المقالات الدينية

الجهاد في القرآن الكريم

الجهاد ضرورة حتمية للدفاع عن النفس والعرض والمال، وهو من سنن التدافع التي بها يُعطى كلّ ذي حق حقه.

والجهاد يكون بقدر إرجاع الحق بشرط عدم التّعدي من الحق إلى الفساد، فيصبح المجاهد ذاته مفسدا يتعدى على الآخرين بغير حق: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[1].

وفيه تقدّم المصلحة على المفسدة، فإذا غلبت المفسدة رجح أمر المصلحة على المفسدة، ويقرر هذا أهل الاختصاص وفق دراسات ومجامع لا وفق قنوات وخطب تلقَ ارتجالا بدون دراسة جماعية وقانونية، مع تنظيم ميداني وعسكري.

وقديما قال أبو بكر الصّديق [ت 13هـ] مبينا أسس الجهاد: “لا تقتلوا صبياً، ولا امرأة، ولا شيخاً كبيرًا، ولا مريضًا، ولا راهبًا، ولا تقطعوا مثمرًا، ولا تخربوا عامرًا، ولا تذبحوا بعيرًا، ولا بقرة إلا لمأكل، ولا تغرقوا نحلاً ولا تحرقوه”[2]، ومصداق هذا قوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}[3].

وفي التطبيق النبوي عنه عليه الصلاة والسّلام: “لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع”[4]، فكيف بمن يفجر اليوم الكنائس والحسينيات والمساجد لاختلاف المذهب والمزارات بدعوى الجهاد، والله تعالى يقول عن القتال: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[5].

وهذه وصية الإمام الصلت بن مالك [ت 257هـ] لجيشه عندما غار نصارى الحبشة على جزيرة سوقطرى وقتلوا أهلها، ونهبوا ثرواتها، وهتكوا أعراض بناتها، فأرسل جيشا وصاهم: “كفوا أيديكم وألسنتكم عن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم بغير الحق، واجتنبوا قول الزور، وأكل الحرام، ومشارب الحرام، وجماعة السوء، ومداهنة العدو، وأدوا الأمانات إلى أهلها، وإن قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون، وإذا حدّثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وأقيموا الصلاة بقيامها وقراءتها وركوعها وسجودها وتحياتها وتكبيرها وتسبيحها والخشوع فيه لله”[6]، ومصداق هذا قول النبي شعيب – عليه السّلام – في دعوته: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب}[7].

ومن وصية الصلت أيضا لجيشه: “إعطاء الحق، ومنع الباطل، وإنصاف المظلوم من الظالم، ووضع الأمور في مواضعها، وإعطاء كل ذي حق نصيبه من العدل من قريب الناس وبعيدهم”[8]، ومصداق هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[9].

ومن الملحوظ في الـعهد النبوي أنه عليه السلام قاتل دفاعا عن الحق لمن اعتدى عليه، دون تعدٍ منه، وشارك بنفسه، أو من يختارهم ممن يراهم كفؤ في الأمر كما في السرايا، مع إعداد وتجهيز، وما يفعله بعض (الدعاة) اليوم في القنوات والمنابر من الحث العشوائي دون تنظيم، ولا مراعاة لأصول الجهاد، وهم جالسون متكئون في قنواتهم وبيوتهم، هذا بعيد عن الجهاد في سبيل الله تعالى وفقهه.

والمجاهد مطالب أن يحمي نفسه عن موضع الهلكة بالدرع سابقا وبالوسائل المعاصرة، مع حرب المعتدي فقط، وما يفعله بعض الناس اليوم من لبس الحزام الناسف، وتفجير الذات في المجمعات، وقتل الأطفال والنساء، والشيوخ والعجزة، وإرهاب عدم المعتدي، فهذا ليس جهادا، بل هو انتحار وفساد في الأرض قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيما}[10].

خلاصة ما سبق الجهاد تنظيم جماعي، عسكريا وعتاديا ومعرفيا وتنظيما، يقرر بشكل جماعي، لا بشكل عشوائي، ولا يصح تغرير الأبرياء، واستغلال الذين لا يفقهون دينهم باسم الملذات الأخروية، وباسم الله زورا وبهتانا: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}[11]، فيقعون في التطرف باسم الجهاد!!!.

تويتر وفيسبوك 1435هـ/ 2015م


[1] البقرة/ 190.

[2] أخرجه البيهقيّ في السّنن الكبرى من طريق يزيد بن أبي سفيان، حديث رقم: 18152.

ينظر: البيهقيّ: أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ؛ السّنن الكبرى، تحقيق: عبد القادر عطا، ط دار الكتب العلميّة، لبنان – بيروت، الطّبعة الأولى، 1414هـ/ 1994م، ج: 9، ص: 153.

[3] الأعراف/ 56.

[4] أخرجه أحمد من طريق ابن عباس، حديث رقم: 2728.

ينظر: ابن حنبل: أحمد؛ مسند الإمام أحمد بن حنبل، مصدر سابق، ج: 4، ص: 461.

[5] الحج/ 40.

[6] ينظر: السّالميّ: عبد الله بن حميد؛ تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، ط مكتبة الإمام نور الدّين السّالميّ، الحيل – مسقط، ط 2000م، المجلد الأول، ص 168.

[7] الأعراف/ 88.

[8] السّالميّ: عبد الله بن حميد، تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، مصدر سابق، المجلد الأول، ص 169.

[9] المائدة/ 8.

[10] النّساء/ 29.

[11] يونس/ 69.

السابق
الاحتفال بالمولد النبوي في المجتمع العماني تاريخا ومعاصرة
التالي
الهندي … الباكستاني …. البنجالي … والإنسان
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً