وفي كافة جوانب البرامج وتنوّعها الوثائقيّة وغيرها، ومع مرور الأيام تشكل بذلك مكتبة كبرى للمهتمين والدّارسين والمعنيين بهذا الجانب من عمان وخارجها، كما توفر ذاكرة مجانيّة للأجيال الحاليّة والقادمة يبنى عليها، ويستفاد منها، وتكون متاحة للجميع، مع ربطها بوسائل التّواصل الاجتماعيّ بأنواعها وخصوصا “يوتيوب”.
والّذي يهمني هنا – كما أسلفت – الكتاب الصّوتيّ العمانيّ، والمتأمل في المنصّة أنّها تدور بين الجانب الدّينيّ والأدبيّ والتّأريخيّ، بجانب أدب الطّفل، والجانب الدّينيّ لا زال في بدايته إذ يحوي كتابا واحدا وهو “منظومة غاية المراد في الاعتقاد” للسّالميّ، والجانب التّأريخيّ يشمل جانبين الدّراسات التّأريخيّة، والتّأريخ، والأول شمل كتابي “زنجبار شخصيّات وأحداث” لناصر الرّياميّ، و”العمانيون وأثرهم الثّقافيّ والفكريّ في شرق أفريقيا” لهدى الزّدجاليّ، والثّاني شمل ثلاثة كتب وهي “زنجبار في عهد السّيّد سعيد بن سلطان” لسليمان المحذوريّ، “والأوروبيون في مدونة التّراث العُمانيّ” لناصر السّعديّ، “وتاريخ الطّباعة والمطبوعات العُمانيّة عبر قرن من الزّمن” لسلطان الشّيبانيّ.
بينما الأدب أخذ الحيز الأكبر من الأدب العام، والشّعر، والرّوايات، والنّصوص، والقصص الصّغيرة، وأدب الرّحلات، والسّير الذّاتيّة، ويحوي بذلك ستة عشر كتابا صوتيّا، مع كتابين لأدب الطّفل، كتاب في الرّواية، وآخر في القصّة.
وأن يأخذ الأدب هذا الحيز لا إشكاليّة فيه، خصوصا مع التّنوع الأدبيّ في عمان، وحضور الكاتب العماني روائيّا وشاعرا وقاصّا وكاتبا في هذا الجانب بشكل واضح، ولا شك أنّ المعنيين ملتفتون إلى الجوانب الأخرى، لكون المنصّة قريبة العهد، وتحويل الكتاب إلى جانب صوتيّ من حيث التّراخيص والإعداد والمراجعة ليس بالأمر الهين، إلّا أنّه لابدّ من الاهتمام بالجوانب الأخرى وحضورها أيضا في المستقبل كالكتابات الفلسفيّة والاجتماعيّة والفكريّة والعلميّة والفنيّة والإبداعيّة وكتب التّرجمة ونحوها، كما أنّه يمكن الالتفاتة مستقبلا إلى أهم المقالات البحثيّة والعميقة الّتي لم تنشر ككتاب، كما يمكن تخصيص ركن للكتب الفائزة محليّا ودوليّا، لما لها من أهميّة والتفاتة خاصّة.
وحديثي عن الأدب لا لكوني خصما له، فالأدب حاضر مع الإنسان وجدانا وعقلا وتوثيقا، ولكنني أجد إهمالا للجوانب المعرفيّة الأخرى بشكل شبه واضح، والتّركيز بشكل كبير على الجوانب الأدبيّة، سواء على مستوى الفعاليّات والمحاضرات في المؤسّسات الثّقافيّة وغيرها، أو على مستوى الكم من المسابقات الدّاخليّة.
ومع هذا بدأت الجوانب الأخرى مؤخرا تبرز وجودها، وتزاحم الكتابات الدّينيّة والتّأريخيّة والأدبيّة، وسبق قبل عام أن كتبتُ في جريدة عُمان مقالة بعنوان: “معرض الكتاب وحضور الكتاب النّقديّ العمانيّ” وممّا قلتُ فيه: “لقد كان في العقود السّابقة حضور الكتاب الدّينيّ والتّراثيّ والأدبيّ أكثر بروزا من غيرها من المجالات الأخرى، أمّا في السّنوات الأخيرة برزت الكتابات النّقديّة والتّحليليّة في جميع المجالات، بما في ذلك الفكر والفلسفة والتّأريخ والأدب والسّياسة والاجتماع والتّراث وغيرها، ممّا يمثل نقلة نوعيّة، تجعل من الكتاب العمانيّ مساهما في نشر المعرفة والوعي في المحيط العربيّ والإسلاميّ خصوصا، والإنسانيّ عموما، هذا الحراك يساهم بشكل أكبر في الحفر بشكل رأسيّ في المعرفة، مع نشر الوعي أفقيّا لدى القارئ والباحث والعقل الجمعيّ عموما”.
فحدوث توزان في هذا الأمر ضرورة مهمّة، خصوصا لما يمثله جانب الفلسفة والاجتماع والفكر والعلوم الطبيعيّة والتّجريبيّة والعقليّة من تأثير في الواقع المعاصر، فنحن بحاجة أن نلتفت إلى هذا الجانب، ليس على مستوى منصّة “عين” وهي لا زالت في بدايات طريقها، ولكن على المستوى المعرفيّ والثّقافيّ العام، دون إهمال بطبيعة الحال للجوانب الدّينيّة والتّراثيّة والأدبيّة والتّأريخيّة، وعموم الجوانب الإنسانيّة، كان عن طريق توسعة المناخ الإبداعيّ الحر في هذه الجوانب، أو عن طريق الاهتمام والتّشجيع والالتفات.
ولهذا منصّة “عين” لا تقتصر فقط عند الحالة التّوثيقيّة، وعند المساهمة الثّقافيّة والمعرفيّة للكتاب العمانيّ صوتيّا؛ فهي تمثل أيضا حالة تشجيعيّة ولو على المستوى الرّمزي للكاتب العمانيّ، مع الالتفاتة إلى نتاجه وتعريفه لمحيط أكبر، مع تعريف بالنّتاج العمانيّ خصوصا المعاصر لمستويات جغرافيّة أوسع.
ولهذا أرى أن منصّة “عين” – مع بداياتها الأولى – أنّها حقّقت خطواتها الأولى، ويوما بعد يوم تقف على قاعدة واضحة وواسعة، وتحقّق أكثر عمقا وتقدّما، وهذا لا يعني عدم وجود هفوات أو بطئ في بعض الجوانب، لكنني لا أستطيع الحكم، لكوني قارئا من الخارج، وفي الوقت نفسه أؤمن بأن أكون أذن خير، بمعنى أن نفرح ونتعاون ونتحدّ في كل شيء نافع يخدم الوطن والإنسان، ولا ينبغي أن نكون فقط أداة تنمر ونقد مطلق لا للنّقد بقدر ما يكون لإبطال جهود الآخر، لأسباب مسبقة، أو لطبيعة ينبغي أن يتخلّص منها الإنسان، ويهذّب ذاته في تشجيع ودعم أي جديد يخدم الوطن ومن فيه، ويخدم الإنسان والمعرفة ويساهم في إصلاح الأرض وعمارتها، والنّقد يكون للإصلاح لا لإلغاء جهود الآخرين.
كما اقرأ أن يكون واقعا ومستقبلا للكتاب الصّوتيّ العمانيّ مكانته، وهو يزاحم الفضاء المفتوح اليوم، وأصبح العالم أجمع يتدافع حوله، فما تقوم به هذه المنصّة يعتبر تكريما للكاتب العمانيّن وتعزيزا لنتاجه ولمساهمة العمانيين في هذا الجانب المعرفيّ، فبورك للقائمين حول منصّة “عين” عموما، وحول الوقوف عند الكتاب الصّوتيّ العمانيّ خصوصا، فنعم ما يقومون به، ستذكره أجيال، وتستفيد منه عقول، وتواصل مسيره أمّة بعد أمّة في هذا الوطن الغالي.