المقالات التأريخية

جريدة عُمان في يوبيلها الذّهبيّ

جريدة عمان 1444هـ/ 2022م

جريدة عُمان ارتبطت بالنّهضة الجديدة، فهي أول صحيفة عمانيّة رسميّة في القطر العمانيّ، تعود إلى نوفمبر 1972م، إلّا أنّها ليست أول صحيفة أو نشرة عمانيّة، والصّحافة يمكن ربطها بأمرين، الأول اكتشاف ورق الكتابة، حيث سهلت منذ فترة مبكرة في تدوين الإنسان لتأريخه وحوليّاته ومعارفه، والثّاني اكتشاف الطّباعة في ألمانيا في نهايات النّصف الأول من القرن الخامس عشر الميلاديّ لتسّهل إعادة نشر الكتاب والمعرفة، وفي القرن السّادس عشر الميلاديّ نشطت الأخبار الرّسميّة، وهكذا تطوّرت في القرن السّابع عشر الميلاديّ خصوصا في أنجلترا وفرنسا وألمانيا وغيرها، وحملت الحملة الفرنسيّة النّابليونيّة على مصر الطّباعة لتؤسّس جريدة “التّنبيه” عام 1800م، ليعقبها محمّد عليّ بك الكبير [ت 1849م] بصحيفة “الوقائع المصرية” عام 1828م، وهكذا بدأت الصّحف العربيّة تتوالى في الجزائر والعراق وسائر الأقطار العربيّة، لتحفظ بين طيّاتها تأريخا وأحداثا ومعارف في العصر الحديث، وبها ترتبط رموز فكريّة وأدبيّة ودينيّة وسياسيّة وعلمائيّة وفنيّة أثرت في العالم العربيّ المعاصر.

والعمانيون ارتبطوا بالصّحافة بمفهموما التّقنيّ منذ فترة مبكرة أيضا على مستوى الوطن العربيّ، وإن كانت هذه الصّحف ارتبطت بالمهجر؛ إلا أنّ أجزاء من هذه المناطق كانت حينها ضمن الدّولة العمانيّة، وخصوصا شرق أفريقيا، فكانت “الفلق” في عام 1892م، ثمّ “النّجاح” في عام 1911م في سلطنة زنجبار، وفي العام ذاته صحيفة “النّادي” للحزب الوطنيّ في زنجبار، وبعدها صحيفة “الإصلاح” في 1932م في ممباسا، ثمّ “صحيفة النّهضة” عام 1951م، وقريب من تأريخ النّهضة “صحيفة المرشد”، وصحيقة “المعرفة” و”الأمّة”، وهكذا حتّى وقت قريب.

أيضا الصّحافة ارتبطت بالمعارضة العمانيّة فكانت “نشرة نزوى” 1967م، وقبلها بقليل “صوت عمان” الصّادرة عن إمامة عُمان، وفي المقابل كانت منشورات وصحف ودوريات لجبهة تحرير عُمان في الشّمال، ومنها “صحيفة الأرض”،  و”9 يونيو”.

بجانب ذلك كان للقلم العمانيّ حضور في الصّحف العربيّة والخليجيّة كما في الكويت والبحرين مثلا، فحسن مدن مثلا من البحرين له بحث بعنوان “كتّاب عمانيون في صحافة البحرين بمنتصف القرن العشرين”، وتحدّث هنا عن أربعة كتّاب عمانيين، أولهم عبد الله الطّائيّ [ت 1973م]، وهو الرّمزيّة الثّقافيّة العمانيّة الأبرز في المحيط العربيّ والخليجيّ في منتصف القرن العشرين، كذلك حسين حيدر درويش، ومحمّد أمين البستكيّ، وأحمد الجماليّ.

وفي أواخر عهد سعيد بن تيمور كما أخبرني الأستاذ أحمد الفلاحيّ أصدر العمانيون في ولاية سمائل نشرة بخطّ اليد لم تدم طويلا، ولمّا حكم السّلطان قابوس عُمان 1970م بدأ العمانيون في الدّاخل إصدار الصّحف والنّشرات والمجلّات،  ولمّا أنشأ الأستاذان حمد بن محمّد الرّاشديّ ويحيى بن سعود السّليميّ النّادي الوطني الثّقافي في مطرح عام 1971م؛ صدر من النّادي ذاته نشرة “الثّقافة الجديدة”، ومن رموزها بجانب الموسّسين الأستاذ أحمد الفلاحيّ، ليعقبها مجلّات ونشرات أهليّة، إلا أنّ البروز الأقوى – في نظري – من حيث المشاركة الأهليّة حتّى اليوم كان مع مجلّة الغديرـ حيث صدر عددها الأول في 10 ديسمبر 1977م، وتوقفت في عددها السّابع والسّبعين، في رمضان 1404هـ يوافقه يونيو 1984م، وسبق الحديث عنها في مقالة لي في جريدة عُمان بعنوان “أحمد الفلاحيّ ومشروع مجلّة الغدير”.

إلّا أنّه كجانب صحفيّ منظم في العهد الجديد يمكن أن نعتبر “جريدة الوطن” العمانيّة أول صحيفة في هذا العهد حيث صدرت في 28 يناير1971م، أي قبل جريدة عمان الرّسميّة، ثمّ “جريدة الشّبيبة” 1993م، ثمّ “جريدة الزّمن” 2007م، ثمّ “جريدة الرّؤية” 2009م، بجانب الصّحف النّاطقة باللّغة الإنجليزيّة، فضلا عن الدّوريّات والنّشرات الأهليّة والطّلابيّة والرّسميّة والالكترونيّة، حيث يصعب حصرها في مقالة قصيرة كهذه.

واليوم ونحن نحتفي بجريدة عُمان في يوبيلها الذّهبيّ، والّتي بدأت أسبوعيّة ثمّ نصف أسبوعيّة ثمّ يوميّة، والّتي أرّخت لمنجزات وتأريخ النّهضة الجديدة في عُمان، إلّا أنّها أيضا ارتبطت برموز ثقافيّة وأدبيّة ودينيّة وفنيّة وعلمائيّة، ساهموا في المشهد الثّقافيّ في العصر الحديث في عمان، وحوت ملاحق ثقافيّة مهمّة، وآخرها ملحق “جريدة عُمان الثّقافيّ”، وهو إضافة نوعيّة للمشهد الثّقافيّ في عُمان والوطن العربيّ ككل، كما أنّها ارتبطت في جناحها الآخر بمجلّة “نزوى” منذ عام 1994م، حيث مجلّة “نزوى” اليوم من أهمّ المجلّات العربيّة ثقافيّا وأدبيّا على مستوى الوطن العربيّ، بشهادة العديد من المتابعين.

وإذا صمدت الصّحافة والمجلّات قديما مع ظهور التّلفزة والإذاعة، إلّا أنّ ظهور الشّبكة العالميّة، ثمّ وسائل التّواصل الاجتماعيّ اليوم زادت الصّحافة اليوم قوّة في الاتّجاه المقابل، لأسباب عديدة في نظري، منها استقلاليّة القلم في المواقع الالكترونيّة، وظهور أقلام شابّة ومتنوعة؛ جعل من الصّحافة تستوعب هذه الأقلام، وتنفتح لها بشكل أكبر، كما جعل منها محاولة مسايرة الواقع، أيضا لم تصبح نشرة محليّة؛ بل زاد انتشارها لمساحة أوسع بسبب النّشر الالكترونيّ، فأصبحت متاحة للجميع، عن طريق موقع الصّحيفة أو عن طريق منصّاتها في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، أو عن طريق الكاتب ذاته الّذي ينشر ما يكتبه لجمهوره ومتابعيه.

وهذا ما أجده شخصيّا في “جريدة عُمان”، فمع كوني قلبّتُ قرائيّا غالب الأعداد إن لم يكن جميعها، منذ صدورها في 18 نوفمبر 1972م، وحتّى اليوم، في أرشيف مكتبة المجلّة بمدينة الإعلام، إلّا أنني أرى شخصيّا أنّ جريدة عُمان لا تحتفل اليوم بيوبيلها الذّهبيّ؛ بل هي تعيش فترتها الذّهبيّة اليوم، والّتي أرجو أن يستمر انفتاحها وقوّتها بشكل أكبر، ولفترة أطول؛ لأنّه كلّما اتّسعت الحريّات كلّما كانت الصّحيقة أو المجلّة أكثر قوّة، وهذا ما أرجوه، كما أرجو أن أرى ذلك التّدافع، والحفر المعرفيّ العميق بدل التّسطيح، وقد فتحت المجلّة بابها لجميع الأقلام العمانيّة، بل وانفتحت على العديد من رموز الأقلام العربيّة لتعطي إضافة للجريدة والمشهد الثّقافيّ والعربيّ عموما.

وإن كان ثمّة شهادة أسجلها لي شخصيّا ونحن نحتفي بجريدتنا جميعا، فيعود قلمي البسيط إلى عام 2005م تقريبا، وأنا في بدايات العشرين من عمري، وارتبطت بالصّفحة الدّينيّة الأسبوعية، لأكتب فيها وفي ملحقها اليوميّ في رمضان، ولم اقتصر فقط عند المقالات الفقهيّة والوعظيّة، بل توسعت إلى أفق أوسع، ورغم سذاجة قلمي وما أطرحه حينها؛ إلا أنّ الجريدة فتحت لي مجال الكتابة، وحينها كان المرحوم سيف الخروصيّ [ت 2020م] القائم بتحرير القسم الدّينيّ يشجعني كثيرا، ولم يتوقف عن التّواصل حتّى بعد تقاعده وقبل وفاته – رحمه الله -، وقد نشرت لي المجلّة ثماني مقالات في الجانب التّوحيديّ والعقائديّ، وست مقالات فقهيّة، وثمانية وستين مقالا في الفكر الدّينيّ والفكريّ بشكل عام، وأربعين مقالا في القضايا الاجتماعيّة، وواحدا وعشرين مقالا في قضايا السّاعة، وعشر مقالات في قضايا تأريخيّة ومناسيات دينيّة ووطنيّة، كما فتحت لي الجريدة لأشارك في اثني عشر تقريرا في جوانب مختلفة اجتماعيّا ومحليّا، بجانب بعض اللّقاءات الدّينيّة والفكريّة.

كما فتحت لي المجلّة لأكتب مقالات ضمن مشاريع كتابّيّة لي، بدأتها بثلاثين مقالا متتابعا حول “فضائل رمضان في التّراث العمانيّ (دراسة تحليليّة نقديّة)”، يتحدّث عن التّطور الزّمنيّ في فضائل رمضان في التّراث العمانيّ الإباضيّ، مع مناقشة الرّوايات مناقشة قرآنيّة، كتبته في ثلاثين مقالا في رمضان 1431هـ./ 2010م؛ وتسع وعشرين مقالا حول “القيم الخلقيّة والإنسان (رؤية قرآنيّة)”  تتحدّث عن القيم القرآنيّة، وربط مصاديقها بذات الإنسان، نشرت في رمضان 1432هـ 2011م، وطبعت في كتاب في دار سؤال بلبنان 2016م؛ وثلاثين مقالا حول “معالم وأبعاد الدّعوة النّوحيّة: إسقاطات للواقع” يتتبع دعوة نوح في القرآن الكريم وإسقاطها في الواقع، نشرت في رمضان 1434هـ./ 2012م، كما لي مشروعان جديدان يصدران قبيل معرض الكتاب المقبل، كان منهما مقالات معرفيّة بحثيّة وتأمليّة نشرت في جريدة عمان مؤخرا.

وما كنتُ أحلم يوما أن أكتب في قسم الرّأي في الصّحيفة؛ فهو قسم ثقيل ليس بالسّهولة الكتابة فيه، وفيه رموز كتابيّة لا نرقى إليها، لولا تشجيع من الأستاذ عاصم الشّيديّ، رئيس تحرير القسم والجريدة ككل حاليا، مع شخوص في الجريدة لا أنس فضلها أيضا.

ما أردت قوله من شهادة شخصيّة ليس لإبراز الذّات بقدر ما هو تشجيع للجيل الجديد خصوصا، لكي يتحرّك ويكتب، حيث أنّ هذه الجريدة وغيرها من الصّحف والنّشرات فرصة كبيرة لتطوّر القلم أولا، وما يتبعه من تطوّر الفكر، إذا كانت المقالات جادّة، يصاحبها حفر وبحث وصبر وتأمل ونظر وتواصل، سيجد الكاتب ذاته في تطوّر فكريّ ومعرفيّ، كما أنّه بذلك يخرج بخلاصات معرفيّة تتحوّل بذاتها إلى أبحاث وكتب تحرّك المشهد الثّقافيّ، وتؤثر في المجتمع كتأثير القلم بطبعه،  كما أنّ هذه الصّحف توثق هذا النّتاج لعمر أطول تطلّع عليه أجيال وأجيال، ونبني عليه، وتفككه، كما نطلّع نحن اليوم على ما أنتجه السّابقون، عكس وسائل التّواصل مع أهميتها وتأثيرها؛ إلا أنّها لا يكاد تبقى، فهنيئا لنا بهذه المناسبة في احتفاء جريدة عُمان في يوبيلها الذّهبيّ، وهي جريدة جميع العمانيين، ورسالتهم إلى الوطن العربيّ والإنسانيّ عموما.

*ملحوظة: مرجع تواريخ الصّحف العمانيّة في المهجر كتاب الصّحافة العمانيّة المهاجرة وشخصيّاتها: الشّيخ هاشل بن راشد المسكري أنموذجا لمحسن الكنديّ.

السابق
الإسلام المبكر من حوليّات الرّاهب القرطمينيّ
التالي
قامات ثقافيّة ومعرفيّة في جامعاتنا تفتقدها مراكزنا الثّقافيّة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً