الحوارات

لقاء في صفحة الجزيرة حول “مخاوف من تأثر الخطاب الدّيني بإغلاق المساجد في سلطنة عمان”

أجرى الحوار سمية اليعقوبي، ونشر 7 مايو 2020م.

الجزيرة: ما تأثير أزمة هذا العام “انتشار الوباء وإغلاق المساجد” على نشاطات الوعظ في السلطنة؟

العبري: بلا شك أنّ المساجد تكاد تكون المنبر المؤثر للجانب الوعظيّ، وكانت يوما المساجد مدارس بل مؤسسات ثقافيّة متنوعة، واليوم فقدت ذلك حتى قبل كورونا لسببين: وجود مؤسسات أخرى مستقلة تنافس المسجد خصوصا في ظلّ الإعلام المفتوح، والأمر  الثّاني التّحجيم القانوني لدور المسجد، وعدم وجود فيه نوع من الحريّة، مع قصره على فئة معينة، وبمواصفات معينة، ومع هذا التّراجع لدور المسجد، إلا أنّ الارتباط المجتمعي خصوصا يوم الجمعة كان منبرا للوعظ (المقنن)، وأيضا في رمضان لكثرة رواد المسجد؛ بلا شك فقد المسجد هذه القيمة بسبب غلق المساجد وتوقيف الجمع، خاصّة أنّ المساجد في جملتها تعوّدت على الخطاب المباشر؛ لهذا قلّ من المساجد من استخدمت الوعظ الالكترونيّ، وأغلب ما يحدث من وعظ في وسائل التّواصل جهود فرديّة لمن يؤمن بذلك؛ لأنّ البعض ينظر إلى الجماهيريّة المباشرة، والبعض قد يكون مستفيدا ماليا كما عند بعض الاتجاهات المذهبيّة الأخرى، وهذا بلا شك سيؤثر إن كان العمل عن بعد، ومع هذا نرى القليل من المساجد أو البرامج التّابعة لها من انتقلت إلى استغلال وسائل التّواصل أو اليوتيوب أو برنامج زوم، والعديد منها كما أسلفت بشكل فردي.

الجزيرة: كيف يمكن أن تغير هذه الأزمة في اتجاهات الخطاب الديني واستهدافه للأفراد في رمضان؟

العبري: بلا شك هناك تأثير قد يكون إيجابيا، وقد يكون سلبيا أيضا؛ لأنّ طبيعة الإنسان اجتماعيّ بطبعه، والخلطة تعطي بعض التّدافع، لكنّه قد يكون تدافعا موجها، فيصبح هنا داخلا في التّوجيه اللّاواعي للعقل الجمعي، ومع هذا أرى أثر الفردانيّة على الأقل على مستوى الأسرة سيضع له بديلا للتّعرف على ثقافات أخرى إمّا قراءة أو مشاهدة أو سماعا، خاصّة ولأنّ السّاحة مفتوحة، وفيها التّدافع بين مختلف التّوجهات، وهذا سيكون له أثره الإيجابي لأنّ الواقع يجعله يعيش هذه المرحلة.

الجزيرة: هل ثمة مبادرات أو محاولات مبتكرة للوعظ والخطاب الديني بديلا عن المحاضرات الدينية وجلسات الدروس في رمضان؟ هل يمكنك أن تخبرني عنها بمزيد من التفصيل

العبري: كما أسلفت حسب ما أرى قليلة جدا، وأغلبها فرديّة، لأسباب ذكرتها، ولسبب آخر أيضا وهو أنّ العديد من يعمل في الوعظ كان لسبب وظيفة، وبوجود الحجر الصّحي يرى من حقّه كسائر الموظفين الرّاحة والهدوء، ثمّ أنّه لم يعوّد سلفا على هذا العمل، لهذا نجد النّاشط الآن من كان مستغلا سابقا الفضاء الآخر، أو من يحمل هذا التّوجه كرسالة يراها، أو من رأى فيه بديلا عن منبره المباشر، وحسب ما أرى لا زالت قليلة؛ لأنّ التّنافس في هذه الوسائل قوي، ثمّ حتى المؤسسات الرّسميّة المباشرة للوعظ ذاتها ضعيفة في هذا، لهذا نرى بعض البديل، مع استغلال الجائحة أيدلوجيا، ولكن ليس بصورته الواسعة والقويّة الّتي كانت في المساجد، خاصّة وأنّ الحضور مثلا في الجمع تنطلق من جانب تعبدي في العقل الجمعيّ، وكذا أيام رمضان، والوسيلة الأثر استخداما الآن هي الدّعاء بعد الأذان، وتكليف الأئمّة بها.

الجزيرة: ما الجوانب الدينية التي لمستم اهتمام الناس والتي تتصل بالوباء منذ بداية رمضان وقبيل رمضان

العبري: أكبر قضيّة أثيرت في البداية أنّ الحدث الّذي حدث في الصّين كان يروّج على أنّه عذاب من الله، ولأكلهم من أغذية لا تتوافق والشّرائع، وهذا يدل على إعجاز الشّرائع، كما نشرت مقاطع لطلبهم من المسلمين الدّعاء، ونحوها من الترّويج الأيدلوجيّ، حتى انتقل بلاد المسلمين، فأغلقت المساجد والمدارس وغيرها، فهنا تغير الخطاب بين العذاب والابتلاء، والحاصل الجميع يستغل الواقع في ترويج سلعته، وإسقاط النّصوص لاستغلال الموقف، سواء الإسقاط في جانبه الظّرفيّ الطّبيعيّ، أو في جانبه المتكلف الأيدلوجيّ.

ولكن في الجملة الكلّ تعلّم درسا، وأدرك أنّ سنّة الله واحدة في الجميع، ممّا يحتاج بعض المراجعات في التّصور السّابق كالدّعاء للإنسان، والفرح لفرحه، والحزن لمصيبة تقع عليه، وهذا يندرج في مراجعة مفهوم الدّعاء وقضية الحقيقة الواحدة أو الحق المطلق، والولاء والبراء، وغيرها من الجوانب.

الجزيرة: هل تتوقع مساهمة كبيرة لشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام في ظل انتشار الجائحة وهل يمكن لهذه التأثيرات إن وجدت أن تمتد للمستقبل؟

العبري: وسائل التّواصل كانت قويّة قبل كورونا، وتقوّت أيام كورونا، وربما تكون أقوى بعده، لسبب أنّ الحياة لابدّ أن تتأقلم مع هذا الوضع؛ فالقادم مقبل على وضع لا يمكن تخيل أنّ الفيروس يذهب في يوم وليلة، نعم الفراغ الموجود اليوم جعل أغلب النّاس لصيق هذه الوسائل، ولكن هذه الأغلبيّة متعددة المشارب والتّوجهات والتّخصصات، لهذا أرى أنّها حالة صحيّة، خلاف ما أسلفت ما كان عليه الوعظ المسجدي كان محصورا على فئة معينة، لهذا أرى أنّ الوضع التّنافسيّ سيستمر مستقبلا، وستظهر برامج ووسائل أخرى، إن لم تحجّم هي الأخرى قانونا وسياسة.

الجزيرة: ما الحلول المقترحة لتفادي أزمة انقطاع الناس عن المساجد وانعدام العمل الوعظي المباشر والمحاضرات والدروس المباشرة؟

العبري: المساجد هي عنصر التقاء مجتمعي جميل، ولكن ليست هي المكان الوحيد مع الله، فكلّ بقعة في البيت أو السّيارة أو الطّريق تختلي به مع الله هو مسجد في الحقيقة، لهذا لا يوجد حلّ حاليا حال وجود البلاء وانتشاره، نعم قد يفتح بعد حين، وهنا لابدّ أن تتغير الرّؤية الفقهية في المساجد، وأن توجد اجتهادات معاصرة تتوافق والصّحة والحدّ من المرض، كالتّراص بين المصلين، ووضع فرجة بين الاثنين، وأيضا إحياء قول الجمهور أنّ صلاة الجماعة فرض على الكفاية وإن كنت أرى أنّها سنّة كفائيّة، فإن أقامها البعض يجزي عن الآخر، وكذا صلاة الجمعة يمكن توقيفها حتى حين، وهو رأي شهير كان قديما؛ حيث أنّ أمر إقامتها بيد الحاكم أو الجهة المختصة، وكذا موضوع حرمة المشاركة في المسجد لوجود مرض أو ضعف في الإنسان، وقضيّة المصافحة وملامسة السّجاد وغيره.

وبطبيعة الحال هذا لا يقتصر عند الجانب المسجدي بل هو فرصة أيضا للقضاء على العادات الاجتماعيّة المكلفة مثل قضية الأفراح والتّجمع الكبير في عقد القران أو الزّواج، وكذا التّجمع للأحزان فممكن قصره على أقرب النّاس وأصحاب الجوار، والاكتفاء بالوسائل المعاصرة في التّهنئة والتّعزية.

السابق
لقاء مجلّة التّكوين حول القناة اليوتيوبيّة “قناة أُنس”
التالي
الحوار الثّقافيّ ودوره في تعزيز التّماسك الاجتماعيّ
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً